أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الثالث والأخير+ملحق للمترجم)


علاء سند بريك هنيدي
2018 / 11 / 24 - 20:50     

- مقدمة:
نقدم هنا الجزء الثالث والأخير من مقال لينين المنشور في عام 1914 ولكي نتجاوز الوظيفة التقليدية للترجمة أضفنا ملحقاً على أساس الأفكار والطروحات التي وردت في المقال وذلك لطرحها على النقاش العام وضمن الحلقات البحثية للمهتمين بالقضايا التقدمية والماركسية، ليصار إلى تنشيط التواصل والبحث وطرح التصورات المختلفة حول الواقع العربي، ولعل ذلك يكون خطوة على الطريق الصحيح الآن ومستقبلاً.
نعرض في البداية الجزء الثالث وفي ختامه يرد الملحق، وختاماً أشكر الرفاق (وهم كُثُر) الذين استفدت من النقاش والحوار معهم وأغنوا بمعرفتهم معرفتي، وكما قيل سابقاً النقاش يزيل صدأ العقول.
__________________________________________
- بداية الجزء الثالث:

3- لماذا تتهم منظمات العمال التصفويين علانيةً بأنهم مفترين؟

نشرت البرافدا (Put Pravdy, issue No. 92 for May 21, 1914) القرار الذي تبنته عشرٌ من المنظمات الصناعية في مدينة موسكو. أدان هذا القرار بحزم وشدَّة استقالة مالينوفسكي Malinovsky التخريبية واعتبرتها "إثماً"، ثم أعرب عن الثقة المطلقة بمجموعة العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسية في مجلس الدوما ("سر بحزم فالطبقة العاملة معك")، وأخيراً استنكر علانيةً تصفويي (Nasha Rabochaya Gazeta) الذين "يلقون الإساءات السفيهة على النائب المتقاعد"، تتم مقارنة تصرفات هؤلاء الأشخاص مع "عملية نشر الشائعات والافتراءات عبر الصحافة اليمينية لغرضِ خَلْقِ بَلبَلةٍ في صفوف العمال".
أشار ممثلو المنظمات العشر في قرارهم "إنه واجبٌ مقدس لكل أولئك الذين يعتبرون قضية العمال عزيزةً عليهم، أن يوحدوا قواهم صفاً واحداً في مواجهة المفترين، في معرض ردها، فالطبقة العاملة ستلتف حول ممثليها (أي: مجموعة العمل الاشتراكي الديمقراطية الروسية) وستتجاهل المفترين باحتقار".
لا حاجة بنا لاقتباس المزيد من قرارات العمال التي تحمل نفس المضمون، أو آراء صحيفة عمال لاتفيا " Lettish workers’ newspaper"، إلخ. سيكون هذا تكراراً غير ضروري، لذا دعونا نرى ما الذي حدث؟
لِمَا قام عمال روسيا الواعين طبقياً عبر ممثلي عشر منظمات صناعية في موسكو وآخرين غيرهم، بإدانة تصفويي " Nasha Rabochaya Gazeta" على أنهم مفترون قذرون، وطلبوا من العمال أن يتجاهلونهم بإزدراء؟ ما الذي قامت به الـ " Nasha Rabochaya Gazeta"؟
لقد نشرت شائعات خبيثة وتلميحات مفادها أن مالينوفسكي عميلٌ محرض (Agent Provocateur).
لم تسمي متهماً واحداً، كما أنها لم تقتبس واقعةً واحدة محددة، ولم تُشِر حتى إلى دليلٍ واحد مدعومٍ بالإشارة لأسماء مستعارة من الحزب، أو إلى حملات قامت بها الشرطة، أو إلى تواريخ، ولا إلى أي شيء من هذا القبيل!
كل ما لدينا عبارة عن شائعات مغرضة، محاولة لخلق ضجة كبيرة حول استقالة مالينوفسكي "التي لا يمكن تفسيرها" من الدوما. لكن لأجل هذه الاستقالة التي لا يمكن تفسيرها، لأجل هذه الفرار المتكتم فإن العمال المنظمين، أعضاء حزب العمال، انتقدوا مالينوفسكي بشدة.
دعا عمال روسيا المنظمين في الحال كل من محلياتهم المتنوعة واتحاد التجارة والدوما وهيئات توجيه عموم روسيا، وأعربوا صراحةً وعلى الملأ (للبروليتاريا وللعالم): أن مالينوفسكي لم يعطنا أسباب استقالته، ولم يقدم لنا أي تحذير مسبق حولها. لا يمكن تفسير سلوكه هذا. تمرده غير المسبوق هذا، يجعل سلوكه كالفار من الجندية، في وقت نواجه فيه حرباً (كصراع طبقي) ضروس وشديدة ومسؤولة. لقد حاكمنا الهارب وأدَّناه، لا يوجد ما هو أكثر لنقوله، لقد أقفلت القضية.
"شخص واحد هو لا شيء، الطبقة هي كل شيء، ألزم موقفك، نحن إلى جانبك" (برقية أرسلت من قبل أربعين مساعد متجر موسكوفي لمجموعة عمل الاشتراكي الديمقراطي الروسية، انظر " Put Pravdy No. 86, May 14, 1914").
