مرافعة ليون تروتسكي أمام محكمة القيصر في 1907 - دفاعاً عن الثورة والسوفيت. -ترجمتي-


احمد حسن
2018 / 10 / 20 - 09:20     

كلمتي أمام المحكمة
جلسة 4 (17) أكتوبر 1907
===========
السادة القضاة، السادة ممثلي المقاطعة
مسألة الانتفاضة المسلّحة - مسألة، مهما بدا ذلك غريبًا على ما يبدو للمحكمة الخاصة، لم تحتل مكانًا أياً كان على جدول أعمال اجتماعات سوفييت نواب العمال طوال خمسين يومًا من وجوده - الموضوع الرئيسي في تحقيقات المحكمة، كما كان من التحقيق الأولي. مسألة الانتفاض المسلح بحد ذاته لم يثر أو يناقش في أي من اجتماعاتنا؛ كما هو الأمر أيضاً، بخصوص مسألة الجمعية التأسيسية، ولا الجمهورية الديمقراطية، ولا حتى الإضراب العام سواء في ذاته أو بخصوص أهميته الأساسية كطريقة للنضال الثوري، لم يثار أيا منهم أو يناقش في أي اجتماع عقدناه. هذه القضايا المركزية، التي كانت تناقش لأول مرة في الصحافة الثورية، وفي وقت لاحق في مختلف الاجتماعات والتجمعات، لم تكن في أي مناسبة محل نظر اجتماعات السوفييت. سأشرح لاحقاً لماذا كان الأمر كذلك، وأحدد موقف السوفييت من الانتفاض المسلح.
ولكن قبل أن ننتقل إلى هذا الأمر، الذي يعد موضوعاً رئيسياً من وجهة نظر المحكمة، سأسمح لنفسي بلفت انتباه الدائرة إلى مسألة آخري، هي مقارنة بالأولي، أكثر عمومية ولكنها أقل خطورة – بالتحديد هي السؤال عن استخدام السوفييت للقوة بشكل عام. هل فوض السوفييت نفسه مندوباً أو أخر من أعضاءه لاستخدام القوة أو التدابير القمعية في بعض الأمور؟ جوابي على هذا السؤال في مثل هذه الشروط العامة هو: نعم! أعلم كذلك ممثل النيابة أنه في أي دولة "تعمل بشكل طبيعي"، أيا كان شكلها، فإن احتكار القوة الوحشية والقمع ينتمي إلى سلطة الدولة. وهذا حقها "غير القابل للإنتقاص"، وهو هذا الحق، الذي ترعاه بحمية شديدة، أكثر من أي وقت مضى، وتراقب بدقة تامة أي محاولة من أي هيئة خاصة للتعدي على احتكارها للعنف. بهذه الطريقة تحارب المنظمة الحكومية حفاظاً على وجودها. يكفي أن يكون لدينا صورة ملموسة عن المجتمع الحديث، هذا النظام التعاوني المعقد والمتناقض - على سبيل المثال في بلد شاسع مثل روسيا - ليصبح من الواضح على الفور أنه، بالنظر إلى البنية الاجتماعية القائمة بكل تضاداها، يتضح أن قمعها أمر لا مفر منه إطلاقا.
لسنا فوضويين نحن اشتراكيون. إن الأناركيين يدعوننا بـ "دولتيين- Statists" لأننا ندرك الضرورة التاريخية للدولة وبالتالي الضرورة التاريخية لقمع الدولة. ولكن في ظل الظروف الناشئة عن إضراب سياسي عام، الذي يتمثل في حقيقة أنه يشل آلية عمل الدولة الطبيعة - في ظل هذه الظروف السلطة القديمة التي عاشت اكثر من فترة طويلة في هذا اليوم، وعلى أساسها، على وجه التحديد، واجهت الإضراب السياسي، وجدت نفسها غير قادرة في نهاية المطاف على العمل، غير قادرة تماماً على أن تنظم وأن تحافظ على النظام العام، حتى بواسطة الوسائل الوحشية التي كانت الوحيدة المتاحة لديها في هذا الوقت ، كان الإضراب قد ألقى مئات الآلاف من عمال المصانع إلى الشوارع، وكان قد أطلق سراح هؤلاء العمال للمشاركة في الحياة العامة والسياسية. من سيقودهم مباشرة، من يستطيع أن ينظم صفوفهم؟ ما هو أو أين هو جهاز سلطة الدولة القديمة؟ الشرطة؟ الدرك؟ الشرطة السرية؟ أسأل نفسي: من؟ ولا أستطيع العثور على إجابة. لا أحد، وباستثناء سوفييت نواب العمال. لا أحد!
