هل الملحدون قلّة فعلاً؟


مجيد البلوشي
2018 / 7 / 7 - 01:59     

لقد ذكر الأستاذ عبد الرحمن علي البنفلاح أسماء بعض العلماء والمفكرين والمشاهير ونجوم الكُرة وغيرهم الذين ارتدّوا عن دياناتهم واتخذوا الإسلام دينًا لهم، ويذكر عشرة منهم فقط بحجّة أن "المجال لا يتّسع لحصرهم جميعًا"، وذلك في مقاله بعنوان "الملحدون .. والاتجاه المعاكس!" والذي تمّ نشره في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية الغرّاء الصادرة بتاريخ 8 أكتوبر 2017 م، حيث أنه يحاول أن يثبت أن "العقول التي تدخل في الإسلام هي تفوق مَن يخرج منه علمًا ورشدًا ومكانةً" حسب تعبيره. (وانتبهوا، أعزّاؤنا القُرّاء إلى كلمة "عقول" وعبارة "مَن يخرج منه" التي سنتطرّق إليها لاحقًا)، ولا غرو في ذلك، فهناك الكثير من الكُتّاب الإسلامويين يستشهدون بمثل هؤلاء الأشخاص كُلما دخل أحدٌ منهم في الإسلام، لإثبات أن الدين الإسلامي هو الدين الحقّ وهو الدين الأعظم، أمّا غيره فهو دين باطل أو مزيّف أو محرّف!
ونحن أيضًا نعلم أن هناك الكثيرين – وليس البعض – من العلماء والمفكرين والمشاهير ونجوم الكُرة وغيرهم قد دخلوا في الإسلام فعلاً، ولكن لأسبابٍ لا تمتّ إلى الإيمان الفعلي والعقيدة العملية بِصلة، اللهمّ إلاّ فيما ندر، بل أن هناك مِن مِثل هؤلاء الأشخاص قد دخل في الإسلام لأسباب غير منطقية ألبتة، ومنهم – على سبيل المثال لا الحصر – مَن ذكرته الجريدة الأسبوعية Urdu Express الصادرة في الإمارات العربية المتحدة باللغة الأُردو بتاريخ 18 مارس 2005 م، وهو الدكتور البروفوسيور المسيحي جاري ميللر الذي دخل في الإسلام، حسب قوله، لمجرّد أن النبي محمدًا قد خصّص في القرآن سورة كاملة بإسم مريم (العذراء) المسيحية بدلاً من إسم زوجته خديجة، وهي زوجته الأولى التي ساعدته وساندته في تبليغ رسالته، أو بإسم إبنته فاطمة الزهراء العزيزة على قلبه، أو بإسم زوجته عائشة بنت أبي بكر، وهي كانت أحبّ زوجاته اللاتي كان عددهنّ تسع زوجات أو أكثر. وبمعنى آخر أن محمدًا- حسب رأي الأستاذ جاري ميللر - قد أعطى أهميةً لِمريم العذراء، و"تقديسًا" لها دون نساء الدنيا كُلها، بمَن فيهنّ زوجتاه خديجة وعائشة وإبنته فاطمة، وذلك بتخصيصه سورة قُرآنية كاملة بإسمها.
إلاّ أن صاحبنا الدكتور البروفوسيور ميللر لمْ يرَ أن محمدًا قد خصّص أيضًا أكبر سورة في القرآن لإحدى الحيوانات، وهي سورة "البقرة"، وهي البقرة التي يقدّسها الهندوس الذين يعتبرونها كالاُمّ لأنهم يشربون حليبها، بينما يذبحها المسلمون ويأكلون لحمها، وذلك ناهيكم عن سورة "النمل"، وسورة "النحل"، وسورة "العنكبوت"، وسورة "الفيل" ... وغيرها من الُسوَر، بل أن هناك سورًا بأسماء مخالفي الإسلام – إن لمْ نقُل بأسماء أعدائه – كسورة "المطفّفين"، وسورة "المنافقون"، وسورة "الكافرون" وسورة "بني إسرائيل". فأين هنا العقل والمنطق والتفكير السليم، بل أين هنا "العلم" و"الرشد" اللذان يتباهى بهما أستاذنا عبد الرحمن البنفلاح؟

والحق، في نظرنا، أن الأستاذ عبد الرحمن البنفلاح ينظر إلى مسألة "الدخول في الإسلام والخروج منه" نظرة أُحادية الجانب، أي أنه يركّز على الجانب الذي يحلو له ويتباهى به، وهو "الدخول في الإسلام" أمّا الجانب الآخر وهو "الخروج منه" فإنه لا يعطي له أيّة أهمية، بل أنه يغضّ النظر عنه، لأنه يتناقض مع ما يؤمن به وهو "الدخول في الإسلام". إلاّ أنه يعرف جيدًا – بل ينبغي له أن يعرف جيدًا – وهو المروّج للأفكار الإسلاموية أن "الخروج من الإسلام" يعني تطبيق ما يُسمّى "حدّ الردّة"، أي قطع رأس مَن يخرج من الإسلام، فهل يمكن في هذه الحالة أن يتجرّأ أحدٌ من المسلمين الراغبين في الخروج من الإسلام، وما أكثرهم، أن يعلن عن خروجه من الإسلام وحدّ السيف مسلّطٌ على رقبته؟ علمًا بأن حدّ الردّة هذا لا وجود له في القرآن، وهو دستور المسلمين الفعلي، أو الأحاديث النبوية المعروفة، بالمعنى الشائع وهو قطع رأس المرتد أو قتله من قِبل الحاكم المسلم أو من قِبل أي شخصٍ مسلم آخر. وإنما ابتدعه الخليفة الراشدي الأول، وهو أبو بكر الصدّيق، وذلك عندما رفض الكثيرون من المسلمين دفع الزكاة، وقرّروا الخروج من الإسلام. فقام الخليفة الراشدي الأول بمحاربتهم وقتلهم، فأصبح قطع رأس المرتدّ أو قتله لدى المسلمين أمرًا واجب التنفيذ وكأنه أمرٌ من أوامر الله، بالرغم من أن القرآن – باعتباره كلام الله يضمّ أوامره ونواهيه – لا يقول في أيّة آية من الآيات المتعلقة بمسألة "الردّة"، وعددها أربع آيات، بقطع رأس المرتدّ أو قتله. وهاكم هذه الآيات:
"ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومَن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمُتْ وهو كافر، فأولائك حبطتْ أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولائك أصحاب النار هم فيها خالدون". (الآية 217 من سورة البقرة).
"إن الذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثم ازدادوا كُفرًا لمْ يكُن الله لِيغفرَ لهُم ولا لِيهديهم سبيلاً. (الآية 137 من سورة النساء).
"يَا أيّها الذين آمنوا مَن يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله واسع عليم".(الآية 54 من سورة المائدة).
"إن الذين ارتدّوا على أدبارهم مِن بعد ما تبيّن لهم الهُدى، الشيطان سوّل لهم وأملى لهم". (الآية 25 من سورة محمد).
وباختصار شديد نقول: لو لمْ يكُن هناك "حدّ" الردّة المزعوم لجاهر الملحدون المحسوبون على الإسلام بإلحادهم دون خوف أو وجل.