القضية أغلقت، أنجز العمال المنظمون هذه القضية بطريقة منظمة، ثم رصوا صفوفهم لمزيد من العمل، إلى الأمام، إلى العمل!
لكن محافل المثقفين تصرفت بشكل مختلف، فالقضية "غير القابلة للتفسير" لم تحرضهم على التعامل معها بطريقة منظمة (لم يخرج أي من الهيئات القيادية للتصفويين وأصدقائهم بأي تقييم واضح وعلني وشامل للوقائع الموضوعية في هذه القضية!) بل أظهروا اهتماماً بالقيل والقال، آها، "ها هنا شيء غير قابل للتفسير!" –القيل والقال يثير فضول مجتمع المثقفين.
لا تقوم الشائعات على الحقائق، مروجي الفضائح من حلقة مارتوف لا مقدرة لديهم على العمل المنظم، من خلال الدعوة إلى لجنة، وجمع المعلومات ذات الأهمية السياسية أو الوازنة، والتحقق، والتحليل، والمناقشة المشتركة، وصياغة قرار رسمي ومسؤول لتوجيه البروليتاريا، القلقلة غير قادرة على فعل أي شيء من هذا القبيل.
لكن مثقفي الإشاعات تخطوا أساطين فن ترويج الفضائح، من خلال الغدو والرواح من وإلى مارتوف (أو غيره من المفترين القذرين) ونشر الشائعات الخبيثة أو الغمز واللمز! كائناً من كان من صاحَب سابقاً هذه الجماعة من مثقفي النميمة ونشر الفضائح فمن المؤكد بأنه (ما لم يكن هو نفسه نمّاماً) سيحتفظ لبقية حياته باحتقاره لتلك المخلوقات الدنيئة.
لكلٍ ذوقه الخاص، كل طبقة اجتماعية لها طريقتها في الحياة، عاداتها ورغباتها، كل حشرة لديها سلاحها، بعضها يدافع من خلال إفراز سائل كريه الرائحة.
فالعمال الماركسيون المنظمون يتصرفون بطريقة منظمة، لقد أقفلوا بطريقة منظمة قضية الاستقالة غير المصرح بها لزميلٍ سابق، واستمروا بعملهم ونضالهم بطريقة منظمة. لم يستطع مثقفو الشائعات التصفويين أن يذهبوا أبعد من التشهير والغمز واللمز القذر.
أدرك العمال الماركسيون في الحال هذه الشائعات، من أول مقالة في صحيفة "Nasha Rabochaya Gazeta"، وفي الحال أعطوهم التقييم الذي يستحقونه: "مفترين قذرين"، "تجاهلوهم بشكل محتقر". ولا يوجد أي تصديق "للإشاعات" المروجة من قِبل مارتوف ودان، تصميم مطلق على تجاهلهم، على عدم إعطائهم أية أهمية.
بالمناسبة أشار العمال الساخطين على التصفويين في قراراتهم إلى التصفويين بشكل عام، أعتقد أنه كان من الأصح ذكر مارتوف ودان بالاسم، كما حدث في برقية لينين وبعض المقالات والقرارات. ليس لدينا أي مبرر لاتهام التصفويين ككل ووسمهم علانية بالانغماس في عمليات الافتراء القذرة، لكن ولعشر سنين، بدايةً مع محاولتهم الاستهزاء بإرادة المؤتمر الثاني للحزب (1903)، أظهر مارتوف ودان مراراً وتكراراً "أسلوبهم" في المواجهة من خلال الغمز واللمز والافتراءات الخبيثة. لقد كان من غير المجدي لهذين الشخصين محاولة الإختباء وراء الإدعاء بأن شخصاً ما أو آخر كان يفشي أسماء المحررين الحقيقيين لصحيفة "Novaya Rabochaya Gazeta"، لم تظهر كلمة ولا علا صوت في أي مكانٍ حول هيئة التحرير أو المحررين الفعليين.
لكن يجب تسمية المفترين، الذين عرفهم العمال من خلال عشر سنوات من تاريخهم، وقد سُمّوا. حاول هؤلاء خداع الأشخاص عديمي الخبرة أو أولئك الذين بالكاد يملكون القدرة على التفكير بأنفسهم، بواسطة الدعوة "الجديرة بالاعتبار" لمحاكمة "غير رسمية"، تذرعوا بجهلهم لكل شيء مؤكد، جازمين أنهم لا يتهمون أحداً، إن الشائعات لوحدها "غير كافية" لتوجيه تهمة، إذ لا تخدم إلا كأساس للـ"ـتحقيق"!
لكن كامل أركان الجريمة –بتعبيرات قانونية- للمفترين القذرين تتألف من أناسٍ ينشرون الشائعات الخبيثة مُغفَلَة المصدر في الصحافة، بدون الإشارة لمواطن صادق واحد، أو مؤسسة ديمقراطية موثوقة حسنة السمعة لديها المقدرة على أن تشهد بصحة هذه الشائعات، هذا هو صلب الموضوع.
