غزو قيم الرثاثة للمجتمع العراقي


وليد يوسف عطو
2018 / 9 / 12 - 17:13     

غزو قيم الرثاثة للمجتمع العراقي
كتب الباحث والصحفي شامل عبد القادر , رئيس تحرير جريدة المشرق,في عدد يوم الاحد التاسع من ايلول 2019 :

( بصراحة كاملة تعد فترة الحكم الملكي الممتدة من عام 1921 الى 14 تموز 1958 هي الفترة الذهبية والاصيلة في حياة العراق والعراقيين ). لقد عاش العراقيون في بغداد وفي المدن العراقية الاخرى قيم الحضارة والتمدن والحداثة . امتاز المجتمع البغدادي بتنوعه الثقافي والسكاني .وكانت بغداد تمتلك القدرة على اندماج جميع الساكنين فيها .وهي نفس حالة بغداد في العصر العباسي .

ولكن منذ نزوح فئات كبيرة من سكان الارياف واسكانهم في بغداد بدات تسود قيم القرية والعشيرة بدلا من قيم المدينة .ومعلوم ان الهجرة لازالت مستمرة وبكثافة الى العاصمة بغداد .وبعد ان تخلت الدولة عن دورها في اشاعة قيم الحداثة والتنمية والعدالة الاجتماعية نحو سيادة قيم العشيرة تغير المجتمع العراقي تماما .

حيث سادت الفوضى والعشوائيات في العمران وفي التجاوز على املاك الدولة والمواطنين ,وفي التجاوز على شبكات الماء الصافي وشبكات الكهرباء الوطنية والتجاوز على انابيب نقل النفط الخام الى موانيء التصدير .كقاعدة عامة نقول :عندما تضعف الدولة تقوى المافيات والمليشيات واللصوص وتجار السلاح والمخدرات وتهريب النفط .لقداختفى الطراز المعماري البغدادي الجميل من مدينة بغداد , واصبح شارع الرشيد اثرا بعدعين .اختفت الشناشيل واختفى الحوش البغدادي والزخارف المعمارية واختفت معها المسارح ودور السينما والنوادي الاجتماعية . وسادت ثقافة الفئات الطفيلية الرثة .

واصبح من له مشكلة مرورية او حادث تصادم يقوم باستئجار شيخ عشيرة من الفئات الرثة التي تزدهر بها المناطق الشعبية ويقوم بتزويده اولا بكارت شحن للموبايل , وبعد ذلك يتم تلفيق قصة مناسبة والهدف هو للحصول على فصل عشائري بمبلغ كبير .

ان رجل المرور لادور له في الشارع حاليا خوفا من المسؤولين واولادهم ومن العشائر والميليشيات , وخوفا من الاغتيالات .وسادت الفوضى المرورية حيث تسيدت العربات والدراجات النارية وسيارات الستوتة الصغيرة وال تك تك شوارع العاصمة بغداد.وهي لانشاهدها الا في الهند وفي مصر .

واختفت قواعد المرور , واولها ( اسبقية المرور لمن في الساحة ) و ( السياقة :فن وذوق واخلاق ) وكثرت حوادث الدهس في شوارع بغداد .واذا اصطدم سائق دراجة نارية مع سيارة وكان سائق الدراجة يقع التقصير عليه , فان الفصل العشائري سيقع على سائق السيارة بقوة العشيرة .لقد اختفت قيم التسامح والمحبة والاحترام والجيرة لصالح قيم المغالبة والاستقواء بالعشيرة والميليشيات وانتشار ثقافة العنف والكذب والتدليس واخلاق المافيات . لم يعد هناك من رادع لمن يقوم بالتجاوز على املاك الدولة واملاك المواطنين.

لقد تم تجريف بساتين النخيل من اجل اقامة المولات التجارية وساحات وقوف السيارات واختفت المساحات الخضراء من مدينة بغداد , تركت الحكومة واجبها في تقديم الخدمات للمواطنين وفي صيانة الشوارع وتعبيدها .

ان البطالة والفقر وانعدام الخدمات وانعدام فرص العمل سبب رئيسي لانتشار قيم الرثاثة ومعادات الفئات الهامشية للدولة وللمجتمع المدني في فترة الازمات والتحولات الكبرى , حيث يقوم هؤلاء باعمال النهب والسلب واشعال الحرائق والقتل والسحل .ان قيم الرثاثة تمتاز بالفوضوية والعدمية والعبثية .

يقول عالم النفس الاجتماعي غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجية الجماهير )ان الجماهير عندما تتجمع في كتل بشرية كبيرة مثل القطعان يتصرفون خلال الاحداث الكبرى من خلال عقلهم اللاواعي حيث يعودون الى الغرائز الحيوانية البدائية . ويقومون بالقتل والسرقات واشعال الحرائق .

في زمن الرثاثة تحول التعليم الابتدائي والثانوي من سيادة الدولة الى مدارس تجارية خاصة , مثلما زادت الكليات والجامعات الاهلية والتي تخرج طلابا من دون توفير فرص عمل لهم .ان الاحداث الجارية في البصرة خير مثال على مانقول حيث تقوم الجماعات الرثة من بين جماعات اخرى باشعال الحرائق في مؤسسات الدولة والتي يرفضها المواطن البصري , وترفضها كذلك حركة الاحتجاجات .

ان سيادة التخلف والجهل والامية والعقل الخرافي والاسطوري من اسباب تخلف مجتمعنا العراقي .ان انتشال بغداد والمدن العراقية من التخلف تستلزم القيام بثورة ثقافية وتعليمية والعودة الى تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد واصلاح القضاء والتخلي عن الخصخصة والتي لايستفيد منها الاالفئات البرجوازية البيروقراطية الرثة .

ختاما اقول : سلاما شعب العراق ولاهلنا في البصرة

الامل والارادة يصنعان المستقبل والمستحيل !