عبد الناصر وفلسفة الكرامة...


سلام كاظم فرج
2018 / 9 / 30 - 22:21     

عبد الناصر وفلسفة الكرامة..
سلام كاظم فرج
ابتداء لابد من التنويه ان كاتب هذه السطور لم يكن ناصريا ولن يكون.. ومن نافلة القول انه كان يعتبر عبد الناصر أحد مخربي العلاقة بين الزعيمين الوطنيين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.. وبسببه حدث انقلاب شباط الأسود المروع والذي هشم كل العلاقات الودية داخل الحراك السياسي الوطني في العراق...( صار معلوم؟؟).. لكنني اليوم وبمناسبة ذكرى رحيله عن دنيانا الفانية هذه.. لابد من استذكار أهم مفصل من مفاصل سيرته الذاتية... إطلعت عليه من خلال كتاب طبع ونشر وترجم الى العربية منتصف الستينيات من القرن الماضي والكتاب معد في الأصل لغاية محددة هي الإساءة لعبد الناصر وتهشيم الكارزيما التي يتمتع بها ... .. عنوان الكتاب( لعبة الأمم *) لمؤلفه ( مايلز كوبلاند )...فيه سرد لتأريخ العلاقة السرية والعلنية بين ناصر والإدارة الأميركية والمخابرات الأميركية.. وفيه إيحاءات كثيرة ان ثمة تعاونا وتخادما بين الادارتين المصرية والأميركية .. وان المخابرات الأميركية قد وظفت رجلا في سفارتها مهمته ان يتقمص شخصية عبد الناصر تماما ويمثل دوره أمام خبراء السياسة والمخابرات الأميركية لمعرفة ردود أفعاله وتصرفاته وكيف يفكر في الحاضر والمستقبل.!. وقد كان هذا الرجل موظفا على مستوى رفيع .. وكان صديقا مقربا من ناصر لكن ناصرا لا يعرف بالضبط المهمة الحقيقية المكلف بها .. ( المؤلف هو نفسه ذلك الموظف الأميركي الرفيع الذي عمل في سفارة بلاده لدى القاهرة ..) يورد الرجل من بين عشرات القضايا المسيئة لعبد الناصر حادثة تظهر اهم ملامح شخصيته... يقول لقد اخبرته بما يشبه البشرى ذات يوم من أيام عام 54 ان موافقة بصرف ما يقارب خمسمائة مليون دولار أميركي لمصر قد صدرت على شكل قرض ميسر وجزء من المبلغ كمنحة.. يقول المؤلف : كانت فرحته واضحة لكنه توتر قليلا حين اقتربت منه وهمست في إذنه.. وثمة مبلغ خارج السياق بحدود الأربعين مليون دولار هدية شخصية لسيادتكم... يقول المؤلف لقد كان سكرتيره الشخصي بعيدا عنا.. فصاح عبد الناصر تعال يافلان.. ان الجماعة (عاوزين يرشوني )... يقول المؤلف لقد صعقت حينها وهمست في إذنه ان الامر على درجة عالية من السرية . وحتى الكونجرس لا يعلم به !! فضحك عبد الناصر بصوت عال وقال. والله سأفضحكم في خطاب الغد للأمة.. عندها أسقط في يدي وقلت له انك تطيح بكل جهودي لمساعدتكم.. هنا تدخل السكرتير الشخصي قائلا .. عندي إقتراح ياجماعة .. ان يكون المبلغ عبارة عن هدية ومنحة لبناء برج القاهرة.. وبالفعل حول المبلغ لحساب الخزانة المصرية..!!!
أتذكر هذه الواقعة العابرة المذكورة في مؤلف صدر قبل اكثر من ستين عاما وانا اسمع اخبارا قد تكون حقيقية وقد تكون ملفقة عن قبول بعض ساسة آخر الزمان لهدايا ومنحا شخصية من دول خليجية تدفع لجيوبهم الخاصة..يرجعون بها فرحين مهللين مبشرين الزوجات والابناء والاحفاد والاسباط بصيد دسم وفير ماكان ليتحقق لولا العناية الإلهية من جهة ونتائج انتخابات تحرزها الشعوب التي أكرم الله بصيرتها فاختارت .. ونعم ما اختارت من جهة أخرى .... رحم الله جمال عبد الناصر.. كان بإمكانه ان يوفر المبلغ لنفسه ولعائلته وليرسل رسالة مخاتلة للإدارة الأميركية انه غير معني بالكرامة وبذلك يضمن عدم التآمر عليه.. من حق احفاد ناصر ان يفتخروا به وان يباهوا التأريخ.. وليس من حق بعض سياسي آخر الزمان ان يطمحوا بأكثر من ..( عفطة ) على جبين تواريخهم كلها... مخطيء من يقول ان كتاب (نهاية التأريخ ..) قد أغلق دفتيه.. فللتأريخ لسان.. لسان طويل.. وغير مؤدب !!!!
رحم الله أبا خالد..واعتذار متأخر لروحه الطاهرة و لكل شكوكي حول سيرته...