قيم مقلوبة ذات اهداف واضحة! (حول بعض ردود الافعال على حملة اغتيال النساء في العراق)


فارس محمود
2018 / 10 / 7 - 21:34     

ثمة اشياء تبعث فعلا على الحنق والغثيان فعلاً. تتاسف ان يصل حال الانسان الى هذه الدرجة من الانحطاط والتردي وانعدام الانسانية، هذه الدرجة من "غسيل الدماغ" الاسلامي والمتخلف. لقد كان هذا شعوري وانا ارى بعض التعليقات على مقتل واغتيال الموديل تارا فارس. لقد كتب بعضهم "قحبة وانقتلت! لماذا تكبرون الموضوع؟!" او "عاهرة وولت... الى جهنم وبئس المصير!" و.... الخ من تعليقات وبالاخص من اوساط اعلامية (!!)، من كوادر قناة العراقية الطائفية المسمومة. بهذا الكلام يثبتون ان ليس للانحطاط والتردي قاع، يثبتون مدى معاداتهم للانسانية ولابسط المشاعر الانسانية. ان اقل درجات رد الفعل لانسان لديه ادنى حق لاحترام انسانيته هو ان يتاسف لمقتل انسان، نفس بشرية بهذه الطريقة الغادرة والمتوحشة.
ان كانت هناك قائمة لحساب البشر، فهناك قائمة اطول بكثير وكثير من المجرمين والقتلة والفاسدين (وفاسدين كلمة تعادل لاشيء امام مايجري في العراق) والدعاة المسممين والملوثين لافكار المجتمع بالطائفية والقومية وغيرها في "العراق الجديد"، الذي يعد اكثر مراحل العراق قباحة. لماذا "العاهرة" تورد في هذا السياق؟! هل فعلت بقدر ذلك الذي سلم 1700 شاب في سبايكر للهولوكست الداعشي الاسلامي؟! ام ذاك الذي سلم مئات الالاف من البشر، الايزديين، لداعش حتى يسبوا نسائهم كي تكون لقضية الكرد اصداء عالمية، ويعتاش على "حلبجة اخرى"! ام ذاك الذي انتقل من العيش على المساعدات و"الوضع النفسي" ليشتري شوارع باكملها في بريطانيا وعشرات من امثاله من تحولوا لا بقدرة قادر، وانما بـ"شفط" هستيري لكل ثروات مجتمع تئن اغلبيته تحت خط الفقر، سحقوا بلدا بحد بحيث ترى يوميا الاباء يضعون الكبرياء جانباً ويبكون بحرقة من على شاشات التلفاز من انهم يموتون يوميا الف مرة حين تسالهم بنتهم عن "ربع دينار"! ويقف عاجزاً عن تلبية هذا "الطلب الصغير"! والاف الاف القصص اليومية التي تبين كل واحدة منها عن الجرائم التي ترتكب بحق المجتمع من سرطان، من امراض، من تسمم، من جوع وانتحار جراء الفقر المدقع، من الحروب ومن قتل فلذات الاكباد المعيلين لعوائل كبيرة، من سحق الطفولة، من شيوع العنف وثقافة الاستهتار وهدر الكرامة اليومية و..... ومن السحق اليومي للمجتمع لحد انهياره!
لم تقتل تارة وسعاد العلي و... لكونهن "بائعات جسد"، بل جزء من مسعى اسلمة المجتمع وتركيع النساء بالعنف. ولكن حتى لو افترضنا ذلك، من هي اكثر ضررا على المجتمع واجراما بحق المجتمع تلك التي دفعتها ظروف الحياة المرة والصعبة والقاسية، في ظل غياب اي ضمانات وحقوق في بلد يسبح في النفط والغاز والثروات، ام اؤلئك الذين ينثرون السم الطائفي المقيت من على المنابر والمساجد والجوامع والحسينيات؟! هي ام تلك المليشيات المخضبة اياديها بدماء الاف الابرياء؟! اجعل من ضميرك قبعة واحكم!. على الاقل ان بائعة الجسد تعطي الفرح الوقتي لمن يتعناه ويدفع المال من اجله، وبصراحة بتكالب مريض بقدر مرض المجتمع وقيمه، ماذا اعطت النخبة السياسية الحاكمة غير المصائب؟! ان كان المجتمع يتمتع بادنى درجات الانصاف سيعرف من الافة الحقيقة التي تدمر المجتمع منذ سنين مديدة.
