طَبخةُ الحربِ الأهليّةِ


ييلماز جاويد
2018 / 7 / 16 - 22:55     

تتسارع خطوات الإعداد للحرب الأهلية ، وعلامات تحديد ساعة صفرها تتبيّن مع إقتراب موعد إنتهاء المفوضية العليا للإنتخابات ( القضاة ) من عملهم في العد والفرز اليدوي لنتائج الإنتخابات و إحتمال مصادقة المحكمة الإتحادية العليا على النتائج التي ستُعلن ، والتي تشير التسريبات غير الرسمية المُشاعة ، إلى الآن ، أنها لا تكون شافية لغليل الخاسرين في تلك الإنتخابات . يجد المراقب لتصريحات جميع " المعترضين " على نتائج الإنتخابات ، وليس الخاسرين منهم فقط ، أنهم لن يرضوا بأية " نتيجة " غير التي لا " تضرّ بالعملية السياسية " ( كذا ). إنّ شعار " العملية السياسية " الذي يرفعون إنما يقصدون به الحفاظ على نظام المحاصصة المذهبية والأثنية ، الذي أوصلنا إلى هذه الحالة ، خلال الست عشرة سنة الماضية ، وأشاع في البلاد الدمار ، سواء بتسليم أكثر من ثلث مساحة أرض الوطن إلى الدواعش المستَوردين ، وما خرّبوه من البنى التحتية في المناطق التي تواجدوا فيها ، وكذا في الفكر العدائي الذي بذروه بين أطياف الشعب الواحد . لم ينحصر الدمار في البلد بما جرى من وراء الدواعش بل أن إقتصاد البلد قد نُهب وأموال النفط قد تسرّبت إلى جيوب المسؤولين وحساباتهم الشخصية أو بالعمولات التي جنتها لجانهم الإقتصادية العابثة في الوزارات . لقد شاع الفساد ، كما شاعت البطالة والفقر والحرمان والأمراض ، ليس فقط بين المُهجّرين عن مناطق سكناهم بل وحتى في المحافظات الجنوبية التي لم تصلها الدواعش .
أربعُ سنوات صعبة مرّت علينا ، منذ الإنتخابات العامة في 2014 ، وهي لم تكن كسابقاتها منذ سقوط الدكتاتورية في عام 2003، بل تميّزت تلك الفترات بوحدة البيت الشيعي الحاكم والتوافق بين " التحالف الوطني " الشيعي مع الكتل الأخرى التي " تُمثّل " السنة والكرد . لقد تصدّعت وحدة " التحالف الوطني " بعد ظهور نتائج إنتخابات 2014 ، وسرى التصدّع إلى كتلة حزب الدعوة بسبب لجوء التحالف الوطني لترشيح العبادي لتشكيل الحكومة بدل نوري المالكي الذي كان يرغب في ولاية ثالثة بعد إنقضاء ثمان سنوات من حكمه ، التي خلّفت كلّ ذلك الدمار في البلد .
أربعُ سنوات صعبة مرّت علينا ، بين نشاط حكومة عرجاء ملغومة بوزراء من المنتفعين والمتوافقين السابقين ، وبين تيارات أخرى تضع العصيّ في مسيرتها . إستلمت الحكومة المسؤولية والدواعش مسيطرون على مساحات واسعة من الأرض ومن القوّة أن يهددوا البلاد كلها ، فما كان من الحكومة إلاّ أن تجعل أوّلى أولوياتها القضاء على هذه الآفة بإستخدام الجهد العسكري ، وحققت ذلك بنجاح باهر، بجهد جهيد ، وبمساندة فتوى المرجعية الدينية ، وهبة الغيارى من أبناء الشعب ، على الرغم من جميع الأعمال التخريبية التي إفتعلتها الجبهة المناوئة . لقد كان للإنتصارات التي تحققت في القضاء على الدواعش وتحرير الأرض آثارها الإيجابية على وعي الجماهير ، وتشخيصها لنوعية الأشخاص والجهات التي تسببت في ذلك الدمار ، مما إنعكس إيجاباً على موقفها في الإنتخابات ، وفضّلت " التغيير " وتبديلهم بوجوه جديدة ، وما سقوط 245 مرشّحاً للإنتخابات من أصل 328 من نواب المجلس السابق ، وعدم إعادة إنتخابهم إلاّ دليلٌ على أن الجماهير قد شخّصت المرض الذي أصاب البلد .
