هوتيل ترانسلفانيا


ميسون البياتي
2018 / 11 / 19 - 08:25     


كتب الناقد الفني والأدبي الكبير كورغينيان في مؤلفه الضخم ( موسوعة نظرية الأدب ) بأن الإنتاج الفني أو الأدبي هو مرآة عاكسه للمجتمع الذي ينتجهما أو يستهلكهما , وعليه فكلما كانت المجتمعات راقيه فهي تنتج وتستهلك ما هو راقي , والعكس بالعكس

هوتيل ترانسيلفانيا هو فيلم أمريكي كوميدي مصور بالرسوم المتحركة صدر الجزء الأول منه عام 2012 , الجزء الثاني صدر عام 2015 , الجزء الثالث صدر في حزيران 2018

الجزء الأول من الفيلم من إخراج جيندي تارتاكوفسكي وهو من إنتاج شركة كولومبيا بيكتشيرز , وتوزيع شركة سونيا بيكتشيرز . الفيلم مأخوذ عن قصه كتبها بيتر بينهام بينما كتب سيناريو الفيلم كتّاب مختلفون

https://www.youtube.com/watch?v=X3-FeCUmJRc&t=42s

التحدي الذي تشكله متابعة وفهم أجزاء الفيلم الثلاثه , يشبه التحدي الذي شكّله فهم كتابات الكاتب البريطاني الذي يعده الأوربيون ( كاتباً دجالاً ) هو كولن ويلسون الذي بدأت كتاباته تظهر منذ النصف الثاني من القرن الماضي وهي كتابات عن الجنون والسحر والشعوذه والجريمه الكامله وما بعد الموت ثم توّجها منذ العام 1964 بإنتاج كتبه ( المنتمي ) و ( اللامنتمي ) و ( وما بعد اللامنتمي ) والتي وصلتنا مترجمة الى العربيه منذ نهاية الستينات وبداية سبعينات القرن الماضي فتلقفها مثقفونا الأشاوس بالشرح والنقد والتأويل مدّعين فهمها الكامل كمؤشر على عمق ثقافتهم , مع أن هذا الفهم الذي يدّعون هو من سابع المستحيلات لسبب بسيط واحد هو أن كولن ويلسون حين كتب عن الإنتماء واللاإنتماء أشار في كتاباته الى قصائد وإنتاجات أدبيه لعشرات وربما مئات من الأدباء والمفكرين الذين لم نكن قد سمعنا بأسمائهم ناهيك عن الإطلاع على نتاجاتهم , فكيف سيتسنى لنا فهم رأي كولن ويلسون اذا لم يتسنَ لنا الإطلاع على النصوص التي تدعم رأيه , في فترة من الزمان لم نكن نتقن فيها لغة أجنبيه بشكل كافي , ولا كان الإنترنت متاح , وأغلب المكتبات العربيه خالية على عروشها من كثير من النصوص المشهوره , فما بالك بالنصوص الغائبه والمنسيه

خذ على سبيل المثال لا الحصر أن كولن ويلسون تحدث كثيراً عن شاعر منسي يدعى ( وليام بليك ) عاش بين عامي 1757 _ 1827 لم يُعترف به أثناء حياته ولا بعد موته وكانت إنتاجاته تعد نوعاً من الجنون ولهذا كان نموذجاً عند كولن ويلسون على شاعر لا منتمي . لم يعاد تقييم وليم بليك كشاعر حتى عام 2002 ولم يعاد طبع ونشر أعماله حتى عام 2003 ألا يحق لنا أن نتساءل عندها كيف فهم المثقفون كتاب اللامنتمي وهم لا يعرفون من هو وليام بليك !!؟

هوتيل ترانسلفانيا بأجزائه الثلاثه يعتمد على نفس هذا العماء ومن يريد متابعته عليه أن يكون فقيهاً في التاريخ والأدب وضليعاً بشخصيات افلام الكارتون وما تحويه من معاني ودلالات وإلا فلن يفهم من الفيلم شيئاً .. نستعرض الآن شخصيات هذا الكارتون للتدليل على هذه العقبات