رأى مجلس السوفييت، الذي يدير هذه القوة العضوية الضخمة، أن مهمته المباشرة هي الحد من الاحتكاك الداخلي إلى أدنى حد، ومنع التجاوزات والتأكد من أن يكون الضحايا الذين لا يمكن تفادى وقوعهم في الصراع أقل عدد ممكن. وهكذا، فإن السوفييت، في الإضراب السياسي الذي أوجده، لم يصبح سوى جهاز الحكم الذاتي للجماهير الثورية: جهاز السلطة. حكم أجزاء الكل بإرادة الكل. كان قوة ديمقراطية وقد أطيع طواعية. ولكن بما أن السوفييت كان القوة المنظمة للأغلبية الساحقة، فقد اضطر حتمًا إلى استخدام تدابير قمعية ضد تلك العناصر بين الجماهير التي جلبت الفوضى إلى صفوفها الموحدة. كان السوفييت، كقوة تاريخية جديدة، القوة الوحيدة في زمن إفلاس أخلاقي وسياسي وتقني كامل للجهاز القديم، كضمان وحيد للحصانة الشخصية والنظام العام في أفضل معنى لهذا المصطلح، يعتبر نفسه صاحب حق في اعتراض قواته لهذه العناصر. لا يحق لممثلي السلطة القديمة، التي تستند بشكل كامل على القمع القاتل، أن يتحدثوا باستنكار أخلاقي عن الطرق السوفييتية العنيفة. القوة التاريخية التي يمثلها المدعي العام في هذه المحكمة هي العنف المنظم لأقلية على الأغلبية. القوة الجديدة، التي يمثل السوفييت بشارتها، هي الإرادة المنظمة للأغلبية التي تدعو الأقلية إلى أن تحترم النظام. في هذا التمييز يكمن الحق الثوري للسوفييت في الوجود، وهو حق يقف فوق أي شك قانوني أو معنوي.
اعترف السوفييت بحقه في استخدام التدابير القمعية. ولكن في أي الحالات، وإلى أي درجة؟ لقد سمعنا مائة شاهد حول هذه النقطة. قبل أن ينتقل السوفييت إلى استخدام تدابير قمعية استخدم كلمات الإقناع. كانت تلك هي طريقته الحقيقية، وكان السوفييت يعمل بلا كلل في تطبيقها. من خلال التحريض الثوري، بواسطة سلاح الكلمة المنطوقة، جلب السوفييت باستمرار جماهير جديدة إلى عتبته وأخضعهم لسلطته. وإذا واجه مقاومة من جانب مجموعات جاهلة أو فاسدة داخل البروليتاريا، فقد قال لنفسه أن الوقت المناسب لجعلها غير ضارة باستخدام القوة البدنية سيأتي في وقت قريب بما فيه الكفاية. وكما رأيت من شهادة الشهود، فقد بحثنا عن طرق أخرى. وناشدنا حسن الإدراك لدي إدارات المصنع بدعوتها إلى التوقف عن العمل، وجعلها تؤثر على العمال الجاهلين من خلال الفنيين والمهندسين الذين كانوا متعاطفين مع الإضراب العام. وأرسلنا النواب إلى العمال "لإخراجهم"، وحتى في أكثر الحالات تطرفاً، قاموا بتهديد كاسري الإضراب باستخدام القوة. لكن هل استخدمت القوة فعلاً؟ أيها السادة أعضاء المحكمة، لم تروا أي أمثلة على حدوث ذلك في مواد التحقيق الأولي والمؤكد أنه من المستحيل، رغم كل الجهود، إيجاد أمثلة على ذلك خلال تحقيق المحكمة. حتى لو أخذنا على محمل الجد تلك الأمثلة على "العنف"، أنها كوميديًا أكثر من كونها مأساوية، فقد عرض ذلك أمام المحكمة (حيث – وحيث دخل إلى شقة شخص ما دون أن ينزع هذا الشخص قبعته، فاعتقل شخصًا آخر بدون قبول متبادل ...) نحن نحتاج فقط إلى مقارنة هذه القبعة التي نسي شخص ما أن ينزعها مع مئات الرؤوس التي غالبا ما "نزعتها" السلطة القديمة عن طريق الخطأ، لأن أعمال العنف السوفيتي تحمل نسبتها الصحيحة في أعيننا. هذا كل ما نريده. إن إعادة بناء أحداث ذلك الوقت في صورتها الحقيقية هي مهمتنا، ومن أجلها نحن، المدعى عليهم، قد شاركنا بشكل فعال في هذه المحاكمة.
دعوني أطرح مسألة آخري له أهميتها بالنسبة لهذه المحكمة. هل كان لممارسات وبيانات سوفييت نواب العمال أساسًا قانونيًا، في بيان أكتوبر الأول (30)؟ ما هي العلاقة بين قرارات السوفييت حول الجمعية التأسيسية وإنشاء جمهورية ديمقراطية وبيان أكتوبر؟ السؤال - دعني أذكر صراحة - ببساطة لم يطرأ على بالنا في ذلك الوقت، لكنه اليوم بلا شك له أهمية كبرى في هذه المحكمة. لقد سمعنا هنا، أيها السادة المحترمون، شهادة الشاهد لوشينين Luchinin، التي صدمتني شخصيا لأنها كانت مثيرة للغاية، وذات صلة في بعض استنتاجاتها، وعميقة. من بين أمور أخرى، قال لوشينين إن سوفييت نواب العمال، كونه هيئة جمهورية في شعاراته ومبادئه ومثله السياسية، قام بالفعل وبشكل مباشر وملموس بتطبيق تلك الحريات التي أعلن عنها من حيث المبدأ، من قبل إعلانها في بيان القيصر في 17 أكتوبر، والتي قاتل ضدها المسؤولون عن البيان بكل قوتهم.
نعم، أيها السادة قضاة المنصة والسادة ممثلي المقاطعة! "نعم، السوفييت، البروليتاري، الذي بدأ تطبيق بالفعل ونفذ حرية التعبير وحرية التجمع والحصانة الشخصية - كل تلك الأشياء التي كانت قد وعد بها للشعب الروسي تحت ضغط إضراب أكتوبر. في حين أن كل ما يمكن أن تفعله أجهزة السلطة القديمة هو تمزيق هذه الإنجازات المشروعة للشعب إلى أجزاء.
