أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الثاني)


علاء سند بريك هنيدي
2018 / 11 / 10 - 20:53     

قبل البداية:
- ملاحظة: وردني تعليق من الرفيق عبدالمطلب العلمي فيه استفسار بخصوص عدم ترجمة كلمة النارودنيين والذين يعتبرون أنفسهم أصدقاء الشعب حيث أن لينين يقصد عبر استخدامه هذه الكلمة السخرية من هؤلاء بنعتهم بالشعبويين، إلا أنه عند ترجمة هذا المقال لم يكن للمترجم علم بهذه النقطة ولغرض الحفاظ على الصياغة العامة للنص ككل فإنه نستخدم كلمة النارودنيين بدون ترجمة كما وردت في الجزء الأول.
- هذا المقال يعد تتمة للمقال الأول المنشور هنا (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=616235) ويتبعه لاحقاً جزءٌ ثالث هو الجزء الأخير ويرفق معه المترجم ملحقاً عن الأفكار الواردة في المقال وعن علاقتها بالواقع الراهن لعله يفضي إلى نقاش مفيد بين الرفاق وأخيراً شكراً للرفاق الذين قرؤوا مسودة الترجمة وعلّقوا عليها.

- بداية الجزء الثاني

2- كيف دافع الليبراليون عن التوحيد بين العمال والتصفويين:

حفَّز مقدم إميل فاندرفيلده "Emile Vandervelde" –رئيس المكتب الاشتراكي الأممي- إلى روسيا النقاش حول مسألة التوحيد، كانت مهمته المستعجلة، جمعَ المعلومات حول هذه القضية، وجس النبض واتخاذ كافة الخطوات الممكنة نحو التوحيد. نعلم من التقارير الصحفية أنه زار مقر كِلا الصحيفتين (الماركسية والتصفوية)، وعلى "مأدبة طعامٍ" تبادل الآراء مع ممثلي هاتين الصحيفتين.
ظهر عقب عودة فاندرفيلده إلى بروكسل، مقابلتان معه في عدد يوم الأحد 21-يونيو لصحيفتي " the Paris Humanité" و شعب بروكسل " Brussels Peupl" الفرنسيتين. في هاتين المقابلتين صاغ فاندرفيلده الفوارق بين الاشتراكيين الديمقراطيين بشكلٍ غير دقيق، "بعضهم -يقول فاندرفيلده- أرادوا أن يُنظَّموا بشكل قانوني وطالبوا بالحق في تكوين الجمعيات، بينما أراد آخرون تأمين الإعلان الفوري للأركان (يقصد لينين هنا أركان الديمقراطية الجمهورية -المترجم)...والقيام بتأميم الأراضي." نعتَ فاندرفيلده هذه الفوارق بأنها "طفوليةٌ إلى حدٍ ما".
لسوف نكون مخطئين في تصورنا بأن هذا التعليق من قِبل فاندرفيلده في حال قرأه عمال روسيا الواعين طبقياً سيُقابَل بابتسامة "سَمِحة". إذا أراد "البعض" "التنظيم بشكل قانوني"، بمعنىً آخر، إذا عنوا حزباً علنياً وقانونياً، من الواضح عندئذٍ بأن الآخرين سيناهضون هذه النقطة، ليس عبر الإشارة إلى "الركن أو الأركان"، بل بالدفاع عن "التنظيم السري" والرفض المطلق للاشتراك في "النضال من أجل حزبٍ علني". فارقُ مثل هذا يؤثر على وجود الحزب –لن يؤاخذنا رفيقنا الموقر إ.فاندرفيلده عند القول-لا إمكانية لـ "تبويس الشوارب" هنا. من المستحيل من ناحية إزالة "التنظيم السري" ومن ناحية أخرى استبداله بحزب شرعي لأجله....