عُرِفَ عن مارتوف ودان لفترة طويلة بأنهما مفتريان، لقد قيل ذلك عشرات المرات في الصحافة الخارجية، عندما تعاون مارتوف مع وبتبعية دان، كتب كراس تشهيري، منقذ أم مهدِّم، حتى كاوتسكي المعتدل والحذِر والذي اعتاد مؤخراً "تقديم تنازلات" كبيرة للتصفويين وصفه بـ"المقزز". إنها حقيقة منشورة منذ مدة طويلة في الصحافة الخارجية.
وبعد كل هذا يريدنا مارتوف ودان أن نوافق على إجراء تحقيق بناءً على مبادرتهما! على أساس تصريحاتهم الإفترائية! وبمشاركة المجموعة نفسها التي تحميهم! إنها صفاقة صريحة!!! وغباءٌ مدقع من جانب المفترين النمّامين.
نحن لا نصدق كلمةً واحدة من دان ومارتوف، ويجب علينا عدم إجراء أي "تحقيق" بناء على الشائعات الخبيثة وبمشاركة المجموعات التي تساندهم من التصفويين وغيرهم. هذا يعني طمس الجريمة المرتكبة من قِبل مارتوف ودان، ويجب علينا كشفها بشكلٍ كامل للطبقة العاملة.
عندما لجأ إلينا مارتوف ودان مع داعميهما من البونديين وشخيدزه وجماعته وأعضاء كتلة أغسطس...إلخ بشكل مباشر وغير مباشر لإجراء "تحقيق" مشترك، قلنا: "نحن لا نثق بمارتوف ودان، ولا نعتبرهم مواطنين نزيهين، سنعاملهم كمفترين أرذال لا أكثر ولا أقل".
دع من يتستر على دان ومارتوف، أو المثقفين المترددين والذين يصدقون "الشائعات" المنشورة من قِبل هؤلاء السادة، يتحسرون على فكرة المحكمة البرجوازية، والتي لا تخيفنا، ضد المبتزين، كنا دوماً وبشكل مطلق ممتنين للشرعية البرجوازية للمحاكم البرجوازية.
عندما يقول أحدهم: "أعطني مئة روبل، وإلا سأكشف حقيقة أنك تخون زوجتك وتعيش مع (س)" –هذا ابتزاز إجرامي، في حالة كهذه فنحن نؤيد الطعن أمام محكمة برجوازية.
عندما يقول آن: "قم بتنازل سياسي لي، اعتبرني كعضو كامل الأهلية في المجموعة الماركسية، وإلا سأثير إشاعة حول مالينوفسكي بأنه عميل تخريبي" –هذا ابتزاز سياسي، في حالة كهذه فنحن نؤيد الطعن أمام محكمة برجوازية.
وتبنى العمال وجهة النظر هذه بأنفسهم، وهم الذين حالما قرؤوا المادة الأولى لدان ومارتوف ارتابوا منهما، ولم يقولوا لأنفسهم: "في الواقع، إذ يكتب دان ومارتوف حول هذه "الشائعات" هل يجب أن يكونوا صادقين؟" لا، ففوراً استوعب العمال اللعبة وقالوا "ستتجاهل الطبقة العاملة الافتراءات القذرة".
إما أن تقوموا بتوجيه اتهامٍ مباشر مدعوم بتوقيعاتكم، وبهذا يمكن للمحكمة البرجوازية أن تدينك وتعاقبك (لا توجد وسيلة أخرى لمواجهة المبتزين)، أو الاستمرار بحمل وصمة عار (الافتراء) والتي أسبغها علانية عليك ممثلي المنظمات الصناعية، هذا هو البديل الذي ينتظرك يا جناب السيد مارتوف ويا جناب السيد دان!
وقامت هيئة قيادية بالتحقيق في هذه الشائعات وأعلنت أنها باطلة، إن عمال روسيا يثقون في هذه الهيئة، وسوف تكشف بوضوح أولئك الذين ينشرون الافتراءات. يجب ألا يظن مارتوف أنه سيظل غير مكشوف.
لكن قد تقولون إن المجموعات السياسية التي تدافع عن التصفويين أو تتعاطف معهم إلى حدٍ ما لا يثقون بهيئتنا القيادية، بالطبع لن يثقوا! ولا نريدهم أن يثقوا بنا، ولن نقوم بأي خطوةٍ قد تشير بأننا نضع فيهم أدنى ثقة.
نحن نقول: السادة أعضاء المجموعات التي تثق بمارتوف ودان، وتريدون "التوحيد" معهم، جميعكم يا أعضاء كتلة أغسطس، يا تروتسكيين، يا فبروديين، يا بونديين ويا زيد ويا عبيد، رجاءً اخرجوا إلى العراء واكشفوا ألوانكم الحقيقية! شيءٌ من اثنين يا سادة:
بما أنكم تريدون أن "تتحدوا" مع مارتوف ودان ، وتدعون العمال إلى القيام بذلك، فذلك يدل على أنك (بخلافنا) تثق بالقادة المعترف بهم من التيار السياسي الأيديولوجي المعروف باسم التصفويين. بما أنك تثق بهم وتعتقد أنه من الممكن "التوحيد" معهم، والاعتراف بهم والدفاع عنهم، عندها قم بشيء ما؛ لا مجرد الحديث عن ذلك!
