التجربة الصينية معجزة اقتصادية اجتماعية؟ أم معجزة اقتصادية وبؤس اجتماعي؟


محمد فرج
2018 / 8 / 8 - 23:07     

ستظل التجربة الصينية منذ نجاح الثورة بقيادة ماو ورفاقة 1949، وخاصة بعد 40 سنة على انتهاج سياسات الإصلاح والانفتاح بقيادة دينغ سياو بينغ منذ عام 1978، والسير على طريق تعميق الإصلاح والانفتاح وتطبيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد 2018 بقيادة شي جين بينغ مثيرة للنقاش والاختلاف في التقييم والقراءة والتحليل لأسباب متعددة، هنا نناقش بعض الأفكار والتحليلات والآراء حول التجربة الصينية.
حيث تقر الكتابات الاقتصادية بحقيقة المعجزة الصينية، وتقر بأن الصين حافظت على معدل نمو اقتصادي مستمر بعد سياسات الإصلاح والانفتاح 1978 يبلغ 9.8% سنويا، وتقر بأنه أعلى معدل نمو في العالم من ناحية الارتفاع مع طول الفترة الزمنية التي تواصل فيها.
فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الصين من حوالي ثلث تريليون يوان عام 1978 إلى تريليون يوان عام 1986، ثم 2 تريليون يوان عام 1991، ثم إلى أكثر من 10 تريليون يوان عام 2001، ووصل إلى 47 تريليون يوان عام 2011.
وتعتبر الصين بهذا النمو في حجم الناتج المحلي الإجمالي الدولة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكبة، ووفقا لتقديرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فإن هذا الناتج المحلي الإجمالي للصين إذا قيم وفقا لنظام تعادل القوة الشراىية (ppp( فإن الصين تصبح الأولى عالميا قبل الولايات المتحدة عام 2017 ، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 19.4 تريليون دولار في حين يبلغ في الصين 11.8 تريليون دولار وفقا للقيمة الرسمية للعملة، لكن هذا الناتج المحلي الإجمالي للصين يصبح 23.2 تريليون دولار عند تقييمه بمقياس تعادل القوة الشرائية متجاوزا الولايات المتحدة.
ويضاف لمؤشرات القوة الاقتصادية مؤشرت أخرى عدديدة للبرهان على المعجزة الصينية، وعلى الرغم من ذلك يأتي السؤال الاجتماعي، ويمكن صياغته كالتالي:
هل المعجزة الصينية تعبر عن نهضة اقتصادية اجتماعية؟ أم تعبر عن قفزة اقتصادية وبؤس اجتماعي؟
حول شكل وجوهر هذا السؤال يجري النقاش في هذه المساهمة، وسوف نركز نقاشنا وحوارنا حول هذا السؤال مع مقال الثورة الصينية بين الآمال والمآل للدكتور محمد حسن خليل على النقاط العشرة التالية:
1- تصنيع على حساب الريف:
تأخذ مقالة الدكتور محمد حسن خليل على التنمية الاقتصادية في الصين اهتمامها بالتصنيع على حساب الزراعة والفلاحين والمناطق الريفية، وتشترك مع الكتابات الناقدة للتجربة والداعمة لها في أن هذا التوجه جاء على حساب كل من التنمية الزراعية، وتنمية الوضع المعيشي للفلاحين، وعلى حساب النهوض بالريف.
وتتفاوت التعبيرات الاقتصادية والسياسية التي تصف هذا الوضع، بين أحاديث إهمال الريف، وأحاديث نزح ثروات الريف لصالح المدينة، وأحاديث إفقار الفلاحين، وأحاديث بناء النهضة الصناعية على حساب بؤس الفلاحين.
ولا تنكر الكتابات الاقتصادية والتقارير السياسية الحزبية الصينية وجود المشكلات الزراعية الثلاث، لكن الكتابات والتقارير الحزبية الصينية تطرح هذه الظواهر الثلاث في إطار سياسي لا يقف عند وصف الظواهر فقط، بل لكي يبحث عن أسبابها التاريخية والطبيعية والسياسية، ويضعها في إطاراتها الزمنية، ويبحث في ممكنات علاج هذه المشكلات، بينما تضعها بعض الكتابات النقدية كدليل على فشل مسارات وتوجهات وسياسات التنمية الاقتصادية الصينية.
