السيسي بين فترته الدائمة والأزمة الشاملة


أحمد محمد منتصر
2018 / 10 / 27 - 11:36     

لو محوت محيط الدائرة سينهار مركزها ، المركز سيتحول إلى مجرد نقطة عادية ، لأن المركز مركز بفضل المحيط.
وعليه فإن علاقة السيد والعبد تبدأ في التهدم بفضل نشاط العبد نفسه ، الحمقى والمغفلين هم من ينتظرون الخلاص مثلما كان ينتظر إستراجون وبوزو شخصية (غودو) في مسرحية صامويل بيكيت ، أما غودو في مسرحية واقعنا البائس فهو يخلع البدلة العسكرية ليتسلم السُلطة الجمهورية بعد مقدمة مروّعة علي ظهر الدبابات العسكرية ليبرز نظام غودو الجمهوري -نظام عبدالفتاح السياسي- بكونه سُلطة ضعيفة غير قادرة علي تأمين حتي غذاء عبدها المحكوم -أي المواطن- ومُتزامنة مع بؤس جماهيري وتبدّل مزاجي متزامن مع حالة الترهل والضعف في مفاصل الدولة.
وعليه فإنّنا نعيش بوادر أزمة وطنية شاملة يتشارك فيها الحاكمون والمحكومون مصير تلك السُلطة الضعيفة الغير قادرة علي تأمين غذاء عبدها ونقصد بالضعف هنا التردي الخدمي والمعيشي لكفالة عبدها المأجور , ذلك التردي الناتج عن سياسات حكومة رجال الأعمال واللواءات التي أودت إلي أن يعشش البؤس , ولعل ذلك ليس بمنأي عن منظومة تستمد حُكمها من قلب التفسّخ الإجتماعي الذي ينجُم عن إستئثار طبقة المالكين لرفاهيات الحياة و إغراق عوام المملوكين في سياسات التقشف والإفقار , و ها نحن نواكب ذلك الإنهيار الإقتصادي الذي سيُغرق معه البنية الإجتماعية ليظهر لنا الصراع علي حقيقته "صراعاً طبقياً" من الدرجة الأولي.
فالنظام الحاكم يُحمّل فاتورة الإنهيار الإقتصادي علي الفقراء ومحدودي الدخل من أجل إرضاء صندوق النقد الدولي وإنقاذ نفسه من الإفلاس , ويطلقون تحرير سعر الصرف لحل الأزمة , يكذبون ويتبجحون هؤلاء اللصوص الذين يحكمونا , تُملي عليهم الشروط فتُملي علينا الأكاذيب تِباعاً , لكي نحمل و يحمل معنا أجيالنا القادمة ديون وإقترافات لصوص الطبقات الحاكمة الذين لا يعرفون سوي الإقتراض.
يقول الثوري الروسي فلاديمير لينين في مقالته "فن الإنتفاضة" :
"لا يقوم الناس بالثورة طواعية كما لا يخوضون الحرب عن رضى أبدًا ومع ذلك فإن الفرق بين الحرب والثورة هو أن الدور الحاسم في الحرب هو دور الإلزام والقسر , أما في الثورة فليس هناك من إلزام سوى إلزام الظروف وقسرها, وتنفجر الثورة عندما لا يبقى هناك سبيل آخر , ولا يمكن أن تحدث الانتفاضة التي ترتفع فوق الثورة كقمة في سلسلة أحداثها بصورة ارتجالية ، كما لا يمكن ارتجال الثورة بمجملها , فالجماهير تهاجم وتتراجع في عديد من المرات قبل أن تقرر القيام بالانقضاض الأخير".
إننا نعيش الآن فترة إلزام الظروف التي تتوافق فيها أزمتان : "إقتصادية وأخري سياسية" علي ضرورة تطويع تلك الظروف ليس للخلاص من عبدالفتاح السياسي فقط ، بل من كنة النظام الجمهوري الهش.
في روسيا السوفيتية عام 1921 حدثت مجاعة نتاج الحرب الأهلية والحصار الرأسمالي أنتجت نوع من البشر نُسمّيه " بشر الأزمة " تغذّوا علي الميتة من الحيوانات بل وجيف البشر ، في مصر أعقاب 2013 وتغير الوضع العام ومروراً بسياسات النقد الدولي وتردّي الأحوال المعيشية والإقتصادية ظهر لدينا " بشر الأزمة " أيضًا ، وهؤلاء هم الطبقة المتوسطة المصرية التي نُسمّيها " الكتلة الحرجة " نظرًا لإسهامها وتأثيرها المباشر في تحديد القدرة الشرائية للبضائع وتأثيرها علي الإستهلاك العام.