إما أن تطالبوا دان ومارتوف (اللذين تثقون بهما ويثقان بكم) في الكشف عن مصدر "الشائعات"، والتحقيق معهما بأنفسكم، ثم الإعلان علنًا للطبقة العاملة: إننا نشهد بحقيقة أن هذا ليس فضيحة سخيفة من القيل والقال، أو تلميحات حاقدة من التصفويين الغاضبين، ولكن أدلة دامغة وخطيرة. عندما تفعل ذلك وتثبت أنه في اللحظة التي نشأت فيها هذه الشائعات، قام التصفوي، البليخانوفي، والهيئات القيادية الأخرى بفحصها وإبلاغ الهيئة القائدة للبرافدية فوراً، سوف نجيب: أيها السادة، نحن مقتنعون بأنكم مخطؤون وسوف نثبت لكم ذلك، لكننا نعترف بأنكم تصرفتم كديمقراطيين صادقين.
وإلا فإنكم –قادة "الاتجاهات" والجماعات التي تدعو العمال إلى التوحد مع التصفويين- تختبئون خلف ظهر دان ومارتوف ، وتسمحون لهم بالتعبير عن أنفسهم بقدر ما يشاؤون ، والامتناع عن مطالبتهم بالكشف عن مصادرهم ، ولا تأخذون المتاعب (والمسؤولية السياسية) للتحقق من حقيقة هذه الشائعات. في هذه الحالة سنؤكد للعمال علناً: أيها الرفاق ، ألا ترون أن كل قادة هذه المجموعات ، يساعدون ويحرضون هذين المفتريين القذرَين؟ سنرى عندها ما سيقرره العمال.
من أجل التوضيح، سنأخذ حالة ملموسة، عندما أعلنت الهيئة القيادية، التي يعترف بها أربعة أخماس العمال من الطبقة العاملة في روسيا، أنها حققت في الشائعات وكانت مقتنعة تمامًا أنها كانت سخيفة تمامًا (إن لم تكن أسوأ)، قامت مجموعتان بتصريحات في الصحافة. : (1) مجموعة شخيدزة Chkheidze، شخينكلي Chkhenkeli، سكوبيليف Skobelev، خاوستوف Khaustov، تولياكوف Tulyakov، مانكوف وجاغيلو Mankov and Jagiello؛ (2) مجموعة كتلة أغسطس ، أي، الهيئة القائدة عند التصفويين.
ما الذي قالوه؟
أنهم لم يشتركوا في هذا التحقيق الذي قامت به هيئة قيادة البرافديين! هذا كل ما قالوه!
دعونا ننظر في هذه القضية، لنفترض، أولاً أنه بدلاً من مجموعة شخيدزة وشركائِه، لدينا ديمقراطيين صادقين أمامنا. دعونا نفترض أن هؤلاء الناس قد انتخبوا مالينوفسكي كنائب لرئيس مجموعة الدوما. فجأة، تظهر الشائعات في الصحافة، في الجهاز الذي يتحملون مسؤوليته سياسياً، إلى حقيقة أن مالينوفسكي هو عميل محرض!
هل بالإمكان وجود رأيين حول ما يفرضه الواجب الإلزامي والبسيط للديمقراطيين الصادقين في ظل مثل هذه الظروف؟
يجب أن يكون واجبهم على الفور تعيين لجنة من صفوفهم الخاصة أو أي شخص آخر يرضون به، للتحقيق فوراً في مصدر هذه الشائعات، وأولئك الذين نشروها ومتى فعلوا ذلك؛ ويثبتوا من صحة هذه الشائعات وأسبابها، ثم التصريح علنًا وبشكل مباشر للطبقة العاملة: أيها الرفاق ، لقد عملنا، وقمنا بالتحقيق، ونحن ندافع عن حقيقة أن هذا أمر خطير.
هذا ما سيقوم به الديمقراطيون الصادقون، لكن عدم قول أي شيء، والامتناع عن أي تحقيق، والاستمرار في تحمل المسؤولية عن جهاز الصحافة الذي ينشر الشائعات الكاذبة يعني الغرق إلى أعماق أدنى من الحقارة والسفالة، أي التصرف بطريقة لا تليق بمواطن صادق.
ثانياً، دعونا نفترض أنه عوضاً من شخيدزة وجماعته، لدينا مساعدين ومحرضين للافتراء الخبيث، سواء سمع هذه الشائعات من مارتوف أو أصدقائه، لكنه لم يأخذها على محمل الجد (لأجل هؤلاء الذين لديهم أي شيء ليفعلوه مع نشاط الديمقراطية-الاشتراكية لم يسمعوا –عشرات المرات- وبوضوح "شائعات" باطلة، سيكون من السخيف إعطاء أي اهتمام لذلك؟) أو لم يسمعوا أي شيء بالمطلق، ولكن يعرفون "أسلوب" دان ومارتوف، وفضّلوا "عدم التورط في مثل هذه الأمور المتعبة والمعقدة" لخوفهم من تلطيخ سمعتهم وتقليل قيمة أنفسهم لبقية أيام حياتهم، من خلال الإعراب عن اعتقادهم بصحة الشائعات المنشورة من قِبل مارتوف ودان، ولكن في نفس الوقت نشدوا حماية الأخير.