2 - تفاوتات الدخول:
وترصد مقالة الآمال والمآل مع الكتابات الناقدة للتجربة الصينية عدة تفاوتات في الدخول، بين الريف والمدينة، وبين المقاطعات المختلفة، وبين العاملين في الصناعة والزراعة، وبين مستويات الإدارة العليا والعمال في شركات القطاع المملوك للدولة، وبين عمال قطاع الدولة والقطاع الخاص.
ولا تنكر التقارير الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقيادات الحزبية الصينية وجود هذه التفاوتات، بل لعل هذه التقارير الحكومية والحزبية تمثل المصدر الأساسي لمقال الدكتور حسن وأصحاب الكتابات الناقدة للتجربة، مع فارق بسيط بين كتابات تصف المشاكل لبحث أسبابها واقتراح ممكنات حلها، وكتابات تأخذها كدليل على الفشل.
3 - فقر أم إفقار:
ولعل وصف الظواهر السابقة، مثل التصنيع على حساب الريف ونشأة المشكلات الزراعية، ونشأة ظواهر التفاوت في الدخول، والذهاب إلى بحث الأسباب وممكنات الحلول في إطاراتها التاريخية، ووضع الظواهر في مداها المرحلي والزمني، ومستهدفات خطط التنمية المحددة بكل فترة زمنية، يعكس الفرق في المنهج، في طريقة البحث ومستهدفاته ولغته أيضاً.
ولعل التعبير الواصف لظاهرة الفقر، باعتبارها فقراً تختلف كثيراً عن وصف الظاهرة باعتبارها إفقاراً، فالحديث عن الفقر قد يصف ظاهرة تعبر عن استمرار الفقر الموروث في بلد متخلف شبه إقطاعي، وعدم قدرة خطط التنمية على التخلص منه أو مواجهته والتخلص منه بالسرعة الواجبة والكفاءة الواجبة، وهو حديث يهدف إلى بحث ممكنات مواجهة الفقر، أما الحديث عن الإفقار فهو حديث يتخطى الوصف ويذهب إلى إدانة الخطط التي نهبت و أفقرت، وهبطت بمعيشة الناس من مستوى اجتماعي إلى مستوى أقل، وهو إدانة للسياسات التي بدلاً من صناعة النمو والتنمية صنعت التدهور، وربما خلقت فقراً لم يكن موجودا، ومثل تعبير الإفقار يأتي تعبير البؤس بشحنته السلبية لإدانة خطط التنمية والنهوض الصناعي التي خلقت فقر وبؤس الفلاحين خلقأً.
4 - حقيقة التنقل والتحضر بين الريف والمدينة:
ولأن منطق استخدام الظواهر والأرقام المعلنة لا يتم ترتيبها لبحث أسبابها التاريخية وحدودها المرحلية والزمنية بهدف رصد تغيرها عبر المراحل المختلفة، وبهدف بحث ممكنات علاجها الراهن أو المستقبلي، بل يتم استخدامها لإدانة المشروع وإثبات فشل خطة الإصلاح، يتم محو التواريخ، وتسريب ما يوحي أو يفصح عن استمرار الظاهرة التاريخية حتى الآن.
ويأتي الحديث عن منع الانتقال التلقائي اليومي من الريف إلى المدينة، إلا وفقاً لتصريح، بهدف تنظيم عملية التدفق من الريف إلى المدن في فترة تاريخية تعود لعصر ماو والسنوات الأولى من عصر دينج شياو بينج، ووفقاً للنظام القديم للسجل المدني، ولأن المبالغة مطلوبة لإثبات السياسة القصدية لإفقار الريف وترك سكانه في البؤس وعدم التحضر وتدني الثقافة والتعليم، يجري الحديث عن استمرار هذا النظام حتى الآن 2018 ، مع أن استمرار هذا الوضع كان كفيلاً بتجميد نسبة السكان بين الريف والحضر عند النسبة القديمة. حيث كان سكان الريف أربعة أخماس الصين عام 1978 ، وأصبحوا 41.2% فقط عام 2018 ، وقد تضاعفت نسبة أعداد السكان المقيمين في المدن الصينية من 18% عام 78 إلى 58% عام 2017 / 2018، وهو تغيير من المستحيل أن يحدث إلا بتدفق واسع من الريف للحضر للعمل والدراسة، بالإضافة لتحول قطاعات ريفية للتحضر عبر عمليات تصنيع الزراعة ونشر التعليم وتطوير الريف والمدينه.