تاريخياً تعتبر الطبقة الوسطى بمثابة صمام الأمان لأي مجتمع بشري، وكلما زاد عدد هذه الطبقة وحجمها، كلما شكلت مصدراً مهماً للاعتدال والأمن والأمان المجتمعي في الإستهلاك وعدم ركود الحياة ، فالغلاء العالمي الفاحش وتزايد الحاجات والهبوط المستمر لمستويات المعيشة، تعاظم مناحي العوز، ارتفاع معدلات البطالة وما يترافق ذلك مع تهديد اجتماعي واضح للدول والمجتمعات العربية، دق ناقوس الخطر إلى وجوب الحفاظ على الطبقة المتوسطة، التي بدأت الدراسات أخيراً تشير إلى تآكلها في بعض البلدان العربية، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسكن والدواء وتدني الرواتب.
أما في الإقليم القومي المصري ، فمصر تشهد أكبر تراجع للطبقة المتوسطة على "مستوى العالم" منذ بداية الألفية وحتى العام الماضي، بحسب بيانات بنك كريدي سويس المتخصص في تقدير الثروات، وتبدو هذه الطبقة معرضة لمزيد من التدمير نتيجة الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة هذا العام في إطار برنامج "الإصلاح الاقتصادي" الذي تبنته، وحصلت بموجبه على مجموعة من القروض الدولية.
فتقلصت الطبقة المتوسطة في مصر بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2017، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالي البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين.
وفي هذا الصدد تنافس مصر على صدارة العالم في تدمير الطبقة المتوسطة 4 دول، وهي الأرجنتين واليونان وروسيا وتركيا، بحسب تقرير كريدي سويس، لكن معدلات تآكل الطبقة المتوسطة في الدول الأربعة مازالت بعيدة عن الحالة المصرية، بفارق ملحوظ يصعب تضييقه خاصة بعد الإجراءات التقشفية الأخيرة في مصر.
إذا كانت هناك بضاعة إستهلاكية ما فالفقراء والفقراء جدًا هم بالأصل غير مداومين علي إقتناءها ، وعلي النقيض فالأغنياء هم مداومون علي إقتناءها ، أما ما يستطيعوا التأثير فعلًا وحسم مدي رواج تلك البضاعة من عدمه هم الطبقة المتوسطة : تلك التي تُداوم علي إقتناءها طالما كان يكفيها راتبها الشهري ، ولكنّ حين يرتفع سعر تلك البضاعة بسبب إضطراب السوق -مثلما حدث بالسوق المصري- فإقبالها علي تلك البضاعة سيتضاءل ، فحينما كان راتب الأسرة المتوسطة = ر ، وكان سعر البضاعة = س ، كانت تشتري الأسرة البضاعة ن من المرات ، ولكنّ حين يظل راتب الأسرة المتوسطة = ر ، ويزداد سعر البضاعة = س+1 ثم س+2 ثم س+3 ... إلخ فإن إقبال الأسرة علي شراء البضاعة الذي كان = ن ، سيصبح ن_1 ثم ن_2 ...إلخ.
فالفقير جدًا مع غلاء الأسعار هو من البداية لم يكُن حريصًا علي إقتناء تلك البضاعة فتأثيره علي القدرة الشرائية يكاد يكون صفر ، وعلي النقيض الغني جدًا مهما زاد سعر البضاعة فهو قادر علي شراءها ولذلك فأيضًا تأثيره ليس بالكبير ، لكن أبناء الطبقة المتوسطة الملتزمين براتب ثابت سيُعانوا الأمرّين جراء تلك الإضطرابات ، وحينها سيكونوا الكُتلة الحرجة مثلما ذكرت سابقًا في تأثيرهم علي طبيعة الإستهلاك العام.
هنا يظهر الصراع بين الطبقة الوسطي والطبقات الفقيرة والأشد فقراً ، وبالتالي نجد أنفسنا أمام صراع ثانوي يتبلور ليتطور ليصبح صراع أساسي في لحظة الذروة : المُهدّدون بفقدان الإمتيازات الذين مازالوا قادرين علي التوظّف والتربّح والإرتقاء الوظيفي والطبقي -الطبقة الوسطي- ، وعلي الجانب الآخر الفاقدون للإمتيازات المسلوبين من التوظّف والإرتقاء -الفقراء والأشد فقرًا-.
