من اغتال رفيقي وصديقي نذير عمر؟ في ذكراه بعد ربع قرن من الجريمة القذرة


رزكار عقراوي
2018 / 8 / 1 - 00:10     

من اغتال رفيقي وصديقي نذير عمر؟
في ذكراه بعد ربع قرن من الجريمة القذرة

تصادف هذه الأيام ذكرى مرور ربع قرن على اغتيال احد ابرز رفاقي واقرب أصدقائي خالد الذكر نذير عمر [ آرام ] ، المناضل والكادر الشيوعي الجسور من مدينة سميل- محافظة دهوك - إقليم كردستان العراق، نذير عمر كان مثالا للنقاء الشيوعي والإنساني وللصدق والتفاني والمناضل الجريء من اجل مبادئ وقيم اليسار.
كان اغتيال نذير جزءا من سلسلة اغتيالات قذرة نفذت في بداية تسعينات القرن المنصرم طالت عدداً من اليساريين والتحرريين في منطقة بهدينان – إقليم كردستان العراق الخاضعة للسلطة المطلقة للحزب الديمقراطي الكردستاني وميلشياته و منظماته الأمنية. ومن المؤكد ان تلك الاغتيالات الدنيئة نفذتها الشبكات الإجرامية التابعة له. وقد أدانتها منظمات حقوق الإنسان العالمية آنذاك، ووجهت أصابع الاتهام بشكل صريح الى الحزب المذكور وقادته الغارقين في الإجرام والفساد.
الحزب الديمقراطي الكردستاني يتحمل المسؤولية الكاملة في اختطاف واغتيال نذير عمر في نهاية تموز 1993 بذلك الشكل الوحشي والهمجي، بعد ان تعرض للتهديد مرات عدة من قبل أزلام أجهزته الأمنية بسبب نشاطه السياسي المعارض لهم.

كعادتنا نحن الشيوعيين نلقي المسؤولية الكاملة في هكذا جرائم قذرة على أعدائنا الطبقين وأجهزتهم الأمنية، دون ان نتعرض الى الخلل والتقصير الكبير في آليات حماية الأعضاء والكوادر في أحزابنا اليسارية ومدى الحرص على حياتهم، ودور القادة من خلال توجيهاتهم وسياساتهم في عدم تعريض الأعضاء للخطر الكبير، كلما كان ذلك ممكنا وعدم إدخالهم في معارك غير متكافئة ومنها دفعهم للنشاط العلني في مناطق خطرة دون أي حماية او صيانة أمنية. ومن الضروري أيضا توفر توازن كبير ومساواة في مستوى حماية الأعضاء والقادة.

بعد ان ترسخت سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني في منطقة بهدينان بعد 1991، بدأ بمضايقة واعتقال الكثير من المعارضين لسياسته الدكتاتورية والفاسدة، وهدد العشرات ومن ثم بدأت الاغتيالات كرسالة واضحة في انه لن يتهاون مع من يعارض ويقف ضد سلطته الكالحة المطلقة في منطقة بهدينان. كان طرحي مع رفاق آخرين في التيار الشيوعي هو ان نتوقف عن النشاط العلني في تلك المنطقة حرصا على تنظيماتنا ورفاقنا، ونقتصر على العمل السري، لكن للأسف، بعض القادة في التيار الشيوعي كانوا مصرين على النشاط العلني رغم خطورته الكبيرة، وكان نذير عمر احد ابرز الكوادر العلنية الرئيسية في المنطقة.

في صيف عام 1991 كنت في مدينة زاخو/ إقليم كردستان العراق، وكنت آنذاك مع نذير نعمل في صفوف منظمة التيار الشيوعي، وحضر رفاق وطلبوا منا انا والرفيق نذير تبني ومشاركتهم في فتح مقر علني للمنظمة في المدينة. رفضت ذلك واعتبرت الأمر خطأً، وقلت لرفاقي ورفيقاتي ان موازين القوى الآن ليس في صالحنا في المنطقة، وسنتعرض الى ضربة سريعة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن الخطأ القيام بنشاط علني الآن في ظل عدم وجود تنظيم سري قوي ساند لنا في المنطقة. لم يقتنع الرفاق برأيي، بل ان البعض منهم اعتبرها انتهازية وجبناً!. المهم تم فتح المقر في اليوم التالي من قبل مجموعة من الرفاق، بينهم الرفيق نذير عمر. وكما توقعت، تم الهجوم على المقر بعد سويعات معدودة من فتحه من قبل مسلحي الحزب الديمقراطي الكردستاني وحلفائه، وتم اعتقال الرفاق ومصادرة متعلقاتهم الشخصية وأسلحتهم، و تم إطلاق سراحهم في المساء بعد ان أهينوا و هددوا بشكل حاد، ورجعوا جميعا الى المقر السري – مكان سكني/ خيمتنا -. وقد استخدمت علاقاتي مع الرفاق الأعزاء في الحزب الشيوعي العراقي في مدينة زاخو للتوسط وإرجاع المتعلقات الشخصية. تطرقي الى هذه الحادثة هي لتوضيح الظروف الخطرة للعمل العلني في المنطقة.

