ذاكرة العراق الفنية ومحاولة طمسها


وليد يوسف عطو
2018 / 9 / 8 - 16:46     

ذاكرة العراق الفنية ومحاولة طمسها

( الشعب الذي لايمارس الموسيقى والغناء شعب غير منتج )

كان الفنانون من المطربين والموسيقيين من اليهود المؤسسين الاوائل للاغنية العراقية الحديثة في ثلاثينات واربعينات القرن العشرين ,وكانت افضل فرق الجالغي من العازفين اليهود.يعتبر الفنان العراقي صالح الكويتي عازف الكمان الاول في العراق ولا ينافسه الا عازف الكمان السوري سامي الشوا .

يعتبر صالح الكويتي الملحن الاول في العراق ومؤسس الاغنية العراقية الحديثة ,عاش في بيئات ثقافية متعددة مثل الكويت والبصرة وبغداد وزار سوريا ولبنان .اغلب اغاني التراث العراقي كانت من نصيب صالح الكويتي واخيه داود الكويتي وغيرهم من الفنانين العراقيين – اليهود.

تطورت الاغنية العراقية بطفرة كبيرة في بداية الخمسينات من القرن الماضي بفضل مجموعة موهوبة من المطربات والمطربين والملحنين امثال رضا علي واحمد الخليل ويحيى حمدي وداود العاني وعباس جميل وغيرهم .

ومن المطربات مطربة العراق الاولى مائدة نزهت وعفيفة اسكندر وهيفاء حسين وغيرهن اضافة الى عدد من المطربات العربيات .كان للفنانة عفيفة اسكندر صالون ثقافي حضره كبارالوزراء والشخصيات ومنهم الباشا نوري السعيد رئيس الوزراء في العهدالملكي والشيخ جلال الحنفي . غنت عفيفة اسكندر اكثر من اربعين قصيدة من عيون الشعر العربي .

ثم جاءت المرحلة الثالثة والكبيرة في تطور الاغنية العراقية في سبعينات القرن الماضي قبل ان تصيب الحروب العبثية الاغنية العراقية بمقتل . حيث ظهر جيل جديد من المطربين والمطربات والملحنين امثال المطربين فؤاد سالم وحسين نعمة وياس خضر وفاضل عواد وسعدون جابر وغيرهم .

الحروب العبثية جعلت الاغنية تتراجع لصالح الاغنية التعبوية وعسكرة المجتمع . بعد الغزو الامريكي للعراق تم سرقة وحرق ارشيف الاذاعة والتلفزيون .لقد قام الفنان جميل جرجيس المتخصص في شؤون الموشحات الاندلسية بتقديم طلب الى رئيس الجمهورية لغرض تاسيس معهد لتدريس الموشحات الاندلسية خصوصا وان الفنان جميل جرجيس اخر من يحفظ تراث الموشحات وايقاعه المعقد والثقيل الا ان طلبه رفض.

استطاعت مصر حفظ تراثها من الضياع عن طريق اعادة غناء الاغاني باصوات شابة جديدة وتوزيع جديد وايقاع جديد وكذلك عن طريق فرق الانشاد, لكننا في العراق نجد ان الدولة تخلت عن دورها لصالح الاستثمار الاجنبي والخصخصة ومسح الذاكرة والهوية العراقية .وبذلك اصبح الحفاظ على تراثنا الفني يستند الى المجهود الشخصي والشركات الخاصة الفنية .ان عدم الحفاظ على الذاكرة والهوية العراقية معناه الغاء الهوية والانتماء الثقافي – الوطني وتحويل العراق الى مقبرة للعلوم والفنون تمهيدا لتقسيم العراق .لان الفن احد اوجه وحدة العراق .

استطعت تفريغ نفسي لعدة ايام للبحث في تراثنا الموسيقي العراقي امثال الفنان صالح الكويتي واخيه داود الكويتي وغيرهما .ثم قمت بمراجعة تراث الفنانة الكبيرة مائدة نزهت ولا اكتمكم سرا انني لم استطع منع بضع قطرات من دمعي من الانسكاب لا نني تعرفت على اغاني الفنانة مائدة نزهت وانا دون العاشرة من العمر في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم .

هنا اتوجه بالشكر الى من ساهم باعادة انتاج اغنيات المطربة مائدة نزهت بتنظيف شريط الاغنية صوتيا واضافة بعض الصور واللقطات الملونة .هنالك احدى اغنيات مائدة نزهت وضع عليها صور الملك فيصل الثاني وبعض الرموز من العهد الملكي وصور الزعيم عبد الكريم قاسم .

الفرق شاسع بين الاغنية البغدادية والعراقية في عصرها الذهبي وبين الاغنية العراقية اليوم التي لاتمت بصلة الى الحضارة والى مدينة بغداد .نحتاج الى من يملك راس مالا ضخما لاعادة احياء التراث الغنائي العراقي باصوات جديدة وتوزيع جديد وايقاع جديد .ان نباتات الظل المنزلية الداخلية يتم تحفيزها للنمو عن طريق الموسيقى والطفل وهو بعد جنين في بطن امه يفضل ان يستمع الى الموسيقى والاغاني الهادئة حتى يولد ويكبر وهو يملك ذائقة موسيقية .
الشعب الذي لايمارس الموسيقى والغناء شعب غير منتج !