الثورة من أجل الحياة !


سهر العامري
2018 / 7 / 19 - 00:23     


في تاريخ العراقيين والعرب أمثلة كثيرة ، وتجارب عدة ، تثبت أن الانسان العربي لا يلتفت الى المقدس حين لا يجد في داره كسرة خبز يسد رمقه بها ورمق أطفاله ، فهو والحال هذه محق في أن ينشد الحياة لنفسه ولذويه إذا ما وقف هذا المقدس في طريقه ، وحاول أن يمنيه بجنات مؤجلة ، بينما تتصاعد ألسنة نيران الجوع في أحشائه.
في زمن الخليفة عثمان بن عفان صرخ أبو ذر الغفاري بأعلى صوته : أعجب من رجل لا يجد قوته يومه في بيته ولم يخرج شاهرا سيفه على الناس !! فالغفاري كان قد عضه الجوع حتى العظم ، وهو بعد ذلك من أصحاب " الصفة " أولئك الذين اقتطعوا مكانا من أول مسجد بناه المسلمون في يثرب "المدينة " فيما بعد ، ثم سكنوا به.
ماذا تعني الصلاة والصوم للصعاليك الفقراء من أمثال بلال الحبشي ، وأبو ذر الغفاري ، وهم يرون كيف أن الكثير من رفاقهم الصعاليك كانوا يتوجهون كل يوم الى وديان مكة المجدبة ليموتوا فيها بعيدا عن أعين الناس ، بينما يعبث تجار قريش وأغنياؤها بالمال والثروات الطائلة !!
المقدس عند هؤلاء هو سد الرمق ، وملء البطون كي تتواصل الحياة في عروقهم وأعضائهم ، المقدس عند هؤلاء أن يجدوا سقفا يستظلون به من هجير الصحراء ، وحرارة الشمس ، المقدس عند هؤلاء هو أن يجدوا ثوبا يسترون به عوراتهم وعورات أفراد أسرهم .
لقد ترك الفلاحون النصارى من العراقيين ديانتهم ، وتجهوا الى الاسلام مرغمين حين أجبرهم الحاكم الظالم ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، على دفع خراج مهلك عن زراعتهم في أرض السواد ، أرض العراق ، فهم في هذه الفعل قد فضلوا بطونهم على دينهم ، هم في ذلك ينشدون الحياة ويخشون الموت الذي لا يدفعه عنهم دين .
في طفولتي كنت أعرف فلاحا من عشيرتنا ، زرع أرضا بعيدة عن مواطن تلك العشيرة ، وبعد الحصاد حمل الغلة في سفينة وأتجه بها صوب داره في تلك العشيرة ، وكان الشهر شهر رمضان المبارك ، ولكن في الطريق إليها هبت ريح عاصفة أدت الى اغراق السفينة بما فيها ، ولكن الفلاح نجا بنفسه ، وذات صباح شاهده جار له يشرب الماء في نهار شهر رمضان ، فتعجب جاره وسأله : ألم تصم أنت رمضان !
غضب الفلاح من سؤال جاره ، وارتجز " هوس " بالحال : أصوم إلرمضان حريشي .. من كايله يطشر عيشي ! والمعنى هو يدعو أن يصاب شهر رمضان بمرض الحريشي الذي يصيب الانسان في بلعومه والسبب أن شهر رمضان هو الذي أضاع غلة الرجل وعيشه .
لقد أضرب هذا الفلاح الفقير عن الصيام ولم يلتفت الى المقدس " شهر رمضان " لأنه حسب اعتقاده أن ضياع قوت يوم حدث في شهر مشؤوم بالنسبة له ، وهو بذلك يثور من أجل الحياة ، ولا يلتفت الى المقدس .