الطبقة الوسطي التي تسود فيها كافة الأفكار المُحافظة الإجتماعية ، كما يسود فيها شكل العائلة البرجوازية التي تستثمر أبناءها في التعليم للحصول علي شهادات ، لتوظيفهم والتعويل عليهم في رفع الأسرة طبقياً ، الطبقة الوسطي المتعددة المصالح والغير متجانسة بسبب تماهيها مع أنماط التفريد/فردنة المصالح : حيث مصلحة الشخص هي مصلحة ذاتية غير مرتبطة بالظروف الجماعية ، الطبقة الوسطي التي تنظر للفقير بعين من الإزدراء بكونه فاشل وقدره أن يكون فقير ، الطبقة الوسطي التي تري الأكل والشُرب والتوظيف وإقتناء الملابس والسيارات حقوق يكتسبها أي فرد لمجرد كونه ناجحًا في عمله وأمام مديرينه ، الطبقة الوسطي التي تتحدث عن الأذواق والجمال والمتعة والمزيكا والسينما والأكل الصحي وان سبب فساد وتدهور البشر هو إفتقادهم لكل ما سبق!! ، في حين إن كل ما سبق هو مسلوب قصدًا وعمدًا من طبقات بعينها فقط لتسليعه ، الطبقة الوسطي التي تحقد علي الأغنياء وتمقت الفقراء في آنٍ واحد ، الطبقة الوسطي التي يتم إغراءها بالزيادات السنوية وخصومات البرندات المستوردة والتمتع بالقروض الشخصية ، الطبقة الوسطي التي تري في الصدقة والزكاة والتبرعات والإحسان هي الطرق الوحيدة لكفالة الفقراء!
لذلك في لحظات الصراع الكبري ، لا يصطف الشعب صفًّا واحدًا أمام الحكومة ورجال الأعمال والبوليس ، ولكنّ ينشأ صراع ثانوي أو قبلي للمرحلة تلك :
صراع بين اللامجتمع "الطبقات المُهمّشة والمُعدَمة" والمجتمع " الطبقة الوسطي القادرة علي الإستهلاك وممارسة شعائر الحياة " ، صراع بين من ليس لديهم شيء ليخسروه وهؤلاء الذين لديهم أشياء لا يودّوا خسارتها ، بين هؤلاء الذين لا تربطهم مصلحة بالمجتمع وأولئك الذين لديهم المصالح العظمي وشبكة العلاقات والحياة.
ذلك هو مآل التأثير الإقتصادي للأزمة المصرية التي عاجلًا أم آجلًا سيظهر ما سماه ماركس "التفسّخ الطبقي" عند لحظة معينة من تطور المجتمع , ويظهر المفهوم الحقيقي لصراع الطبقات , أن المجتمع مقسوم لطبقتين وفقط ، طبقة المالكين لأدوات الإنتاج والثروة وطبقة الذين لا يملكون سوي قوة عملهم ، حين يتم إستنفاذ مخزون الطبقة الوسطي وأملها الواهم في الترقي والحفاظ علي وضعها الطبقي الآمن ، واستبدال السيارات الحديثة بأخرى أرخص، الحد من التسوق في متاجر البقالة مرتفعة الأسعار، والتخلي عن قضاء العطلات في الخارج، تلك بعض الاستراتيجيات التي ستكتشفها مع الوقت تلك الطبقة ، سيتفسّخ السواد الأعظم منها ليهبط بجانب أولئك الذيك كانوا لا يملكون شيء ومازالوا لا يملكون سوي بؤسهم وعوزهم.
ومن الحظوظ التاريخية السعيدة أن يترافق مع تلك الأزمة الإقتصادية الإجتماعية أزمة علي المستوي السياسي الفوقي ألا وهي : بقاء السيسي كرئيس للجمهورية بعد إنتهاء فترته ، ولعل المانع في تلك المرة هو من عملهم وقد رُد إليهم ، المادة 140 والتي تنص علي أن يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة.
حتي الآن لم تُعرب الدولة عن شيءٍ في تلك الأزمة ، ومن المتوقع أن الأيام القادمة ستشهد بدء المعركة تلك ، ولعل حتي الآن لم يخرج أحد ليتبنّي بدء المعركة بشكل فعليّ ، اللهم إلا علي فترات يخرج بعض من أتباع النظام في البرلمان أو الإعلام للإشارة عن ذلك المأزق.