السادة القضاة، ذلك ثابت، إنه واقع موضوعي وهو أمر أنتجه جزء من التاريخ، لا يمكن المنازعة فيه لأنه ثابت.
ولكن إذا طُلب مني ذلك - وإذا طُلب من رفاقي – ما إذا كنا أقمنا ذاتياً تصرفاتنا وبيانتنا على أساس بيان 17 أكتوبر، يجب علينا الإجابة بشكل قاطع: لا. لماذا؟ لأننا كنا مقتنعين بشدة - ولم نكن مخطئين - بأن البيان الصادر في 17 أكتوبر لم يخلق أي أساس قانوني جديد، وأنه لم يؤسس لشرعية جديدة، لأنه لم يتم إنشاء نظام قانوني جديد - نحن مقتنعون بذلك، أيها السادة بالمحكمة – ليس عن طريق البيانات، ولكن عن طريق إعادة تنظيم حقيقي لجهاز الدولة بأكمله. لأننا تبنينا هذا الموقف المادي، الصحيح الوحيد، لم يكن لدينا أي ثقة أياً كان مقدارها في السلطة المصدرة للبيان الصادر في أكتوبر. وهذا ما أعلناه صراحة. لكنني لا أعتقد أن موقفنا الذاتي كحزبيين، كثوار، يحدد للمحكمة موقفنا الموضوعي، كمواطني دولة، بخصوص البيان: بالنسبة للمحكمة، ولأنها محكمة، فإنها ملزمة أن ترى البيان بوصفه تأسيساً ﻟﺸرﻋية جديدة، وإلا ﻳجب أن يكف ﻋن الوجود. نحن نعلم أنه يوجد في إيطاليا حزب بورجوزاي جمهوري يعمل على أساس الدستور الملكي للدولة. الأحزاب الاشتراكية الثورية بطبيعتها موجودة قانونياً وتناضل في كل الدول المتحضرة.
السؤال هو: هل يترك بيان 17 أكتوبر أي مجال لنا نحن الاشتراكيين الجمهوريين الروس؟ هذا هو السؤال الذي يجب على المحكمة الإجابة عليه. يجب على المحكمة أن تقول ما إذا كنا نحن الاشتراكيين الديمقراطيين على حق عندما جادلنا بأن البيان الدستوري كان مجرد قائمة للوعود التي لن تتحقق ابدآ طواعية؛ ما إذا كنا على حق في انتقاداتنا الثورية لتلك الضمانات الورقية؛ ما إذا كنا على حق عندما دعوناً الشعب إلى الدخول في صراع مفتوح من أجل الحرية الحقيقية والكاملة. هل كنا على حق أم لا؟ لتخبرنا المحكمة إن البيان الصادر في 17 أكتوبر هو أساس قانوني حقيقي يمكن أن نتواجد بناء عليه نحن الجمهوريين كأشخاص شرعيون، أشخاص تصرفوا في إطار القانون، رغم آرائنا ونوايانا. ليخبرنا هنا البيان الصادر في أكتوبر: ليخبرنا هنا، من خلال حكم هذه المحكمة: "أنت أنكرت وجودي، لكنني موجود بالنسبة لك وكذلك لبقية البلاد".
لقد سبق أن قلت إن سوفييت نواب العمال لم يثر ولو لمرة واحدة مسألة الجمعية التأسيسية وإنشاء جمهورية ديمقراطية في اجتماعاته؛ ومع ذلك، وكما رأيت من خطابات شهود الطبقة العاملة، فإن موقفه من تلك الشعارات قد تم تحديده بوضوح. كيف يمكن أن يكون خلاف ذلك؟ بعد كل شيء، لم يأت السوفييت إلى الوجود على تربة عذراء. تم إنشاؤه عندما كانت البروليتاريا الروسية قد عاشت بالفعل أحداث 9 يناير (22)، من خلال لجنة السيناتور شيدلوفسكي Shidlovsky، وطوال فترة طويلة. طويلة جدا، خلال مدرسة الاستبداد الروسي. قبل فترة طويلة من وجود السوفييت، كان المطلب هو الجمعية التأسيسية، من أجل حق دستوري مقر عالمياً، من أجل جمهورية ديمقراطية، جنباً إلى جنب مع وقت عمل لمدة ثماني ساعات، الشعارات المركزية للبروليتاريا الثورية. ولهذا السبب لم يكن لدى السوفييت أبدا فرصة لإثارة هذه القضايا كمسألة مبدئية: لقد أدرجهم ببساطة في قراراته كمسائل تم البت فيها مرة واحدة وإلى الأبد. نفس الشيء، من حيث الجوهر، كان صحيحًا أيضًا عن فكرة الانتفاضة.
ما هي الانتفاضة يا سادة المحكمة؟ ليست ثورة قصر، وليست مؤامرة عسكرية، وإنما انتفاض الجماهير العاملة! وجه رئيس هذه المحكمة السؤال التالي لأحد الشهود: هل كان يعتبر الإضراب السياسي تمردًا؟ لقد نسيت ما قاله الشاهد، لكني أؤمن وأؤكد أن الإضراب السياسي، رغم شكوك الرئيس، هو في الحقيقة، في جوهره، تمرد. هذه ليست مفارقة، رغم أنها قد تبدو أحد مفردات لائحة الاتهام. وأكرر: إن فكرتي عن الانتفاضة - وسأبرهن على ذلك في الوقت الحاضر - ليس فيها أي شيء مشترك "سوي أسمها" مع التفسير الذي وضعته الشرطة والادعاء لهذا المصطلح. أقول إن الإضراب السياسي هو انتفاضة. في الحقيقة، ما هو الإضراب العام السياسي؟ هناك شيء واحد مشترك بينه وبين الإضراب الاقتصادي - وهو أنه في كلتا الحالتين يتوقف العمال عن العمل. ولا يتشابه الأثنان في أي وجه أخر. للإضراب الاقتصادي هدف محدد وضيق يتمثل في الضغط على صاحب العمل، ليحقق هدفه، من خلال وضعه مؤقتاً خارج حقل المنافسة. يوقف العمل في مصنع من أجل تحقيق تغييرات معينة في حدود ذلك المصنع.