شخصية الجد : هي شخصيه تاريخيه حقيقيه هي شخصية الملك ( فلاد المُخَوْزِق ) 1413 _ 1476 ملك والاشيا ( والاشيا هي جزء من رومانيا الحاليه ) كان هناك صراع حاد بين مملكه والاشيا والسلطنه العثمانيه لهذا إضطر والد فلاد أن يسلم إثنين من أولاده هما فلاد وأخاه رهينتين عند العثمانيين دلالة على مسالمته للعثمانيين , لكن الولدين قضيا أياما مرة للغايه في الأسر العثماني ومن أجل تخويفهما كانا يجبران على حضور جلسات الإعدام بالخازوق للمحكومين , لهذا نشأ فلاد شخصية مرعوبه مختله , حين إستعاد حريته وأصبح ملكاً أعدم الكثير من أعدائه وعشرات الآلاف من مواطنيه رجالاً ونساءاً وأطفالاً بالخازوق . هو لا يظهر في أجزاء الفيلم الثلاثه كثيراً لكنه يظهر كلما إشتد الخطر وتأزم

شخصية الأب : وهي شخصيه خياليه غير حقيقيه إبتكرها الروائي الإنكليزي برام ستوكر في روايته التي صدرت عام 1897 والتي حملت عنوان : الكونت دراكيولا
في الفيلم هوتيل ترانسلفانيا , دراكيولا الذي عمره 523 سنه يكره البشر بشكل مقيت لأن جماعه من العامه أو الغوغاء أو الرعاع أو الدهماء أياً ما كانت تسميتهم قاموا بقتل زوجته ( مارتا ) عام 1895 لأنها مصاصة دماء مثله , حين ماتت مارتا تركت له إبنتهما ( مافيس ) وهي مصاصة دماء أيضاً . من أجل أن يحميها والدها من جور البشر قام ببناء فندق ترانسلفانيا وهو مستقر لوحوش العالم تستريح فيه من إضطهاد الناس وهو في نفس الوقت منطقة عازله لإبنته تمنعها من الإختلاط بالعالم الخارجي المليء بالشرور لكنه يعدها أنها حين ستبلغ سن الرشد عندما يصبح عمرها 118 سنه فسيسمح لها بجوله في العالم الخارجي لتطلع على ما فيه

حين بلغت البنت 118 من العمر كان على والدها تحقيق وعده لها ولكن لخوفه عليها يأمر جميع الوحوش في فندق ترانسيلفانا أن يرتدوا ثياب بشر ويلاحقوا إبنته لإخافتها وإجبارها على العوده الى أحضان والدها . حين عاد الوحوش بعد ملاحقة البنت لم يفطنوا الى أن هناك شاب آدمي يدعى جوني عمره 21 سنه تسلل معهم الى هوتيل ترانسلفانيا , وحين يكتشف دراكيولا الأمر يشعر أن من واجبه أن يحمي إبنته من الوقوع في غرام هذا الشاب وفي نفس الوقت حماية الوحوش من معرفة أن إنسان قد تسلل الى سكنهم مما يعرض سمعة الهوتيل ومهنة دراكيولا كمدير الى أشد الخطر

من الوحوش المهمه التي تظهر في الفيلم هو الوحش فرانكشتاين , وهو وحش خيالي ظهرت شخصيته أول مره عام 1818 في رواية الكاتبه الألمانيه ماري شيللي المعنونه : فرانكشتاين . في الفيلم يظهر فرانكشتاين وهو مصاص دماء كأفضل صديق لدراكيولا ويتصرف كعم لمافيس . زوجته يونيس مصاصة دماء وهي شخصيه خياليه تظهر في الفيلم بتسريحه مخروطية الشكل وذات خصلات بيضاء ناصعه

من الشخصيات المهمه في الفيلم شخصية واين الذئب : شخصيه واسعة الإنتشار في الفولكلور الأوروبي ، موجود في العديد من الحكايات التي ترتبط بالتفسير المسيحي للفلكلور الأوربي في العصور الوسطى بالتوازي مع الاعتقاد بالسحرة والجنيات والأرواح الشريره . واين الذئب هو زوج واندا الذئبه ولهماعائلة كبيره من الذئاب

في الفيلم أعداد كبيره من القوات المسلحه وقوات الأمن التي ترتدي الدروع , إضافة الى أعداد كبيرة من مصاصي الدماء والكثير من الشخصيات الكارتونيه التي تتسم بالشر

شخصية الدكتور غريفين , وهي شخصيه خياليه ظهرت أول مره في رواية إج . جي . ويلز المعنونه : غير المرئي . وهي رواية خيال علمي تتحدث عن غريفن وهو عالم بصريات يقوم بتجاربه على إنكسار الضوء فيتحول هو نفسه الى شخصية غير مرئيه تقوم بالكثير من الأفعال المرعبه في حياة الناس