لكن فاندرفيلده لم يستفسر من الناس عن الفوارق فقط. في هذه المسألة فكِلاهما -رئيس وسكرتير مكتب الاشتراكيين الأممين- قد جمعا في حقائبهما عدد هائل من الوثائق، والتقارير، والرسائل من ممثلي كل ما هب ودب، من "قادة الكيانات" الحقيقية والصورية. قرر فاندرفيلده –كما يتضح بجلاء- أن ينتهز زيارته لسان بطرسبرغ لجمع بيانات واقعية محددة حول حجم التأثير الذي تمارسه مجموعات وفئات الاشتراكيين المختلفة (وشبه الاشتراكيين) في روسيا. فاندرفيلده رجل بالرغم من قلة خبرته السياسية، فإنه وبالطبع يعلم جيداً بأن في السياسة بالعموم وفي الحركة العمالية بالخصوص فإنه فقط، وفقط لا يؤخذ على محمل الجد إلا تلك الاتجاهات التي تمارس تأثيرا كبيراً.
حول هذا الموضوع فإننا نجد التصريح التالي للسيد فاندرفيلده في الصحيفتين المشار إليهما سابقاً "لدى الاشتراكيين في روسيا ثلاث صحف يومية. الثوريون (من الجلي أنه يشير لليساريين النارودنيين) ينشرون صحيفة يتداولها بين 10 و12 ألفاً، اللينينيون ويتداول صحيفتهم بين 35 و 40 ألفاً والمعتدلون (من الجلي هنا أنه يشير إلى التصفويين) ويتداول صحيفتهم حوالي 16 ألفاً."
هنا فإن إ.فيندرفيلده مخطئٌ بعض الشيء. فكما هو معروف، صحيفة اليساريين النارودنيين ليست يومية بل تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، أكثر من ذلك، وحسب معلوماتنا، فإنه يقلل من حجم تداول صحيفتنا والتي بلغت 48 ألف. من الأفضل في هذه المسألة أن تجمع معلومات دقيقة (مهم جداً لدراسة حركة الطبقة العاملة) عن شهرٍ كامل على سبيل المثال، في حال تعذر جمعها عن سنة.
لكن يا لحجم الفارق المهول هنا بين فاندرفيلده، الأوربي الحقيقي، والذي لا يقيم وزناً للسذاجة الآسيوية أو أساليب القواعد العامة، بل يجمع الحقائق، وبين الروس -التصفويين والليبراليين البرجوازيين- الثرثارين، الذين يتصنعون "الأورباوية"! على سبيل المثال، نُشِرَت مقالة في صحيفة (Rech-الخطاب) بعنوان "إ.فاندرفيلده والاشتراكيين الروس" (العدد 152، 7-يونيو، قبل يومٍ واحد من ظهور مقابلة فاندرفيلده مع الصحيفتين الفرنسيتين( كتب الممثل الرسمي للكاديت ما يلي:
"في حفل عشاء، أكد أحد البلاشفة لفاندرفيلده بأنه ما من أحدٍ لنتوحد معه، ’كما لو أنهم في الورش ووسط الطبقة العاملة قد توحدوا حول رايةٍ واحدة هي راية البرافدية، ما عدا قلة من المثقفين’، إنه مذنبٌ بالطبع لتضخيمه ومبالغته المثيرة للجدل"
إنها عينة من الأكاذيب المكسوة بالعبارات الرنانة والبراقة.
" تضخيم ومبالغة مثيرة للجدل!" وكأنه يوجد مبالغة بدون تضخيم! إن ممثلي الكاديت لا يكتبون بأسلوبٍ أمِّيٍ فقط، بل يعمدون تضليل قرائهم. إن كان البلاشفة مذنبين لـ "المبالغة المثيرة للجدل" فلماذا لا تقومون أنتم، أيها السادة المحترمون في الكاديت، –طالما طرحتم هذه المسألة في الصحافة- بالاستشهاد بحقائق غير مبالغ فيها ولا مثيرة للجدل؟
خلال الثلاثة أو الأربعة أيام التي أمضاها فاندرفيلده في روسيا، والذي لا يجيد الروسية، تمكن من جمع بياناتٍ موضوعية. لكن كاديت سان بطرسبرغ كتصفوييها، لم ينشروا أي بيانات موضوعية في صحفهم، ويتهمون البرافديين بـ"المغالاة" بغير وجه حق وبصورة نفاقية!
