هل هي السورة العُظمى فعلاً؟


مجيد البلوشي
2018 / 7 / 7 - 03:06     

لقد كتب الأستاذ عبد الرحمن علي البنفلاح في عموده الصحفي "خاطرة" في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية الغرّاء الصادرة بتاريخ 9 يونيو 2017 م، مقالاً بعنوان "السورة العظمى" وهو يقصد ما يُسمّى بــ"سورة الفاتحة"، أي فاتحة القرآن. فهل هذه الفاتحة هي "سورة" فعلاً؟ علمًا بأن كل سُورة من السُور القرآنية هي جُزءٌ لا يتجزّأ من القرآن، والقرآن هو كلام الله الذي أنزله على النبي محمد حسب اعتقاد المسلمين عمومًا. ونكرّر: هل هذه الفاتحة هي "سورة" فعلاً؟ أم أنها مجرّد "دُعاء" أمر بها النبيّ أو ابتدعها أحد المسلمين – بعد موت النبي - ليبدأ بها قارئ القُرآن، فسمّاها "الفاتحة"؟ وما أكثر هؤلاء المبتدعين! شأنهم في ذلك شأن وصفهم لصفات النبيّ المبالغ فيها كقولهم "أفضل الأنبياء والمرسلين" أو "أشرف الأنبياء والمرسلين" .... بالرغم من قول القرآن " آمَنَ الْرّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلـَيْهِ مِنْ رَبّهِ، وَالْمُؤمِنُوْنَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِه وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا نُفرّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ... " (سورة البقرة، الآية رقم 285)، وقوله "لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُوِنَ" (سورة البقرة، الآية رقم 136)، وقوله "لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُوِنَ" (سورة آل عمران، الآية رقم 84)، فالتأكيد هنا واضح بتكرار الآيات، وهو هنا في ثلاث آيات قرآنية، أي لا فرق عند الله بين النبيّ محمد والنبيّ عيسى والنبيّ موسى وغيرهم، فكُلهم نبيّ فحسب، وهُم عند الله سواسيّة وفقًا لهذه الآيات القرآنية. أليست تلك الصفات المبالغ فيها إنكارًا لكلام الله وتحدّيًا له؟ ناهيكم عن قولهم "أشرف المخلوقات" و"أعظم الكائنات" و"حبيب الله" ... وغيرها من المبالغات العاطفية التي لا حصر لها ولا عدّ.

ذلك من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى: كيف يجوز لله رب العالمين أن يقول "الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيم ..." مستخدمًا صيغة الغائب، وكأنه يتكلّم ويحمد إلاهًا آخر! في حين أنه هو الله ربّ العالمين الرحمن الرحيم" نفسه حسب مفهوم المسلمين أنفسهم؟ ألمْ يكُن من الأجدر بالله أن يقول "الحمدُ لي، أنا ربّ العالمين الرحمن الرحيم"؟



ثمّ تقفز الآيات من صيغة الغائب إلى صيغة المُخاطَب وتقول " إيّاكَ نَعْبدُ وَإيّاكَ نَسْتَعِيْنَ، إهْدِنا الْصراط المستقيم ...". مرّة أخرى: كيف يجوز لله أن يقول – باعتبار أن القرآن كلام الله - "إيّاكَ نَعْبدُ وَإيّاكَ نَسْتَعِيْنَ، إهْدِنا الْصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمَ ..." فهو هنا يخاطب إلاهًا يعبده ويستعين به، ويطلب منه الهداية. فهل يجوز لله أن يطلب الهداية من أحد، أو من إلهٍ آخر، - والشِرك بالله كفر - وهو الذي "يهدي مَن يشاء ويضلُّ مَن يشاء" حسب قوله هو في قرآنه الكريم؟

صحيحُ أن جميع سُور القرآن – عدا سورة "التوبة" - تبدأ بالقول "بِسْمِ اللهِ الْرّحْمنِ الْرَحِيْمِ"، إلاّ أنه قول لا يعتبر ضمن آيات هذه السور، فهو قولٌ لا يمكن أن يكون من كلام الله إذ لا يجوز لله أن يبدأ بصيغة الغائب وهو يتكلّم عن نفسه، وذلك باعتباره هو رب العالمين الرحمن الرحيم، وإنما هو قولٌ يبدأ به قارئ القرآن ليس إلا، شأنه في ذلك شأن قوله "أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم" وهو القول الذي يردّده الكثيرون من قًرّاء القرآن.

ثمّ القول "صِراطَ الذِّيْنَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلا الْضَالِيْنَ". يؤكّد على أن هناك كائنًا آخر تتمّ مخاطبته مِن قِبل الله. والأسئلة هنا عديدة وهي: مَن هم الذين أنعم الله عليهم؟ قد يُقال أنهم المؤمنون أو المسلمون ...، فهل كان من الصعب على الله أن يقول " صراط المؤمنين أو المسلمين؟ ومَن هم "المغضوب عليهم"؟ قد يُقال أنهم اليهود ...، فهل كان من الصعب على الله أن يقول "اليهود"؟ ومَن هم "الضالون"؟ قد يقال أنهم النصارى ...، فهل كان من الصعب على الله أن يقول "النصارى"؟

كل ذلك يؤكّد على أن "الفاتحة" لا يمكن أن تكون من كلام الله، أي أنها ليست سورة قرآنية. والقول بأنها "سورة" هو قول مجازيّ ليس إلاّ، إذْ تمّ تدوينها في بداية كل مصحفٍ من المصافح عند كتابتها لاعتبارات عاطفية دينية، ولذا لا يجور التباهي بها ووصفها بأنها "السورة العظمى".

27 فبراير 2018 م