بعد ديمقراطية -شلّه واعبر- المحاصصة الطائفية تترسخ!


نادية محمود
2018 / 10 / 7 - 21:34     

شهور تصرمت اثناء الحملة الانتخابية وكل المتبارين والمتنافسين يتحدثون عن تشكيل برلمان جديد وحكومة جديدة "عابرة للطوائف، غير طائفية، تكنوقراطية، ابوية"، بل وذهبوا ليعيدوا اطلاق تسميات مدنية على احزابهم الدينية (الحكمة، المدني)، الا انهم عادوا وتقاسموا المواقع الحكومية الثلاثة على اساس شيعي، سني، كردي! نسوا وتناسوا كل تلك الدعايات الانتخابية ضد الطائفية! رئيس الحكومة شيعي، رئيس الجمهورية كردي، رئيس البرلمان سني!!
ثم تصارعوا مرة اخرى على احقية الكتلة الاكبر بتشكيل الحكومة عبر انتخاب رئيسها اولا. بعد تصرم ايام واسابيع وحسابات تتباين كل يوم عن اعداد الكتلتين الاصلاح والبناء، جرى تعيين رئيس وزراء، ولما نعرف بعد من هي الكتلة الاكبر اساسا؟ تم عبور ونسيان او تناسي الامر كله! اتضح ان لا اهمية لموضوعة الكتلة الاكبر جملة وتفصيلا. فقد جاءوا برئيس تسوية فوق الكتل وخارج الكتل! فاية كتلة يمثل عادل عبد المهدي؟ الاصلاح؟ ام البناء؟ ام كلاهما؟ وهل هنالك فرق بين الاثنين؟ ماهو الفرق البرامجي بينهما؟ فلا احد يعرف "بناء" ماذا و"اصلاح" ماذا؟ نسي الامر تماما، نسيت الكتلة الاكبر.
ففي اخر المطاف، يتم تشكيل الحكومة على اساس توافق ايراني امريكي على مرشح لرئاسة الحكومة. فاذا اتفقت ايران مع امريكا، فان حلفائهما العراقيين عليهم بالضرورة وكتحصيل حاصل، القبول بالامر الواقع. اما صيحات المعترضين على لا دستورية تعيين من هو خارج الكتلة الاكبر، تذهب ادراج الرياح!!
ان هذا يوضح مهزلة الانتخابات بالدرجة الاساس. انهم لا يحترموا حتى قواعد اللعبة التي وضعوها بايديهم، ولا الدستور الذي دونوه بانفسهم. فرئاسة الحكومة في العراق في اخر المطاف تتم بالاتفاق بين ايران وامريكا. وهذا دليل مرة اخرى، على سياسة التحميق والخداع التي يسموها بالانتخابات في العراق.
ان التشكيل الحكومي الحالي يتم ليس على اساس برامجي، بل على اساسين رئيسين: الاول هو ارضاء مصالح الولايات المتحدة، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والمؤسسات الغربية من جهة، ومصالح الجمهورية الاسلامية في العراق من جهة ثانية. والاساس الثاني: هو ان الاطراف المتفقة مع هذه "المحاصصة الدولية"، تتفق لاحقا على المحاصصة المحلية فيما بينها، فتستطيع ان تتنعم بما كسبت بالتقسيم على مبدأ: هذا لك وهذا لي! هكذا سيتم توزيع الوزارات، والعقود، وارصفة الموانئ، والنقاط الحدودية، ونقاط التفتيش الداخلية والخ. وهكذا تاخذ اطراف "العملية السياسية" كل حصتها. وكل تلك السفسطة السياسية من انتخابات وديمقراطية، وصداع، كلها تدور حول شيء واحد لا غير: المال والسلطة!