الأشخاص كما في حالة المرء الذي عرضناه في ثانياً سيتصرف تماماً كشخيدزة وشركاه.
ينطبق مثل هذا أبضاُ على جماعة كتلة أغسطس، لندع العمال يختارون إحدى الفرضيتين، لندعهم يدرسون ويتأملون في تصرفات شخيدزة وجماعته.
أما الآن دعونا ندرس سلوك بليخانوف، في العدد الثاني من صحيفة " Yedinstvo" وصف مقالة التصفويين حول مالينوفسكي بـ"الشائنة والمقرفة"، ولكنه أضاف –ما يبدو على الأغلب عتاباً على البرافديين- : هذه نتائج تكتيكاتكم التقسيمية. "لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب!".
كيف يُفسَّر سلوك بليخانوف هذا؟
إذ –على الرغم من التصريح الواضح من دان ومارتوف بأنهم اعتبروا هذه الشائعات صحيحة وحقيقية (وإلا ما كانوا سيطلبون إجراء تحقيق)-يصف بليخانوف مقالات التصفويين بأنها مثيرة للاشمئزاز مقززة، ويظهر هذا أنه لا يثق في دان ومارتوف! إنه يبين أنه هو الآخر، يعتبرهم مفتريين قذرَين!
إن لم تكُ تلك هي الحالة، فما هو السبب المقنع ليصفهم علناً بالـ"المقززين"؟ المقالات المكتوبة من قِبل (من يدَّعون) رغبتهم بتعزيز قضية الديمقراطية والبروليتاريا من خلال فضح الفاسد المخيف والخطير، أعني، العميل المحرض؟
ولكن إذا كان بليخانوف لا يصدق كلمةً واحدة من مارتوف ودان، ويعتبرهم مفترين قذرين، كيف أمكنه لومنا (نحن البرافديين) على أساليب المواجهة التي استخدمها التصفويون والذين طردوا من الحزب! كيف أمكنه كتابة: " لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب"، لا يمكن تفسير هذا إلا بأنه يبرر لدان ومارتوف بسبب "الفصل"! هذا رهيب، لكنها الحقيقة.
بليخانوف يبرر للمفتريين القذرَين، وهو نفسه لا يثق بهما، على أساس أن البرافديين ملومون لطردهم هذين المفتريين القذرَين من الحزب.
هذا السلوك من بليخانوف (كما سبق أن تم إخباره علنا من قبل "مجموعة من الماركسيين" الذين كانوا مستعدين لتصديقه، ولكنهم سرعان ما خاب ظنهم فيه)، هو دفاع دبلوماسي عن المبتزين، بمعنى آخر دفاع مدعوم بالحلقة الدبلوماسية الضيقة، وهو ما يرقى موضوعياً إلى تشجيع المبتزين على مواصلة ابتزازهم.
منذ نجاحنا –يجب أن يجادل مارتوف ودان- في كسب "الأنتي-تصفويين/ضد-التصفويين" فبليخانوف الذي لا يثق بنا، يلوم البرافديين، ولو بشكل غير مباشر، ولو بشكل جزئي، على إيصالنا لهذا النزاع البائس عبر "انشقاقهم"! دعونا نستمر! دعونا نتابع على نفس الخط. بليخانوف يشجعنا ويؤمِّلُنا بأننا سنكسب امتيازاتٍ بفضل ابتزازنا!
رأى العمال بشكل فوري من خلال بليخانوف الحلقة الدبلوماسية الضيقة، وقد ثبت ذلك من خلال الرأي الذي عبَّر عنه عمال موسكو حول العدد الأول من صحيفة " Yedinstvo"، وفي رد "مجموعة الماركسيين" الذين كانوا يميلون للثقة ببليخانوف ولكن وصفوه لاحقاً بـ"الدبلوماسي"، قبل وقت طويل من افتضاح أمر الحلقة الدبلوماسية الضيقة.
في يناير 1912 ، طرد ممثلي العمال علناً وبشكل رسمي من الحزب مجموعة محددة من التصفويين برئاسة مارتوف ودان. منذ ذلك الحين، وخلال عامين ونصف العام، وافق عمال روسيا على هذا القرار بأغلبية أربعة أخماس، واعتمدوا هذا القرار. إن ابتزاز مارتوف ودان وافتراءاتهما لن يدفع العمال إلى "تقديم تنازلات"، ولكنهم سيقنعونهم بحزم أكثر من أي وقت مضى، أنه من الممكن فقط من دون التصفويين وضدهم، بناء "الكيان الماركسي الكامل" للعمال، الأربعة أخماس التي بنيت بالفعل.
