-25% من الحكومة-... مساواة المراة ام مطلب فئوي ضيق! (كلمة حول تجمع نسوي!)


فارس محمود
2018 / 10 / 23 - 01:25     

اقيم خلال الايام القليلة المنصرمة تجمع حضره العشرات من النساء والرجال في ساحة التحرير في بغداد. وقد كان مطلب هذا التجمع هو "ان يكون تمثيل المراة في الحكومة لايقل عن 25%!". اذ على قول احد الناشطات في التجمع "لقد نلنا كوتا ان تكون حصة المراة في مجلس النواب 25%، ولهذا نطالب ان تكون حصتها في الحكومة بمالايقل عن 25% كذلك" ومن الطبيعي ان لا ينسى المتظاهرون الحديث عن "وذلك لما قامت به المراة من تضحيات!".
من الواضح ان هذا التجمع يرتبط ويتزامن مع مساعي عادل عبد المهدي رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة المقبلة.
مثلما هو جلي ومعروف للجميع ان تحقيق المساواة التامة بين المراة والرجل هي احد المطاليب الاساسية للشيوعيين وحركة الشيوعية العمالية على امتداد تاريخهما، وان اجراء تغيير مهما كان صغيرا لصالح المراة وحرياتها وحقوقها يدافع عنه الشيوعيون ويناضلوا من اجله بكل قواهم. ليس هذا وحسب، بل كانوا ولازالوا ويبقوا جزء لايتجزأ من هذا النضال. ليس في هذا ادنى شك.
ولكن فيما يتعلق بهذا التجمع وهذا المطلب من الضروري تبيان بعض الامور.
يثار هذا المطلب اساساً دون ان يلقي بالاً الى الماهية السياسية والاجتماعية للحكومة، الطابع الاجتماعي والفكري لقواها الاساسية، كيف اتت هذه السلطة وتاريخها بهذه الحكومة والحكومات التي سبقتها، اجندتها وبرنامجها الواقعي والعملي ومدى تمثيلها للمجتمع فعلا، وماذا عملت للمجتمع و...الخ. انها كسابقاتها، حكومة مليشيات قتل ونهب واستئساد على المجتمع، ومثلما اقول دوما كلمة نهب هي كلمة لطيفة بهذا السياق، حكومة وحكومات "فرهود" واستهتار فظيع بالمجتمع والحقوق والحريات والخدمات.
انها حكومة طبقة برجوازية طفيلية، حكومة يؤسسها عتاة التخلف الطائفي والقومي، دعاة بيع ثروات المجتمع لصندوق النقد الدولي واستنزاف ثروات المجتمع لتصب في جيوب حفنة، حكومة تدمير ودمار مدنية المجتمع وكل شيء راقي فيه. أتريدون المشاركة في حكومة هدفها الواقعي هي التجويع والافقار المستمر للاغلبية الساحقة للمجتمع؟! ان دعاة هذا التجمع يغضون النظر عن كل هذا وينشدون نيل "ربع" الحكومة، اي يكون لهم دور ومساهمة مباشرة في "مرتع المصائب" هذا!
من جهة اخرى، الف مصيبة حلت وتحل على راس النساء، لماذا لم نرى مثل هذه الهمة في النضال من اجل رفع الحيف عن النساء، الوقوف بوجه فقرهن المدقع والعوز وانعدام الخدمات، والبطالة، وتطاول المليشيات واعمال القتل اليومية التي تجري تحت عناوين واكاذيب منحطة وقروسطية مثل الشرف وغيرها؟! لماذا لم يكن لهن دوراً وتجمعاً في نضال المراة من اجل الضمانات الاجتماعية والحريات الفردية والمدنية، ضد الحجاب الاجباري، ضد اسلمة المجتمع الذي تدفع المراة ثمنه قبل غيرها؟! هذا الفقر والجوع وانعدام الافق الذي لم يبقِ مهرب لمئات الالاف من النساء والفتيات سوى بيع الجسد وانياب المافيات وغيره. لماذا يلزمن الصمت على ماتتعرض له النساء العاملات، ان حالفهن الف حظ واكرمتهم الحياة ووجدن فرصة عمل (في بلد اصبح كلمة عاملة او موظفة يعني رقم جنسي اخر يضاف لرب العمل وارباب العمل. اذ لا تفلت فتاة او امراة نادرا من انياب هذا التحرش الذكوري الموبوء في اماكن العمل!)؟!
