نتانياهو يشطب الاحتلال


يعقوب بن افرات
2018 / 11 / 7 - 11:43     

"الإحتلال هو مجرد خزعبلات" - هكذا وصف نتانياهو الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، في حديثه أمام أعضاء كتلة الليكود، في الكنيست الإسرائيلي. واردف رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلا: "القوة هي الشيء الأساسي في السياسة الخارجية الإسرائيلية، يوجد دول كبرى إحتلت دول صغيرة، واستبدلت سكانها، ولا أحد يتكلم عنها، قوتنا هي التي تحدد العلاقة بيننا، وبين الدول العربية".
أقوال نتنياهو جاءت بعد زيارته الموفقة الى سلطنة عُمان، وبعد زيارة وزيرة الثقافة والرياضة، "ميري ريغيف" الى دولة الإمارات المتحدة برفقة منتخب اسرائيل للجودو، ومشاركة منتخب إسرائيل للجمباز في بطولة العالم التي استضافتها الدوحة. واثبتت هذه الزيارات، والحضور القوي لإسرائيل في الخليج، إن اقوال نتانياهو ترتكز الى اسس متينة. فالإحتلال لم يكن عقبة لتوطيد وتعزيز العلاقة بين إسرائيل والدول العربية الخليجية.
وقد أكد الصحفي عبد الرحمن الراشد في صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية، حين قال في مقال له " ان إسرائيل أصبحت لاعباً إقليمياً مهماً، في كل القضايا، ولم تعد محصورة ومحددة في النزاع الخاص بفلسطين." في مقاله الذي نشرته 6/11بعنوان "خاشقجي والمواقف الثلاثة" أشار الراشد إلى موقف نتانياهو الداعم للسعودية، مستذكراً وقوف اسرائيل الى جانب دول الخليج المتحالفة مع السعودية، إضافة الى مصر والأردن حيث اعتبر رئيس الحكومة الاسرائيلية ان الهجوم على السعودية أمرا مرفوضا، ضمن رؤيته التي ذكرها الكاتب "من معنا ومن ضدنا." نعم "الإحتلال" لم يلغ من القاموس العربي بسبب نتانياهو، بل بسبب الموقف السعودي، وتحديدا الموقف الشخصي لولي العهد محمد بن سلمان الذي ضحى بكل سهولة بالمصلحة الفلسطينية من أجل تنفيذ الإنقلاب الأبيض داخل البلاط الملكي.
ان هذا الدعم غير المشروط من قبل إسرائيل وأمريكا لسياسة محمد بن سلمان، هي التي منحته الشعور بالحصانة المطلقة لينفذ جريمة قتل كان ضحيتها الصحافي السعودي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في اسطنبول ونفذها بدم بارد 15 رجل امن من المخابرات السعودية. ولولا تأكده وثقته من موقف ترامب ونتنياهو بتوفير غطاء له وتبرئته من الجريمة النكراء التي ارتكبها لما تجرأ وأقدم على ذلك، رغم ان بصماته تكشف وتفضح دوره الاجرامي في هذه الجريمة .
ولولا الموافقة المسبقة من ولي العهد السعودي بن سلمان لم يكن ترامب ليطرح ويعلن عن "صفقة القرن"، ولم يكن لينقل السفارة الأمريكية الى القدس. في المقابل وفرت أمريكا وإسرائيل لمحمد بن سلمان الحصانة المطلقة، وملاحقة كل من يعارضه وشعوره بأنه هناك ضوء أخضر لقتل المعارضين له في كل مكان في العالم، إذا رفضوا مبايعة النظام القمعي الجديد.
واذا يدّعي هؤلاء بأن "صفقة القرن" قد أنهت الإحتلال، وحوّلت الضفة الغربية لجزء من إسرائيل، وأزاحت قضية الإستيطان عن الطاولة، فشأن قطاع غزة مختلف تماما. بإسم حل الوضع "الإنساني" في غزة يتم اليوم التفاوض الفعلي عبر مصر بين إسرائيل وحماس بهدف الوصول الى هدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار حتى وبشكل جزئي. في حين قطعت الحكومة الإسرائيلية الحوار السياسي مع سلطة رام الله منذ أربع سنوات، فهي تستمر بحوارها مع حماس وبشكل مكثف على أساس المصلحة المشتركة لحماس ولإسرائيل، وهي الفصل بين الضفة الغربية وغزة وإنشاء كيان "اسلامي" مستقل تحت سيطرة حماس.
وإذا تستخدم حماس مسيرات العودة كورقة ضغط على إسرائيل والمصريين للحصول على تنازلات اكبر فهي في الوقت نفسه، تُستعمل من قبل اسرائيل وامريكا للضغط على السلطة الفلسطينية لكي تغير موقفها من صفقة القرن والإنخراط بها. وتستعمل إسرائيل كل الوسائل الممكنة للضغط على السلطة، فتارة تهدد بإدخال دولة قطر على الخط كممول لمعاشات الموظفين بعد ان قررت سلطة رام الله خصم راتبهم بالنصف. بعد ذلك تعمم إسرائيل خبر "عبقري" حول نيتها تحويل اموال "المقاصة" الى غزة. بمعنى آخر إسرائيل تعلن بأنها ستبدأ قريبا بتحويل أموال الجمارك التي تُجبي لصالح السلطة الفلسطينية الى حماس. ورغم كل الإنتقادات التي يتعرض لها نتانياهو من خصومه في اليمين، مثل وزير التربية بينيت، ووزير الدفاع ليبرمان، بانه يخشى المواجهة مع حماس ولا يرد بالقوة على راجمات الصواريخ التي تمطر بين الحين والأخر على المدن والبلدات الإسرائيلية، فنتانياهو ثابت في سعيه للوصول الى إتفاق مع حماس الأمر الذي أصبح غاية إستراتيجية إسرائيلية من الدرجة الاولى.