لنلقي نظرة على بيانات فاندرفيلده، فحسب ما نرى، حجم التداول الأسبوعي للصحف الماركسية، التصفوية، النارودنية، كان كما يلي (لا يوفر موقع الحوار المتمدن إمكانية نشر الجداول لذلك قام المترجم بعرض الجدول بهذا الشكل):

|التداول | النسبة المئوية| النسبة المئوية|
الماركسية |240,000 | 64.5% |71.41% |
التصفوية |96,000 | 25.8% | 28.6% |
النارودنية |36,000 |9.7% | |
المجموع | 372,000 |100%

هذه هي البيانات الموضوعية التي جمعها رئيس المكتب الاشتراكي الأممي. حتى في حال ضممنا النارودنيين مع أولئك الراغبين بـ"التوحيد" من التصفويين والماخيين وبليخانوف والذين يخافون المجاهرة بذلك علانيةً، فإن البرافديين ما زالوا الأكثرية (الثلثين تقريباً). وبدون حساب النارودنيين فإن البرافديين لديهم أغلبية 71.4%، أي أكثر من 7 إلى 10 زيادةً على التصفويين!
إلا أن الصحف لا تُقرأ ولا تُدار من قِبل العمال فقط. فإن البيانات الموضوعية المنشورة في صحف الماركسية والتصفوية أظهرت أن (بين 1-يناير و13-مارس، 1914) البرافديين لديهم 80% من مجموعات العمال، نسبة عمال سان بطرسبرغ أربت على 86%. ومن مجموع 21 ألف روبل تم جمعها من البرافديين، فإنه أكثر من 80% منها قد أتى من العمال، بينما عند التصفويين، فأتت أكثر من نصف تبرعاتهم من قِبل برجوازيين. وعليه، فقد بُرهِنَ بشكل قاطع وتام بأن أرقام التداول المنشورة تقلل من سيطرة البرافديين، حيث أن صحيفة التصفويين مدعومة من قِبل البرجوازية. وتظهر نتائج انتخابات مجلس التأمينات الاجتماعية التي لا تقل موضوعية أنه خلال انتخاب مجلس التأمينات الاجتماعية لعموم روسيا ، كان للبلاشفة 47 مندوبًا من أصل 57، أي 82.4 في المائة.
في الانتشار بين الجماهير، عبر صحافتها، فإن اتهام البرافديين بـ"المغالاة" (أكثر من ذلك "المغالاة المبالغ فيها") بدون الاستشهاد ببيانات موضوعية سواء من حجم تداول وانتشار الصحف، أو مجموعات العمال، أو انتخابات مجلس التأمينات الاجتماعية، يعني أن الكاديت ينتهج الكذب، ويرفعون من مستوى التصفويين.
إن المصالح الطبقية لليبرالية البرجوازية الروسية تحتم عليها الدفاع عن التصفويين، الذين اعتبرهم الماركسيون (القرار 1910) "أداة التأثير البرجوازي على البروليتاريا". لكن عندما يحاول الليبراليون تصنع "الحيادية"، تغدو أكاذيبهم منافقة ومثيرة للاشمئزاز.
ولأقوال الكاديت غرض سياسي واحد فقط، وهو استخدام التصفويين كأداة للتأثير البرجوازي على العمال.
"لا مجال للشك، أن مثقفي الطبقة العاملة الحقيقيين (!)، هؤلاء العمال الذين تحملوا وطأة الاشتراكية-الديمقراطية (كما تم تقييمه من الكاديت، وهم الخبراء في الاشتراكية-الديمقراطية!) عملوا في أكثر السنوات مشقةً، متعاطفين ليس مع البلاشفة، بل مع خصومهم (التصفويين والمناشفة). إن إزالة هذه العناصر من حزب العمال الروسي سينهكه من الناحية الفكرية، لدرجة أن البلاشفة سيقفون مذعورين جراء ما صنعت أيديهم."
