بعض الملاحظات على المشهد السياسي العام

إبراهيم إستنبولي
2006 / 3 / 24 - 03:13     

1- عاش اللبنانيون و معهم الكثير من السوريين ، و ربما لا زالوا يعيشون ، أياماً عصيبة مليئة بالقلق و التوجس من الأسوأ من جراء التراشق و السباب و القصف الإعلامي المتبادل بين مختلف الزعماء اللبنانيين و من قبل بعضهم تجاه السوريين – لدرجة بتنا نشعر معها باليأس من أوضاع بلداننا و من زعمائنا ... خصوصاً من بعض القادة السياسيين في لبنان الذين بلغ بهم الانحطاط في خطابهم السياسي درجة رخيصة جداً سواء لناحية الشتائم ، التي وجهوها للرئيس السوري أو لناحية الاتهامات الموجهة ضد المقاومة و رموزها ، و كذلك قيام البعض باستفزازات خطيرة تمس المقدس عند بعض اللبنانيين و المسلمين في 14 شباط 2006 عن طريق رفع شعارات مشبوهة.. بحيث يبدو الأمر و كأنه لم يكن يفصلنا و إياهم عن الحرب الأهلية سوى خطوة ... و كأنه لا يمكننا أن نختلف في السياسة دون أن نشتم بعضنا و دون أن نذرع الكراهية بين أبناء شعبينا و لن أقول شعبنا الواحد كما كانوا هم أنفسه م يكررون في وسائل الإعلام على مدى عقود يوم كانت مصلحتهم مع النظام السوري .. و الآن راح بعض الساسة اللبنانيين ذاتهم يخاطبون وسائل الإعلام بمفردات و بلهجة مليئة بالكراهية تجاه " السوري " كمطلق فرد ! و للأسف ، إن هذا المشهد يتكرر من حين لآخر و آخر مرة جاء على لسان وليد جنبلاط ، الذي راح يوجه اتهاماته اللاذعة إلى الرئيس اللبناني من خلال شتم السوريين نظاماً و شعباً بحضور – انتبه – بحضور أطفال يجب أن يتعلموا ، على ما أعتقد ، حب السوريين و ليس زرع صورة مخيفة و مرعبة في أذهانهم عن مطلق " السوري " !! و بهذا الخصوص أؤكد ما سبق و كتبته يوماً من أن خطاب و مفردات جنبلاط و أمثاله يستفز كل سوري ، بمن في ذلك المعارضة ( كما كتب الأستاذ طلال سلمان في افتتاحية السفير منذ أسابيع نقلاً عن لسان أحد السوريين المعارضين للنظام في لقاء ضمه و إياهم مع مثقفين عرب في مهرجان الجنادرية في السعودية ) .
و المزعج أن ذات الشخص ، أي وليد بيك جنبلاط ، كان منذ ما لا يزيد عن ثلاث سنوات يكيل المديح للنظام السوري و لأركانه ؟! . و هنا يطرح نفسه سؤال : هل بدأت عملية غسل دماغ أطفال جبل لبنان و الناشئة منهم لكي يتم حشو دماغهم بأن عدوهم هو السوري و ليس الإسرائيلي ؟! و أنا أطرح هذا السؤال من باب التأكيد على أن مفردات جنبلاط لا تترك مجالاً عند الطفل للشك بأن ذلك " السوري " ربما يكون من آكلة لحوم البشر ! فهل هذا هو المطلوب ؟ و أنا لا أستبعد أن يقوم جنبلاط يوماً بدور " أبي مصعب اللبناني " الذي يدعو أبناء الطائفة السنية في لبنان و سوريا إلى محاربة الكفرة و المرتدين من الطائفة الشيعية و العلوية في لبنان و سوريا !!؟
2- في الشأن السوري و ما يتصل بعبد الحليم خدام :
- في حواراته المتكررة وقع السيد خدام في أكثر من تناقض : ففي حديثه لقناة العربية و لاحقاً راح خدام يكرر براءته من فضيحة النفايات النووية قائلاً بأنه تم حشر اسمه في القضية من قبل ضابط المخابرات السورية أحمد عبود .. و أنه نقل شكواه بهذا الخصوص إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد .. و عندما سأله الرئيس حافظ الأسد عن الضابط – مصدر معلوماته أجاب خدام : لا يمكنني ذكر اسمه لأنك عاجز ، أي الرئيس الأسد ، عن حمايته و أن أجهزة الأمن خارج سيطرته !
