تظاهرات الشعب هي إحدى تداعيات التلاعب بالإنتخابات


سنان أحمد حقّي
2018 / 7 / 14 - 18:57     

تظاهرات الشعب هي إحدى تداعيات التلاعب بالإنتخابات

في السياسة كما يعلم السياسيون الحقيقيون كما في الحرب ولكن بلا سلاح فكل خطوة أو تقدّم يُحرزه العسكري في الميدان لا بد أن يقوم منافسه بخطوة مقابلة وقد تكون خطوة مؤثرة جدا وقد تكون محدودة التأثير ولكن معاني ما يقوم به المتحاربون يفهمها كل منهما فهما دقيقا وهذا ما يجعل حاسّة الحدس تنمو عند المقاتلين فالعسكري الجيد والخبير سيقدّر مسار حربه وصراعه من خلال تلك الخطوات والخطوات المقابلة وهذه من بديهيات الحرب وكل هذا يحدث بدون حديث ولا حوار ولا مناقشة فالمناقشة تلك الساعة هي مناقشة السلاح والقوة فيقال فلان متمنطق بمنطق القوة فلا يركن إلى الحديث والمحاورة والرد والبدل وهذا يحدث غالبا في سوح القتال او عندما تنعدم قنوات الحوار بين السياسيين .
واليوم نرى مثل هذا يجري عمليا في الواقع السياسي في بلادنا فعندما جرت الإنتخابات في 12 من مايس أعرض قطاع واسع عن الإنتخابات وقد تباينت التقديرات ووصلت في بعض الأحيان إلى أن أقل من 19 % فقط هم الذين شاركوا بالإنتخاب وهذه نسبة متدنية يُفهم منها أن الجمهور لم يكن مقتنعا بسير العملية الإنتخابية بسبب ما وجدوا أنه جرى في الإنتخابات السابقة وبدلا من أخذ الموضوع بما يستحق من أهمية فقد ظهر على التلفزيون بعض المرشحين ومؤيديهم يقولون إن الدستور لا يتضمن نسبة دنيا لضمان شرعيّة الفائزين وكان هذا أول الخطايا إذ أن الواقع له الأولويّة على الأفكار ولا يمكن تقييد الواقع بأي فكر إلاّ إذا كان نابعا منه فالدستور شرّعته الجماهير وهي نفسها التي لا ترى منفعة من المشاركة ، ومع هذا فإن الرد على ما جرى من ملابسات متعددة لم تُحسم لغاية الساعة فكان ولا شك أحد أسباب التظاهرات الحاليّة خصوصا وإن وسائل الإعلام لا تستضيف إلاّ مؤيّدي العمليّة الإنتخابيّة وجماعة كل شئ على ما يرام ، فضلا عن الضبابيّة التي حصلت في قرار المحكمة الإتحاديّة الموقرة فنحن على عظيم احترامنا للقضاء والعدالة ولكن في مثل هذه الأمور يجب أن تكون القرارات واضحة جدا كقول نعم من لا ، لكي لا يستمر الجدال ومواصلة الإعتراضات لاسيما بعد أن ظهر من يقول أنه قابل السيد رئيس المحكمة وأخبرة خلاف ما جرى تطبيقه .
ومن جانب آخر رأينا سياسيين يستعجلون اقرار النتائج مستهينين بالطعون فما الذي يمكن أن نستنتج من كل هذا ؟ لا شك أن قطاعات واسعة من الشعب أضافت تلك الخروقات الكبيرة إلى رصيد الحكومات المتعاقبة من سوء الإدارة وعدم الإكتراث بإرادة الشعب وكنا حذّرنا من هذه النظرة البعيدة عن المفاهيم السياسية السليمة وحصل ما حصل وتفجّر مستجمعا كل السلبيات معا في وقت توشك حكومة ناتجة عن تلك الإنتخابات أن تتشكّل وهذا كله حوار سياسي كما وصفنا أي كحوار المتقاتلين ولن تكون هناك فرصة حقيقية لحل كل الأزمات إلاّ بجر المتظاهرين إلى طاولة الحوار بدلا من حوار الخطوات والذي يشبه حوار المتقاتلين ومن أهم مستلزمات الحل الحقيقي الإعتراف بفشل إدارة البلاد بطريقة المحاصصة ونقصد هنا بالمحاصصة هي تعاقب الكتل والمكونات التي استلمت الحكم عام 2003 وما تلاها واحتكار السلطة فيما بينها مهما كلّف الأمروقبول الإحتكام إلى الجمهور