قُصاصاتٌ من المستشفى (1)


يحيى علوان
2018 / 7 / 25 - 19:41     

لا نعرفُ ماذا نفعلُ ببعض .... أنا وصديقُ السوءِ الأمل !!
* * *
في المنام عضَّني كلبٌ في ربلةِ الساق ، صحوتُ على ألمٍ شديدٍ هناك ....
آه .. !!
تذكّرتُ أني لم آخذ قرصَ المغنيسيوم منذ أسابيع ..!
* * *
ما دامَ عملك يوفِّرُ متعةً للآخرين ،
وكلُّ يقظةٍ ، ماضٍ وشيك ،
دعْ الناسَ تلوكُ الوقتَ بضجر،
أو في مواقع "التراشق الإجتماعي !!"
ترمي حجَرَ اُلنميمة ،
تتكاسَلُ كزهرِ الآس ،
إغلِقْ على نفسك ،
عَلِّقْ على البابِ ورقَةً :
" الرجاء ، عدم الأزعاج ... غـداً نهايةُ عطلتي ..!!"
* * *
جسرٌ خائبٌ ، لايمرُّ من تحته نهرٌ ... كي نرمي في مياهه الروائحَ اليابسةَ ، وما يفيضُ من ريقِ الطفولة ...
جسرٌ كان يمرُّ من تحته النهرُ مُحمّلاً بالغيوم ، وبساتين الشاطيء بأطياره ...
جسرٌ بائسٌ يسكنُ غرفتي في المستشفى .. مُعلَّقاً على الحائط ..!
* * *
السيدة فيتسل، رئيسة القسم الذي أرقدُ فيه منذ عشرةِ أيامٍ ، إمرأةٌ لاتُفارقها الإبتسامة ،
مليئة بحيوية تكادُ تفيض عن الحاجة .. إذ يلهثُ مساعدوها لتلبية توجيهاتها. سيدةٌ حَسِنَةُ القوام والمظهر والخُلُق ، طبيبة حاصلة
على درجة بروفيسور وهي، لمّا تزل في أواسط الثلاثينات، قالت لي مرضُكَ نتكفَّلُ نحن بعلاجه خلال أسبوعين . لكن يتوجّبُ عليكَ
أن تبذلَ جهوداً إضافيةً بالتعاونِ معنا ، كي نستطيعَ مَحوَ ذاكرة الوجع من جسمك !
وأضافت : "في أحايين ينتهي العلاجُ الفيزياوي ، لكن تبقى ولفترة طويلة حيَّةً في الجسم ذاكرة الوجع!!
تستحضرُ الآلامَ من جديد ، وقد تستمر سنواتٍ عديدة ...!"
ومضةٌ عبَرَتْ في خاطري .. ذكّرتني السيدة فيتسل بما كنتُ أشرتُ إليه في " بُشراكَ حيّاً !" ضمن كتابي
"تقاسيم على وطنٍ منفرد" ، حين تحدَّثتُ فيه عن الألمٍ الشبَح ، الذي يشبه أَلَمَ مُجنَّدٍ بُتِرَت ساقُه ،
وسيبقى لسنواتٍ يشعرُ بالألم ، فيمدَّ يدَه إلى موضع الوجعِ ، رغم أنَّ الساقَ لمْ تَعُدْ موجودة ...إلخ
حينَ كتبتُ ذلك قبل أكثر من عشرِ سنواتٍ ، لم أكنْ أعرفُ أنَّ للجسدِ "ذاكرةٌ للوجع" وما سمعتُ بذلك من قبل ..
إذ كنتُ أعتقدُ أنَّ الوجعَ يزولُ بزوالِ مصدره ! وكنتُ أظنُّ أنَّ الذاكرةَ هي إستعادةٌ لمعلوماتٍ وصورٍ وروائح ، سَبَقَ للدماغ
أن إختزنَها ، ويقوم بأسترجاعها عند الحاجة أو في أوقاتٍ لاحقة ...

..........................
وهكذا لا يُشفى كأسُ المعرفة !!
فيا أهل النقد ، إفتونا مأجورين !
أيَّ نوعٍ من التناص كان ذلك ؟!

* * *

لا ذنبَ لي في ذلك !
تدبَّرْ أمرَكَ في العبورِ من الكلمات إلى المعاني والأفكار !!
فأنـه طريــقٌ وعــرُ !!

* * *
لايمكنُ لمثقفٍ جبانٍ أنْ يكونَ باحثاً عن الحقيقة حقاً !

