فوزي يرثي حسقيل قوجمان


يعقوب ابراهامي
2018 / 11 / 19 - 12:30     

كلمة تمهيدية:
قراء "الحوار المتمدن" تعرفوا على فوزي ابراهيم من خلال مقال نشره حسقيل قوجمان في "الحوار المتمدن" في 8/5/2015 تحت عنوان: "أما الرأسمالية وأما كوكب الأرض".
في هذا المقال استعرض حسقيل قوجمان كتابا كان فوزي قد نشره باللغة الإنجليزية عنوانه:
"Capitalism versus Planet Earth - An Irreconcilable Conflict”
(" الراسمالية أو كوكب الأرض - صراع لا يقبل المصالحة").
فوزي ابراهيم هو ناشط يساري يقيم في لندن. لمن لم يقرأ مقال حسقيل قوجمان المشار إليه سابقا، والذي أورد فيه حسقيل تفاصيل وافية عن فوزي، أشير فقط إلى أن فوزي هو أخي: شقيقي الأصغر. (لا يحتاج القارئ طبعا إلى مواهب شارلوك هولمز لكي يلاحظ التشابه الكبير بين إبراهيم وأبراهامي).
فوزي التقى بحسقيل قوجمان لأول مرة بعد خروج حسقيل من السجن في أعقاب ثورة تموز عام 1958. فوزي كان آنذاك في الخامسة عشر من عمره وتأثير حسقيل قوجمان عليه كان كبيرا.
منذ ذلك الحين ربطت الاثنين أواصر صداقة وثيقة مبنية على التقدير المتبادل.
فوزي لا يجيد الكتابة باللغة العربية (أو لا يجيدها مثلي على الأقل). قبل بضعة أيام أتصل بي وطلب مني أن أترجم له إلى اللغة العربية رثاء لحسقيل قوجمان كتبه باللغة الانجليزية، وان ابعث به الى "الحوار المتمدن" الذي كان البيت الروحي، الفكري والأدبي، لحسقيل قوجمان.
أنا هنا ألبي طلب أخي فوزي إكراما لذكرى حسقيل قوجمان.
يعقوب ابراهامي

فوزي ابراهيم يرثي حسقيل قوجمان
عندما علمت بوفاة حسقيل قوجمان اتصلت بأخي يعقوب لكي أبلغه الخبر المفجع. يعقوب قضى سبع سنوات مع حسقيل في سجون مختلفة في العراق، من ضمنها سجن نقرة السلمان الصحراوي الرهيب، وكانت تربطهما علاقات صداقة متينة.
في هذه المكالمة التلفونية ذكرني يعقوب برسالة كنت قد بعثتها أليه من بغداد عام 1960 وكتبت فيها أن حسقيل قوجمان هو أعظم شخص قابلته في حياتي.
عوامل كثيرة دفعتني إلى هذا التقدير.
حسقيل هو الذي أدخلني إلى عالم السياسة. حسقيل عرفني على الإقتصاد السياسي والماركسية، لا كأطروحات من الآراء والأفكار، لا كعقائد مسلم بها، بل كعلم، علم سياسي، مثله مثل علم الفيزياء وعلم الأحياء.
حسقيل علمني أن الماركسية ليست مجرد مجموعة من الشعارات والأهداف والمطالب، بل أنها مرشد للعمل وأداة للتأثير على اتجاه سير الأحداث الاجتماعية والسياسية.
عندما خرج حسقيل من السجن لم يكن له معارف أو أقارب في العراق. الحزب الشيوعي تخلى عنه وتجاهله.
الحزب الشيوعي طلب من أعضائه اليهود أن يتأسلموا بحجة واهية مفادها أنه ما دام المعتقد الديني لا أهمية له فلا بأس أن يغير المرء دينه ويتأسلم. حسقيل ومجموعة قليلة أخرى من الشيوعيين اليهود رفضوا ذلك.
بعد أطلاق سراحه من السجن بيتنا كان من الأماكن القليلة التي كانت مفتوحة أمامه بكل رحابة صدر. وتردد علينا كثيرا.
أمي عملت كل شيء من أجل أن تشعره أنه مرغوب فيه وعاملته كأحد أبنائها. فيما بعد سيكتب حسقيل عنها بكثير من الحنين والحب وعرفان الجميل. ("هذه الأم العظيمة" - سيقول عنها في ذكرياته).
في تلك الأيام البعيدة التقيت به للمرة الأولى وأنا في الخامسة عشر من العمر وجرت بيننا أحاديث طويلة وكثيرة.
المرة الأخيرة التي تكلمت فيها معه كانت عام 2014. حسقيل تحدث عن الأيام التي قضاها في السجن، وأنا قلت له أنني ذهبت مع أمي لزيارة يعقوب في كل السجون التي كان يعقوب مسجونا فيها وكان انطباعي هو أن السجناء كانوا دائما مرحين ويتمتعون بروح عالية. قلت له: أنهم كانوا أبطالي.
حسقيل فكر قليلا ثم قال: " لم نكن أبطالا. كنا محبوسين داخل السجن ولم يكن في مقدورنا أن نفعل شيئا".
وأنا في تلك اللحظة فكرت أن من يعبر المحن التي عبرها حسقيل، يتمسك بمبادئه، لا يتأرجح ولا يتذبذب، ثم ينهض، يبني حياته من جديد ويتفوق في مجالات كثيرة، لابد أن يكون بطلا.
عظمة الفرد تقاس بحجم الفراغ الذي يتركه برحيله، وحسقيل قوجمان ترك برحيله فراغا كبيرا.