كنت في تواصل مستمر شخصيا وسياسيا وتنظيميا مع نذير، رغم إني لأسباب شخصية وتنظيمية وأمنية اخترت العودة والسكن في اربيل في نهاية 1991، حيث كان لنذير زيارات متواصلة لنا. كانت لدينا حوارات معمقة حول اليسار ودوره وإمكانيات تطويره، وضرورة توحده. وكنا متفقين على ضرورة نبذ التعصب التنظيمي المفرط السائد آنذاك بين منظمات اليسار وخاصة في الإقليم.
كنت دوما أرسل له أدبيات المنظمات اليسارية الأخرى – المنافسة ! - كجزء من الطرد-البريد الحزبي لأدبيات التيار الشيوعي. وكان يوزعها بين الرفاق والرفيقات، حيث كنا لا نرى أي اختلاف سياسي او فكري بينها، عدا عن كونها خلافات شخصية ونخبوية، وحب وتقديس الزعامة لدى معظم قياداتها، مما اثأر امتعاضا كبيرا بين المتعصبين تنظيميا في منظمة التيار الشيوعي.
قبل خروجي من العراق في نهاية 1992 وقبل تجميد عضويتي في المنظمة، طالبت رفاقي في التيار الشيوعي بضرورة إخراج نذير عمر للخارج وتزويده بجواز مزور وتوفير الإمكانيات لذلك، او على الأقل إخراجه من منطقة بهدينان ، حيث كانت حياته في خطر كبير، وقد بقى نذير أسبوعين في بيتي وطالبته بالبقاء في اربيل او الخروج من العراق، لكنه لم يوافق حيث لم تكن الظروف الشخصية مناسبة له، ولم يتلقى دعما وتوجيها تنظيميا، او تتخذ أي إجراءات لحمايته، في نفس الوقت تم إخراج الكثير من قادة وكوادر المنظمة السريين، دون ان تكون عليهم اية خطورة أمنية، ومنهم من اخرج أقربائه أيضا! وهم نفس القادة الذين كانوا يعطون الأوامر باستمرار نذير عمر بالنشاط العلني، رغم معرفتهم بالخطورة الكبيرة على حياته. برأي انه هؤلاء القادة يتحملون جزءا من المسؤولية و بشكل غير مباشر في هذه الجريمة النكراء، من خلال دفع وتوجيه الرفيق نذير عمر للنشاط العلني في منطقة خطرة جدا، وعدم اتخاذ إي إجراءات لحمايته رغم كل المخاطر والتهديدات الجدية المتفاقمة، وحتى لم يستجيبوا لمناشداته المتكررة بتزويده بمسدس للحماية الشخصية.

اعتذر لأني تأخرت في طرح القضية للعلن ومع إني طرحت الموضوع مرات عدة آنذاك داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي – منظمة التيار الشيوعي احد التنظيمات الأربعة التي شكلت الحزب في تموز 1993 – من خلال الاجتماعات والرسائل والنشرات الداخلية، حيث طالبت بفتح تحقيق حول جريمة الاغتيال وتحديد مسؤولية قيادة الحزب في ذلك، حيث القيادة مسئولة عن ضمان حياة و سلامة جميع أعضاء الحزب، وإنها مطالبة بتقديم تقيمها حول أسباب عدم اتخاذ إجراءات اللازمة لضمان حياة وسلامة الرفيق نذير عمر، مع إلحاحه المستمر ولفترة طويلة لحمايته بسبب خطورة وضعه الأمني.


رفيقي الخالد نذير

بعد ربع قرن من الجريمة النكراء، أتذكرك دوما رفيقي العزيز، كنت الشيوعي النزيه والنقي والمحبوب، وأتذكر كم تألمت وبكيت وغضبت عندما وصلني خبر اغتيالك.

أتذكر صدقك وطيبتك الأخوية والرفاقية والإنسانية، وكيف عشنا معا كعائلة واحدة في خيمنا المتواضعة، وتواصلنا اليومي العائلي والشخصي في مخيمات زاخو بعد انتفاضة 1991.

حال عودتي إلى العراق في 1998 زرت عائلتك، وكم رأيت والدتك قوية وفخورة بك، تفضح بشكل علني القتلة.

الخزي والعار لقتلتك المجرمين في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأتطلع إلى ذلك اليوم الذي يتم فيه محاكمتهم على جرائمهم ولصوصيتهم.

كل المجد و الخلود للمناضل الشيوعي الجريء نذير عمر و كافة المضحين من اجل الاشتراكية والقيم الإنسانية والحرية.