الان الطبقة البرجوازية في العراق، اعادت ترتيب مواقعها، تحت يافطات طائفية، وكل احتل مكانه. فالتشكيلة الحكومية الجديدة عبرت صراعات المرحلة السابقة واستقر الجميع في برلمان واحد، وفي حكومة واحدة، بالامس كانت تتصارع عسكريا، الان تلتئم على بعضها سياسيا، ارهابيين وتكفيريين، خصوما واعداء واخوة، شيعة وسنة. حاربوا بعضهم البعض، باسم الحرب على الارهاب، وها هم يجلسوا الان، ليديروا دفة شؤون البلاد! انها احدى نتائج وجود داعش والحرب على داعش. الجميع الان يجلس على طاولة واحدة، طبقة تكرس الطائفية، وتتحاصص على اساسها. انها طبقة تعمل عبر الطائفية!
فمالذي ستقدمه هذه الطبقة الجديدة- القديمة؟ وكل شخص من الذين تم الاتفاق عليه، سبقته سيرته الذاتية قبل تنصيبه بشكل نهائي في موقعه: فصفات الارهاب والفساد مقترنة بهم اقتران لا ينفصم، مالذي سيقدموه؟ وما الذي سيفعلوه للبطالة المليونية من الرجال والنساء، خريجين وخريجات او متسربين ومتسربات من المدارس؟ للعاملين غير الثابتين الذي يعانون انعدام الامان الاقتصادي وانعدام الحقوق؟ للعمال المحرومين من شروط عمل وحقوق عمل مناسبة؟ مالذي سيقدموه من خدمات صحة في مستشفيات خاوية وخالية من اية خدمات؟ مالذي سيقدموه من مستلزمات تعليم تساعد الطلاب، بناتا واولادا على ان يتعلموا لادارة حياتهم عند البلوغ؟ مالذي سيقدموه من خدمات لكبار السن، وللعجزة؟.
ليس لدى الحكومة الجديدة، كما لم يكن لدى الحكومات السابقة، حلا! لان تلك الحكومة لم تأتي وهي تتأبط برنامجا اقتصاديا- اجتماعيا لحل امور المجتمع، بل جاءت لتخدم مصالح حلفائها، الدوليين والاقليميين والمحليين.
لذلك سيكون مصير وامان العمال والعاطلين والنساء في مجتمع ستبلغ نسمته الـ 40 مليونا ويبلغ الشباب فيه ممن هم تحت سن الرابعة والعشرين ما يقارب الـ59%، وقواه المستعدة للعمل 10 ملايين، قيد المجهول. ففي ظل نظام المحاصصة، لم ولن يكن لكل تلك الملايين اية مكانة في حسابات الاطراف الدولية ولا الاقليمية ولا المحلية! لان تلك الشركات- الدول- الاسر، الاحزاب- الميلشيات، او تلك الطبقة برمتها، معنية ومشغولة بمصالحها وبنفسها.
لم ولن يتغير اي شيء، وما كان لدينا على كل حال اي توهم بان هنالك شي سيتغير. لذا ستبقى الارضية الاقتصادية التي اشعلت اعتراضات واحتجاجات الجماهير ساخنة وستستمر. ومن اجل ان يكون مصير الاغلبية المطلقة معلوما، ليس امامنا وامام الجماهير من سبيل غير الاستمرار ومواصلة تنظيم العاطلين عن العمل والعمال غير الثابتين. الوصول الى النساء العاطلات عن العمل وربات البيت اللواتي فرض عليهن ان يقبعن في بيوتهن يعانين الفقر والحرمان. الاستمرار بتنظيم الشباب والطلبة الذين يعانون من اسوأ اوضاع التعليم. الاستمرار بتنظيم قوى الطبقة العاملة بنفسها ولنفسها. ليس لنا من سبيل غير الاستمرار وتصعيد وادامة التنظيم والنضال من اجل انتزاع اكبر ما يمكن انتزاعه من فم هذا التحالف الحكومي الجديد: فرص عمل، ضمان بطالة، خدمات. تلك المطالب التي قضيت ارواح شباب من اجلها ونزفت دماء، ولما تزل، مستمرة.