أعلنت المفوضيّة العليا " المستقلة " نتائج الإنتخابات التي جرت في الثاني عشر من أيار 2018 ، وهي ، كسابقاتها ، لا تخلو ، بالطبع ، من التزوير ، لكن نتائج هذه الإنتخابات لم تكن عند حسابات بعض الجهات ، ملائمة لنزوعهم " الطبيعي " في الحفاظ على جميع المكتسبات التي حققوها في الحقب السابقة ، ولذلك أقام هؤلاء ضجّة كبرى للإعتراض على فعل " المفوضية العليا المستقلة " بينما كان أفراد هذه المفوضية منسّبون من قبل ذات الكتل السياسية ، فهي إن كانت " مستقلة " إسماً لكنها بالتأكيد ليست مستقلة عن الكتل السياسية التي رشّحتهم ، إلاّ أنّ وعي الشعب ، وإختياره التغيير هو الذي قلب الطاولة عليهم ، بسبب ما إرتكبوه خلال الدورة السابقة سواء كانوا نواباً أو مسؤولين تنفيذيين . هؤلاء لا يعترفون بما إقترفوا ، بل قذفوا المفوضية العليا للإنتخابات بتهمة التزوير . لقد أقاموها ضجة كبرى " مفتعلة " على الرغم من أن الإنتخابات السابقة كانت تعتورها تزويرات أكبر بأضعاف المرّات ، لكن في هذه المرّة ، و ما دامت النتائج لم تأتِ حسب المرام ، جاءت النداءات ، للعد والفرز اليدوي ، بقصد إيجاد الفرصة في تغيير النتائج بالإتجاه الذي يحقق أغراضهم ، وإلاّ فهناك وسائل أخرى ستتخذ للحفاظ على " العملية السياسية " (كذا ) من ضمنها إشعال الحرب الأهلية .
ماذا يمكن أن نتوقّع من بائعي الموصل ، بقصد " تأديب أهل الموصل السنة " ؟ ماذا نتوقع ، ونتائج الإنتخابات لم تأت كما يريدون ؟ إتهموا الإنتخابات بالتزوير ، عقدوا إجتماعات إستثنائية لمجلس النواب ، أجروا تعديلات لقانون الإنتخابات ، حققوا تجميد المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، وحققوا تفويض مجموعة من القضاة ليقوموا بعمل المفوضية المجمدة ، ولم يرضوا بقرار القضاة المنتدبين أن يسري العد والفرز اليدوي على المراكز الإنتخابية والصناديق التي وردت بحقها الشكاوى ، وإختلق ثلاثة نواب أكاذيب في إجتماع مجلس النواب أن رئيس المحكمة الإتحادية قد صرّح لهم أن يكون للمحكمة موقف آخر بخصوص ما ذهب إليه القضاة المنتدبون ، بينما أصدرت المحكمة الإتحادية بياناً في اليوم التالي مؤيّداً لما ذهب إليه القضاة المنتدبون في تفسير مضمون قرار المحكمة بخصوص العد والفرز اليدوي .
