اعتذارات هادي العامري


شاكر الناصري
2018 / 7 / 19 - 13:42     

من شاهد خطاب هادي العامري، زعيم منظمة بدر، وسمع مجموع الاعتذارات التي قدمها إلى العراقيين، جراء التقصير والإهمال الذي مارسته الطبقة السياسية التي انشغلت بامتيازاتها ومصالحها ومناصبها، على حد قوله، سيعرف أن الهوة العميقة التي تفصل بين جموع الفقراء والمعطلين عن العمل وسكان العشوائيات وضحايا حملات التجهيل الديني والسياسي وصراع الطوائف في العراق، من جهة، وبين الطبقة السياسية الحاكمة وقواها من جهة أخرى، قد أتسعت لدرجة لا يمكن ردمها او تقريب حوافها، وأن الاحتجاجات الأخيرة جاءت لتعلن عن قطيعة صريحة ما بين النظام السياسي القائم وقواه ومليشياته، وبين جموع الشعب الذي لم يجد ما يفعله سوى اعلان الاحتجاجات المطلبية ضد الفقر والبطالة والعطش وانعدام الخدمات، لكنه لم يسلم من الاتهام بالعمالة والاندساس وتهديد العملية السياسية وتقسيم العراق، فكان العنف المسلح والقتل والاعتقالات الواسعة هو رد النظام والمليشيات والأحزاب السياسية التي تحولت إلى عدو يدافع عن فساده ولصوصيته وامتيازاته، الأمر الذي دفع المحتجون لرفع سقف مطالبهم التي باتت تهدد نظام المحاصصة الطائفية القائم في العراق، وتتهم، صراحة وعلناً، القوى السياسية التي فسدت وأفسدت الوضع في العراق وعملت على ممارسة الانتهاكات بحق العراقيين واذلالهم ونهب ثروات الدولة وعوائد النفط. مهاجمة مقرات الأحزاب الحاكمة والمليشيات المسلحة، اتهام صريح لهذه القوى بكل المآسي والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بحياة العراقيين وحولتهم إلى قوم من الجياع والمعطلين عن العمل والمشردين في خيام التهجير، حيث يمنع الآلاف من العودة إلى مناطقهم بعد طرد قوى الإرهاب منها، لأسباب طائفية مقصودة.

مهما كانت اعتذارات العامري، ومهما كانت تصريحات زعماء القوى السياسية حول أحقية الملايين المحتجة وشرعية مطالبها، والانتقادات التي توجهها هذه القوى للفساد واللصوصية والامتيازات، فأنها لا تعدو أن تكون سوى محاولات لامتصاص الغضب الشعبي وحرف الاحتجاجات عن مسارها ودفعها لانتظار ما ستسفر عنه إجراءات السلطة وقرارات خلية الأزمة.

المرسوم الجمهوري الذي صدر في السادس عشر من تموز الجاري، والقاضي بإحالة 328 من أعضاء مجلس النواب العراقي الذين انتهت مهام عملهم على التقاعد، يؤكد أن الطبقة السياسية الحاكمة غير معنية بمعاناة العراقيين، ولا باحتجاجاتهم وغضبهم، بل بمصالحها وبفقرات قوانينها ودستور اللصوص المفضوح الذي يريدون من العراقيين أن يحترموا نصوصه وفقراته، مهما كان فقرهم وبؤس أحوالهم.

إن الاحتجاجات الشعبية الواسعة في مدن العراق، هي السبيل الوحيد الذي يجب التمسك به، السبيل الذي أعاد لنا الأمل في خوض مواجهة جدية وحاسمة ضد نظام المحاصصة الطائفية البغيض. ستلجأ قوى السلطة ومليشيات الأحزاب للتهديد والوعيد أو تقديم الاعتذارات على طريقة هادي العامري، وإطلاق الدعوات لإصلاح العملية السياسية التي يرتبط خرابها بالنظام القائم والدستور الذي شرعن للفساد والانقسام الطائفي والعرقي، وسيحاولون الاستعانة بالمؤسسة الدينية وبشخص علي السيستاني، حامي النظام وآس الخراب في العراق، من أجل تهدئة الغضب والاحتجاج، وإيجاد المبررات والذرائع والوقوف على مسافة واحدة من الجميع...الخ، وستلجأ دولة الاحتلال الأمريكي ومؤسساتها الإعلامية وأتباعها للتعتيم على الاحتجاجات وتصويرها كشأن يخص مدينة عراقية واحدة فقط، لكن كل هذا الكذب المحض يجب أن لا ينطلي على المحتجين، ولا يزرع بينهم بوادر التراجع. لقد قدموا تضحيات كبيرة من أجل كرامتهم وحياتهم ومستقبلهم، وأي تراجع سيزيد من بطش السلطة وتعنتها واستفرادها بالعراقيين وإذلالهم...