لعبة الذكريات - 2


محمد عبد القادر الفار
2018 / 7 / 14 - 18:55     

لو كان بوسعنا تنشيط الذاكرة المبكرة إلى أقصى حد، بحيث يتمكن الإنسان البالغ من أن يسترجع لاحقاً ذكرياته وهو رضيع. كيف سيشعر الإنسان حيال ذكرياته التي تم تخزينها قبل أن يتعلّم النّطق. لعلّ هناك سبباً وجيهاً خلف عدم احتفاظ الإنسان بذاكرة وهو رضيع.

أجريت اليوم بحثاً سريعا بخصوص السؤال التالي "هل يمكن أن يكون لديك أكثر من لغة أم واحدة" Can you have more than one mother tongue. لم أصل إلى نتائج تروي الظمأ بعد ولكنني إذا وصلت إلى شيء ما قد أقترح على ضوئه تجربة سآتي على ذكرها.

حين تسعى للتفكير أو التواصل، هناك لغة أم هي التي ستقفز إلى ذهنك وتستخدمها. هي لغة حديث النفس ولغة العقل حين يفكّر.

لو كانت إجابة السؤال السابق هي "لا" فلا أظنّ أن إجابة سؤال "هل يمكن أن تتحول لغتك الأم إلى لغة جديدة" هي "لا أيضا. وبافتراض أن جواب السؤال الأول لا والثاني نعم، فإن التجربة التي أقترحها هي:

أن يقوم شخص عربي بالغ بتعلّم لغة جديدة والاستغراق فيها تماماً وأن يعيش في ظروف تضطره إلى استخدامها طوال الوقت. يتغرّب وحده، ولا قنوات عربية، ولا دخول إلى الإنترنت وغير مسموح له بالكلام بالعربية او كتابة مذكراته. هو مضطر للتعامل بهذه اللغة طوال الوقت، وكل ما يسمعه من كل المصادر هو باللغة الجديدة، ولوقت طويل.

طالما أن إجابة السؤال "نعم" فإن صاحبنا ستتحول لغته الأم بالتدريج إلى اللغة الجديدة. وسيصبح عقله الذي كان يفكر بالعربية يفكر الآن باللغة الجديدة.

هنا يطرأ سؤال لا أعلم بعد إن كان ثانوياً أم لا:

هل على صاحبنا أن ينسى العربية ولو جزئيا كي تصبح اللغة الجديدة هي لغته الأم؟ هل ستحلّ مكانها؟

لا يمكن أن يكون على نفس درجة القوة بالضبط في اللغتين. وإلا كيف سيختار عقله تلقائيا اللغة الأسهل للتفكير؟

لنعد إلى موضوع علاقة الذاكرة باللغة. ماذا عن ذكريات صاحبنا التي تعود إلى الفترة التي كانت العربية فيها هي لغته الأم؟ كيف سيشعر إزاءها. هل عليه أن ينساها كما ينسى البالغ حياته وهو رضيع؟ ولكن لحظات الرضيع كانت عملية تسجيلها نفسها أقل عمقاً. ما طبيعة ذكريات صاحبنا الذي ستتحول لغة دماغه؟

أظنّ أنّ كثيراً من النسيان سيطالها.

حتى تتحول إلى إنسان جديد، وقبل أن تنسى ذكرياتك. قد يكون عليك أن تحوّل لغتك الأم. هذا سيسهّل عملية الانتقال بل قد يجعلها تلقائية.

الكثير من البحث والتجريب يحتاجهما هذا الأمر. لا الوقت يسعفنا، ولا قوة الدافع تكفي. لذا ستبقى معلقة، إلى أن يتناولها بحث أكاديمي لشخص صاحب اختصاص، دافعه هو يتعلق بزيادة دخله من خلال تحصيل شهادة أعلى، ودافع المؤسسة العلمية لنشر بحثه هو إتمام عدد معين من البحوث المنشورة، وهناك من غايته تحقيق شروط اعتماد وغيره.

الحياة بائسة وباهتة وما عدنا نسيطر على دوافعنا، خاصة حين نسأل.