من مراقبة الأحداث التي جرت والتي تجري يتبيّن أن تلك الجهات غير مستعدّة للإعتراف بنتائج الإنتخابات ، وتعمل على إلغائها مهما كلّف الأمر . فقد جرت محاولة لإحراق المخزن الذي أودعت فيه صناديق الإقتراع في الرصافة ، وكذا محاولة أخرى في كركوك ، وتمّ تكثيف الحملة الإعلامية لتضخيم " مسألة التزوير " علماً أن الشكاوى كانت محصورة في إنتخابات أربع محافظات ( كركوك ، الرمادي ، صلاح الدين وديالي ) ومجموع النواب الذين يُنتخبون من هذه المحافظات لا يمثلون إلاّ نسبة صغيرة من عدد نواب المجلس الذي سيكون 329 نائباً . لقد ذهبت وسائل الإعلام " الممثلة لهؤلاء " إلى إطلاق تسمية " المزوّرين " على جميع الأعضاء الفائزين في الإنتخابات ، ويخرجون بأن الحكومة التي ستنبثق تكون " مزوّرة " أيضاً ! لقد شاهدنا على شاشات القنوات الفضائية شخوصاً ، معروفة بتأريخها ، وبإعترافات رسمية سابقة من قبلهم أنهم سرقوا وإرتشوا ، رأيناهم يُدلون " بكلامٍ منمّق ومؤكّد ، ومعلومات لديهم " أن الإنتخابات قد " زوّرت " ويسترسلون في سرد تفاصيل " التزوير " الذي هم شهود عليه ، فترى لماذا لم يكن لديهم موقف قبل هذا ؟
في كل يومٍ نرى عملاً ، فزيادة نسبة عمليات الحرائق ، والإختطاف ، والقتل ظاهرة ملحوظة . لقد أدّت ظروف حرارة الصيف ، وإنقطاع التيار الكهربائي ، الذي قد يكون بعضه متعمّداً ، وأزمة المياه ، والبطالة المفرطة ، والتقصير في توفير الخدمات بضمنها توزيع حصص البطاقة التموينية وأدوية المرضى وتدني الوضع الصحيّ والخدمات في المستشفيات ، إلى حدوث تظاهرات سلمية عفوية للمطالبة بتلك الحقوق ، إلاّ أن الجهات " إياها " إستغلّت هذه الظروف في محاولة لحرف تلك التظاهرات عن توجهها ، بواسطة بعض الذين دسّتهم فيها ووجهتهم ليعبثوا بالممتلكات الحكومية والخاصة ، ويتصادموا مع القوات الأمنية التي من واجبها ليس فقط الحفاظ على تلك الممتلكات بل وسلامة التظاهرة والمتظاهرين أيضاً . فترى ، ما هي مصلحة أي متظاهر من أجل الكهرباء أو الماء أو البطاقة التموينية في حرق أبنية حكومية وخاصة ومطارات أو حقول النفط أو مقرات أحزاب و دور مسؤولين ؟ إن القائمين بهذه الأعمال لا بد أن يكونوا مندسين ، ينفذون توجيهات جهات معينة ، ذات مصلحة في خلق الفوضى . لقد إنبرت قنوات فضائية معيّنة في التركيز على هذه المشاهد ، وإستقبال شخوصٍ يبثون الفرقة بين أبناء الشعب ، ويركزون على موضوع " عجز الحكومة " والتشكيك في قدرتها على تحقيق الإصلاحات . كل تلك الظواهر تشير إلى ساعة صفر بدء الحرب الأهلية قد تمّ توقيته بساعة إعلان مصادقة المحكمة الإتحادية على النتائج التي تعلنها المفوضية العليا للإنتخابات ( القضاة المنتدبون ). إن حل موضوع التظاهرات ، بالحوار الجدّي مع ممثلي المتظاهرين وإعلان ما يتم التوصل إليه من إتفاقات ، يجب أن يكون من أولويات الحكومة ، لوضع صمام الأمان ومنع تردّي الوضع أكثر من ماهو عليه ، وقطع الطريق على أولئك الذين ينفخون في نار الحرب الأهلية . إن سياسة حكيمة تجمع بين الشفافية التامة ، والقوة والعزيمة ، يمكنها كشف جميع العناصر والجهات التي تراهن على " نتائج الحرب الأهلية " وتتأمل ربحاً ، وليعلم جميع المخدوعين ، بوعود تحقق ربح لهم ، أن لا يكون هناك رابح ، إن إشتعلت حربٌ ، بل سيشتعل الأخضر واليابس ، وكذا تحترق أيادي شاعليها ومَن وراءهم .