ثم و في معرض توجيه اتهامه للرئيس الأسد الابن بالضلوع في عملية اغتيال الحريري يزعم أنه لا يمكن أن يتصرف قادة الأجهزة الأمنية من دون غطاء رئاسي ، إن صحّ التعبير !! و اتهم الرئيس بشار مباشرة باغتيال الحريري انطلاقاً من هذا الافتراض .
و هنا وجه المفارقة : إذا كانت أجهزة الأمن أيام حافظ الأسد !! - المعروف ببأسه و بسطوته على الجميع سياسيين و أمنيين مدنيين و عسكريين - خارج السيطرة ، فهل يعقل يا تُرى أن تكون هذه الأجهزة تحت السيطرة التامة للرئيس بشار الأسد ؟ مع العلم أن عبد الحليم خدام كان أشار أكثر من مرة إلى ضعف الإرادة و التردد و سرعة الانفعال .. الخ عند الرئيس بشار الأسد ... فكيف يمكن الجمع بين الاحتمالين المتناقضين ؟
- لا يحق لعبد الحليم خدام أن يتحدث عن مساوئ النظام و هو أحد أهم أركان و أعمدة هذه التركيبة السياسية على مدى عقود ... و كل السوريين يعرف أن خدام كان الآمر الناهي في سوريا ككل و في محافظة طرطوس بوجه خاص ، و كان يتدخل في كل شاردة و واردة من حياة أبنائها : اعتباراً من تعيين رئيس بلدية ( في مدينته بانياس ) و وصولاً بتعيين أعضاء فرع الحزب . و هناك قصص كثيرة بهذا الخصوص و مناقضة للقانون و للأنظمة و لمنطق الكفاءة و تخضع لاعتبارات القرابة أو المصلحة الشخصية و الشراكة أو الانتماء الطائفي ... و الكل عندنا يعرف أن المسؤولين المقربين سابقاً من خدام هم الأكثر فساداً ، و هم معروفون من قبل مختلف الجهات الرقابية و الحزبية و هناك وثائق تدينهم . و لكن لم يحاسب أي منهم و لازالوا جميعهم في مناصبهم يمارسون الفساد و الإفساد و يبيعون أجهزة الأمن كلاماً مشكوكاً في مصداقيته عن رفضهم و إدانتهم لما أقدم عليه عبد الحليم خدام .. بل إن أحدهم دعا إلى اجتماع في إحدى المديريات ليعلن بأن خدام هو كوهين ثاني و أنه خائن و يجب إعدامه . و لكنني أقسم بهذا البلد أن ذاك الشخص ذاته سيكون في مقدمة المستقبلين لو عاد خدام إلى سوريا !
- و مرة أخرى عن بانياس : كل مواطن يزور بانياس سوف يتأكد أن هذه المدينة الساحلية القديمة هي أشبه بمكب للنفايات أو بمنطقة مخالفات في البناء و في كل شيء .. و الكل يعرف أن هذه المدينة لم تحصل على أدنى اهتمام من قبل السيد عبد الحيلم خدام يوم كان بيده الحل و الربط ، و لم يساعد لا في شق شوارعها و لا في تعبيد طرقها و لا في تنظيم أحيائها و لم نسمع أنه اعترض يوماً على تلويث سمائها و بحرها بحيث أضحت من أكثر مدن العالم تلوثاً و أكثر مدن العالم من حيث نسبة مرضى السرطان بسبب المصفاة و المحطة الحرارية و اكتفى بأن أمر بشق طريق إلى قصره بالقرب من بانياس و ترك أبناء مدينته يعيشون في الأحياء المليئة بالأوساخ و بالحفريات و بالمخالفات !! علماً أنه كان بإمكان عبد الحليم خدام أن يحول بانياس إلى مدينة سياحية نموذجية .. طالما أنها كانت مدينة صغيرة جداً حتى أوائل السبعينيات عندما جاء خدام إلى السلطة .. و لم تكن المدينة بحاجة سوى إلى حسن الرأي و التخطيط و القليل من إعمال العقل لكي تنمو مدينة عصرية نموذجية .. و هذا لم يحدث لأن بانياس ذهبت ضحية المسؤولين الفاسدين ، المدعومين من قبل خدام ... بعكس دير عطية ، مثلا ً ، المدينة الصحراوية التي تحولت بجهود مسؤول أقل سلطة و شأناً من خدام إلى مدينة جميلة بشوارع منظمة و خضراء .
