نعوم تشومسكي ودافيد جيبس، حديث حول: ترامب، الناتو، الحرب الباردة، فيتنام، الأسلحة النووية، تدمير البيئة… (1-2)

دافيد جيبس
2018 / 10 / 6 - 11:23     

تقديم

يعود تاريخ هذا النقاش، إلى يوم 2فبراير 2017 في إطار جلسة نقاش مفتوحة، انعقدت بجامعة أريزونا أمام عموم الجمهور. لذلك، فالشكر للسيد مارفين واترستون لأنه رتب حيثيات لقاء من هذا القبيل، ثم البروفيسور نعوم تشومسكي – أحد أكبر مثقفي العالم- نظرا لموافقته على جعله لقاء في متناول الجميع. (جيبس هو أستاذ التاريخ في جامعة أريزونا؛ ترجم المقابلة للعربية سعيد بوخليط ونشرتها "المجلة الثقافية الجزائرية")



*دافيد جيبس: السؤال الجوهري الماثل داخل فكر كل واحد منا يركز على بداية عهد دونالد ترامب كرئيس. لقد أكد تقرير علماء الذرة على الخطر الشديد الذي يمثله ترامب، جراء تنامي خطر حرب نووية وكذا تغير مناخي غير قابل للسيطرة. بعد أن رنّ مجازيا ناقوس التقرير فقد توقف من جديد عند دقيقتين ونصف قبل منتصف الليل، وتعني “منتصف الليل” الكارثة. هل أنتم متفقون مع التقرير فيما يتعلق بالمخاطر المحتملة جراء انتخاب دونالد ترامب؟
*نعوم تشومسكي : أحد المخاطر مؤكدة. من بين تهديدين وجوديين- تلك المتعلقة بالنهاية الحتمية للنوع وكذا باقي مختلف الأنواع – أولها،التغير المناخي، وحول هذا الموضوع لا أرى وجود أرضية للنقاش. لقد أبدى ترامب ميوعة فيما يتعلق بأشياء كثيرة.يحضر من خلال موقع تويتر، على كل الجبهات، لكن مقابل السياق الأول،تظل أيضا أشياء كثيرة منيعة جدا. أقصد: عدم المبادرة إلى أي فعل ملموس بخصوص التغير المناخي، ماعدا مزيدا من الإساءة إليه. ولا يتكلم ترامب فقط عن نفسه بل باسم كل الحزب الجمهوري، وخلفه جل القيادة. هذا يضمر ضمنيا مفعول الصدمة، وستكون أسوأ صدمة. سنتكلم ثانية عن هذا الأمر خلال الأسبوع المقبل، عموما إن وُجدت وسيلة للتملص من ذلك، فلن يكون المسلك سهلا.أما بخصوص الأسلحة النووية، فيصعب بالأحرى وضع الأصبع على شيء محدد بحيث تطرق ترامب إلى قضايا عدة. وكما أشرتم، فخبراء الأمن القومي مرعوبين، تفزعهم شخصيته، أكثر من قراراته.هكذا، إذا كنتم تقرؤون كتابات أشخاص مثل “بروس جي بلير”، أحد الموجِّهين المتخصصين الأكثر رزانة، والموثِّق جدا،بحيث قال، تأملوا تصريحات ترامب، هي تشمل كل الخريطة، لكن شخصيته تبعث على الخوف، رجل مصاب تماما بجنون العظمة، ويصعب أن نحدس طبيعة ردة فعله. حينما علم بإمكانية خسارته الانتخابات بنسبة ثلاثة ملايين صوت تقريبا، فقد أبان فورا عن موقف يعكس تصرفا جنونيا، وكما تعلمون، ثلاثة إلى خمسة مليون مهاجر بكيفية غير قانونية، نظموا أنفسهم تقريبا على نحو لا يصدق إن صح القول من أجل التصويت. يصعب مطلقا توقعه،حتى ولو ارتبط التأويل بأبسط حدث، على سبيل التمثيل مسابقة ملكة جمال الكون وأشياء من هذا القبيل، فإنك تجده سابحا هناك بين النجوم. بدوره،يُعتبر مرشده ”ستيف كيفن بانون” سيئا، ومخيفا أكثر. لكنه يعرف على الأرجح ما يريد القيام به.