* * *
وجهتا نظر!
1) أشرارٌ دمّروا البلادَ .. قصفونا ليعودوا بنا إلى العصر الحجري ...!
2) كلا!
أنهم أخيارٌ .. هدّموا كل شيءٍ ، كي نبقى نتقاتل بالحجارة الرحيمة ، لا بالأسلحة الرجيمة!!
عليكَ أن تنظر إلى الجانب الأنساني في العملية ؟!!

* * *

غيمةٌ رحيمة غطّت الأفقَ .. ،
منَحَتْنا الفرصةَ لألتقاطِ الأنفاس جرّاءَ الركضِ وراءَ السراب ..!!

* * *
لا تصعد الفقاعةُ إلى الأعلى ما لمْ يكنْ العمقُ مزدحماً بما هو "ثقيل" !

* * *

إمرأةٌ باهرةٌ تشربُ الكأسُ من ثغرها ، يتسلّلُ نملُ الحنينِ إليها دون عناء !
كلما تناسيتُ ، غَدَتْ أقلّ إيلاماً من حضورها على عاتق الذكرى !

* * *

أقمارٌ ونجومٌ ومذنَّباتٌ تسيل ...
لكنها ليست في السماء ...
إنها ورقُ الحيطانِ لا غير !
حدّقْ جيداً بفقاعات الهواء في الزوايا !!


قرأتُ ، ثم غَفَوتُ ، فصحوتُ ...
كان الغروبُ ينقُرُ على الشباكِ مودّعاً ،
ظلمةٌ باهتةٌ تتَمدَّدُ فتملأُ الغرفةَ .. آملُ أنْ ترزقني "الآلهةُ" بمفرداتٍ وإستعاراتٍ تُعينني ،
فلا يُفسِدُ الخيالُ مرامَ التوصيف !
مستلقياً في سريري ، أرقبُ قطراتِ الدواء المُغذي والمُسكّن ، تسيلُ ..
قطرةً ، قطرة ..
ثم قطرةً فقطرة ... وبتتابُعٍ مُمِلٍّ ..
إنحبَسَت واحدة منها في فم الزجاجة ، أَبَت أنْ تنزَلِقَ إلى الأنبوب المربوطِ بالوريد ..
تابعتُها .
تضخّمَت .
صارَت كرةً قزحيةَ الألوان ، بوميض باهرٍ ...
رأيتُ فيها مَتاهةً من مرايا ، تضمُّ كلَّ الأكوان .. لكن ما كانت واحدة منها تُحدِّقُ فيَّ ..
رأيتُ بحوراً لمْ أرَها من قبل ، ينبلِجُ فيها فجرٌ .. ثمَّ لايلبثُ أنْ يهبطَ ظلامٌ مُخيفٌ ...
رأيتُ غابةً تَغُطُّ في ظلامٍ مُطلقٍ ، يُرغِمُ الناظرَ على تَبنّي منطقَ الخندق الأخير! تتراءى فيها أشباحٌ ، لا ترى منها غيرَ
عيونِ فُهودٍ ، تستدعي شَدَّ الأعصاب ، لأنك لاتدري متى تَنقضُّ عليك ...
رأيتُ نسيجَ عنكبوتٍ هائل بلونٍ فضيٍّ يتدلَّى من السماء ، يتأرجحُ عليه لوثيان - الوحش الرهيب - ،
رأيتُ بروميثيوس عارياً تحتَ الجسر في كرويتسبرغ ، يتسوَّلُ وَلعَةً لسيكارة حشيش تُرتجفُ بين إصبعيه...
أبصرتُ جلال الدين الرومي يرقصُ الهب هوب ، لكنه تَعثَّرَ بعباءته فسقطت عمامته ،
رأيتُ أبا ذرٍّ يتسوَّلُ تارةً عند بابِ بن عوف ، وأخرى عند بابِ أبي سفيان ،
رأيتُ ماريا ريللكه ينتحبُ عند قبر لوركا ،
رأيتُ عند بائع التُحفيّاتَ بقرطبة ، "سكرتير" كتابة يعود لولاّدة ، وفوقه رسالة إيروتيكية من إبن زيدون ..
وفي سوق الخردة بفلورنسا ، رأيتُ قارورة مرمر أحمر تحملُ رُفاةَ الفاتنة كلوديا كاريناله...
أبصرتُ ما لا أجرؤُ على البوح به ....!
......................
حدَّقتُ في واحدةٍ من المرايا فرأيتُ فيها وجهاً وعيناً مفتوحةٌ ، بها مرآةٌ ... وفي المرآةِ ، كنتُ ...!!
* * *