5 - حقيقة الحد الأدنى للأجور:
ومن الغريب أن يقال إنه لا يوجد حد ادنى للأجور في الصين، في سياق البرهنة على ضعف الأجور وعلى تدهور الأوضاع المعيشية للعمالة الصينية الرخيصة، وحيث تأخذك الفكرة المسبقة الثابتة الهادفة إلى إثبات فشل السياسات الاقتصادية في الصين، وفقاً لفكرة التنمية الاقتصادية عن طريق رخص العمالة وبؤس الفلاحين، يأتي القول بعدم وجود حد أدنى للأجور حتى الآن، مع أن الحد الأدنى للأجور قد ارتفع من 1196 يوان شهرياً عام 2009 إلى ما يتراوح بين 1800 و 2000 يوان شهرياً عام 2018، والأرقام مهمة طبعاً ، والحديث عن زيادتها مهم جداً في هذا السياق، لكن الأهم أنها تبين بجلاء أن الحديث عن عدم وجود حد أدنى للأجور تنقصه الدقة، فكيف يتم استسهال القول بعدم وجود حد أدنى للأجور في الصين حتى الآن (2018)؟
6 - التأمينات الاجتماعية والصحية:
تخطت الصين ما تسميه الكتابات الاقتصادية بفخ الدخل المتوسط، بمعنى وجود دول كثيرة تتحرك بنموها لكنها لا تتمكن من عبور عتبة الدخل المتوسط لمواطنيها، الذي يدور حول 3000 دولار للفرد سنويا، حيث تمكنت من الخروج من هذا الفخ وتقف الآن على أعتاب الدخول في نادي الدول ذات الدخل المرتفع الذي يدور حول 10000 دولار للفرد سنويا، فقد وصل متوسط دخل المواطن الصيني إلى 8800 دولار سنويا عام 2018.
وعلى الرغم من ذلك يجري الحديث سهلا عن غياب تمتع المواطن الصيني بشبكات التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي، بل والبطالة.
فكيف ينسجم هذا الحديث الحاسم حول الغياب مع الحديث عن الخطط التي تم بها مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية 2008 ، وبصفة خاصة تدعيم الاستهلاك الداخلي عن طريق التوسع الشديد في مشاريع البنية التحتية والطرق والأنفاق عبر الجبال والكباري فوق الأودية، وزيادة الأجور والمعاشات لتدعيم الاستهلاك في الداخل ، وتدعيم الخدمات الأساسية العمومية مثل المرافق العامة وحماية البيئة، والاستكمال التدريجي لنظام التأمينات الجتماعية وتوسيع تغطية المعاشات لتشمل المناطق الريفية.
ألا يكفي هذا العمل الذي تم ويتم بقفزات منذ عام 2008 ، باعتراف المقال، لنقض القول الحاسم بغياب التأمينات الاجتماعية وضعف التامين الصحي وخاصة في المناطق الريفية حتى الآن؟ وهل يمكن إخفاء هذا التوجه العملي خلف مقولة اتباع الصين لسياسات كنزية؟ وهل اتباع سياسات كنزية عيب؟ أو أرجاع كل هذا العمل لما يسمية المقال بالصدفة السعيدة؟ قاصدا صدفة الأزمة الاقتصادية المالية الرأسمالية واضطرار الصين للاهتمام بالتنمية الداخلية؟ أهي مجرد صدفة أم قدرة على امتصاص الصدمات؟ ومواجهة أزمات ومشاكل الواقع؟ بوضع الخطط والسياسات البديلة؟
وهل يجوز القول بالفم المليان أن التأمين الاجتماعي في الريف لا يزيد عن 3% من تأمين اجتماعي يصل في الصين كلها إلى 97% ؟ وهل يكفي في ظل هذا القول الحاسم الناقد لأوضاع البؤس الاجتماعي والحديث عن ضعف الرعاية الصحية في الريف، الاكتفاء بعبارة مبتسرة تقول:
ولكن وضع التأمين الصحي على سكان القرى قد تغير حديثا جدا في الفترة بين عامي 2013 و 2018؟ تغير كيف؟ وبأي نسبة؟ وفي أي اتجاه؟ ولماذا تغير؟ وما معنى ومغزي هذا التغير؟