*دافيد جيبس : مع مرور السنوات، تواترت حالة بعد الأخرى حيث ينبغي اتخاذ قرارات حساسة جدا ، وإن اقتضى الأمر إطلاق أسلحة نووية في حالات جادة. فما الذي سيبادر للقيام به هذا الصنف من البشر إذا فشلت القدرات التفاوضية المتبجح بها، ورفض شخص معين تطبيق وجهة نظره؟ هل يكون جوابه لحظتها، طيب،لنقذفه بالسلاح النووي؟ قبل استطرادنا؟ تذكرون، أنه مع كل حرب نووية حاسمة، تنتِج الضربة الأولى اجتثاثا للبلد المهاجِم، ندرك هذه الحقيقة منذ سنوات عديدة. من الراجح جدا، أن تحدث الضربة الأولى الصادرة عن دولة عظيمة،ما نسميه شتاء نوويا، يؤدي إلى مجاعة شاملة ثم يضمحل كل شيء تماما. بعض الباقين الناجين ربما سيقبعون هنا أو هناك.
*نعوم تشومسكي : يمكن تأويل بعض تعليقات ترامب باعتبارها تضمر إمكانية المجازفة بحرب نووية. حاليا، وعلى وجه التحديد، ينصب التهديد الأساسي، على الحدود الروسية. انتبهوا ليست المكسيكية بل الروسية، والمسألة خطيرة. لقد أدلى بتصريحات مختلفة تتجه وفق منحى تخفيض التوترات، وتجيب على الانشغالات الروسية إلخ. من جهة ثانية، يلزم موازنة هذا مع انتشار قواتنا النووية، ثم يضاف ذلك إلى حالة التراجع التي يعيشها جيشنا مثلما يزعمون،بيد أنه الأقوى أصلا مقارنة مع باقي كل العالم ، يهاجم في سوريا، وإرسال قوات إلى هذا البلد،ثم الشروع في القصف. من بوسعه الاطلاع على الخطوة المقبلة؟موقف “مايكل فلاين”،مستشارنا للأمن القومي، وردة فعله خلال ذلك اليوم ، على التجربة الصاروخية الإيرانية،كان مفزعا جدا. حاليا التجربة الصاروخية ، ليست حكيمة كثيرا،ولا ينبغي لهم القيام بها.تمثل الجملة الأخيرة،محور حديثه،فليس المهم بالنسبة إليه انتهاك القانون الدولي أو الاتفاقيات الأممية، فقط لا ينبغي لإيران القيام بجنس الفعل. ربما أوحى موقفه بأننا سنخوض حربا انتقامية.هل ستبادر الإدارة الأمريكية إلى ذلك؟إن حدث حقا،يصعب علينا ضمان التبعات.كل شيء قابل للانفجار. نستحضر بهذا الصدد كذلك، الحظر المعتوه ضد سبع دول، بحيث يمنع فتح حدودنا لأي مهاجر قادم منها. يقف تقريبا كل قارئ للوضع على بداهة مايلي : إقرار كهذا من شأنه فقط مضاعفة التهديد بالهلع، خيار يوطد أساس الرعب، وسياق يشبه كليا فظاعات معتقلات أبوغريب، بغرام، غوانتنامو. كما تجسد ضمنيا تقنيات الاستقطاب الأكثر روعة بالنسبة إلى تنظيمي القاعدة وداعش. يعلم الجميع ذلك. حاليا لا نطبق الحظر على كل العالم الإسلامي، بل سبع دول لم تتأكد مسؤوليتها عن أي عمل إرهابي. نعم، منعت البلدان السبعة، ثم تركنا المسؤولين الفعليين، مثل العربية السعودية، التي تجسد بؤرة للتبشير بالجهادية الإسلامية الراديكالية وتمويلها،إلخ، لكن يصعب علينا المساس بها نتيجة المصالح المالية والبترول، إلخ،إلخ. صدرت مؤخرا مقالة بين صفحات مجلة واشنطن بوست، لا أعلم إن كانت تهكما أم لا، حينما تحدثت عن المعيار الذي يسمح لك بالاندراج ضمن لائحة الدول المحظورة، والمتمثل في انعدام مصالح تجارية لدى ترامب. ربما، كان التقييم سليما، لكن ما يثير مخاوفي حقا، هذا النوع من الجنون المتوحش اللامتوقع والمتعجرف والنزق، أكثر من تصريحاته. راهنا،وبخصوص التغير المناخي، لا مجال للتعليق، فقد كان صريحا مطلقا.