"أى دستور يتم وضعه فى حالة عدم استقرار يحتاج إلى إعادة نظر بعد استقرار الدولة" هكذا صرّح رئيس مجلس النواب في اغسطس 2017 ، وفى نفس السياق قال النائب علاء عابد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار بمجلس النواب إنه ليس من الخطأ تعديل الدستور الآن خاصة في صلاحيات الرئيس وفترة الحكم المتمثلة في 4 سنوات.
السيسي لن يبقي إلا بتعديل الدستور ، وسيرحل بمنع تعديل الدستور ، والعملية هنا لا تخضع لفكرة التصويت ب"لا" ، لإن ببساطة إذا أشرفت الدولة والحكومة علي عمل إستفتاء فستكون النتيجة بكل تأكيد "نعم لتعديل الدستور" ، ستكون " نعم لبقاء السيسي" ، والطريقة الوحيدة الضامنة لعدم بقاء السيسي هو الإنتفاض ، فالإنتفاض هو الضامن الوحيد الذي سيقطع علي السيسي وجوده.
فلتكن عملية التصويت تلك هي المرحلة الأخيرة التي يسبقها ضرورة الإنتفاض ، وضرورة الإضراب العام وإعلان العصيان المدني في المصانع والجامعات ومحطات السكك الحديدية وبالشوارع العامة ، وأن تُعلن في وجه النظام الجمهوري الذي يقوده عبدالفتاح السيسي أننا لن تُرضينا ضمانات الديمقراطية الساذجة ، فماذا تنتظروا من ديكتاتور عسكري اقتنص الحكم علي ظهر الدبابات وعميل لصندوق النقد الدولي وراعٍ لسياسات الإفقار والتهميش ونصير للبرجوازية ومُسهّل للمسثمرين ورجال الأعمال ومُعسّر للمواطنين ولجموع الطبقات العاملة والغير عاملة ، تنتظرون ان ينزل لإرادة الشعب ولمزاج الجماهير الذي تغيّر في 4 سنوات فقط ليسبّه ليل نهار بالمواصلات والطرقات؟! تنتظرون أن يضمن إستفتاء نزيه شفاف برعاية قضاءه الشامخ وبحراسة شرطته وقواته المُسلحة؟!
لذلك فإن الملمح الأكثر بُعداً عن الشك في حدثٍ ما هو التدخل المباشر للجماهير في الأحداث التاريخية و هاهي الجماهير تُستدعي علي مسرح الأحداث لتعلن عن تمعّضها ومقتها الشديد , إن الثورة هناك في أعصابهم قبل أن تنزل إلي الشارع في وضح النهار.
كما أن ما يُسهّل ثورةٍ ما ليس مجرد كون المؤسسات السياسية والإجتماعية هي منذ زمن بعيد في حالة إنحطاط وتصيح بأعلي صوتها مطالبة إطاحتها , بل كذلك الظروف التي تجعل ملايين من الناس يسمعون تلك الصيحة للمرة الأولي ويصبحون حينذاك واعين لوجودها.
إن دراسة علم نفس الجماهير تُعلّمنا ان السبب العميق للثورة لا يكمُن في حركية أذهان الناس ونفوسهم بل في نزعة المحافظة لديهم ولهذا فإن طبيعة الجماهير " محافظة دائماً ثورية أحياناً " , فالناس ينهضون فقط حين يدركون فجأة تأخرهم الذهني بالنسبة لعصرهم ويريدون تداركه دفعة واحدة , يمكن أن تعيش أجيال وأجيال في عالم في كامل إنحطاطه دون أن تدرك ذلك , لكن حين تعي هذا الأمر تحت تأثير كارثة كبري , كالحرب أو الإنهيار الإقتصادي – كوضعنا المصري – يحدث عندئذ إنفجار جبار لليأس والأمل المتجدد في الثورة.
في النهاية لابد أن نخلُص إلي أن القوي المنظمة والمتملّكة للمقومات المادية – النظام والدولة الجمهورية - هي التي ستخرج منتصرة , مالم تتمكن أعداد غفيرة قادرة علي إجتياح الشوارع , بل وقادرة علي إحتلال مراكز السلطة الحيوية كمقرات البوليس ومراكز البلدية والمجالس المحلية , وهذه المهام لن تبلغها الجماهير بمفردها فلابُد من حزب ومنظمة ثورة تبني في القلب من الأحداث لتنتج وتطبق خطة إستيلاء الجماهير علي السُلطة وتوجّه سلاحها المادي المتمثل في الأعداد الجماهيرية في وجه القوي العسكرية المسلحة.