دون الأخذ بأحقيّة حزب او مكون على الناس رغما عنهم أو بإغفال إرادة الشعب ومحاسبة من يعمل على منع مرشحين من خارج تلك المكونات وضمان إنتخابات نزيهة لكي يظهر على الأرض ممثلو الشعب الحقيقيون الذين يتبادلون اليوم المواقف وردود الأفعال مع الأحزاب الحاكمة والمتحاصصة ويعرف كل جماعة ما لها وما عليها بقدر حجومها الواقعية دون تأثير السلاح وبعيدا عن إرادة بعض الأذرع السياسية المسلحة ومن منافع وفوائد ما نطرح أن الجميع سيشارك في قيادة البلد عبر ممثلين يقتنع بهم الشعب وسيكون التصرف بثرواته غير محصور بمجموعات محدودة تسول لها أطماعها للتفرد والإستئثار ، إن التهاون مع الفساد والمفسدين جعل الثقة بين الشعب والحكومة أضعف فأضعف يوما بعد يوم ومن جانب آخر فإن متطلبات إعمار البلاد من شمالها ونازحيها حتى الجنو ب بمدنه ومحافظاته المهملة والتي تئن تحت سوء الإدارة المتتالي أصبحت تلك المتطلبات كثيرة وعالية التكاليف في حين أن موازنة الدولة تعجز عن تغطية ما هو مطلوب فكيف سيكون الحال ؟ لا شك أن استرداد الأموال المنهوبة ضروري جدا لتغطية جزء من نفقات الإعمار وإعادة الإعمار.
كما أن إنهاء المظاهر المسلحة في البلاد بعد حكم زاد عن 15 عاما لا يعني فقط نزع سلاح العشائر وهو أمر ضروري فعلا ولكن يجب أن ننظر بجد إلى الأجنحة المسلحة لبعض الأحزاب وننظر بجد أيضا إلى من يضع رجلا في الحشد الشعبي ورجلا أخرى في مكون سياسي وهذا خطأ فادح ولا يجوز أن تترك أي فرصة لتسييس الجيش والقوات المسلحة لأن مثل هذا الأمر يجعل الأوضاع قابلة للتفجّر في كل لحظة وان تأخذ بسهولة شكل الإحتراب وبالتالي إعادة شبح الحرب الأهليّة فالقوات المسلحة لا تتدخل بالسياسة وهي الجهة الوحيدة المخولة بحمل السلاح وجميع المكونات السياسية مدعوة لتسليم أسلحتها وأسلحة أذرعها المسلحة فإما مع الحشد الذي هو جزء من القوات المسلحة والتي تأتمر بأمر القائد العام وبتنسيق وامر رئيس أركان الجيش وإمّا تعمل سياسيا فقط من خلال المكونات والأحزاب السياسيّة .
وبما أننا رأينا ما فعله الفساد بالبلاد والعباد فإنه من الضروري محاسبة الفاسدين لا سيما الفاسدين الكبار والحيتان التي لم تستطع الدولة متابعتها لحد الآن ، إن المفسدين هم أعداء بناء جهاز الدولة وإعادة البناء الحقيقيين فلا يجب ترك المجال مفتوحا لهم بعد كل ما لمسناه من أثار بالغة لأفعالهم غير المسؤولة طيلة مدة طويلة فليس من المعقول أن نرى أصحاب التحصيل العلمي العالي يعملون في الفاعل وصبية لا نفع منهم لمجرد كونهم محسوبين على هذا الطرف أو ذاك يجوبون شوارع أوربا بأفخر السيارات وينفقون أمو ال الشعب على بيوت الفساد
يجب ان نعترف أن ليس كل سياسي يصلح إداريا ناجحا فبعضهم كما رأينا ليست لهم أية ثقافة في الحكم والمسؤوليّة بل لا تتوفر لبعضهم ثقافة تؤهلهم لأي منصب حكومي إن مثل هؤلاء وباء لا يمكن التخلص منه لا بسهولة ولا بصعوبة .
من جانب آخر وجدنا أن الخطاب الإعلامي الرسمي خطاب جيد ومعتدل ويقف مع المتظاهرين بشكل أساسي وسليم ولهذا لا يجب أن تلعب به أصابع جهة ما لتغييره تدريجيا مما يضاعف أزمة الثقة ويجعل الحلول تأخذ منحى ماساويّا
حفظ الله العراق وأهله جميعا وبكل مكوناته وأطيافه وقومياته
عاشت البصرة عصيّة على أعدائها والطامعين فيها
عاش العراق حرا مستقلا .