شخصية المومياء وهي أفضل أصدقاء دراكيولا , ظهرت هذه الشخصيه في الأدب أول مره في رواية ( حكاية القرن الثاني والعشرين ) كتبتها جين سي لودون عام 1827 وتتحدث عن مومياء مصريه تحمل إسم خوفو , جثه متحركه ملفوفه بالكثير من الأشرطه القماشيه تتم إعادتها الى الحياة في القرن 22

شخصيتا كوازيمودو وصديقته ازميرالدا وهما شخصيتان ظهرتا في الأدب عام 1831 في رواية فيكتور هيغو : أحدب نوتردام . كوازيمودو وصديقته يعملان طبّاخين في هوتيل ترانسلفانيا , حالما يكتشفان أن جوني الإنسان قد تسلل الى الفندق يقومان بإختطافه ويذهبان الى المطبخ كي يعدا منه طبقاً ضخماً لكن دراكيولا يقوم بتجميدهما لمنعهما من طبخه أو إخبار بقية الوحوش بوجود بشر بينهم

شخصية الرأس البشري المقطوع , وهي مستمده من عادات قبائل بيرو الذين يقطعون رؤوس أعدائهم ثم يجوفونها ويستعملونها كأساً للشراب , أو لحفظ العمله المعدنيه , أو لأداء بعض الطقوس الوثنيه . في هوتيل ترانسلفانيا يعلق هذا الرأس على باب غرفة نوم مافيس لإخافة أعدائها ومنعهم من الإقتراب منها

شخصية المستر فلاي , وهي شخصيه خياليه ظهرت أول مره في الأدب في قصة قصيرة لجورج لانغلايان تم نشرها عام 1957 في مجلة بلاي بوي , وصوُرت عام 1958 ، ثم عام 1986. ثم عرضت على شكل أوبرا تحمل نفس الاسم إخراج هوارد شور في باريس عام 2008 , يعمل المستر فلاي مع دراكيولا في الفندق كمنسق إستوديو الرياضه ومترجم عن مختلف لغات العالم

في العام 2015 صدر الجزء الثاني من الفيلم والذي تدور أحداثه بعد 7 سنوات من وقوع أحداث الجزء الأول

https://www.youtube.com/watch?v=Eho8yWVwdrE

يصطحب دراكيولا صديق إبنته جوني الى إحدى القاعات ويعرض له صورة زوجته القتيله مارتا ويحكي له قصة مقتلها فيدرك جوني سبب تصرفات دراكيولا الغريبه ويقرر مغادرة هوتيل ترانسلفانيا من تلقاء نفسه فيستقل طائرة تأخذه الى أمريكا , ولأن دراكيولا يدرك أن إبنته مافيس تحب جوني وأصيبت بالكآبه بعد رحيله لهذا يستعمل قدراته الخارقه للتأثير على عقل الطيار وإجباره على العوده متعللاً أن إبنته قد وصلت الى سن الرشد ومن حقها أن تختار من تراه مناسباً لها

بعد إرتباط مافيس وجوني ينجبان ولداً فيقضي دراكيولا ما تبقى له من مشاهد في الفيلم لترجيح أن الولد مصاص دماء صالح .. وهو ليس إنسان

قبل حوالي نصف قرن من الآن حين كنا شباباً ندرس مذاهب الأدب والفن , كنا ننتقد بشده كلاً من البرناسيه ( مبدأ الفن للفن ) لأنه يجرد الآداب والفنون من بعض جوانب تفاعلها مع الحياة الإجتماعيه للناس

البرناسيه كانت تعتبر الأدب والفن غاية في ذاتيهما وأن مهمتهما الإمتاع وحده وليس لهما أي غرض بالمنفعة الإجتماعيه أو التقيد بأي فكر أو عقيدة أو أخلاق وتستبعد الفن والأدب عن أي تعليم أو توجيه تربوي

هل يمكن لنا أن نسمي فيلم هوتيل ترانسلفانيا بواقعه الشديد الإحباط في البشر الذين أصبحت الوحوش تخاف منهم وتبتعد عنهم ولا تحاول التشبه بهم هو عودة الى البرناسيه ولكن بأسلوب ديجيتال حديث ؟ أم أنه دراما كما قال عنها كوركينيان ( تشبه المجتمع الذي أنتجها ويستهلكها ) أم هي واقعيه جمع مئات الملايين من الدولارات في شباك التذاكر نتيجة بيع أفكار خاويه مزوّقه بالموسيقى والألوان ؟