من الأخير أو من الأول... مهزلة الوضع السياسي الحقيقي وليس الملفق...


أحمد الناصري
2018 / 9 / 3 - 15:46     

داخل الدائرة المغلقة المشتعلة (قطعة من الجحيم الحقيقي)، لا فرق بين الأخير والأول، والبداية والنهاية، ومن سيحترق أولاً. فكل شيء فيها متشابه. (أحياناً تكون هناك متاهة طائفية داخل الدائرة المغلقة، انها متاهة ومقبرة العميان). هذا ينطبق بالمعنى الحرفي للكلمة على العملية السياسية الطائفية التي فرضها وأدارها الاحتلال بقوته العسكرية الغاشمة والساحقة، بمساعدة عملائه الأنذال، وكل من شارك فيها. وقد تسللت إيران بقوة وعلى نطاق شامل وسيطرت على العملية الطائفية بواسطة اتباعها، حسب نظرية ملأ الفراغ السياسي وانهيار الدولة الوطنية. النتيجة كارثية بحق الوطن والناس، كما توقعنا ذلك، وكما كانت تشير المقدمات والمؤشرات وهي كثيرة، وقد شخصناها وحددناها وكتبنا عنها منذ البداية.
خلاصات مكثفة...
لا يزال الوضع السياسي الحقيقي وليس الملفق، كما هو وعلى حالة منذ زلزال الاحتلال الذي دمر واطاح بكل شيء. هناك موقفان، الأول وطني يرفض الوضع بكل اسمائه وخطواته وتفاصيله ونتائجه، حسب قراءة وطنية تعتمد على الفكر السياسي الوطني. وآخر غير وطني منغمس ومتورط بهذه الكارثة الوطنية الشاملة. هذا التحديد رئيسي وهام، ومنه تتفرع وتتكون المواقف والمواقع السياسية!
المهزلة الحالية (بازار الكتل الطائفية) الجارية في الفنادق والكواليس مع تدخلات علنية، أمريكية وإيرانية، باعتبارها امتداد وتكريس لنفس الوضع وأسسه، ليس لها علاقة بتقاليد العمل السياسي الطبيعي (الرجعي واليميني واليساري). أنها نسخة مشوهة وبائسة تمثل وتشبه أصحابها ومستوياتهم وتجاربهم. فالآن يجري أسوء وأقذر صراع وعمل وبيع وشراء سياسي للسيطرة على السلطة، من قبل أخلاط عجيبة ومقززة، كلها ضد الوطن والناس والبصرة المنكوبة.
الانتخابات الأخيرة (كل انتخاباتهم) كانت مزورة وغير صالحة وغير شرعية، حسب اعترافاتهم. لذلك فان الوضع الذي يترتب على ذلك مزيف وغير مقبول ويجب رفضه واسقاطه. فما بني على باطل هو باطل.
هم يريدون استمرار العملية السياسية الطائفية ونظام المحاصصة والوضع السياسي (مع حصص ومحاصصة أمريكية إيرانية) بأي شكل وثمن (حتى لو كان يدار من الفنادق وكتلها الطائفية بهذه الطريقة)، أو حتى لو كانت نهاية الوطن.
الوطنية ليست تاريخ سابق ومواقف سابقة فقط، وهي ليست راية ممزقة ورثة يملؤها العفن. أنها مواقف وبرامج وشعارات دائمة. فمن قبض من الجلبي من عام 92، وشارك في مؤتمر صلاح الدين، وتخاذل أمام الاحتلال وقبل به، ودخل مجلس الحكم وتعامل مع الطائفيين، لا يحق له الادعاء بوطنية مثلمة وملوثة.
الطائفي غير وطني وضد الوطن، رغم نفاقه وكذبة وادعاءاته. كذلك لا توجد حركة سياسية (دينية طائفية) في بلادنا يمكن التعامل معها!
الوضع السياسي الحالي (القادم مثله وجزء منه) مسؤول مباشرة عن الكارثة الوطنية الحالية، حيث لا توجد برامج اقتصادية اجتماعية لمواجهة الكارثة. لذلك لا يوجد فرق بين الطائفيين، عدا حصصهم وتخريبهم وميليشياتهم وخطرها. بماذا نتفق أو نختلف معهم، على الأقل في ضوء نتائج الكارثة؟
لقد عارضنا الوضع وخطواته من البداية إلى الآن وحتى نهايتهم باعتباره وضع غير وطني (ضد الوطن والناس). وقد انجرفت وانزلقت وتخاذلت أعداد كبيرة، سحقها الوضع لأسباب تافهة، أرأسها المال والفلوس والقبض والارتزاق!
لا يزال دور الفكر والثقافة الوطنية والإنسانية، دور ضعيف وثانوي، لأسباب كثيرة، منها طبيعة التجربة وثنائية الحرية - القمع والارتزاق، وأمور اجتماعية ونفسية وتاريخية عميقة، أخطرها غياب مشروع نهضة اجتماعي. كذلك هو حال الحوار الوطني، والمشاركات والتعليقات العامة والسلبية والسخرية من الناس وكارثتهم وآلامهم. وهو امر مشين أحياناً.
لا يزال نقص وجود حركة وطنية جديدة لما بعد الاحتلال لمواجهة الطائفية والتخريب والتقسم. حركة تكون نواتها الفعالة، حركة يسارية وطنية ماركسية، تدرس وتعالج آخر التطورات والمشاكل وكل ما يتعلق بالكارثة الوطنية الحالية.
التحرك الجماهيري الوطني الواسع، وشعاراته العامة وتطوره، بعد عملية مقاطعة الانتخابات، مؤشر هام على تطور الموقف الوطني، وتخلصه من اوهام سقيمة تافهة، طرحتها أطراف تعمل وتخضع للعملية السياسية الطائفية، وتدعي سعيها لتطويرها وتعديلها وتعميقها الخ...
أحداث البصرة وحالتها الخطيرة، المدينة التاريخية الاقتصادية الثقافية الرئيسية، الجارية اثناء بازار فنادق الكتل الطائفية المحموم، هو رد وعدم اعتراف بهذا البازار وما ينتج عنه!
الوضع العام لا يتوقف عند هذا الحد، فسوف يتجاوزه ويتجاوز ألاعيب الكتل الطائفية ومساوماتها وصفقاتها. أننا بحاجة إلى نشاط وطني منتوع، وحوار وطني يستند إلى الفكر الوطني، الواضح والمحدد. والعودة على قضية التحرر والاستقلال والتخلص من الطائفية، في منطقة صعبة ومهددة بمشاريع معادية كثيرة...
كارثة الوطن والبصرة ليست أزمة مياه وكهرباء، انها كارثة وطن لا تحلها كتلة طائفية، مهما كبرت او صغرت.
هناك من من يخون ويخدع الناس.
علينا مواجهة الكارثة بموقف وطني واضح، ضد الوضع الحالي برمته وبالجملة وليس بالتجزئة والمفرق...