*دافيد جيبس: لننتقل إلى دور وسائل الإعلام وهي تبلِّغ عن فرضية التدخل الروسي في المسار الانتخابي بالولايات المتحدة الأمريكية.صحافيون يحظون بوضع اعتباري وصفوا ترامب بكونه ألعوبة في يد روسيا، ويمثل نسخة معاصرة عن مرشح ينتمي إلى شعب المانشو. بينما انتقد البعض الثاني الإعلام لكونه استساغ أخبارا غير يقينية تتعلق بالتأثير الروسي، والتعامل معها كوقائع. مثلا أعلن “نورمون سولومون” و”سيرج حاليمي”، بأن الصحافة من خلال اهتمامها بهذه القضية تعود إلى هستيريا الحشد، التي تذكرنا بحقبة جوزيف ريموند مكارثي، في حين وصف “سيمون إيرش” هذا التركيز الإعلامي على روسيا ب”المخزي”. فما رأيكم بهذا الخصوص؟
*نعوم تشومسكي : أتصور ببساطة أن قسما كبيرا من العالم يتلوّى من الضحك. لنفترض أنها اتهامات صحيحة. أصغي لكل واحدة منها، فأجدها كثيرا غير محترفة حسب معايير الولايات المتحدة الأمريكية بحيث يصعب التماهي معها ضحكا. إن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، لا يختلف في شيء عن طبيعة الوصف الذي كتبته عن واقع إيطاليا سنة 1948 . حالة تلو الأخرى كما يجري عندنا، عدم قرصنة أو بث إشاعات في الإعلام، بل القول، انظروا، سنذهب غاية تجويعكم حد الموت أو قتلكم أو تحطيمكم إذا لم تصوتوا كما نريد. أود القول، هذا ما نقوم به. لنستعد أحداث11شتنبر 2011الشهيرة، كي نعيد التفكير فيها لدقيقة. لقد جسدت عملا إرهابيا بشعا جدا،وكان في وسعها الإتيان بما هو أفظع. لنفترض حاليا،عوض أن تسقط تلك الطائرة فوق بنسيلفانيا، بلغت هدفها فعلا، الذي استهدف على الأرجح البيت الأبيض. ثم افترضوا كذلك، انتهاء العملية بمقتل الرئيس، وتخيلوا معي الخطط الممكن تصورها بالنسبة لانقلاب عسكري قصد الأخذ بزمام السلطة، فأدت العملية إلى مقتل خمسين ألف شخص وتعذيب سبعين ألف آخر. غير أن الأبشع من هجومات 11سبتمبر، إحضار جماعة اقتصاديين إلى أفغانستان، أُطلق عليهم لقب”شباب قندهار” فدمروا الاقتصاد سريعا وأرسوا دعائم ديكتاتورية خربت البلد. أيضا جرت وقائع 11 سبتمبر 2011، قبل هذا التاريخ، في تشيلي يوم 11 سبتمبر 1973(الإطاحة بالرئيس سلفادور أليندي). نعم، فعلنا ذلك. هل تدخلنا أم عملنا على قرصنة حزب؟ هو تقرير يشمل العالم برمته، إطاحة دائمة بالحكومات، الاجتياح، ثم إرغام الأفراد كي يمتثلوا لما نصفه بالديمقراطية، كما الشأن مع الحالات التي أوردتُها. وكما أقول، إذا كان كل اتهام صحيحا- التدخل الروسي في انتخاب ترامب- فالأمر مدعاة للسخرية، وأني على يقين بأن نصف ساكنة العالم تمعن في الضحك جراء هذا الموضوع. لأن من يعيش خارج الولايات المتحدة الأمريكية يدرك ذلك.بالتالي، لسنا في حاجة كي نشرح إلى شعب تشيلي الموضوع الأول المتعلق ب 9/11 .



