حول الإخوان واليسار والعلمانيين


سامر سليمان
2006 / 4 / 10 - 09:26     

تربيت في بيت يساري، لذلك لم أعرف في طفولتي إلا الشك والريبة من التيار الإسلامي بكل أطيافه، فهذا التيار متهم من جيل والدي وأصدقائه ومعارفه بأنه يستخدم الدين لإشباع غريزة السلطة، وأنه تيار ضيق الأفق كاره للحياة، مروج للخرافات، وأنه اشتغل لدي النظام في السبعينيات من أجل تكسير عظام اليسار والناصريين في الجامعة، وأنه ذو ميل يميني يعمل في السياسة بالمال ويتحالف مع رأس المال ضد الشغيلة أو الشواغلية، وكان من أحلام الطفولة أن أصحو في صباح جميل فأجد التيار الإسلامي قد اختفي من الساحة السياسية، ولكن بمرور المراهقة بدأت أتأكد أن التيار الإسلامي وُجد ليبقي معنا، لا فكاك من هذه الحقيقة، من لا يزال ينكر ذلك عليه أن يردد هذه العبارة مئات المرات في اليوم: "التيار الإسلامي سيبقي معنا في مصر إلي يوم الدين". من هذه البديهية أنطلق في هذه المقالة.


في الحقيقة لم يكن حلمي إلا علي مستوي الوعي، أظن أن الفطرة كانت تدرك جيداً أن الإسلاميين في نهاية الأمر إخوة، لهم حق العيش في هذا البلد بكل حرية وكرامة، وعلي هذا ففي عز الحرب الشعواء التي خاضها التيار الإسلامي من أجل إقصاء كل أنواع التحية إلا "السلام عليكم"، لم أتخل أبداً عن استخدام هذه العبارة في التحية، فالسلام محبب دائماً لأهل اليسار، حتى ولو كان قد اقترن في مرحلة ما بعملية السلام مع "العدو الصهيوني" التي كان جيل والدي من اليسار يدينها أشد الإدانة، بالإضافة إلي حب السلام، فإن تحية "السلام عليكم" تناسب أوقات اليوم الانتقالية بين الصباح والليل، وفي كل الأحوال هذه التحية ملكنا جميعاً وليست ملكاً للتيار الإسلامي وحده كان العقل الباطن يقبل حقيقة تواجد الإسلاميين، وبمرور الوقت بدأ القبول الفطري واللاواعي ينتقل إلي الوعي، فانتهزت كل الفرص للتعرف علي الإسلاميين من جيلي أو من أجيال قريبة. هكذا اقتربت من الوحش المخيف والفزاعة الجبارة التي يخيفون بها الأطفال في المهد، فخرجت بعلاقات صحوبية أو شبه صحوبية أو احترام متبادل مع الكثيرين، وأستطيع أن أشهد الآن أن التيار الإسلامي يحتوي علي ناس رائعين.


ومن هنا أعتب علي الدكتور محمد حبيب الذي هاجم الشيوعيين والعلمانيين واتهمهم بالعمل في خدمة النظام من أجل هدم تراث الأمة، وبالرغم من أن كاتب هذه السطور لا يعرف نفسه كشيوعي، فهو أتي من أصول ترتسكاوية، ذلك التيار اليساري الذي كان يتبرأ طوال النهار والليل من السفاحين أمثال ستالين الذين مارسوا قهر الشعوب واستغلال العمل والعمال وهم رافعون للعلم الأحمر، أظن أن الدكتور حبيب حينما هاجم الشيوعيين كان يقصد اليسار عموماً، ولذلك فقد شعرت بأنني معني بالرد عليه. وقد اندهشت من هذه التصريحات، لأن الجماعة التي ينتمي لها د. حبيب قد أقامت تحالفاً في الصيف الماضي مع فصيل يساري هو "الاشتراكيون الثوريون" والسؤال الذي أود أن يجيبني عنه الدكتور حبيب هو لماذا تحالفتم مع فصيل من تيار يعمل علي هدم تراث الأمة؟ هذا الكلام يعيد لنا ذكريات أليمة عن كيفية تعامل الحركة الإسلامية عموماً مع اليسار والعلمانيين، وعن شهداء سقطوا في المعركة، مثل فرج فودة، وعن آخرين كادوا أن يسقطوا مثل نجيب محفوظ وعن مظاليم اغتالتهم الحركة الإسلامية معنوياً دون وجه حق مثل نصر حامد أبو زيد. جماعة الإخوان هي الفصيل الأساسي من الحركة الإسلامية بل هي الأب الروحي لها، وهي بذلك تتحمل مسؤولية تاريخية عما يفعله أبناؤها داخل الجماعة وخارجها من التيار الإسلامي الواسع، لذلك فنحن ننتظر منه الآن أن يقود التيار الإسلامي إلي التسامح وقبول الآخر أو علي الأقل عدم إعدامه جسديا أو معنوياً، لا أن يحقق شعبية في الشارع بترويج مقولات غير صحيحة بأن اليسار يناهض التراث،



لأن اليسار يناهض السلطة التي تتحدث باسم التراث، لا التراث نفسه، ويشهد علي ذلك كل أجيال الفنانين والأدباء والكتاب اليساريين أو الذين كانوا يساريين في مرحلة تكوينهم المعرفي والثقافي من أول فؤاد حداد، ومروراً بصلاح جاهين ويوسف إدريس وصنع الله إبراهيم، وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام.




نعم تحالفت بعض فصائل اليسار مع بعض أطراف النظام ضد التيار الإسلامي، ولكن بغض النظر عن تقييم هذا التحالف لم يسقط أي يساري علي حد علمي في الوشاية الأمنية ضد الإسلاميين ولم يستخدم وسائل قذرة في الهجوم عليهم، فهو قد هاجم التيار الإسلامي بما اعتقد أنه فيه فعلاً. لقد أخطأت بعض فصائل اليسار والعلمانيين حينما لم تعمل بكل قوة في الدفاع عن ضحايا التعذيب والتنكيل من أبناء التيار الإسلامي.



لكن يظل أن هناك عديداً من اليساريين مثل المحامي النبيل فعلاً الأستاذ نبيل الهلالي كافحوا من أجل تخفيف وطأة الاعتقال والتعذيب من علي كاهل الأخوة الإسلاميين. وأشهد أنني لم أر واحداً من أهل اليسار والعلمانية شامتاً في الإسلاميين المسلحين أو سعيداً بقتلاهم من الشباب الذين سقطوا في التسعينيات في مواجهات دموية مع الشرطة، حتى ولو ارتكب هؤلاء أعظم الجرائم مثل قتل الأطفال، كما فعلوا في كنيسة أبو قرقاص. لماذا هذا العنف إذن يا دكتور حبيب؟ وللحديث بقية.