هذا ما كتبه الكاديتيون في المقالة الافتتاحية لـ (Rech-الخطاب)
وللمقارنة فهذا ما كتبه المرشد الأيديولوجي للتصفويين ل.م في العدد الثالث من صحيفة (Nasha Zarya-فجرنا) (1914، صـ68):
"هذه ثورة [العمال البرافديين] ضد ديمينتيف Dementievs، غوزديف Gvozdevs، شيركين Chirkins، رومانوف Romanovs، بولكين Bulkins، كابتسان Kabtsans والبقية، كممثلين عن قسم بأكمله من الماركسيين الذين يحاولون "تصفية" مرحلة الرومانسية الطفولية في حركة الطبقة العاملة الروسية"
كما ترون، فإنه يوجد تطابق تام. يردد الكاديت في افتتاحية (Rech) نفس الموال الذي يردده ل.م في (Nasha Zarya). إن الانتشار المحدود لصحيفتي (Zarya و Nasha Likvidatorskaya Gazeta) مضافاً إليها صحف الكاديت، تشهد على الاشتراكية-الديمقراطية لكل من بولكين Bulkin، شيركين Chirkin وشركائهم.
سمّى السيد ل.م حفنةً من العمال التصفويين، نكرر عن طيب خاطر هذه الأسماء، وسيميّز -على الفور- عمال روسيا الواعين طبقياً هؤلاء العمال الليبراليين، الذين عُرِفوا منذ زمنٍ بالهجوم الذي شنوه ضد "التنظيم السري"، أي ضد الحزب. لنقرأ ما كتبه بولكين في ذات الصحيفة (Nasha Zarya ) إلى جانب ل.م وسوف ترون أن كليهما يتبرآن من "التنظيم السري" –الأمر الذي يسر الليبراليين- ويهاجمانه.
ويجب أن نسجل ونأخذ بالحسبان حقيقة أن " ديمينتيف، غوزديف، شيركين، رومانوف، بولكين، وكابتسان"، والذين يشير إليهم السيد ل.م –وكما يؤكد لنا الكاديتيون- بأنهم "مثقفي الطبقة العاملة الحقيقيين "، بأنهم بالفعل عمال ليبراليون مخلصون! وهذا يتبدى واضحاً في مقالة بولكين. ننصح بشدة العمال الواعين طبقياً والذين لم يطلعوا إلى الآن على كتابات هؤلاء بأن يقرؤوا ما كتبوه
صحيفة (Rech ) تحاول إخافتنا من احتمال "الانفصال عن حزب العمال" من قِبل هؤلاء (كما تؤكد لنا الصحيفة) الاشتراكيين الديمقراطيين، هؤلاء الذين قامت الصحيفة بمدحهم!
لكن يجب الرد بابتسامة فقط، فكما هو معلوم فإن هذه الحفنة من الشخصيات الذاهبة إلى معسكر الليبراليين-التصفويين، وأن هذا "الانفصال" يخدم ويضمن تشكيل حزبٍ حقيقي للعمال (لا ليبرالي).
في نفس المقالة الافتتاحية التي تطفح بمديح "الشجاعة الإيثارية للتصريحات الهادئة أحياناً، والمتذبذبة أحياناً " للعمال التصفويين والليبراليين، ثق بـ (Rech) والليبراليين لتثني عليهم! الليبراليون في روسيا، خاصةً بعد العام 1905، ليس بإمكانهم ممارسة تأثير مباشر على العمال. وليس باستطاعتهم الرفع من قدر التصفويين، والذين تحت ستار الديمقراطية-الاشتراكية يقومون بنفس أعمال الليبراليين ويؤدون دور "الأداة البرجوازية للتأثير على البروليتاريا" (انظر القرار 1910!).
"الاختلافات بينهم (مجموعات الاشتراكيين-الديمقراطيين) لن تزول قريباً، لكن بينما تحفظ كل مجموعة خصائصها المميزة يجب أن يتحدوا، لا أن تنقل صراعاتها إلى صفوف العمال ، الذين استيقظوا للتو على الحياة السياسية الواعية. إن الانشقاق بين العمال هو أمر يبعث على السرور الكبير للرجعيين. هذا وحده يكفي لجعل الشرفاء في كلا المجموعتين يجاهدون بكل إخلاص وجدية من أجل الوحدة." هذا ما خطته صحيفة (Rech).
نحن سعداء للغاية بعدم الانتماء إلى هذه الزمرة الليبرالية من "الشرفاء" وإلى أولئك الذين يعتبرونهم "شرفاء". سوف نعتبره عاراً إذا ما انتمينا لهذه الزمرة. نحن مقتنعون بأنه فقط أولئك السذج أو الحمقى يمكنهم أن يؤمنوا بـ "حيادية" البرجوازية الليبرالية ، خاصة عندما تكون حركة الطبقة العاملة من أجل التحرر ،أي، صراعها ضد البرجوازية.