*دافيد جيبس : إحدى مفاجآت حقبة مابعد الحرب الباردة، استمرار معاهدة منظمة حلف شمال الأطلسي وكذا تحالفات أخرى تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية، تأسست مبدئيا خلال فترة الحرب الباردة أو استثناء من أجل احتواء التهديد السوفياتي القائم. سنة 1990-1991، اختفى الاتحاد السوفياتي من الخريطة،لكن أنظمة التحالف ضد السوفيات استمرت بل توسعت. لذلك كيف نفسر هذا الصمود لحلف الشمال الأطلسي وكذا تمدده؟ماهو رأيكم حول موضوع الحلف الأطلسي بعد الحرب الباردة؟.
*نعوم تشومسكي :لدينا مجرد أجوبة رسمية عن هذا الموضوع. لذلك، أعتبره سؤالا وجيها جدا، حيث قصدت الحديث عنه بيد أن الوقت لم يكن يسمح. إذن، شكرا. استفسارك في غاية الأهمية. فخلال خمسين سنة، سمعنا بأن حلف الأطلسي ضروري من أجل إنقاذ أوروبا الغربية ضد الحشود الروسية، تعرفون الدولة المستعبدَةِ، وهي قضية تطرقتُ إليها. لم نشاهد حشودا سنة 1990-1991 .طيب، ما الذي حدث؟ لقد تجلت رؤى حقيقية بخصوص ممكنات النظام المستقبلي. واحدة طرحها غورباتشوف وسماه النظام الأمني الأوروبي-الآسيوي، دون مجموعات عسكرية. بحيث أطلق عليه تسمية رجل أوروبي مشترك. لاتكتلات عسكرية، ولاحلف وارسو أو الناتو، مع سلط مركزية موزعة بين بروكسيل، وموسكو، وأنقرة، وربما فلاديفوستوك، وأمكنة أخرى. إذن، نظام أمني دون نزاعات. أما الرؤية الثانية، فقد أتى بها جورج بوش الأب، كـ”رجل دولة” مع وزير خارجيته جيمس بيكر. ظهرت بالمناسبة معطيات عديدة حول هذا الموضوع. ونكتشف حقا أشياء عدة بخصوص ماوقع، مادامت الوثائق صارت متاحة. لقد وافق غورباتشوف ان تتوحد ألمانيا، بل وانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، مما شكَّل تنازلا كبيرا، لو أن حلف الناتو لم يمتد إلى ألمانيا الشرقية. في هذا الإطار، قدم بوش وبيكر وعدا شفويا،حاسما، بعدم تحرك حلف شمال الأطلسي ولو مساحة”قدم واحدة نحو الشرق”أي ألمانيا الشرقية. لم يصرح أي شخص بأكثر من هذا خلال تلك الحقبة. لن يتحركوا خطوة نحو الشرق. حاليا، توضح بأنه كان وعدا شفويا، لم يوثَّق قط. هكذا، لم يتردد الناتو كي يتوسع نحو ألمانيا الشرقية، فأظهر غورباتشوف شعوره بالتذمر، بيد أن جوابهم له استند على المبرر التالي: استمعوا، لم ندوِّن أي شيء على الورق. طبعا، لم يصرحوا في وجهه بكلام من هذا القبيل، لكن ضمنيا جاء المحتوى مؤكدا لصيغة تقريرية : انظروا، هي مشكلتكم إن كنتم غبيّا بما يكفي، كي تثق في وعد شرف معنا. إذن، امتد حلف الأطلسي كي يشمل ألمانيا الشرقية. أحيلكم على عمل مهم جدا، إن أردتم الاطلاع عليه، أنجزه مثقف شاب من تكساس يدعى”جوشو شيفرينسون”، نشرته جريدة ”الأمن الدولي”، إحدى المنابر المرموقة الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. لقد تفحص باهتمام كبير الملف التوثيقي،مستنتجا على نحو مقنع جدا بأن بوش وبيكر تعمدا خداع غورباتشوف. لقد انقسم المثقفون بخصوص هذا الموضوع، ربما ببساطة لم يكونوا واضحين أو شيئا آخر؟.