مياه البصرة وشط العرب وحكاية ذات مغزى


سنان أحمد حقّي
2018 / 9 / 21 - 01:36     

مياه البصرة وشط العرب وحكاية ذات مغزى
تم تنسيبي يوما من الأيام مهندسا عضوا في لجنة فنيّة للنظر في إمكانية بناء طابق إضافي فوق عمارة مشيّدة وكانت متعددة الطوابق ومعذرةً فأنا لا أتذكّر كل التفاصيل الآن وكان معي أعضاء مهندسين أكثر مني خبرة وأقدم مني ممارسة وعندما إلتقينا إنتظرت قول من هم أقدم مني ليتكلموا ويقولوا رأيهم في كيفية الإجابة على المطلوب فإذا بهم هذا يقول : لم لا تتحمّل والآخر يقول : لا إذ يمكن لا تتحمّل ويرد آخر يا جماعة ليش خايفين يعني شنو ممكن يصير؟ ويعود آخر للقول : لا ياجماعة هذه مسؤوليّة ومن يمكن له أن يتحملها؟ وقضينا أكثر من ساعة وكل واحد يُدلي برأيه على هذه الشاكلة واستغربت من هذه الطريقة للبت في الموضوع فطلبت الإذن بالكلام فأذنوا لي حيث قلت : يا أساتذة إن الموضوع يستوجب إجراء بعض التحريات والتحليلات ومنها تحليل هيكل البناية ومعرفة القوى المسلطة على كل عمود أو جسر ثم الوصول إلى الأسس والقيام بتحريات لمعرفة مقدار تحمّل التربة وتحليل الأسس واستخراج ما هو مسلّط عليها من القوى وما إذا يمكن لها أن تتحمّل القوى الإضافيّة التي سياتي بها الطابق الإضافي ، فتغيّرت وجوه جميع الأعضاء وأخذوا ينظرون لي نظرة مريبة وكأنهم يقولون : تعلمنا شغلنا وهم يتناسون أنني زميلهم ومهندس مثلهم ولم يتركوا لي الفرصة العلميّة للتحليل والتحرّي واختصروا الموضوع بعبارة : لا تتحمّل وهم يسخرون منّي ويرون أنني ( أتعيقل براسهم) ،
وحدث مثل هذا مرة أخرى عندما عملت في شركة أجنبيىة لفترة قليلة حيث كان المزمع إزالة مبنى كبير بسبب راي بعضهم أنه مبنى قديم ولكنني رايت أنني لا أرى أية تصدعات ولا تشققات ولهذا فإن تحليل المبنى هو الذي يساعدنا على تقرير ما إذا كان ضروريا إزالتها أم لا ولكن جهة سياسية أصرّت على الإزالة دون معرفة الأسباب .
أعزائي نحن مهندسون لا غاية لنا في عملنا سوى العلم وتوخي الواقع وتقدير المضار من المنافع الإقتصاديّة وتحرّي السلامة والبيئة ولا يمكننا كمهندسين أن نقرر امرا دون تحليل علمي وتوفير بيانات وأرقام واقعيّة نستند إليها في إقتراحاتنا أي كالطبيب فإن توفّرت له معلومات عن المرض والمريض فإن فرصته للعلاج أكبر وأوفر حظّا وكذلك المهندس والعالم أيضا
واليوم نراقب سيلا من الإقتراحات حول معالجات مقترحة لأزمة المياه في البصرة وأزمة تلوث مياد نهر شط العرب وملوحتها ونقص الإطلاقات المائيّة وتحويل جغرافية أنهار وادي الرافدين عبر عدد من الإجراءات لقرن طويل ماضي ، وللوقوف على الحل المناسب فإنه لا بد من إناطة العمل إلى جهات متخصصة عالميّة وبضمان جهات أممية من أجل توفير نوايا الحياد وإن التحريات والبيانات التي ستتوفّر للجهة الإستشارية العليا ( وليس المقصود فقط أية جهة لها صفة استشاريّة ) وعندذاك يمكن أن تقف الجهات المتخصصة على أفكار متعددة وخيارات كثيرة للمعالجات ويمكن لها أن تضع بدائل متعددة أيضا كنوع من الحلول وتقوم أيضا بتقديم تقويم للبدائل الموصوفة ( Evaluation of Alternatives) حسب معايير متعددة أيضا كسرعة التنفيذ والكلفة والسهولة والمرونة والأثر المستقبلي وغير ذلك وبعد ذلك تشترك الجهة التخصصية الإستشاريّة العليا مع الصف الأول من المسؤولين العراقيين من أجل الوقوف على الخيار أو البديل الأوفر حظّا .
إن تناول مثل هذه الأمور الجسيمة والمهمة جدا والتي تمس حياة ملايين المواطنين لا يجب أن تُترك بين أيدي بعض الإداريين أو السياسيين أو المسؤولين المتحالفين مع بعض المقاولين لتزيين وتسويغ صفقات جديدة ككثير من الصفقات التي لم يجني منها المواطنون غير الخيبة والفشل .
ألم يقولو إعطِ الخبز خبازته ولو تأكل نصفه ؟