يتحدث الجميع الآن عن نمو الوعي السياسي للعمال الروس، وعن حقيقة أنهم هم أنفسهم يتعاملون مع جميع الشؤون المرتبطة بحزب العمال، ونضجهم واستقلالهم بعد الثورة. كما أن تروتسكي وبليخانوف معجبان العمال ضد "دوائر المثقفين" أو "فئوية المفكرين". لكن –وهذا ظرف ملفت للنظر!- بمجرد ذكر الحقائق الموضوعية التي توضح الاتجاه السياسي الذي يختاره العمال الواعين طبقياً في روسيا في الوقت الحالي، ويستسيغون ويبدعون، يغير كل من بليخانوف وتروتسكي والتصفويين الأرض والهتاف: هؤلاء العمال، عمال البرافديين، الذين يشكلون غالبية العمال الواعين في روسيا، يتبعون قيادة البرافدية فقط لأنهم "مرتبكون" (Borba No. 1، p. 6)، هم فقط " متأثرين "بالديماغوجية"، أو الفئوية، إلخ، إلخ.
من هذا المنطلق وبناءً عليه، فإن التصفويين وبليخانوف وتروتسكي يتفقون وإرادة أغلبية العمال الواعين طبقياً ليس في الحاضر بل في المستقبل، يتفق العمال معهم فقط في الأحداث المستقبلية، مع التصفويين، بليخانوف، وتروتسكي!
يا لها من ذاتية مضحكة! يا له من خوفٍ مضحك من الحقائق الموضوعية! لكن إذا كنا لا نريد الانخراط ببساطة في الاتهام والاتهام المضاد، متهمين بعضنا بعضاً بضيق الأفق الفكري، يجب أن نأخذ الحقائق الحالية، الحقائق الموضوعية.
إن التعليم السياسي للعمال، الذي يعترف به كل شخص هو تحقيق التقدم، هو شيء مختلف عما يتحدث عنه الوسطاء (conciliators)، -بليخانوف وتروتسكي وشركاه- بموضوعية ذاتية. ينوس بليخانوف وتروتسكي بين الاتجاهين المتنازعين في حركة الطبقة الاجتماعية-الديموقراطية وينسبان إلى العمال تقلباتهم الذاتية الخاصة، قائلين: حقيقة أن العمال يشاركون في صراع الاتجاهات هذا دليل على جهلهم، عندما يصبحون أكثر استنارة سيتوقفون عن القتال، سيتوقفون عن كونهم "فئتين" (يكرر بليخانوف، مثل تروتسكي، مثل الببغاء "بقوة العادة" عبارة كـ "الفئوية"، على الرغم من أن البرافديين وضعوا حدا لها في يناير 1912، أي قبل عامين ونصف، من الطرد العلني والصريح للتصفويين).
إن ذاتية هذا التقييم للوضع من قبل بليخانوف وتروتسكي هي الأكثر وضوحا. التفت إلى التاريخ –بعد كل شيء، لا يوجد ضرر في عودة الماركسي إلى تاريخ الحركة!- وستجد قصة نضال ما يقرب من عشرين عاما ضد الاتجاهات البرجوازية في الاقتصاد (1895-1902)، المناشفة (1903 -1908) والتصفوية (1908-1914). لا يمكن أن يكون هناك أي شك في العلاقة غير المستقرة والاستمرار بين هذه الأنواع الثلاثة من "التأثير البرجوازي على البروليتاريا". إنها حقيقة تاريخية أن عمال روسيا المتقدمين شاركوا في هذا النضال وانحازوا إلى الإسكريين ضد الاقتصادويين، مع البلاشفة ضد المناشفة (حيث اضطر ليفتسكي نفسه للاعتراف بأهمية الحقائق الموضوعية)، وأخيراً، مع البرافدية ضد التصفوية.
السؤال الذي يطرح نفسه: ألا تشير هذه الحقيقة التاريخية المتعلقة بحركة العمال الاجتماعية-الديموقراطية الجماهيرية إلى شيء أكثر أهمية من التمنيات الشخصية والورعة لبليخانوف وتروتسكي، اللذان منحا الفضل لنفسيهما خلال السنوات العشر الماضية في الفشل بمسايرة توجهات جماهير العمال الاشتراكية-الديمقراطية؟
إن الوقائع الموضوعية في الفترة الحالية، المأخوذة من كلا المصدرين –التصفويين والبرافديين- وكذلك تاريخ العشرين سنة الماضية، تثبت بجلاء أن النضال ضد التصفوية والنصر الذي تحقق فيه هو بالضبط نتيجة للتعليم السياسي لعمال الروس وتشكيل حزب العمال الحقيقي الذي لا يستسلم لتأثيرات البرجوازية الصغيرة في بلد البرجوازية الصغيرة.
بليخانوف وتروتسكي، اللذان يقدِّمان للعمال تمنياتهما الذاتية المتعلّقة بتفادي النزاع (رغبات تتجاهل التاريخ والاتجاهات الجماهيرية بين الاشتراكيين-الديمقراطيين)، ينظران إلى التعليم السياسي للعمال من وجهة نظر فقهية. لقد وُجد التاريخ حتى الآن، لكنه الآن لم يعد موجودًا- كما ردّ ماركس بذكاء في انتقاده لبرودون. حتى الآن ، على مدى عشرين عامًا، تلقى العمال تعليمهم السياسي فقط في سياق النضال ضد الاتجاه البورجوازي للاقتصادوية، وضد الأنواع اللاحقة من اتجاه مشابه، ولكن الآن ، بعد بضع كراسات حول أضرار الخلافات، والحكايات التي قدمها بليخانوف وتروتسكي، سيتوقف التاريخ، ستختفي جذور التصفوية (التي تدين بدينهم الجماعي لدعم البرجوازية)، والبرافديّة (التي أصبحت حركة جماهيرية فقط نتيجة لـ "حيرة" العمال!) سوف تختفي، وشيء "حقيقي" سوف ينشأ ... المنطق الذي يتبعه بليخانوف وتروتسكي مضحكٌ حقاً!