طبيعة الإضراب السياسي مختلفة إلى حد كبير. لا يمارس أي ضغوط على أصحاب العمل الفرديين، ولا يقدم، كقاعدة عامة، أي مطالبات اقتصادية محددة؛ يتم توجيه مطالبه، من فوق رؤوس أرباب العمل الذين يضربهم بقوة، إلى سلطة الدولة نفسها. كيف، إذن، هل يؤثر الإضراب السياسي على سلطة الدولة؟ نعم، إنه يشل نشاطها الحيوي. إن الدولة الحديثة، حتى في بلد متخلف مثل روسيا، تقوم على تنظيم اقتصادي ممركز تحول إلى كل موحد بواسطة الهيكل العظمي للسكك الحديدية والنظام العصبي للتلغراف. وعلى الرغم من أن التلغراف، والسكك الحديدية، وجميع الإنجازات الأخرى للتكنولوجيا الحديثة قد لا تخدم الاستبداد الروسي في أغراض ثقافية أو اقتصادية، إلا أنها أكثر أهمية بالنسبة إليه لأغراض القمع. السكك الحديدية والتلغراف هي أسلحة لا يمكن الاستغناء عنها لنقل القوات من أحد أطراف البلد إلى آخر، وتوحيد وتوجيه أنشطة الإدارة في قمع الفتنة. ماذا يفعل الإضراب السياسي؟ إنه يشل الجهاز الاقتصادي للدولة، ويعطل الاتصال بين الأجزاء المنفصلة للجهاز الإداري، ويعزل الحكومة، ويجعلها عاجزة. من ناحية أخرى، إنه يوحد سياسياً كتل العمال من المصانع والمزارع ويضع جيش العمال هذا في تعارض مع سلطة الدولة.
هنا، يا سادة المحكمة، يكمن جوهر الانتفاضة. من أجل توحيد الجماهير البروليتارية في إطار حركة احتجاج ثورية واحدة، ليقفوا كمعارضين في عداء للسلطة المنظمة للدولة - أي يا سادة المحكمة، هو تمرد كما يفهمه السوفييت، وكما أفهمه أنا أيضا. رأينا مثل هذا الصدام الثوري بين طرفين عدائيين خلال إضراب أكتوبر الذي اندلع بشكل عفوي، من دون السوفييت، والذي وقع قبل السوفييت، والذي أنجب عمليا السوفييت. لقد أوجد إضراب أكتوبر "الفوضى"، ونتيجة لهذه الفوضى جاء البيان الصادر في 17 أكتوبر. آمل ألا تنكر النيابة هذا، بدرجة أكثر من أكثر السياسيين والصحافيين المحافظين، بما في ذلك شبه الرسميين. نوفوي فريميا Novoye Vremya. قبل أيام قليلة فقط كتب نوفوي فريميا أن البيان الصادر في 7 (أكتوبر) كان نتيجة ذعر حكومي خلقه الإضراب السياسي. ولكن إذا كان هذا البيان هو أساس النظام الجديد بالكامل، يجب علينا أن نعترف، أيها السادة بالمحكمة، بأن نظام دولتنا الحالي قائم على الذعر، وأن الذعر، بدوره، يستند إلى الإضراب السياسي للبروليتاريا. وهكذا نرى أن الإضراب العام شيء أكثر من مجرد التوقف عن العمل. لقد قلت إن الإضراب السياسي، بمجرد أن يتوقف عن كونه مظاهرة، يصبح، من حيث الجوهر، تمردًا. سيكون من الأكثر دقة القول بأنه يصبح الأسلوب الرئيسي والأكثر عمومية لتمرد البروليتاريا: الأسلوب الرئيسي، وليس الأسلوب الوحيد. نهج الإضراب السياسي له حدوده الطبيعية. وهذا أصبح واضحا بمجرد أن استأنف العمال، بعد دعوة السوفييت، العمل في ظهيرة يوم 2 أكتوبر (3 نوفمبر).
تم استقبال بيان 17 أكتوبر بتصويت بحجب الثقة. تخشى الجماهير، ولسبب وجيه، أن تفشل الحكومة في تقديم الحريات الموعودة. لقد شهدت البروليتاريا صراع حاسم لا يمكن تجنبه وتحولت غريزياً إلى السوفييت كمركز لقوتها الثورية. من ناحية أخرى، بدأ الحكم المطلق، عند تعافيه من الذعر، في إعادة بناء النصف المتهدم من الجهاز ووضع حشوده تحت الطلب. ونتيجة لذلك اتضح أنه بعد صدام أكتوبر كانت هناك قوتان: قوة شعبية جديدة تستند إلى الجماهير - السوفييت لنواب العمال كان ممثل هذه القوة - والقوة الرسمية القديمة القائمة على الجيش. لم يكن بالإمكان وجود هاتين القوتين جنباً إلى جنب: فقد كان تقوية أحدهما يشكل تهديدًا لوجود الآخر.
