إننا مختلفون... رغما عن أنوفكم!


محمد مسافير
2018 / 10 / 9 - 18:04     

انتقلت إلى شقة جديدة قبل شهرين ونيف، كنت فيما سبق من المساكن التي قطنتها، أحرص كل الحرص على الانطواء عن الجيران مهما أمكن، لكني غيرت التكتيك هذه المرة دون قصد... احتجنا لبعضنا البعض في كثير من المناسبات، فكان لي عونا وكذلك كنت، جلسنا مرات متفرقة وخضنا في أحاديث عادية، إلى أن حاول أن يقتحم خصوصياتي ذات مرة ودون إشعار مسبق:
- أنت إنسان لطيف جدا وناضج عقلا فيما يبدو، لكني سألت نفسي أكثر من مرة دون أن ألقى أي تبرير، كيف لم يسبق لي أن رأيتك في المسجد، حتى صلاة الجمعة لا تحضرها يا رجل؟ ينقصك القليل من المواظبة على صلاة الجماعة، أو على الأقل على صلاة الجمعة، لتكون إنسانا مكتمل الأخلاق...
لم أبادره بالنقاش أصدقائي، هو من تطفل على حياتي...
- لكني لا أصلي أبدا... لا صلاة فردية ولا صلاة جماعية!
- ماذا... وتقولها هكذا وكأنك فخور بذلك، الحكمة أن تخجل من نفسك... لكن لماذا لا تصلي...
- بل لماذا تريدني أن أصلي؟
- غريب أمرك، لأن الله أمرك بذلك، كي تتقي شر غضبه، وإلا فستتعذب إلى أبد الأبدين، الدنيا فانية يا جاري، فلا تنغرن بها...
- تريدني أن أصلي كي لا يغضب الله، طلبك هذا يحتمل افتراضين، فإما أن الله يتصرف كطفل صغير يغضب إن لم تسد له خدمة أو حرمته من لعبة، أو أنه مريض بجنون العظمة وسادي يعشق الإذلال و....
لم أكمل استهلالي حتى قام من مجلسه كالرعد، ونهق في وجهي واللعاب يتطاير رذاذا من بوقه:
- عليك اللعنة إلى يوم الدين يا شيطان يا رجيم، حسبنا الله ونعم الوكيل...
قال الجملة الأخيرة أكثر من مرة قبل أن يلتهمه باب العمارة، ومنذ ذاك الحين، لم أسمع منه سلاما أو كلاما... فإما أن تنحشر فيما انحشروا فيه، أو يعزلوك ويتجاهلوك...
هم يعشقون لونا واحدا، والجمال في اختلاط الألوان...
لم يتطور القطيع لأنهم متشابهون سلوكا، ويتقاسمون نفس الهدف: الأكل والشرب والتناسل... بينما تطور الإنسان رهين بوجود الاختلاف أولا، ثم بالقدرة على تدبيره وتقبل الآخر...