شتات الصهيونية - تعددية الواحد


موسى راكان موسى
2018 / 10 / 9 - 12:38     

المسألة الصهيونية قطب و القضية الفلسطينية قطب ، هكذا يُراد أن يكون الوضع ، فالتناقض لا يكون إلا بين متساوين .. بين قطبين .. كلاهما فراغ و في آن امتلاء ، إذ يفرغ أحدهما ينبثق الآخر منه فيمتلئ فيه منه .

التعصب و التطرف ليسا من الفكر نفسه ، الفكرة لا يمكنها بذاتها أن تكون متعصبة أو متطرفة ، كما لا يمكنها أن تكون معتدلة أو وسطية أو متسامحة .. أو مفرطة ، لذا فمحاربة الفكر ذاته بإعتباره متطرف عبث دونكيشوتي .. كما أن الدعوة لتبني فكر معتدل متسامح ليس بأقل عبثية .

لذي يوسم بالتطرف أو الاعتدال أو التفريط ليس الفكر إنما صاحبه ، و يمكن أن يكون للفكرة الواحدة ذاتها أصحاب متطرفون و معتدولون و مفرطون دون أن يطالها كبير اختلاف ؛ فالمرء يكون متطرف و ليس فكره من يكون ــ و حتى مع إدعاء المرء تبنيه لفكر و اعتناقه لمبادئ معينة تكشف سلوكياته و أفعاله دوما عن شيء آخر و أعمق .

فإن كان لدينا 100 شخص في غرفة يقرأون المشهد (الإسرائيلي ـ الفلسطيني) قراءة تناقض بين قطبين ، إلا أن 20 منهم من المتطرفين و 50 من المعتدلين و البقية من المفرطين ، فذلك لا يعني أن الوضع سليم لأن التطرف في قلة ، فلا أحد يضمن أن الأعداد لن تتغيّر ؛ فالناظر في معظم الأدبيات العربية في قراءة المشهد (الإسرائيلي ـ الفلسطيني) سيدرك أن لغتها كانت شبه معتدلة في أول الأمر ثم تحوّلت مع المد القومي (الناصري/الوحودي/البعثي) إلى لغة وحشية ، حتى انتهينا اليوم إلى ما يشبه التفريط ، إلا أن تلك الأدبيات [من الاعتدال مرورا بالتوحش إلى التفريط] .. كانت تتبنى القراءة ذاتها .. قراءة التناقض بين قطبين [اللهم إلا بعض القراءات (منها ماركسية) تبنت قراءة أخرى مختلفة ، إلا أنها هامشية أو اعتباطية من حيث موقعها الاجتماعي و الثقافي] .

هناك قراءات أخرى للمشهد (الإسرائيلي ـ الفلسطيني) .. قراءات ترفض التناقض .. تعادي الاستقطاب .. بمتطرفيه و معتدليه و مفرطيه ، إلا أن للتناقض قوة عجيبة في نفوس أصحابه إذ يختزل القراءات كلها في واحدة التناقض .. بل يختزل ما لا يقبل الاختزال [كالعلم مثلا] في تعددية قطبي التناقض ، تعددية التناقض ترفض قبول وجود تعددية خارج التناقض .. بل ترفض الخارج فلا وجود لخارج دون أن يكون ضمن التناقض ؛ هذا إله سبينوزا الذي روّضه هيجل .