يخطئ الكاديتيون في حال تصوروا أن عمال روسيا لديهم سذاجة طفولية، أو أن بوسعهم التصديق بـ"حيادية" البرجوازية الليبرالية عند تقييمها لـ "الشرف/الصدق". الليبراليون البرجوازيون يعتبرون التصفويين ومؤيديهم أشخاصاً "شرفاء" لأنهم، وفقط لأنهم، يقومون بتقديم خدماتٍ من الباطن للبرجوازية، التي تستخدمهم كأداة للتأثير الأيديولوجي على البروليتاريا.
متحملين المسؤولية الكاملة عن أفعالهم، أعلن الماركسيون الروس الموحَدين وبشكل صريح وعلني قبل أي أحد من عمال روسيا، أن فئاتٍ محددة من التصفويين (Nasha zarya ومجموعة لاك Luck...إلخ) منبوذةٌ من الحزب. هذا التصريح قد اتخذ في يناير 1912. مذَّاك، وعلى مدار سنتين ونصف، اصطف إلى جانب البرافديين أربع أخماس عمال روسيا الواعين طبقياً، أي، 5674 مجموعة من العمال مقابل 1421 مجموعة إلى جانب التصفويين وداعميهم، تصرف التصفويون وكأن العمال قد جنحوا عنهم. إن صحة قرارنا (المقصود قرار يناير-المترجم) تثبتها الوقائع والخبرة الثورية للأغلبية الساحقة من العمال.
إن المصالح الطبقية الأنانية هي ما يكمن خلف تأييد الليبراليين لـ"التوحيد" (بين العمال والتصفويين). فقط بانفصال التصفويين سيتهيأ للحزب مواجهة الأيام الصعبة بشرف –إننا نعطي لهذه الكلمة معنىً مختلفاً عمّا تعطونه أنتم يا حضرات السادة في (Rech)! فانفصال التصفويين عن الحزب سيعطي للرجعيين لا "البهجة والسرور" بل الأسى، حيث أن التصفويين قد وقفوا في وجه الاعتراف بالأشكال القديمة، بـ"التراتبية" القديمة، والقرارات القديمة...إلخ، فإنهم أنفسهم وطوال سنتين ونصف أظهروا عدم القدرة على تشكيل أي تنظيم كان، "أغسطس" (1912) كتلة التصفويين وأربابهم تنهار.
بالرغم من التصفويين، وفقط بدونهم وضدهم، أمكن للعمال القيام بتلك الأعمال اللامعة، انتخابات التأمينات الاجتماعية وتأسيس الصحف والتي أفضت إلى أغلبية أربعة إلى خمسة لخصوم التصفوية.
يدرك الليبراليون بأنه عبر "الانفصال" سيزول وجود خصوم "التنظيم" بين صفوف العمال، حفنةٌ من المثقفين التصفويين، ويدركون بأنه عبر "التوحيد" سيضمنون بقاء تأثير التصفويين على العمال.
نحن ننظر للمسألة بشكل مختلف، فنعني بالـ"توحيد"، حقيقة أن أربع أخماس العمال قد توحدوا حول الراية القديمة. ونعني بالانفصال، رفض التصفويين قبول واحترام إرادة أكثرية العمال، وبالتالي الاستهزاء بها (أي الإرادة). وعلى أساس خبرة سنتين ونصف والتي جمعت البرافدية حولها أربع أخماس العمال، فإنه من المحتم علينا متابعة تحقيق وحدة أشمل ضمن نفس الخط –من أربع أخماس إلى تسع أعشار ولاحقاً إلى عشرة من عشرة.
إن المواقف والنظرات المختلفة لكل من البروليتاريا والبرجوازية يؤدي لظهور وجهتي نظر متعارضتين بخصوص التصفويين –نظرتنا ونظرة الليبراليين.