وقد وصل التناقض وارتباك العبارة مداه عند الحديث عن البطالة، فحيث يتمتع 97% من سكان المدينة بالتأمينات الاجتماعية، وحيث أن الوظيفة تكفل لهم تعليم أبنائهم تعليما جيدا، وتأمينا صحيا معقولا للأسرة، يكون الاستخلاص في الفقرة التالية عجيباً، حيث يقول:
أي ان نهضة الصين الكبرى تحققت على حساب مستوى معيشة بالغ الانخفاص للعمال في المدينة، ويضيف وتتراوح نسبة البطالة في المدينة بين 8 و 10%
وحيث يحاول المقال تدارك التناقض، حيث تؤكد نسبة المتمتعين بالتأمينات الاجتماعية والصحية السابق ذكرها 97% أن نسبة البطالة في المدن الصينية لا تزيد عن 3% يقر الكاتب بالتناقض معلناً أنه يميل إلى النسبة الأعلى، وهل الميول هي التي يستند عليها الباحث في بحثه العلمي؟
7 - مقاومة الفقر والفساد:
لا يحتفي الكاتب الاحتفاء الواجب بخطط مواجهة الفقر والفساد، ولو كان اهتم مع اهتمامه في رصد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية لاضاف لمقاله النقدي قدراً أكبر من التوازن ومن الموضوعية، فالكتابات الصينية والتقارير الحزبية تهتم برصد الفجوات بين الدخول، وبين المدينة والريف، وبين المقاطعات المختلفة، لكي تبرز خططها لمواجهة هذه الفجوات، وخاصة خططها في مواجهة الفقر، انطلاقاً من تحديد شي جين بينج للتناقض الرئيسي باعتباره التناقض بين التنمية غير المتوازنة وغير الكافية وحاجات الشعب الأساسية المتزايدة.
وفي الحقيقة فإن الدكتور حسن لم ينس أن يذكر أن القيادة الصينية قد تمكنت من تقليص نسبة الفقر من 10% ألى 4% في 5 سنوات، وأن الخطابات المعلنة في هذا الشأن تستهدف القضاء على الفقر بحلول عام 2020، فهل تكفي فقرة كهذه في مقال نقدي تدور فقراته وتوجهاته و90% من صفحاته حول الثمن الذي دفعه ويدفعه الشعب الصيني من أجل نهضته؟
أظن أن المرور السريع على هذه الفقرة، في بحث يدور حول الكشف عن الفقر والبؤس والإفقار في الصين دون تمعن قد جانبه الصواب، فقد ترك فتحة المقص مفتوحة على أخرها لصالح تزايد الفجوات وتزايد الفقر والبؤس، وأوقع البحث في فخ عدم التوازن والتناقض، الأمر الذي ظهر في نوعية الاستخلاصات النهائية للبحث.
8 - الحرب التجارية بين حمائية ترامب والرفض الصيني:
ووصلت القراءة الانتقادية مداها في التعامل مع الحرب الاقتصادية التجارية بين أمريكا والصين، وبدا الدكتور محمد حسن وكأنه ينعي على الصين وقوعها في فخ منظمة التجارة العالمية كاداة للسياسات الإمبريالية، وينعي عليها التزامها بحرية التجارة، ويذكر المفارقة التي تجعل من ترامب الأمريكي يدافع عن الحمائية ويفرض الجمارك على تدفق السلع غير الأمريكية، بينما تصمم الصين على حرية التجارة وتدفق السلع في الأسواق ورفض الحمائية الترامبية.
وهي مفارقة بالفعل، لا يمكن التعامل معها بالمبادئ المجردة، ولا بموقف مسبق من منظمة التجارة، بل بما تعكسه المصالح والعلاقات السياسية والاقتصادية الدولية الراهنة، وقوة الاقتصاد الصيني، وتهديده لأسواق الولايات المتحدة، وتصرفات الأطراف في ظل معمعة الحرب الاقتصادية الراهنة.