إن الأوتوقراطية، التي تأسست على الحراب، قد حاولت بشكل طبيعي إحداث أقصى ارتباك وفوضى وتفكك في العملية الواسعة، التي كان مركزها مجلس السوفييت، القائم على توحيد القوى الشعبية. من ناحية أخرى، فإن السوفييت، الذي تم تأسيسه على أساس الثقة، والنظام، والجهد العملي، وإجماع الجماهير العاملة، لا يمكن أن يفشل في فهم التهديد الرهيب للحرية الشعبية، والحقوق المدنية، والحصانة الشخصية، التهديد المجسد في حقيقة أن الجيش وكل أسلحة القوة المادية ظلت بنفس الأيدي الملطخة بالدماء التي استخدمتها حتى 17 أكتوبر. وهكذا، فإن صراعًا جبّارًا من أجل التأثير على الجيش يبدأ بين هذين الجهازين للسلطة - المرحلة الثانية من الانتفاضة الشعبية المتنامية.
بعد الإضراب الجماهيري الذي قامت به البروليتاريا في مواجهة الأوتوقراطية، نشأت حركة قوية لجذب الجيش إلى جانب العمال، والتآخي مع الجنود، لكسب عقولهم. من هذه الحركة نتوقع بطبيعة الحال نداءً ثورياً للجنود، الذين يتكئ عليهم الحكم المطلق. كان الإضراب الثاني في نوفمبر مظهراً قوياً وفريداً للتضامن بين المصانع والثكنات. بالطبع، إذا كان الجيش قد ذهب إلى جانب الشعب، لما كانت هناك حاجة إلى العصيان. لكن هل الانتقال السلمي للجيش إلى صفوف الثورة يمكن تصوره؟ لا الواقع ليس كذلك. إن الاستبداد لن ينتظر بأذرع عسكرية مرتخية، إلى أن يتحرر الجيش من كل تأثير فاسد، ليصبح صديق الشعب. وقبل أن يفقد الاستبداد كل مرتكزاته، سوف يأخذ المبادرة ويشن هجومًا. هل أدرك العمال في بطرسبورغ ذلك؟ نعم لقد فعلوا. هل اعتقدت البروليتاريا، وهل اعتقد السوفييت أيضاً أن الصراع المفتوح بين الجانبين كان أمراً محتوماً؟ نعم، لقد فعلوا. لم يكن لديهم أدنى شك في ذلك، فقد عرفوا، على وجه اليقين، أنه عاجلاً أم آجلاً ستدق الساعة الدموية الحاسمة.
وبالطبع إذا استمر تنظيم القوات الشعبية بلا انقطاع، قبل أي هجمات للثورة المضادة المسلحة، في التقدم على الطريق الذي دخلت به تحت قيادة سوفييت نواب العمال، لكان النظام القديم قد انهار دون استخدام أي قوة أيا كانت. وبخصوص ما رأيناه؟ لقد رأينا كيف التف العمال حول السوفييت، وكيف أن اتحاد الفلاحين، الذي يجسد جماهير الفلاحين المتزايدة باستمرار، أرسل نوابه إلى السوفييت. كيف توحدت نقابات السكك الحديدية والبريد مع السوفييت. كيف تم تنظيم المهن الحرة، كيف انجذب اتحاد النقابات نحو السوفييت. رأينا كيف كان التسامح، كم كان جيداً تقريبا، الموقف تجاه السوفيات حتى من إدارات المصنع. كان الأمر كما لو أن الأمة بأسرها تبذل جهودًا بطولية، تحاول أن تبني من أعمق نواة لها، جهاز السلطة الذي قد يضع، في الواقع، وبشكل لا لبس فيه، أسس نظام اجتماعي جديد في انتظار انعقاد جمعية تأسيسية. إذا لم تتدخل سلطة الدولة القديمة في هذا الجهد العضوي، إذا لم تكن قد أدخلت فوضى حقيقية في الحياة الوطنية، إذا كانت عملية تنظيم القوات هذه قادرة على التطور بحرية كاملة، فستكون النتيجة هي، ولادة جديدة للأمة الروسية، دون استخدام القوة ودون سفك الدماء.
لكن النقطة هي بالضبط أننا لم نعتقد قط ولو للحظة واحدة أن عملية التحرر ستتبع مسارًا سلسًا. كنا نعلم جيدا الطبيعة الحقيقية للسلطة القديمة. نحن الاشتراكيين الديموقراطيين كنا مقتنعين، على الرغم من البيان الذي بدا وكأنه قطع نهائي مع الماضي، أن جهاز الدولة القديم لن ينسحب بإرادته الحرة، ولن يسلم السلطة إلى الشعب أو يسلم واحدًا من مواقعه الرئيسية. لقد توقعنا، وحذرنا الأمة علناً من أن الحكم المطلق سيدفع إلى المزيد من المحاولات المتشنجة للحفاظ على هذه السلطة التي لا تزال بحوزته وحتى لاستعادة ما تخلى عنه رسميا. هذا هو السبب في أن العصيان المسلح، العصيان المسلح، أيها السادة، كان حتمياً من وجهة نظرنا. كان ولا يزال ضرورة تاريخية في عملية نضال الشعب ضد الدولة العسكرية والشرطة. طوال أكتوبر ونوفمبر، سادت هذه الفكرة في جميع الاجتماعات والتجمعات، وسيطرت على الصحافة الثورية بأكملها، وشغلت الجو السياسي بأكمله، وبطريقة أو بأخرى، تبلورت في وعي كل عضو من أعضاء السوفييت. ولهذا السبب، بطبيعة الحال، شكّلت جزءًا من قرارات السوفييت، ويفسر ذلك أيضًا، لماذا، لم تكن هناك أي حاجة لدينا لمناقشة هذا الأمر.