كيف يُفسر موقف بليخانوف؟ لقد انفصل عنهم (أي بليخانوف) في 1908 بشكل حازم، وبنفس الوقت والحزم أيد عبر الصحف قرارات الحزب ضد التصفويين، لدرجة أن البعض أمِلَ بأن نوسانه قد وصل إلى آخره. الآن، وبعد أن التف حول البرافدية أربع أخماس العمال، عاد بليخانوف إلى عادته القديمة، والتفسير الوحيد لـ "موقفه" هذا، والذي في الواقع يعتبر مع موقف (Rech) الليبرالية وجهان لعملةٍ واحدة، بأن هذا يعود لتذبذب شخصيته –مرضٌ أصيب به في العام 1903.
كما (Rech)،فقد فسَّر بليخانوف "التوحيد" كوسيلة لضمان تأثير التصفويين على العمال بالرغم من إرادة العمال، بالرغم من قرارات الحزب، بالرغم من أن التصفويين قد هزؤوا بهذه القرارات. البارحة شبّه بليخانوف السيد بوتريسوف " Potresov" بيهوذا الأسخريوطي، وكم كان صحيحاً عند قوله بأن الحواريين كانوا أقوى بدون يهوذا بالمقارنة حين كان معهم. على أية حال، فاليوم عندما أثبتت الوقائع بشكل قطعي أن التصفويين في نفس الخندق مع بوتريسوف وأنهم يسخرون من قرارات الحزب، فينعطف اتجاه التصفويين وينصح البرافديين بأن لا يكلموهم بـ"لهجة المنتصر"! بمعنىً آخر، ولنضعها بسياق أوضح، فإن الأغلبية يجب أن تترَّفع عن طلب الإقرار بإرادتها واحترام قراراتها من قِبل الأقلية، مما يستتبع أولئك الذين وبكل تعمد يخرقون قرارات الحزب!
وبكل أسى فعلى العمال الاعتراف بأن بليخانوف يعاني من هجمة أخرى من المرض السياسي المتمثل بالتذبذب والنوسان والذي قد عانى منه قبل عشر سنين خلت.... وسوف يتجاهلونه.
على العموم، هناك تفسيرٌ آخر لنوسان بليخانوف، تفسيرٌ نعطيه المرتبة الثانية ذلك أنه يجعل بلخيانوف أقل موثوقية. تنمو بين الاتجاهات المتنافسة –التصفويين (والتي تستقي قوتها الاجتماعية من التعاطف مع البرجوازية الليبرالية) والبرافديين (والتي تستقي قوتها الاجتماعية من الوعي الطبقي وتماسك الأغلبية من عمال روسيا، الذين يصحون من عتمتهم ليروا نور الفجر)- بشكل حتمي مجموعاتٌ من المثقفين المتذبذبين. لا توجد خلف هذه المجموعات أي قوة اجتماعية، وليس لديهم أي تأثيرٍ على العمال، لأنهم سياسياً هم مجرد تافهين. بدلاً من خطٍ واضح وصارم والذي يجذب العمال وقد برهنته التجربة المعاشة، سادت حلقة دبلوماسية ضيقة في هذه المجموعات. غياب التواصل مع الجماهير، وكذا غياب الجذور التاريخية في حركات الاشتراكية-الديمقراطية في روسيا (أصبحت الاشتراكية-الديمقراطية حركةً جماهيرية مع صدامات العام 1895)، وغياب الاتساق والتكامل والوضوح وبالطبع الخط المحدد والذي صقلته خبرة السنين، أي غياب الإجابات على مسائل التكتيك والتنظيم والبرنامج –هذه هي التربة التي تنمو فيها الحلقة الدبلوماسية الضيقة وهذه هي أماراتها.
صحيفة بليخانوف (Yedinstvo-الوحدة)، ككيان سياسي، تُظهِر كل هذه الأمارات ( مثل Borba تروتسكي. على فكرة، لندع القارئ يتفكر في أسباب الشقاق بين هؤلاء الدعاة "التوحيديين"، Borba و Yedinstvo...). النائب بوريانوف Buryanov، مثل أي نائب آخر –والذي نسبياً يعد "عاش طويلاً" بين سياسي روسيا العابرين-، قد كان تصفوياً لمدةٍ طويلة، ولكنه الآن ارتد ناحية بليخانوف. إلى أين تذبذب ولكم من الوقت، هو نفسه لا يعلم. ولكن بالنسبة للحلقة الدبلوماسية الضيقة، فإنه وبالطبع ما من ضربة حظ أعظم من اكتساب هكذا نائب "متذبذب"، الذي صبا للـ"توحيد" بين مجموعة الذين يريدون مساعدة التصفويين في الاستهزاء من إرادة أغلبية العمال، ومجموعة الذين يريدون التأثير على تلك الإرادة.