يمكن للعمال الحصول على تعليم سياسي حقيقي فقط في سياق صراع مستمر ومتسق وشامل للتأثيرات والتطلعات والاتجاهات البروليتارية ضد التأثيرات والتطلعات والاتجاهات البرجوازية. حتى أن تروتسكي لن ينكر أن التصفوية (مثل الاقتصادوية في 1895-1902) مظهر من مظاهر التأثير البرجوازي على البروليتاريا. أما بليخانوف، فقد كان هو نفسه، في الماضي البعيد جداً، قبل سنة ونصف السنة أو سنتين ونصف السنة بالكامل، دافع عن قرار الحزب الذي أثبت هذه الحقيقة.
ولكن في أي مكان في العالم، باتت التأثيرات البرجوازية على العمال لا تتخذ شكل التأثيرات الإيديولوجية وحدها. عندما ينهار التأثير الأيديولوجي للبرجوازية على العمال، يتم تقويضه أو إضعافه، البورجوازية في كل مكان، تلجأ دائما إلى الأكاذيب والافتراءات الأكثر شناعة. وفي كل مرة استهزأ فيها مارتوف ودان بإرادة أغلبية الماركسيين المنظمين، في كل مرة كانوا يفتقرون إلى سلاح النضال الإيديولوجي ، لجئوا إلى سلاح التلميح والافتراء.
ولكنهم حتى الآن فعلوا ذلك في ظروف المنفى في الخارج، أمام "جمهور" محدود نسبياً، وكثيراً ما أفلتوا من المحاسبة. لكن هذه المرة خرجوا أمام عشرات الآلاف من العمال الروس واندحروا على الفور. إن "خدعة" (القيل والقال) المهاجرين قد فشلت في الوصول لمبتغاها. لقد أثبت العمال بالفعل أنهم قد تلقوا تعليما سياسيا كافيا لكي يروا في آن واحد النفاق وعدم الأمانة في أقوال مارتوف ودان من طبيعة هذه الكلمات، وقد استنكروا ذلك علنا، قبل روسيا برمتها، واعتبروهما مفتريين.
لقد مضى العمال الروس في خطوة إلى الأمام من التعليم السياسي عبر تسديد ضربة لواحدة من المجموعات البرجوازية (التصفويين) سلاحها الافتراء.
لا التحالف البرجوازي بين بليخانوف وتروتسكي، والزعماء التصفويين، والنارودنيين، ولا جهود الصحافة الليبرالية لإعلانها واجب على الناس "الشرفاء" لتأمين الوحدة بين العمال وأولئك الذين يريدون تصفية حزب العمال، ولا حملة التشهير التي أجراها مارتوف ودان سوف تكبح التزايد والتوسع لتمسك البروليتاري بالأفكار والبرنامج والتكتيكات والتنظيم البرافدي.

نهاية الجزء الثالث والمقال، لقراءة الجزء الأول والثاني يمكن اتباع الرابط التالي:
- الجزء الأول:http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=616235
- الجزء الثاني: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=617728
- رابط المقال الأصلي: https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1914/jun/x01.htm
______________________________________________________________________________

- ملحق بما يخص المقال (إعداد المترجم):
نذهب في هذا الملحق أبعد من الترجمة لنقدم قراءة مؤسسة على ما ورد في هذا المقال واستخلاص مجموعة أفكار وأطروحات وعلاقتها بالواقع الحالي، لعل ذلك يقود لمزيد من النقاش والحوار حول الراهن من القضايا.
يجعل لينين الأمر واضحاً من البداية إن أسلوبي الصراع اللذين يُنتهَجا في مواجهة العمال اثنين لا غير أسلوب العنف والاضطهاد، وأسلوب لا عنفي خبيث وماكر، ويمكن القول إن هذين الأسلوبين تعبّر عنهما مقولة الترغيب والترهيب، ولا شك أن البيئة العربية اليوم تستعمل الأسلوبين عينهما فالدولة الأمنية لا تكتفي بمصادرة حق العمال وممثليهم السياسيين في العمل الحر ونشر الوعي السياسي بل كذلك تسجن وتلاحق هؤلاء النشطاء، ولكن على الجانب الآخر مع انتشار المنظمات والدعاية المضادة والتمويل الخارجي ودور النشر ومراكز الدراسات أصبح الشكل الآخر للمواجهة فعالاً، ينعكس هذا على الحركات الراديكالية وبنفس الوقت يقوّيها فهي الآن لا تخوض نضالها مع الدولة الأمنية في حدود محلية بل اشتملت تجربتها على مواجهة أذرع وحلفاء الأعداء الطبقيين في الداخل والخارج، ولكن لينين لم يكن ينتقد بدون الاستناد لنظرية، نظرية ثورية تطرح حلول راديكالية لواقع روسيا المعقد والإشكالي كما هو واقعنا المعقد والإشكالي حالياً، ولذلك فإن المفروض على المواجهة الحالية التي يخوضها ممثلو الطبقة العاملة الخلوص إلى نظرية ثورية من الواقع العربي ذات نفسه، نظرية تبني على ما سبق وتتجاوزه، وينتج (وقد نتجَ سابقاً) تطبيق نظريات مستوردة دون الاستناد للواقع ثمار مُرّة.