الوضع السياسي المتوتر الذي ورثناه من إضراب أكتوبر - وهو الوضع الذي واجهت فيه منظمة ثورية جماهيرية تناضل من أجل وجودها، لا تقوم على الشرعية بسبب عدم وجود شرعية، ولكن على القوة، والتي كانت موجودة، في مواجهة قوة ثورة مضادة مسلحة تنتظر لحظة الانتقام - إذا جاز التعبير عن ذلك، الصيغة الجبرية المتمثلة في الانتفاضة. قدمت الأحداث الجديدة مجرد إدخال قيم رقمية جديدة في الصيغة. وعلى الرغم من ذلك، فإن فكرة التمرد المسلح، على الرغم من الاستنتاجات السطحية التي توصلت إليها النيابة العامة، لا يمكن العثور عليها فقط في قرار السوفييت الذي تم تبنيه في 27 نوفمبر، أي قبل أسبوع من اعتقالنا، حيث يتم التعبير عنها بوضوح وبشكل لا لبس فيه: فكرة الانتفاضة المسلحة. في أشكال مختلفة، لكنها واحدة من حيث الجوهر، تنسل مثل الخيط الأحمر من بداية وجود السوفييت، من خلال جميع قرارات السوفييت - في قراره إلغاء مظاهرة الجنائز، قراره إعلان نهاية إضراب نوفمبر، وفي العديد من القرارات الأخرى التي تحدثت عن الصراع المسلح مع الحكومة، والهجوم النهائي أو المعركة النهائية كمرحلة حتمية في النضال.
لكن ماذا كان تفسير السوفييت نفسه لهذه القرارات؟ هل اعتقد أن الانتفاض المسلح هو مشروع يمكن إعداده تحت الأرض ثم إخراجه، جاهز الصنع، إلى الشارع؟ هل اعتقد أن الانتفاضة يمكن أن تتصرف وفق خطة معدة سلفاً؟ هل وضعت اللجنة التنفيذية أسلوبًا في قتال الشوارع؟
لا بالقطع لا. وهذا لا بد أن يحد من العاب البازل عند مؤلف لائحة الاتهام عندما وجد أمامه بضع عشرات من المسدسات المتواضعة التي هي، في نظره، الخصائص المميزة تحديداً لمرحلة الانتفاض المسلح. لكن وجهة نظره هي فقط وجهة نظر القانون الجنائي، الذي يعرف كل شيء عن الجمعيات التآمرية، لكن لا يمكنه فهم فكرة التنظيم الجماهيري، الذي يعرف عن الاغتيالات والتمردات لكنه لا يعرف شيئاً عن الثورة ولا يستطيع أن يعرفها.
إن المفاهيم القانونية التي تستند إليها هذه المحاكمة صيغت قبل عقود سابقة على تطور الحركة الثورية. ليس للحركة العمالية الحديثة في روسيا أي شيء مشترك مع فكرة المؤامرة كما يفسرها قانوننا الجنائي - وهي فكرة لم تتغير بشكل كبير منذ سبيرانسكي Speransky، الذي عاش في عهد كاربوناري Carbonari. وهذا هو السبب في أن محاولة ضغط أنشطة السوفييت في حدود التعريف الضيق للمادتين 101 و102 محاولة لا جدوى منها ويائسة من وجهة نظر المنطق القانوني.
ومع ذلك كانت أنشطتنا ثورية. ومع ذلك، كنا حقاً نستعد لانتفاضة مسلحة.
إن الانتفاضة الجماهيرية، أيها السادة فوق المنصة، لا تخترع: إنها تنجز نفسها. إنها نتاج لعلاقات اجتماعية، وليست نتاج خطة. لا يمكن خلقها. ولكن يمكن التنبؤ بها. للأسباب التي تتوقف علينا بقدر ما تتوقف على سياسات النظام القيصري Stardom، صار هناك صراعاً مفتوحاً لا مفر منه. اقتربت يوما بعد يوم. إن الاستعداد لذلك يعني بالنسبة لنا القيام بكل ما هو ممكن لتقليل عدد ضحايا هذا الصراع المحتوم. هل اعتقدنا أنه لهذا الغرض كان علينا قبل كل شيء أن نقوم بتخزين أسلحة، ونضع خطة للعمليات العسكرية، ونحدد المشاركين في العمل من فوق نقاط مرتفعة محددة، ونقسم المدينة إلى قطاعات - وبعبارة أخرى، نفعل جميع الأشياء التي تفعلها السلطات العسكرية تحسبًا "للاضطرابات"، عندما تقسم بطرسبورغ إلى قطاعات، وتعين الكولونيل المسؤول () لكل قطاع وتجهزهم بعدد محدد من المدافع الرشاشة والذخيرة؟ لا، هذه ليست الطريقة التي فسّرنا بها دورنا. للتحضير لثورة حتمية – السادة هيئة المحكمة، لم نقم أبدا بإعداد تمرد كما يظن الادعاء ويقول: لقد جهزنا لعملية تمرد – لقد عنت بالنسبة لنا، أولاً وقبل كل شيء، تنوير الناس، موضحين لهم أن الصراع المفتوح كان حتمياً، وأن كل ما تم إعطاؤه لهم سيؤخذ منهم من جديد، وهذا فقط ما يمكنهم من الدفاع عن الحق، كان من الضروري بناء منظمة قوية من الجماهير العاملة، وأن العدو يجب أن يواجه وجهاً لوجه، وأن الكفاح يجب أن يستمر حتى النهاية، وأنه لا توجد طريقة أخرى. هذا هو ما يعنيه التجهيز للانتفاضة بالنسبة لنا.
