رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (5)


محمد عبد القادر الفار
2018 / 11 / 11 - 15:15     

في كل لحظة تنتابني رغبتان متساويتان في شدتيهما تقريباً: إحداهما بمواصلة العيش إلى الأبد والثانية بالموت فوراً. متساويتان في شدتهما ولكن صدقهما مسألة أخرى. "أيهما أأمن" يسأل جانبي الأنعم الأجبن. "أيهما أجدى" يسأل جانبي العملي الأخشن. وثمة صوت خافت يقول "ولكن أيهما أعدل".

أنتبه بضع لحظات متفرقة من اليوم إلى حقيقة أنني أخوض الآن هنا من منظار نفس واحدة، وذاكرة نفس واحدة. انتبه إلى "أنا" وأبالغ في تقديرها وإنكارها في وقتٍ واحد، وأراقب أنفاسي لأحس أنني حي، حي يستطيع بكل نبل وجبن أن ينفصل عن ذاكرته ويبقى منتبهاً إلى أنه ثمة "انا".

لموقف من "الآن" هو على نحوين يتعايشان معاً:

الآن هو كل ما هنالك، وثمة إحساس قوي بحقي في أن اتحرر في كل لحظة من تبعات ما سبقها، حتى ما سبقها بلحظة واحدة. منعش هذا الشعور بالتنصل مما مضى وما سيأتي، والإيمان بالتجدد مع كل نفس جديد.

ومن جهة أخرى، الآن زائلة دائما ولا قيمة لها دون استدعاء ماضٍ أفضى إليها، والسعي إلى مستقبلٍ ما.

عليك ان تعاني دائما، بالتفكير بالعمل لما سيأتي واستدعاء ما فات عبرة وحسرة وأداة لتجنب إعادة إنتاج ما يزعجك في اللحظة الحالية.

الشعور بالمسؤولية يؤجل الحرية. والشعور بالحرية يتجاهل المسؤولية.

وكلتا النزعتين بدائية. إحداهما تؤجل الراحة إلى اجل غير مسمىً، ولكنها تسعى إليها. والثانية لا تقبل سوى الراحة.

المشكلة ان الدافع هو دائما بدائي. والصوت الخافت الراقي الحكم بين النزعتين متجرد من الدوافع.

لهذا ثمة بدائية لا تنفك تحيط بكل ما في هذا الوجود مهما بلغ مستوى مجموع نضجه المعرفي. فلا دافع للمعرفة إلا مزيد من المعرفة، وهناك تتلاشى المواقف، بما فيها الموقف من الراحة وتأجيلها والمسؤولية وتحميلها.