في بلد تئن المراة تحت الف مصيبة ومصيبة وتداهمها الف مخاطر ومخاطر يوميا، ليس لموضوعة ان تنال "25% من الحكومة" اي قيمة او مكانة لدى الاغلبية الساحقة من نساء العراق. نساء مبتلاة بمصائب "يشيب لها الراس" فعلا. انها مشكلة فئة محدودة جدا من النساء.
هل تتغير ماهية هذه السلطة والحكومة الطائفية والقومية والعشائرية الذكورية المعادية للمراة بدخول 5 وزراء نساء و30 مساعد او مستشار او مدير عام او.... من النساء؟ هل يصبحا اكثر مدنية، اكثر انسانية، اكثر رقي، اكثر تقدم، اكثر احقاق للحقوق ام.... ماذا؟ هل تغيرت ماهية البرلمان بدخول 25% من امثال حنان الفتلاوي، عالية نصيف وناهد الدايني وغيرهم.. حتى نطالب بـ"25%" اخرى في الحكومة؟! هل اصبح البرلمان ذا "خير" اكبر للمجتمع بحضورهن؟! اين "خير"ه؟!
ان كل القرارات الرجعية والمعادية للعمال والكادحين والمحرومين اتت "من تحت راس" مجلس النواب القرووسطي. اذ راينا بام اعيننا الدعوات الرجعية من امثال "تعدد الزوجات"، و"بغاء المتعة" وقد اتت عبر دعوات من نساء في البرلمان. حتى فيما يخص قانون"اغتصاب القاصرات الجعفري"، كانت اغلب نساء البرلمان من اشد المدافعات عن هذا الانحطاط الطائفي المعادي للمراة. ولا يعود الفضل في اجهاض "قانون اغتصاب القاصرات الجعفري" الى وجود المراة في البرلمان، وانما لمقاومة مدنية المجتمع والى النضال الاجتماعي والسياسي الواسع لقوى التحرر والمساواة من النساء والرجال التي هي خارج البرلمان سيء الصيت اساساً!
لا اتحدث عن نيات البعض من المحتشدين او حسهم الانساني او انتمائهم وامالهم بمجتمع يكون للمراة دور اكبر في الحياة الاجتماعية والسياسية والمهنية، اذ ان هذا مطلبي ومطلب الشيوعيون العماليون، بيد ان مايجري او هذا التجمع لاربط له بهذا الهدف. ليس مطلباً نابعاً من سعي شامل من اجل المساواة التامة للمراة بالرجل او مشاركة المراة بصورة متساوية مع الرجل في كل مناحي الحياة. انه مطلب فئة قليلة من نساء "الطبقات العليا" من المجتمع، فئة تبحث عن مكانة "مع الذين فوق"، مشكلتها لماذا يحتكر الرجال هذا الامر! انها كاعتراض الفيمنستيات في امريكا على لماذا ان نسبة النساء قليلة في الجيش الامريكي؟! لكنهم يتناسون ولايبالون لسؤال اخر: ماذا يعمل الجيش الامريكي اساساً غير القتل وتدمير البيوت على رؤوس المدنيين في العراق وافغانستان وبنما و...؟! ان هذا التصور ينطلق من جنس المراة وليس من ماهية المراة وطبيعة تطلعاتها الاجتماعية والفكرية والسياسية كانسان قبل ان تكون امراة. ينطلق لا من انسانيتها، ككائن اجتماعي، ذا صفة اجتماعية، بل من بايولوجيتها!
ان هذا التجمع ليس امتدادا للسعي الحق الداعي لمساواة المراة مع الرجل في كل مناحي الحياة. ان باب هذا السعي يبدأ من من مكان اخر، وليس من دق ابواب حكومة وبرلمان تتطلع الاغلبية الساحقة من جماهير العراق بنسائه ورجاله لكنسه وكنس قواه المليشياتية من حياة المجتمع.