في أي ظروف كنا نعتقد أن الانتفاضة قد تقودنا إلى النصر؟ جذب تعاطف الجيش. كان الشرط الأول هو جذب الجيش إلى جانبنا. دفع الجنود الى إدراك الدور المشين الذي كانوا يلعبونه، إقناعهم بالعمل مع الشعب ومن أجل الشعب - كانت تلك هي المهمة الأولى التي حددناها لأنفسنا.
لقد قلت بالفعل إن إضراب نوفمبر، وهو دافع غير معني مباشرة بالتضامن الأخوي مع البحارة المهددين بعقوبة الإعدام، كان له أيضاً أهمية سياسية هائلة لأنه جذب انتباه الجيش إلي التعاطف مع البروليتاريا. هذا هو الموضع الذي كان يجب على المدعي العام أن يبحث فيه عن الاستعدادات للتمرد المسلح. لكن، بالطبع، لا يمكن لمظاهرة من التعاطف والاحتجاج، في حد ذاتها، حسم المسألة. في ظل أي ظروف، هل اعتقدنا - وهل نعتقد الآن - أنه كان من المتوقع أن ينتقل الجيش إلى جانب الثورة؟ ما هو الشرط المسبق لهذا؟ المدافع الرشاشة والبنادق؟ وبطبيعة الحال، إذا كانت الجماهير العاملة تمتلك مدافع رشاشة وبنادق، فإنها تمتلك قوة عظمى. هذه القوة ستزيل إلى حد كبير حتمية الانتفاضة. الجيش الذي لم يقرر بعد أن يضع سلاحه عند أقدام الجماهير المسلحة. لكن الجماهير لم، ولا، ولن تستطيع امتلاك الأسلحة بكميات كبيرة. هل هذا يعني أن الجماهير محكوم عليها بالهزيمة؟ لا، ليس كذلك. مهما كانت الأسلحة هامة، أن القوة الأكثر أهمية لا تكمن في الأسلحة. لا تكمن في قدرة الجماهير (علي استخدام -م) 1611، ولكن في استعدادهم الكبير للموت، أنه، السادة القضاة، ما نعتقد أنه يضمن، في الحساب الأخير، نجاح انتفاضة الشعب.
عندما يرسل الجنود إلى الشوارع لقمع الجماهير، يجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع الجماهير ويكتشفون أن هذا الجمهور، الشعب، لن يترك الشوارع حتى يحصل على ما يريد؛ أنه مستعد لتكويم جثث فوق جثث؛ عندما يرون ويقتنعون بأن الناس خرجوا للقتال بشكل جدي، حتى النهاية - فإن قلوب الجنود سوف تهتز، كما حدث دائما في كل الثورات، لأنهم سيضطرون للشك في استقرار النظام الذي يخدمونه، سوف يضطرون إلى الاعتقاد في انتصار الشعب.
من المعتاد الربط بين فكرة الانتفاضة وبين المتاريس. حتى لو تركنا جانباً حقيقة أن المتاريس قد تلوح في الأفق في مفهومنا عن الانتفاض الشعبي، يجب ألا ننسى أن المتراس - وهو عنصر تلقائي واضح في الانتفاضات، يلعب – في المقام الأول، دوراً معنوياً. في كل ثورة،
إن أهمية المتاريس المؤقتة ليست هي نفسها مثل الحواجز الطبيعية في المعركة. المتاريس ليست مجرد عقبة مادية. المتراس يخدم قضية الانتفاضة لأنه، من خلال خلق حاجز مؤقت أمام حركة القوات، يجعلهم في تماس مباشر مع الجماهير. هنا، خلف المتاريس، يسمع الجندي - ربما لأول مرة في حياته - حديث الناس الشرفاء العاديين، نداءاتهم الأخوية، صوت ضمير الشعب. ونتيجة لهذا الاتصال بين المواطنين والجنود، يتحلل الانضباط العسكري ويختفي. هذا، يضمن الانتفاضة الشعبية. وهذا هو، وهذا فقط، انتصار التساؤل حول، في رأينا، أن الإضراب الشعبي "تم تجهيزه"، ليس عندما يكون الناس مسلحين ببنادق ومدافع – لأنه في هذه الحالة لن تكون الانتفاضة جاهزة أبداً - ولكن عندما تكون مسلحة بالاستعداد للموت في معركة الشوارع المفتوحة.
لكن، بالطبع، السلطة المحاصرة القديمة، ترى نمو هذا الشعور العظيم، هذا الاستعداد للموت من أجل مصالح بلادنا، التضحية بالحياة من أجل سعادة أجيال المستقبل، وتري الجماهير مصابة بهذا الحماس الذي لا يمكن للسلطة أن تشعر به أو تفهمه بنفسها أبداً - أنها لا تستطيع أن تراقب بهدوء البعث الأخلاقي لروح الشعب الذي يحدث أمام أعينها. إن النظر إلى الأمر في صمت كان يعني، بالنسبة للحكومة القيصرية، أن تتخلي عن وجودها. هذا كان واضحاً. ماذا، إذن، يمكن أن تفعله؟ كان عليها أن تحارب تقرير المصير السياسي للشعب بكل ما تبقي لديها من قوات، بكل الوسائل المتاحة لها. كان يجب إرسال الجيش الجاهل وجماعات المائة السوداء والشرطة السرية والصحافة الفاسدة إلى العمل. لتضع الشعب في مواجهة بعضه البعض، لتغطية الشوارع بالدم، والنهب، والاغتصاب، والحرق، وخلق الذعر، والكذب، والغش، والافتراء، وهذا ما كان على السلطة القديمة القيام به. وفعلت هذه الأشياء وما زالت تفعلها حتى يومنا هذا. إذا كان القتال المفتوح لا مفر منه، فمن المؤكد أنه ليس نحن بل أعدائنا القتلة الذين سعوا إلى تقريبه.
