حمامةٌ فراتيّةٌ ...تقلُّ إليَّ حضارةَ سومرَ


مرام عطية
2018 / 8 / 8 - 10:46     

لم أكنْ أَعْلَمُ أنَّ تلكَ الحمامةَ الفراتيَّةَ مثلُ ليلةِ القدرِ ستغيِّرُ خريطةَ بؤسي المهترئةَ بهمسةٍ شوقٍ ولمسةٍ تحنانٍ ، كفُّ المسيحِ تعطفُ على أرضي القاحلةِ جداولَ ألقٍ وندىً من شلالِ نورها ، و تملأُ كؤوسي الرماديةَ فيضَ حبورٍ من التفاتةِ مزنتها ، و لم أكنْ أعرفُ أنَّ سُعُفَ النَّخلِ بين جناحيها ، ستكونُ مبضعَ الجرَّاحِ لجسدي المثقلِ بالأًوجاعِ والندوبِ ؛ فتشفيهِ حين يعزُّ عليه الشِّفاءُ، و أنَّ عراجينَ الرطبِ اللذيذةَ ستكونُ مذاقاً شهيَّاً وقزحاً من الدَّهشةِ في يبابِ عمري ، و أنَّ أغصانَ الزَّيتونِ بفيها ستكونُ عصا موسى ؛ فتملأُ جراريَ الفارغةَ بالزَّيتِ المقدَّسِ ، وخوابيَّ الشَّاحبةَ بالعسلِ و رحيقِ الزَّهر .
ماذا أقولُ لحمامةٍ فراتيَّةٍ رفَّتْ على نبضي صباحاً بعد سني غيابٍ ، وهي تقلُّ إليَّ معلقاتِ بابلَ من مدنِ سومرَ العريقةِ ، وغاباتِ أرزٍ من شموخِ لبنانَ ؟
ماذا أقولُ لو جاءتْ تسألني الهديلَ فوق نخيلها الوارفِ الثَّمرِ ، أو تطلبُ إليَّ الهجرةَ إلى أقاليمها الجديدةَ ؟!
ماذا أقولُ لو راحتْ تقلُّني قصيدةَ غزلٍ إلى جزرِ القرنفلِ والكرزِ في بلادِ الشَّمالِ ، أو تحملني أميرةً دمشقيَّةً إلى قصورٌ الأناقةِ والألقِ في بيروتَ ؟! وغزلاني لا تعرفُ إلاَّ مساكبَ الحبقِ والزعترِ في قرى السنديانِ ، وحسناواتي ترفلُ بالفرحِ رغم الفقرِ الماديِّ ، تتزيَّنُ بالتواضعِ وأساورِ الحنين في لقاء العاشقين .
أأقولُ لها سأنضمُّ لأسرابِ نوارسكِ البيضاءِ ؟!
أم ألوِّحِ لها بالفراقِ من غرفتي الرَّماديةِ ؟!
أيَّتها اليمامةُ البيضاءُ من أخبركِ بعد اتساعِ الغيابِ وتصحُّرِ الزَّمن بحقولِ شِعْرِي العطشى لهطولكِ الأخضرِ . من أيَّةِ غيمةٍ جِئتِ تهطلينَ زمرُّداً وياسمينَ تكحِّلينَ جيدي بشالِ لهفتكِ الأزرقِ ، وتقبِّلينَ شفاهي بالنبيذِ ؟!
سأحتفي بكِ يمامتي الأنيقةَ في مهرجانٍ يطولُ ، و يتسَّعُ كما تحتفلُ الصحراءُ بواحةٍ خصيبةٍ ، لكن مهلاً على كريستالِ
قلبي الورديِّ من الانكسارِ ؛ فهو لم يعتدْ على ذااااكَ الهطولِ الأرحبِ .