إن طرح "الإستيلاء علي السُلطة" هو الحل بل والضامن الوحيد للتغيرات الجذرية المرجوة , فليس كافٍ ما هتفت به الجماهير في الخامس والعشرين من يناير 2011 " عيش حرية عدالة إجتماعية " وهي في كامل عفويتها بدون قيادة تنظُمها لبلوغ الهدف النهائي المنوط به إحداث تغيرات سياسية وإجتماعية , ولن يكون كافيًا ما ستهتف به الجماهير لإسقاط عبدالفتاح السيسي وهي بكامل عفويتها أيضًا ، آلاف مؤلفة قدموا حياتهم وأرواحهم أمام رصاص الحكومة , و آلاف أخري تقبع في السجون والمعتقلات ضريبة النضال أمام الثورة المضادة المتمثلة في الديكتاتورية العسكرية الحاكمة , ولن يكُف النظام الحاكم عن ملء الزنازين بآلاف وآلاف يشنّون كل يوم نضالات ضد الحكومة.
بالنهاية فإن طرح "الإستيلاء علي السُلطة" ليس ببرنامج فردي ولا مطمح شخصي بقدر ما يجب أن تحتوي الأجندة الحزبية لأولئك الطامحين علي قلب الحكومة والمجتمع علي كل ما هو نقيض لأطروحات السُلطة الحالية ، نحو نزوع للإستقلال المالي ورفض تبعية صندوق النقد الدولي والخروج من عباءة الوصاية الإمبريالية ، نحو نزوع للسيادة الإجتماعية بإقرار حق "الإنتخاب والعزل" في المصانع والشركات والجمعيات الأهلية والنقابات ودور الثقافة ومراكز الشباب وثكنات الجيش ، نحو نزوع إجتماعي بالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين والمحبوسين وضحايا الجُرم الإجتماعي الأول : جُرم الدولة ، مصادرة أموال وملكيات ومتعلقات رجال النظام الحالي والبائد.
تلك صياغات مبدئية لخطة ثورية يضعها حزب ثوري تُنفذها حركة الجماهير , كافية لتحرير المعتقلين وقلب السُلطة رأساً علي عقب وإحداث تغيير ملموس , ليس علي طريقة التداول السلمي للسُلطة للحفاظ علي النظام والدولة عن طريق ديمقراطية زائفة يمارسها رجال الأعمال ورجال الدولة ولصوصها , بل بالإستيلاء علي السُلطة ونكرر , الإستيلاء علي السُلطة وذلك هو الفارق بين الثوريين راغبي التغيير الجذري , والإصلاحيين منتهجي دروب النظام الحاكم.
ولكن ما سبق من طرح للإستيلاء علي السُلطة يُمثّل في مُطلقه تجاوز للواقع الراهن بحيث أنه لا يُجسّد لحظة ثورية تسعي فيها الجماهير لمثل هذا الخطاب ، "لإن في هذه اللحظة سنبدو كجنرالات يعقدون مجلساً للحرب قبل حتى أن يحشدوا الجيش" بحسب قول لينين ، ولكنّ علام يُحشَد الجيش؟
يُحشَد علي إستراتيجية نهائية نُعلنها بطرحنا الحالي وهو أن أقسي التغيرات الجذرية لن تمُر من خلال حكومة نظام جمهوري يرعي رأس المال ، وهذا الطرح يمُر بتكتيكات مرحلية يفرضها الظرف الموضوعي الراهن وهذا هو مآل الدعوة الموجّهة لجموع المصريين الآن ، بالدفاع وليس الهجوم ، بالدفاع عن تكتيك التداول السلمي للسلطة عبر آلية عدم ترشح الرئيس لأكثر من فترة ، فهل يمكن القضاء على الملكية الخاصة/النظام الجمهوري بطريقة سلمية ؟ يسأل فريدريك انجلز ، ويجيب : إننا نرغب في أن يكون الأمر كذلك, وإن الشيوعيين هم بالطبع آخر من يعارض هذا ، بصورة سلمية حيث يبدو ذلك ممكنا بالنسبة إلينا, وبالسلاح عندما يكون ذلك ضروريًا.
ولنعلم أن هذا الدفاع الذي لابُد أن يتشاركه جموع الشعب المصري مع طليعة حزبية وبتطوّر الحراك مستقبليًا ، ستُدرك الجماهير المعني الحقيقي لـ " الإستيلاء علي السُلطة " كضرورة وحتمية والضامن الوحيد للتغيرات الجذرية المرجوة.

يُتبع بما يُطرح ويُسفر عنه التناول والنقاش ...