لقد سمعتم هنا عدة مرات بأن العمال في أكتوبر ونوفمبر قاموا بتسليح أنفسهم ضد جماعات المائة السوداء. إذا كان المرء لا يعرف شيئاً عما يحدث خارج قاعة المحكمة، فقد يبدو من غير المفهوم تماماً، في بلد ثوري تدعم فيه الغالبية العظمى من السكان المثل العليا للتحرير، حيث تظهر الجماهير الشعبية صراحة عزمها على القتال حتى النهاية، كيف في مثل هذا البلد، يمكن لمئات الآلاف من العمال تسليح أنفسهم لمحاربة المئات السود الذين يمثلون جزءًا صغيرًا وغير مهم من السكان. هل هم، إذن، خطرين لتلك الدرجة، هؤلاء المنبوذين من المجتمع، هذا الروث، أيا كان وضعهم الاجتماعي؟ لا، بالطبع ليسوا بتلك الخطورة. ستكون المشكلة بسيطة لو كانت فقط عصابات المئات السوداء التي وقفت في طريق الجماهير. لكننا سمعنا، ليس فقط من المحامي برامسون Bramson الذي ظهر كشاهد، وكذلك أيضا من مئات العمال الذين شهدوا هنا، أن المئات السود مدعومون بعدد كبير من السلطات الحكومية، إن لم يكن جميعهم، أنهم وراء عصابات البلطجية الذين ليس لديهم ما يخسرونه ولا يتوقفون عند شيء - لا الشعر الأبيض في رأس الرجل العجوز، ولا امرأة عاجزة ولا طفل - هناك يقف وكلاء للحكومة الذين يقومون بلا شك بتنظيم وتسليح المئات من السود من أموال ميزانية الدولة.
وأخيرًا، ألم نكن نعرف هذا قبل المحاكمة الحالية؟ ألم نقرأ الصحف؟ ألم نسمع تقارير شهود العيان، ألم نتلق رسائل، ألم نرى شيئًا بأعيننا؟ ألم نكن على علم بقيام الأمير أوروسوف Urusov بتمزيق الإفصحات؟ لكن الادعاء لا يصدق أيًا منها. لا يمكن أن يصدق ذلك، لأنه إذا فعل ذلك، فسيكون عليه توجيه اتهاماته إلى من يدافع عنهم اليوم. سيجب عليه أن يعترف بأن المواطن الروسي الذي سلح نفسه بمسدس ضد الشرطة إنما يتصرف في حدود الدفاع الضروري عن النفس. ولكن سواء كان الادعاء يعتقد أم لا أن المذبحة التي اقترفتها السلطة كانت ضرورية على الإطلاق. بالنسبة لهذه المحكمة، يكفي أن "نؤمن نحن بها، أن مئات الآلاف من العمال الذين سلحوا أنفسهم في دعوتنا كانوا مقتنعين بها". نحن نعتقد بما لا يدع مجالًا للشك أن اليد القوية للعصبة الحاكمة توجه الأنشطة الجذابة التي تقوم بها فرقة "المئات السوداء". أيها السادة القضاة، يمكننا أن نرى تلك اليد الشريرة حتى الآن.
يدعونا الادعاء إلى الاعتراف بأن السوفييت قام بتسليح العمال من أجل الكفاح ضد "شكل الحكومة" "form of government"القائم. إذا سُئلت بشكل قاطع ما إذا كان الأمر كذلك، سأجيب: نعم! نعم، أنا على استعداد لقبول هذا الاتهام، ولكن بشرط واحد فقط. ولا أعرف ما إذا كان الادعاء والمحكمة سوف يقبلون شرطي.
دعني أسأل: ماذا تعني النيابة بـ "شكل الحكومة"؟ هل لدينا حقا شكل من أشكال الحكم؟ لفترة طويلة من الماضي لم يكن دعم الحكومة مستنداً إلى قبول الأمة ولكنه معتمداً فقط على جهاز يتكون من القوات العسكرية – البوليس - المئات السوداء. ما لدينا ليس حكومة وطنية بل هي آلة للقتل الجماعي. لا أستطيع العثور على اسم آخر للآلة الحكومية التي تقطع الجسم الحي لبلادنا إلى أشلاء. إذا أخبرتني أن المذابح والقتل والحرق والاغتصاب. إذا قلت لي أن كل ما حدث في تفير Tver، روستوف Rostov، كورسك Kursk، سيدلSiedlee. . . إذا أخبرت أن كيشينيف Kishinevوأوديسا Odessaوبياليستوك Bialystok هم شكل حكومة الإمبراطورية الروسية، فإنني سأوافق مع النيابة على أننا في أكتوبر ونوفمبر الماضيين كنا نسلح أنفسنا، مباشرة وفوراً، ضد شكل حكومة روسيا الإمبراطورية.