اي مجتمع وقيم منافقة ومرائية وفاسدة هذا. اذ ان مايسموه "البغاء"، "الدعارة"، و.... هي جزء من اركان المجتمع الراسمالي. انها احد ضروراته. انها احد ضرورات وملحقات لافكاك منها لمجتمع "احادي الزواج"، انها ضرورات مجتمع غير حر وغير انساني. في عراق اليوم، ان المليشيات الطائفية هي نفسها من تدير هذه التجارة المربحة، تدفع نحو ازدهارها مستغلة العوز والفقر والجوع الذي اغرقت المجتمع به. هي سمسار هذه التجارة. في عالم الراسمال، ليس للربح حدود وحواجز. ان الربح يتقدم على الطائفة، الملا والسيد، الدين، الله وكل شيء.
"بائعة الجسد" وفي الحقيقة "عاملة الجنس"، هذه التسمية الواقعية وغير المنافقة والبعيدة عن الرتوش الاخلاقية الكاذبة"، هي انسان مثلي ومثلك لازيادة ولا نقصان. انها تمتهن هذا العمل في اغلب الاحيان لسببين رئيسين: الجوع، الفقر، اعالة عائلة في مجتمع تحصد فيه ارواح الالاف من الشباب "المعيل اغلبهم لعوائل كبيرة" ويجبر فيها النساء على ان يكونوا في "فم المدفع" وتحمل مسؤولية عوائل كبيرة، وان المسؤول عن الفقر المدقع هو بالدرجة الاولى هي الطبقة السياسية الحاكمة، الطائفية، المليشياتية المنافقة نفسها..... او سعي فتيات يحلمن عبر توظيف "الجمال" و"الرشاقة" و"الشباب".... للاثراء، للمشهورية وعالم المشاهير والاضواء والابسطة الحمراء واجمالا نخبة المجتمع... وان هذه القيم هي قيم المجتمع الراسمالي نفسه.
وفي عالم الراسمال على قول ماركس تتسلع كل الاشياء ومن ضمنها الانسان. وهذه السلعة لها روادها الذين اغلبهم من هذه الطبقة الموسرة، الطبقة الحاكمة، وفي عراق اليوم هي اناس التيارات المليشياتية الطائفية الحاكمة والمتبرجزين الجدد من حولهم، ابناء المصفى والتهريب والكوميسيونات وتجار الحرب.
الادهى من هذا يشاع في صفحات التواصل الاجتماعي، في نغمة على اساس ان هدفها الدفاع عن تارا فارس نص من الظاهر انه ينتقد القتلة: "اتعرفون ان بعملكهم هذا اضريتوا بالاسلام. على الاقل ان تارا فارس استخدمت اوسخ ما عندها، ولكنكم اضريتم باحسن ما عندكم، الاسلام"! ليس ثمة رد سوى ان تقول "تف على هذا الدفاع!". انه ذات المنطق المنافق والمرائي البشع! لماذا "اوسخ ماعندها"؟! جسد المراة كله جدير بالاحترام، جدير بالحب. ياليته هذا "المدافع" لم يدافع، لكان افضل! انها مقولات وثقافة التخلف والانحطاط. ان صاحبنا ليس متخلفاً عن عصرنا، انه متخلفاً عن عصر جلجامش وانكيدوا، فعلى قول الملحمة، حولت معاشرة المراة انكيدوا البري الى حكيم. "لقد اصبحت حكيما يا انكيدوا!"
يجب ان تجتث هذه الثقافة ذات الاهداف الواضحة بخدمتها للطبقات الحاكمة والوضع المليشياتي الراهن. ان اعمال اغتيال النساء هو امر مدان جملة وتفصيلا. وليس لاي احد الحق في التطاول على كرامة المراة تحت اي مبرر كان، ناهيك عن سلب حياتها.