ما هي مصلحة القوة الاقتصادية الصينية الصاعدة في انفتاح أسواق العالم أمام تجارتها الخارجية؟ ومصلحتها في التزام دول العالم وعلى رأسها أمريكا بقوانين حرية التجارة؟ وما هي مصلحة أمريكا في رفض اتفاقيات التجارة الحرة التي ساهمت في التوقيع عليها وبناء منظمتها التجارية؟ هذه هي المفارقة الحقيقية في ظل صعود المعجزة الصينية، فهل ننعي على الصين انطلاقها من الواقع ومواجهتها للحرب الاقتصادية وتعبيرها عن مصالحها التجارية في التمسك بقوانين حرية التجارة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية؟
9 - العلاقات التجارية الخارجية للصين، إمبريالية؟
وجات فقرات مناقشة توجهات العلاقات الاقتصادية الخارجية للصين مفارقة للواقع، وتوحي بوجود نموذج غامض للعلاقات الاقتصادية في رأس الكاتب كان يجب، او ينبغي، أن تسير على هديه وعلى مبادئه الصبن في علاقاتها الاقتصادية مع العالم وخاصة مع أفريقيا التي طرحها نموذجاً، المفارقة أن المقال النقدي طرح مفردات هذه العلاقات التجارية، والاستثمارية، والمالية، بما يرتبط بها من منح وقروض، باعتبارها تتشابه مع العلاقات الرأسمالية الغربية بأفريقيا، واستنتج من ذلك استنتاجه المذهل، معتبراً العلاقات الاقتصادية الصينية الخارجية، ونموذجها العلاقات الصينية الأفريقية، ذات سمات إمبريالية.
فهل هي حقاً كذلك؟ وما النموذج المختلف لهذه العلاقات الاقتصادية، التجارية، الاستثمارية، المالية، التي كان يجب أن تسير عليها الصين حتى لا تقع في فخ العلاقات الإمبريالية؟ في عالم تهيمن عليه وتحكم علاقاته الدولية العلاقات الرأسمالية؟
10- السياسة الخارجية للصين:
ولأن النزعة الانتقادية هي التي تحرك فقرات المقال، وتحدد المسار والمآل، لم تنج السياسة الخارجية للصين في عصر الإصلاح والانفتاح من دينج شياو بينج إلى شي جين بينج من النقد والانتقاد.
والنقد من حيث المبدأ مباح، وفوائده بالقطع كثيرة، وكل تجربة عظيمة لا تخشى النقد والاختلاف وإظهار النواقص، فالتجارب الهشة هي التي تخشى النقد، وقد تتصور أنها كاملة، والتجربة الصينية تجربة عظيمة، وعظمتها لا تنفي نواقصها، تلك التي يعترف بها قادة الصين قبل غيرهم، ومحبي التجربة قبل أعدائها، فما هي المشكلة في سياسة الصين الخارجية؟
تقوم سياسة الصين الخارجية المعلنة على عدة مبادئ:
مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، قيام العلاقات بين الدول المختلفة على اساس مبدأ الاحترام المتبادل، وتعزيز المنفعة المتبادلة، والفوز المشترك، والتعاون، والتعايش السلمي، وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية.
فما هو النقد الذي يوجهه صاحب مقال الثورة الصينية لهذه السياسة الخارجية للصين؟
النقد هو أن هذه الصورة وردية للعالم، فالعالم فيها يخلو من التناقضات، فلا توجد إمبريالية تسعى للهيمنة، ولا دول مقهورة، ولا مصالح متناقضة، ولا انحياز ضد أي طرف.
أما النقد الأشد فهو القول بعبث عدم التدخل في الشىون الداخلية، ومضمونه البراجماتي عند الدكتور محمد حسن هو تأييد الدول والأنظمة الحاكمة حتى لو كانت في إسرائيل، وحتى لو كانت البرازيل لولا دا سيلفا أو ديلما روسيف أو ميشيل تامر.
فهل البديل الذي يطرحه الدكتور محمد حسن خليل لتطوير السياسة الخارجية للصين هو دفعها لسياسات التدخل وتغيير الأنظمة بالقوة تحت وهم إشعال الثورات؟ والتخلي عن وهم ورومانسية بناء المصير المشترك والفوز المشترك للبشرية واستبداله بوهم الانحياز وتأجيج الصراع الطبقي؟ أهي دعوة لسياسة خارجية جديدة للصين تقوم على التدخل وإشعال الحروب؟ وهل ستكون هذه الانحيازات الدبلوماسية والتدخلات العسكرية حينئذ حروباً ثورية أم استعمارية؟

محمد فرج
يوليو 2018