لكن إذا قرأتم هذه المقاربة، أعتقد بأنها تبلور حالة مقنعة جدا، تكشف على أن الأمور رتبت عمدا من أجل تضليل غورباتشوف. حسنا،شمل الناتو برلين الغربية وألمانيا الشرقية. وفي عهد كلينتون، امتد الحلف أكثر كي يضم مواقع روسية قديمة. سنة 2008 ، اقترح رسميا على أوكرانيا الالتحاق بصفوفه. غريب. لأن الأخيرة، تعتبر مركزا جيو-سياسيا للاهتمام الروسي، بجانب عوامل الأواصر التاريخية، والساكنة، إلخ.يتموقع مباشرة عند لبنات بدايات كل ذلك، رجال دولة مهمين وأصحاب شأن، أشخاص مثل “جورج كينان”، على سبيل الذكر. لكن في الجهة الأخرى، نجد آخرين حذروا من امتداد الناتو جهة شرق أوروبا، لأن من شأن ذلك إحداث كارثة. بحيث يماثل، إمكانية وصول حلف وارسو الحدود المكسيكية، طبعا وضع غير مقبول.إذن لقد حذر أشخاص يتمتعون بالاحترام من التمادي بهذا الخصوص، لكن أصحاب القرارات السياسية لم يهتموا أبدا برأيهم،ثم واصلوا تعنتهم. بل في هذه اللحظة نفسها، أين نتواجد؟بالتأكيد، تحديدا عند الحدود الروسية، وقد بادر الطرفان إلى الإقدام على أفعال استفزازية، وأقاما قوات عسكرية. كما أن وحدات الناتو تجري مناورات على امتداد مئات الأمتار من الحدود الروسية، مثلما أن قذائف روسيا تدوّي إلى جوار القذائف الأمريكية، بالتالي أقل شرارة ربما أدت إلى إشعال الوضع، هل استوعبتم ذلك. خلال دقيقة واحدة،قد ينفجر أي طارئ فورا. الطرفان بصدد تحديث وكذا تطوير أنظمتهم العسكرية، وضمن ذلك طبعا منظومتهم النووية. إذن، ماهو هدف الناتو؟ حقيقة،لدينا جوابا رسميا.لم يتم تداوله كثيرا، لكن تقريبا منذ سنتين، أعلن رسميا الأمين العام للحلف، موضحا بأن مشروع الناتو بعد الحرب الباردة، اتجه نحو السيطرة على مجموع أنظمة الطاقة، وخطوط الأنابيب، ثم الطرق البحرية. مما يعني، الناتو نظام شمولي وبالتأكيد لم يصرح بذلك، إنه قوة للتدخل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما تابعنا ذلك وفق حالات متتالية. تلك هوية الناتو. فماذا عن سنوات تحصين أوروبا ضد الحشود الروسية؟ يمكنكم العودة إلى التقرير السري رقم68 لمجلس الأمن القومي الأمريكي، وتتأكدون إلى أي حد تعتبر المسألة جدية.بالتالي، نعيش في إطار هذا الخضم. تحديدا راهنا، الذي يهدد وجودنا شرذمة الإرهابيين المسلمين المنتسبين للدول السبعة، والذين لم يرتكبوا قطعا أبسط سلوك إرهابي. تقريبا نصف الساكنة تعتقد ذلك. أريد القول،حينما ننظر خلفنا إلى التاريخ والثقافة الأمريكيتين، فالأمر مؤثر بشكل قوي. ظلت الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الأوفر أمنا في العالم،ثم خلال ذات الآن أكثرها ذعرا.شعورا شكَّل جانب كبير منه مصدرا لثقافة السلاح. يلزمك امتلاك سلاح حين الذهاب إلى ستاربكس (شركة مقاهي أمريكية)، فلا أحد يضمن العواقب. ببساطة، أمر من هذا النوع لاتعرفه بلدان أخرى.