ديالكتيك نمط الإنتاج والتشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية


نايف سلوم
2018 / 8 / 31 - 18:56     

توجد ضرورة لفتح نقاش بخصوص علاقة نمط الإنتاج بالتشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية أو البنية الاقتصادية -الاجتماعية في بلد بعينه سواء أكان متطوراً من الناحية الصناعية أم متخلفاً
وقد أسيء فهم علاقة نمط الإنتاج بالتشكيلة من جهتين:
الأولى، لجهة تصنيف المجتمعات بمعيار مزدوج؛ واحد يقوم وفق نمط الإنتاج المسيطر، وآخر يقوم وفق توصيف التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية. وهنا يظهر مفهوم تعايش الأنماط بجانب بعضها البعض من دون رصد لعلاقة الهيمنة بين أحدها وبقية الأنماط الآفلة. مثال بقايا مشاعات فلاحية ضمن إطار نمو الرأسمالية في روسيا أواخر القرن التاسع عشر.
الثانية، لجهة إرجاع التخلف الذي تعاني منه بلدان كثيرة في العالم بشكل أساسي إلى تأخر في تطور القوى المنتجة بالتالي يظهر الفارق بينه وبين التطور الصناعي فارقاً كمياً فحسب ولا شأن لطبيعة الطبقات المسيطرة بالأمر ولا للسياسات الإمبريالية العسكرية والمالية والتجارية ، والتي تشكل بشكل لافت عقبة خارجية تاريخية في وجه التقدم الاجتماعي والتطور الصناعي(في وجه التحديث). هذه النظرة مأخوذة بالعيب التقنوي في فهم التخلف والتقدم وهي تميل لتصنيف المجتمعات وفق درجة تطور القوى المنتجة، لا وفق شكل علاقات الإنتاج (علاقات الملكية) المسيطرة.
إن النظرة التي تتخذ من النمط والتشكيلة مرجعين للتصنيف تجهل العلاقة التي تحكم الجوهر بالمظهر أو العلاقة الإمبريالية بصورها وتمظهراتها ، بالتالي هي نظرة مأخوذة بالفلسفة الكانطية القديمة والجديدة التي تفصل الجوهر عن تمظهراته وتجلياته الفعلية، التي تعتقد أن الجوهر في الأشياء لايظهر بالتالي لايمكننا نحن البشر معرفته. أي تجهل أن العلاقة الإمبريالية الرأسمالية تظهر في البلدان الرأسمالية المتقدمة تطوراً في القوى المنتجة وفي البلدان المتخلفة تأخراً في هذه القوى . ويشكل التطور في الأولى سبباً رئيسياً للتأخر في الثانية بحكم علاقات الإنتاج الرأسمالية المسيطرة . إن العيب الأساس الذي تشكو منه فكرة مهدي عامل عن "نمط إنتاج كولونيالي" هو توصيف العلاقة الإمبريالية التي تتمظهر تخلفاً في هوامش النظام الرأسمالي على أنها نمط إنتاج تحكمه علاقات إنتاج مختلفة عن العلاقة الإمبريالية الرأسمالية (أي علاقات الملكية الرأسمالية الخاصة). وما الكولونيالية سوى صورة من صور العلاقة الإمبريالية بين المراكز الميتروبولية الرأسمالية الإمبريالية والبلدان الرأسمالية المتخلفة. إضافة إلى فكرة نمط إنتاج كولونيالي ينسف فكرة كونية الماركسية التي يدافع عنها مهدي عامل بشكل محق عبر ديالكتيك العام والخاص ، وعبر التفريق الجيد بين اتميز ضمن البنية الواحدة وبين الخصوصية التي تدعي العزلة عن آثار فعالية العلاقة الإمبريالية (الكولونيالية)
إن من يعتمد فكرة تطور القوى المنتجة كأداة لتصنيف المجتمعات المعاصرة وتحديد نمط إنتاجها يخرج بعشرات الأنماط المتنوعة.
تصنيف نمط الإنتاج حسب علاقة الإنتاج الرأسمالية المسيطرة في مراكز النظام الرأسمالي وأطرافه يشير إلى قضية بالغة الأهمية وهي أن التناقض بين تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج يأخذ طابعاً حاداً في أطراف النظام ، وهو ما يسمى بتنمية الميول المضادة في النظام الرأسمالي تجاه ميله أو قانون عمله الأساس وهو التناقض الذي يحكم عمله : التناقض بين تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج . فكلما وجدت قوى الإنتاج البيئة المناسبة للنمو في المراكز سلكت درباً معاكساً في أطراف النظام الرأسمالي الإمبريالي ودفعت كتلة كبيرة من الطبقات والشعوب المفقرة نحو تحويل هذه العلاقة للإنتاج، أي دفعتها للمطالبة بتحويل الملكية الخاصة الرأسمالية لوسائل الإنتاج نحو تعميمها إلى نمط اشتراكي ماركسي.
إن دخول العلاقة الرأسمالية على تشكيلات خراجية سابقة للرأسمالية في البلدان العربية عبر الاحتلال والاستعمار المباشر أسس لهذه العلاقة (العلاقة الكولونيالية كأساس لنمو التخلف) وكل محاولة من قبل أي بلد لتجاوز هذه العلاقة سوف تواجه بقمع إمبريالي شديد والأمثلة كثيرة.
لقد صنف ماركس في أبحاثه أنماط الإنتاج حسب علاقات الإنتاج السائدة أو المسيطرة في التشكلية، فذكر النمط الآسيوي والقديم (الروماني- اليوناني) والجرماني والعبودي والاقطاعي والرأسمالي. وعلى أساس تحويل الأخير ؛ الاشتراكي. وكانت أشكال الملكية أس التصنيف. أما قوى الإنتاج فتأتي لتنقلنا بتطورها من نمط إلى نمط . فكل علاقة للملكية تعيق تطور هذه القوى فهي عرضة للتحطيم والتحول نحو علاقة تفسح المجال أكبر لتطور القوى المنتجة والثروة وازدهار الإنسان. بهذا الشكل تشكل علاقات الإنتاج الرأسمالية أو علاقات الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج عقبة في وجه تطور قوى الإنتاج في أطراف النظام الرأسمالي الإمبريالي ، لذلك هي معرضة لهزات اجتماعية حادة بشكل أكبر من مراكز النظام ، وكلما تمردت الأطراف على العلاقة الإمبريالية كلما تحركت الطبقات الهامشية والفئات الاجتماعية المبعدة عن الرفاه الرأسمالي في المراكز نفسها نحو الاحتجاج والتمرد.
أخيراً يوجد تفسير ثقافوي طريف في البلدان المتخلفة التي يسود فيها الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية. حيث يرجع أصحاب هذا الرأي التخلف إلى وجود الإسلام والثقافة الإسلامية . وهذا ما سوف اسميه على سبيل الدعابة ب"الاقتصاد الثقافوي الإسلامي للتخلف". هذا الرأي سخيف ولا يحمل أي قيمة في النقاش الاقتصاد السياسي للتخلف. لكنه يلعب دوراً في تمظهرات العلاقة الكولونيالية حيث تظهر الأخيرة على شكل أحزاب دينية-طائفية. وهي علامة على سيطرة العلاقة الإمبريالية ، وليس على السمة التخليفية الجوهرية لثقافة الإسلام.