- و أخيراً سأسرد قصة يعرفها الكثيرون : كنا يوماً في زيارة للمناضل رياض الترك للتهنئة بخروجه الثاني من السجن .. و كان هناك حوار بين خدام و حسن عبد العظيم كممثل للتجمع الوطني الديموقراطي .. و قلنا للمناضل الكبير : لماذا لا تتحاورون مع السلطة أو لماذا لا تباركون ذلك الحوار مع خدام ؟ فأجاب و بكل حزم : لا أقبل أن أضع يدي في يد مسؤول فاسد مثل عبد الحليم خدام . و رفض الفكرة نهائياً رغم أن البعض كانوا و لازالوا يعتقدون أن هذا يعبر عن موقف ديني أكثر مما هو يعبّر عن خطاب سياسي . و أنه يجب على السلطة أن تفتح الحوار مع المعارضة و يجب على رموز المعارضة أن ترحب بالحوار مع السلطة . لكن الأيام أثبتت أن السلطة ، للأسف ، لا ترغب بالحوار مع المعارضة ، لأنها ، أي السلطة ، تنقصها الحكمة و الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن ككل و أنها لا ترى أبعد من أنفها و بالتالي إن مثل هكذا سلطة لا بد ستنتج أمثال عبد الحليم خدام .
- من ناحية أخرى : ألا تعتبر تصرفات النظام السوري من حيث استمرار الاعتقال السياسي أو قمع المتظاهرين السلميين ( و منهم الروائية سمر يزبك ) ، و كذلك وجود طابور خامس من الفاسدين في مختلف مفاصل الدولة و على مختلف المستويات ، و يرى أن مصلحته صارت تلتقي مع مصالح خدام في تغيير السلطة لكي ينقلوا رِجلهم ( مع أموالهم المنهوبة ) من عهد إلى آخر جديد كما فعل خدام ذاته – أقول ألا يعتبر كل ذلك بمثابة دعم غير مباشر لمواقف خدام الانتهازية ؟ و باعتباري من محافظة طرطوس المنكوبة بالكثيرين من تلامذة خدام أقول ما يلي : إن كل من هو مسؤول عن الطرق و الحفريات و الفاسدين في مختلف المؤسسات في طرطوس هم بمثابة مناصرين لـ " جبهة الخلاص الوطني " العائدة لصاحبها عبد الحليم خدام و البيانوني .
- من اللافت و المثير للدهشة محاولة خدام اكثر من مرة العزف على الوتر الطائفي .. و هو الرجل الذي يفترض أنه كرّس حياته لخدمة قضية قومية ؟ حقاً ، إن الأمر لمؤسف جداً : أن يكرر التاريخ الإسلامي نفسه : أسيادنا في الجاهلية هم أولياؤنا في الإسلام !!!؟؟
3 – في الشأن الفلسطيني ( لاحظ أنه جاء في آخر الاهتمامات هنا كما في نشرات الأخبار على الفضائيات من أمثال " العربية " ) : إن ما قامت به إسرائيل في أريحا و اعتقال أحمد سعدات و رفاقه ليس سوى تأكيد جديد على أن القادة العرب فقدوا جميعهم أي إحساس بالكرامة و لم يبقَ لديهم لا مشاعر تثور و لا قطرة دم حياء . و هذا ينطبق في الدرجة الأولى على المسؤولين في السلطة الفلسطينية كما على الحكام العرب ، الذين رفعوا شعارات " ... هذا البلد أو ذاك أولاً " .