هناك شيء ترسخ جذريا في الثقافة الأمريكية، يمكننا بقوة التحقق من هويته، حين تصفحنا التاريخ. تذكروا، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تمتلك سلطة كليانية، سوى حديثا نسبيا، جراء توسع داخلي.ينبغي لنا الدفاع عن أنفسنا ضد ما اشتُهر بإعلان الاستقلال، ذلك أن شخصا فذا مثل توماس جفرسون، قَلَبَ تلك التسمية إلى الاعتداءات على :”الهنود المتوحشين بدون رحمة”حيث تتمثل الوسيلة المعروفة خلال القيام بالحرب في التعذيب وكذا الإبادة. لم يكن جفرسون أبلها، بل يدرك بأنهم كانوا إنجليزيين همجيين، يقومون بتلك الممارسات دون رأفة. إذن بمناسبة الإعلان عن الاستقلال، الذي ينشد بورع كل يوم 4 يوليوز، يُراد إفهامنا أن الهنود المتوحشين من هاجمونا بغير مبرر، وباغتونا بغارات دون أي سبب. أريد القول، بوسعكم تخيل البواعث، إنها واحدة . كانت لدينا أيضا ساكنة من العبيد، يلزمنا حماية أنفسنا اتجاهها، بالتالي نحن في حاجة إلى أسلحة.إحدى نتائج هذا الأمر انعكست على ثقافة أهل الجنوب، بحيث صار امتلاك السلاح هناك دليلا على الرجولة، ليس فقط بسبب العبيد لكن أيضا أصحاب البشرة البيضاء. إذا توفرتم على سلاح لايمكن لأي السعي نحو الاعتداء عليكم. تعلمون،أنا لست من الأصناف التي يمكنكم صفعها. كان هناك أيضا عنصرا ثانيا،مهمّا جدا. فترة أواسط نهاية القرن التاسع عشرة،توضح لصانعي الأسلحة أن سوقهم محدودة. تذكروا بأنه مجتمع رأسمالي، ويجدر بأصحابه توسيع سوقهم. لقد باعوا أسلحة إلى الجيش. كان سوقا محدودا نسبيا. فماذا بخصوص بقية الأفراد؟ إذن، تجلى المنطلق بناء على مختلف أنواع الحكايات الخرافية المرتكزة حول شخصية ”وايت إيرب” وكذا قطاع الطرق المسلحين ثم الغرب الأمريكي القديم،فكم كان مثيرا رؤية هؤلاء الفتيان يحملون بنادق ويدافعون عن أنفسهم ضد كل شيء !.لقد ترعرعت وسط تلك الأجواء وأنا صبي.دأبت وأصدقائي على ممارسة عادة لعبة رعاة البقر والهنود. بحيث أدينا أدوار رعاة بقر يطاردون الهنود، وفق آثار حكايات الغرب الأمريكي. امتزج مختلف ذلك بثقافة غريبة جدا، مرعبة.تابعوا استطلاعات الرأي الحالية، أعتقد بأن نصف الساكنة يتمسكون بسياسة الحظر الصادرة في حق مهاجرين أشرارا يأتون عندنا، ويقترفون، لا أعرف ماذا؟ لكن بين طيات ذلك،لم تتم الإشارة إلى البلدان الإرهابية حقا.أظن بأن هذا يشبه،ما حصل في أوكلاهوما وهي تمنع قانون الشريعة. حاليا يعيش تقريبا خمسون مسلما في تلك الولاية،وينبغي لهم حظر قانون الشريعة. هل بوسعكم تمثل ذلك؟ .هذا الرعب المهيمن على مجموع البلد يتم التحريض عليه باستمرار. لقد حظي الروس بجزء من التقرير السري رقم68 لمجلس الأمن القومي الأمريكي، مما شكِّل حالة درامية. هذا المعطى،كما الحال مع قسم كبير من البروباغنذا،لم يكن بالمطلق ملفَّقا.طبعا الروس يقومون بأفعال قذرة،يسهل إفرازها. لكن جوهر الفكرة، مستندين على ماسماه”هانس مورغينتو”ب”اغتصاب الحقيقة” فقد كانت لائحة العالم تقريبا نقيضا لما تم تقديمه. لكن بكيفية ما، يتكرر باستمرار تسويق ذلك، على الأقل في إطار هذا النوع من الوضعيات.
(يتبع حلقة ثانية)