30 يونيو: الحدث ذو الألف وجه


محمد دوير
2018 / 6 / 30 - 11:24     

لا يجب تقييم ما حدث في 30 يونيو 2013 كحدث في ذاته ، منفصل عن السياق الثوري وعن النتائج الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنه، وعن المناخ السياسي وممارسات السلطة بعد ذلك . ولا يجب أيضا أن نظل نتجاهل الدور الذي لعبته جهات سيادية – رغم عدم وجود دلائل قاطعة – في التأسيس والاعداد للحدث، واعتقد أنه ليس من الانصاف أو العدل أو نصر علي اعتبار احداث 30 يونيو هي حركة شعبية خالصة – تنظيما واعدادا وحركة جماهيرية – فالمؤكد تماما أن دور الشعب بجميع ظوائفه كانت حاسما، ولكن المؤكد أيضا أن كافة مكونات الدولة قامت بأدوار منسقة ومرتبة بدقة ..حقا يستحق الاخوان هذا المصير وذلك الخروج المليوني، بل وأقول أنهم ما كان لهم أن يحكموا مصر لمدة عام لولا مساندة بعض الجهات المهة لهم ودفعهم باتجاه قصر الرئاسة ..ولكن يبقي بعد كل ذلك .. البحث عن مصير 30 يونيو..ماذا قدمت ؟ وماذا فعلت ؟
1- حققت انجازا تاريخيا بازاحة الإخوان المسلمين من علي مقاعد السلطة في مصر بعد عام من تولي مرسي للحكم .وقدم المصريون مشهدا غير مسبوق تاريخيا بحضورهم الكثيف ضد جماعة الإخوان، ودافعوا عن هويتهم الوطنية.
2- كان الحركة السلفية – في جزء كبير منها – جزءا من تحالف 30 يونيو ، وهو ما يعني أن الحدث نفسه لم يكن موجها ضد الاسلام السياسي أو اليمين الديني، وما يؤكد ذلك هو الدور المركزي للأزهر والكنيسة في مشهد 3 يوليو.
3- طرحت 30 يونيو الفريق السيسي كوجه من وجوه العسكرية المصرية التي تطرح نفسها لقيادة الدولة – علي الاقل في مرحلة الانتقال التي تركت فراغا في السلطة منذ تنحي مبارك - . وقد استغل السيسي هذا الفراغ بتقديم نفسه مشفوعا بموقفه الذي لا ينكر من الاخوان ، وبخطاب شعبوي كان المصريون بحاجة اليه.
4- استطاع السيسي ونظامه أن يحققوا قفزة كبيرة فوق الحركة الوطنية والقوي المدنية، بحيث تم القضاء المباشر علي الاخوان ، وغير المباشر علي القوي المدنية، وهو ما تم ترجمته في اعتزال حوالي نصف قيادات جبهة الانقاذ العمل السياسي.
5- علي الصعيد الاقتصادي ، أدي حدث 30 يونيو الي تأزم الوضع الاقتصادي المصري ، وزايدة الديون الخارجية والداخلية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة ، مما احدث شللا مترامي الاطراف في الاقتصاد المصري، ودخلت مصر مع السيسي نفقا مظلما قد يؤدي الي نفس المصير الذي واجهته المكسيك والارجنتين.
6- علي الصعيد السياسي، تقريبا تم تأميم الحياة السياسية ، وتضاعف الهجوم علي الاحزاب السياسية والشخصيات العامة ، وفاقت معدلات الاعتقال والاختفاء القسري كل نظم الحكم السابقة.
7- علي الصعيد الاجتماعي، تفاقمت أزمات المجتمع بصورة خطيرة، فمعدلات الجريمة ارتفعت، وكذلك الانتحار وتنامت لدي الشباب مشاعر الخصومة مع الوطن، وارتفعت معدلات الرغبة في الهجرة..وزادات حالا الطلاق بصورة غير مسبوقة، وتعاطي المخدرات ...الخ
8- من بين أهم نتائج 30 يونيو أيضا ، أنها قدمت قبلة الحياة مرة أخري لقيادات الحزب الوطني المنحل – خاصة الكوادر الوسيطة للعب دور أكثر بؤسا مما سبق، وهو ما يلقي بظلال كبيرة من الشك في مواقفهم يوم 30 يونيو ومحاولاتهم المستميتة من أجل ازاحة الاخوان، فالمؤكد انهم كانوا يبحثون عن استعادة وطن، غير ذلك الذي كنا نناضل من أجله .
إن 30 يونيو، هي زخم شعبي هائل وعظيم، كان يهدف الي استرداد الوطن ، فاسترده، ولكنه اكتشف بعد ذلك أن هناك من كان له أهداف أخري وهي ربط الوطن ( بالدولة والنظام ) .. فالشرط الرئيسي للثورة المضادة التي قادها السيسي ورجاله، هي أنه لا وطن بلا نفس بنية النظام الذي لم يرحل في أي لحظة ...إن 30 يونيو هي موجه ثانية لثورة يناير، ثم يعقبها موجات أخري لا شك في ذلك ..موجات تستطيع أن تعزل الوطن عن النظام، وتدعم الوطن بالتخلص من النظام ..انها حركة شعبية تخلصت من حكم الاسلام السياسي، ولكنها اكتشفت بأن حبل المشنقة – مشنقة غلاء الاسعار وبيع أرض الوطن – يلتف حول رقبتها .. ولا يمكن لشعب مهما كانت قدرته علي الصبر ، أن يرضي العيش في مذلة ومهانة كالتي تحدث الأن..
إنني لا يمكن لي أن استوعب أن هذه التردي الرهيب في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية تكون هي نتائج حركة شعبية خرج فيها 30 مليون مصري..لا يمكن أن استعوب أن هذا الشعب راض عن مماسرات هذا النظام ..إن أخطر ما في نتائج 30 يونيو ، أنها كشفت عن صدق وطهارة هذا الشعب.. وعن كذب وقذارة هذه السلطة التي لم تشفع للشعب تضحياته، وأصرت علي أن تقضي علي كل أمل لديه في التغيير.
إن 30 يونيو باقية.. كروح أبدية في حضارة هذا الشعب.. رغم أنف الثورة المضادة بجناحيها " اليمين الديني واليمين العسكري "