مع ذلك فالطريق الى التهدئة مع حماس ليست سهلة، بل تبدو أحيانا مستحيلة. فحماس تعتبر طرفا محسوب على حركة الإخوان المسلمين ولها علاقات وطيدة مع الرئيس التركي أردوغان ومع إيران ومع قطر وكلها جهات لا تثق بها إسرائيل. وحتى إذا أرادت قطر ان تملئ الفراغ الذي تركته السلطة الفلسطينية، فالعلاقة القريبة بين نتانياهو وبين محمد بن سلمان، وعبد الفتاح السيسي، لا تسمح بذلك.
فرغبة قطر دفع 15 مليون دولار شهريا لتغطية أجور الموظفين التي وقفها أبو مازن لا يأت من حسن نية، بل لخدمة المصلحة الإستراتيجية القطرية. فإذا أرادت حماس بأن تفك الحصار المفروض عليها من قبل الثلاثي المقدس، سلطة رام الله، مصر وإسرائيل فقطر تريد هي أيضا فك الحصار الخانق الذي فرض عليها الرباعي المقدس، السعودية، الأمارات، البحرين ومصر.
ان هذا الغزل بين قطر وإسرائيل، ينافسه الغزل من قبل المحور الخليجي المضاد وفي حالة من هذا النوع لا غرابة ان يشعر نتانياهو أن قوة إسرائيل العسكرية والتكنولوجية هي التي تفرض الموقف في المنطقة وأن الإحتلال لم يعد شيء مهم، أو حاجز أمام التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. ان كثرة الخيارات تضع نتانياهو امام عدة احتمالات: فله تنسيق امني مع ابو مازن، وعلاقة إستراتيجية مع مصر، بينما محمد بن سلمان تبنى صفقة القرن والضم الفعلي للضفة الغربية الى إسرائيل. في نفس الوقت تستعد قطر بان تموّل الهدنة بين إسرائيل وحماس وتساهم في الإنفصال التام بين الضفة الغربية وغزة كما تريد اسرائيل. ورغم الايحاء بأن إسرائيل مستعدة ان تأخذ كل الخيارات بالحسبان إلا أن خيارها الإستراتيجي يبقى سلطة رام الله التي لا بديل عنها بالنسبة لإسرائيل. فما تريده اسرائيل هو "إنهاء الإنقسام" بين فتح وحماس ليس من أجل توحيد غزة والضفة الغربية بل بالعكس من أجل الفصل بين الكيانين. إسرائيل تريد من ابو مازن ان يمول الصفقة مع حماس، وان يذهب من بعدها الى المفاوضات ضمن "صفقة القرن" حول مستقبل الضفة الغربية. ان وجود كيانين فلسطينيين هو دون شك الحل الامثل لإسرائيل وهو ما نسعى اليه الادارة الامريكية.
وتبقى مطالب نتانياهو وترامب من ابو مازن بمثابة الإنتحار السياسي له ولهذا السبب قطع هذا الأخير علاقاته مع الإدارة الإمريكية ومبعوثها الخاص لحل النزاع في المنطقة جيسون غرينبلات، ويصر على إشتراط المصالحة مع حماس، بموافقة الحركة على "التمكين الكامل" مما يعني إرغام حركة حماس على "تسليم القطاع من الباب للمحراب وفوق الأرض وتحتها" مثل ما يقولونه مسؤولو السلطة في رام الله.
ومن هنا فإذا أرادت إسرائيل بأن تلعب فتح "دورأ إيجابيا" في غزة فعليها أن تقدم تنازلات لابو مازن: غزة أصبحت مشكلة إسرائيلية أكثر منها فلسطينية. ومن هنا ليس امام نتانياهو حل حقيقي لأزمة قطاع غزة، فالقوة العسكرية والتكنولوجيا، قد تفتح أمامه أبواب الخليج ، ولكنها لا يمكن ان تحل القضية الفلسطينية. فالحل العسكري وإحتلال غزة من جديد ليس واردا بالنسبة للقيادة الإسرائيلية كما وإعادة الحكم العسكري على الضفة الغربية ليست واردة ايضا. ومن هنا تبقى القضية الفلسطينية على شقيها شوكة في حلق اسرائيل، فان إستطاعت ان تشطب الإحتلال من القاموس، فانها لن تفلح في شطب خمسة مليون فلسطيني، موزعين بين غزة ورام الله والذين يعانون من الحصار المفروض عليهم عربيا، ومن سلطتين فاشلتين تتنافسا على السيطرة عليهم ولا تقدم للشعب الحد الادنى من الحياة الكريمة.