تصوروا "توحيداً" بين المجموعتين دون الأخذ بإرادة أغلبية العمال. ستقولون هذا مستحيل ومروِّع، لأن على النواب تمثيل إرادة الأغلبية! لكن ما تعتبره البروليتاريا مروعاً يراه الليبراليون فضيلة، نعمة، مباركة، واستقامة، وربما شيئاً مقدساً. (حتماً سيجادل ستروف Struve في " Russkaya Mysl" –سيؤيده بيرداييف Berdayev، إزغوييف Izgoyev، ميريزكوفسكي Merezhkovsky، والآخرين- بأن اللينينيين "انقساميون" آثمين، في حين أن التصفويين وبليخانوف –الذي يدافع اليوم عنهم في وجه العمال "المنتصرين"- هم يد الرب على الأرض.)
إن قبول وجهة النظر هذه (في الواقع وجهة النظر الليبرالية) عن "التوحيد" بين مجموعتي الدوما بشكل مستقل عن إرادة أغلبية العمال، ستدركون عندها لمصلحة من تكون هذه العملية! مصلحة الحلقة الدبلوماسية الضيقة للسيد بوريانوف ومجموعة الشعبويين والذين يكتبون في الـ(Yedinstvo ) ليلعبوا على الفوارق بين المجموعتين، واستخدامها لغرض لعب دور الـ"وسيط" الأبدي.
وسيطٌ كهذا من الممكن أن يكون بوريانوف، تروتسكي، بليخانوف، سلير، شيرنوف، سوخانوف، أو أي شخص آخر، قد يقول: من جهة أولى، فإن التصفويين مخطئين لتملصهم من قرارات الحزب، ومن جهة ثانية فإن البرافديين مخطئين لأنهم تكلموا مع زملائهم بلهجةٍ غير لائقة، خاطئة، وآثمة "أي لهجة المنتصرين"، زاعمين أنهم يقومون بهذا نيابةً عن الأغلبية. "وسيطٌ" كهذا قد يذهب للقول بأن هذا السلوك الإصطفائي والمتأمر سلوكٌ "جدلي/ديالكتيكي" والزعم بأنه "توحيدي"... بعد كل هذا، لقد مرت حالاتٌ مشابهة في حزبنا. لنتذكر على سبيل المثال، الدور الذي لعبه البونديين والتيزكا (Bundists و Tyszka) في مؤتمر لندن وستوكهولم في الفترة بين 1906 و1911.
لقد كانت أياماً رغداء للحلقة الدبلوماسية الضيقة، وسيئةً لحزب العمال، أيامٌ لم يك خلالها العمال الواعين طبقياً قد التفوا بإحكام في مواجهة هذه الأدوات البرجوازية، الاقتصادويين والمناشفة.
تلك الأيام تمضي الآن، (Rech) وأعضاء الكاديت، ينوحون على "نقل النزاع إلى صفوف العمال". هذه هي وجهة نظر الجنتلمان الليبرالي. نحن نرحب بهذا "النقل"، هم وحدهم وهم فقط من سيميزون بين النزاع وبين الاختلاف في المبادئ، سوف يميزون هذه الاختلافات لأنفسهم، مشكلين آراءهم الخاصة ويحسمون ليس "مع من يذهبون، بل إلى أين"، أي أن خطهم المحدد والواضح قد تحدد واختبر من قِبلهم.
قد أزِفَ هذا اليوم. بإمكان جماهير العمال البرافدية التمييز بين "النزاع" والاختلافات، لقد أوضحوا بالفعل هذه الاختلافات لأنفسهم وحددوا خطهم الخاص، فالأرقام الخاصة بمجموعات العمال تؤكد بعد سنتين من النضال العلني (1912-1913) هذه الحقيقة. لقد اقتربت الحلقة السياسية الضيقة من نهايتها!
رابط المقال الأصلي:
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1914/jun/x01.htm