تحذيرٌ للنوّابِ المنتقلين


ييلماز جاويد
2018 / 9 / 5 - 22:00     

إنعقدت ، في الموعد المحدد دستورياً ، الجلسة الأولى لمجلس النواب بمراسم مهيبة إبتدأت بالسلام الوطني وقراءة آيات من القرآن الكريم ثم كلمات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب المنتهية ولايته . لقد كانت مراسم تبهج النفس بما " أظهرته " من صورة للروح التضامنية بين الحضور وحرص الجميع على مصلحة الوطن والشعب .
ما أن إنتقل النواب إلى القاعة الرئيسية ، وإستلام أكبر النواب سناً رئاسة الجلسة و " أداء الفائزين " للقسَم ، وتحوّلهم إلى " نواب الشعب " حتى تغيّرت الصورة إلى عكس ما أوحت به الأولى . فبدل أن يبدأ " رئيس السن " الإجراءات التي تنحصر بمسؤولياته في موقعه ، إستخدم بعضاً من وقت الجلسة للتفاخر بأنه يعيش في بلد الغرب ، بما تتمتع به من سيادة مبادئ الديمقراطية ، وتمنياته أن تسود تلك المبادئ الحضارية في العراق ، حتى إنبرى أحد النوّاب ليُذكره أن عليه أن يركّز على أداء واجبه من الموقع الذي هو فيه . وبعد أن قدّم عددٌ من النواب ترشحهم لمنصب رئيس مجلس النواب ، وتقديم محورين طلبيهما لإعتبارهما الكتلة الأكبر ، لم ينتبه " رئيس السن " أن الدعوة إلى إنتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه لها الأولوية على أي إجراء آخر، فكانت أولى مخالفاته للدستور والنظام الداخلي لمجلس النوّاب ، إذ ما أن فُتح موضوع " تشكيل الكتلة الأكبر " حتى دخل العراق في " سوّيرة " لا مخرج منها .
تمادى " رئيس السن " فمنح مهلة ساعة للنواب للتشاور ، بينما كانت صلاحياته تتحدد بنصف ساعة فقط ( وهي المخالفة الثانية ) ، مما فسح المجال للنواب أن ينسحبوا وينتشروا ويكسروا النصاب الذي كان قائما . رئيس السن الذي تفاخر بمعرفته بأساليب الديمقراطية الغربية ، وأساليب ممارستها ، كان الواجب عليه أن يطلب من النواب التصويت لإنتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه قبل التطرّق إلى موضوع الكتلة الأكبر التي لا علاقة لها بإنتخاب رئيس ونابي مجلس النواب ، بل تنحصر أهميتها بإنتخاب رئيس الوزراء ، وبالتأكيد فإن منح النواب ساعة " التشاور" لم يكن مبرراً أبداً .
ملخّص السوّيرة التي وقع بها العراق أن كتلة الإصلاح والإعمار تدّعي أنها الكتلة الأكبر " بموجب قائمة تحمل تواقيع رؤساء الأحزاب والكتل المتحالفة فيها و تدّعي أن عدد نوابها 184 نائباً " بينما تدّعي كتلة البناء أنها الكتلة الأكبر ( بموجب قائمة تحمل أسماء وتواقيع نواب فراداً ، وأن عدد نوابها 153 نائباً " . وفي عين الوقت لم تُدخل أي من الكتلتين أياً من النواب الأكراد الذين يزيد عددهم على الأربعين نائباً ، و لا أياً من نواب المحور الوطني . وبعملية حسابية بسيطة نلاحظ أن مجموع النواب المدعى بهم ( 184 + 153 = 337 ) هو أكثر من عدد أعضاء مجلس النواب البالغ 329 نائباً ، وإذا أخذنا بنظر الإعتبار النواب الكرد وعدد من نواب المحور الوطني الذين لم يعلنوا إنتماءهم إلى أي من الكتلتين ، يتبيّن مدى الخطأ في المعلومات التي يتاجر بها قادة الكتلتين ، مما يدلّ على ممارسة لا أخلاقية لتحقيق " المنافع " .
يتم تعليل نتائج المعادلة في الفقرة أعلاه ، من قبل المحللين وكذا من قيادات الكتلتين ، بإنتقال بعض النواب الفائزين في قائمة معيّنة في الإنتخابات إلى قائمة أخرى ، تحت ضغوط أو إغراءات ، تعرّضوا لها ، مما إعتبرتها الجهة التي فقدت مثل هذا النائب ، عيباً أخلاقياً غير مقبول ، بينما تعتبر الكتلة التي كسبته ، " حقاً للنائب في إستخدام حقه في إبداء رأيه الحر أينما يجد ذلك ممكنا ً " .

بندائي المخلص هذا ، وبدون الإنحياز إلى أية جهة أو كتلة كسبت أو خسرت صوت نائب إنتقل من كتلة إلى أخرى ، أتوجّه إلى شخوص النواب المحترمين الذين قرروا الإنتقال ، وبغض النظر عن الأسباب التي جعلتهم يتخذون قرارهم بشأن ذلك ، أن أنبههم أن القائمة التي فازوا بعضوية مجلس النواب من خلالها ، لا زالت تمتلك الحق في إختيار المرشح الذي كان يليه في عدد الأصوات أن يصعد بديلاً عنه في حال حدوث ما يُفقده مؤهلاته ليكون عضواً في مجلس النواب ، كأن يتعيّن في وظيفة حكومية أو حالة الوفاة ، ولذلك أرى نفسي ملزماً بدق ناقوس الخطر الذي قد يتعرّض له نخبة من أبناء بلدي الذين لا أشك في إخلاصهم ونياتهم في خدمة بلدهم بالأسلوب الذي يجدونه صحيحاً ، ولكن ، مع الأسف الشديد ، فإن ظروف " الفوضى الخلاقة " التي فُرضت على حالنا ، لا تمنع من بروز وظيفة جديدة ، لبعض الطامعين ، لإلحاق الضرر بهم مقابل بعض الدولارات . فالحذر واجب ، ولكل قضية حل ، وعسى أن تسير حياتنا إلى الوئام والسلام .