غرامشي يقول بأن ثورة أكتوبر هي ثورة على رأس المال، ثورة استندت إليه وطوعته للحالة الروسية، ثورة استندت لما سبقها، درسته وأوَّلته نقدياً، أنمته وطورته بالاستناد لظروفها الخاصة، وبالمثل فإن النظرية كتجريد للواقع تزيل عنها كل ما هو غير موضوعي (أي الظروف الذاتية المرتبطة بكل مشاهدة/حالة) وبالتالي تأخذ ما هو مشترك وثابت وتصوغه في مجموعة مفاهيم وعلاقات في إطار نظري يشكل الهيكل الذي تمتلكه كل المفردات/الحالات في مجال علمي ما، إلا أن إعادة هذا التجريد إلى الواقع دون أخذ التقريب المتتالي بالحسبان يجعل التطبيق مشوهاً، ونرى إنجلز يقول أن دراسته للطبيعة لم تكن لإسقاط الديالكتيك عليها بل لاستنباط الديالكتيك الكامن فيها، وتجربة الدول الاشتراكية تقول بأن النظرية خدمت كأساس لمعالجة قضايا واقعهم من خلال دراسته وطرح حلول راديكالية له، فبعد أكثر من قرن كلمات لينين الحية هل تنتظر منا التهليل؟ هل تنتظر منا التكرار الأجوف؟ التبجيل؟ قطعاً لا! لذا فإن المهمة الأساس اليوم هي الإتيان بنظرية ثورية ينتج عنها امتلاك وضوح نظري عن القضايا الراهنة، وهنا يكون السؤال ما هي النظرية الثورية؟ وكيف يمكن تحديدها/اختراعها/اكتشافها ومحاكمة صحتها؟
إن امتلاك هذه النظرية هو ما يسمح للثوريين توضيح المسار للقوى الثورية وتمييز الحليف والعدو وتحديد المهام القادمة وسُبل حلها، فالمقال الذي تمت ترجمته هو أوضح تعبير عن الوضوح النظري ودوره في فضح الأعداء/القوى الرجعية الواضحين أساساً ومن يدعون أنهم حلفاء وأصدقاء القوى الثورية في حين أنهم خادمون مخلصون للقوى الرجعية، ومن خلال النقد تحافظ هذه النظرية على شبابها وتجدده فهي ليست بالعموم نهائية لأنها في حلها للمهمات الراهنة تتكشف لها مهمات جديدة يتعين في ظلها إعادة النظر في صحتها ومدى ملاءمتها للواقع الجديد ولمصلحة القوى التي تعبِّر عنها.
يركز لينين لاحقاً على مسألة التنظيم ويشدد على أن البرافدية استطاعت أن تجذب أربع أخماس العمال الواعين طبقياً وهو ما يعني أنها تعبِّر عن إرادة ومصالح هؤلاء العمال، والتنظيم هو الأساس في العمل السياسي فيقول عن فاندرفيلده مثلاً أنه بالرغم من خبرته السياسية القليلة إلا أنه يعلم بأن التنظيمات التي تمارس تأثيراً كبيراً في صفوف الجماهير هي الأجدر بالدراسة والأخذ على محمل الجد، والتنظيم عنده لا يقتصر على التجمع الناتج عن الدعاية والإعلان وإن كان هذا أداة من أدوات التنظيم لنشر فكره، فالتنظيم عنده هو الحزب ببرنامجه وتكتيكاته وتنظيمه الداخلي، وبالتالي فالحزب الثوري اليوم في الواقع العربي يحتاج أكثر من الشعارات إلى النظر في هذه الأمور وتقديم رؤيته، وهذا يرتبط بامتلاكه للنظرية الثورية لا الإسقاطات النظرية الخارجية فقط.
سيقود ذلك إلى التمايز بين القوى الاجتماعية والسياسية في الدولة ولكن هذا التمايز لا يكون فقط على أساس المواضيع الرئيسية والعامة بل يمتد إلى الجزئيات والدقائق من خلال تمحيص الطروحات ونقدها واختبار صحتها بما يتوافق ومصالح القوى الثورية التقدمية في المجتمع، من هذا النقد يمكن للحزب الثوري ليس فقط فضح القوى الرجعية وممثليهم (في حالة المقال يتبدى ذلك في حالة سوخانوف وما ورد من أسماء أخرى)، بل اختبار النظرية الخاصة بالحزب.
في النهاية يبدو لينين واضحاً في تحديده للمطلوب والراهني ومنه يمكن طرح السؤال التالي والمُلِّح في واقعنا العربي: ما العمل؟ ما الأولويات التي يجب التركيز عليها من أجل مستقبل أفضل؟