المدنيون وسياسة التحالفات


جاسم ألصفار
2018 / 6 / 23 - 23:13     

المدنيون وسياسة التحالفات
د. جاسم الصفار
كتب الاستاذ رزكار عقراوي على صفحته في الفيس بوك بتاريخ 14/06/2018 مقال نقدي تحت عنوان "سائرون!! تحالف الفيل والنملة – الصدري والشيوعي - الى اين؟"، وعنوان المقال بهذه الصيغة يحمل معنى السخرية من تحالف غير متوازن في القوى بين الشيوعيين والصدريين في اطار سائرون. ويتبادر الى الذهن على الحال سؤال عن ما الذي جعل هذا التحالف بهذه الصورة؟
هناك بالتأكيد اسباب كثيرة وراء النتائج المتواضعة التي حققها المدنيون في الانتخابات، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الحجم الحقيقي للحركة المدنية العراقية والمزاج الشعبي المدني الواسع الذي ارعب اعداء المدنية وشجع قوى اخرى من خارج التيار المدني على ان تعقد الامال على تحالف مع القوى المدنية يجلب لها النصر المؤزر في الانتخابات ويمنحها القدرة على التحكم في المسار السياسي بعد الانتخابات.
وفي مقدمة هذه الاسباب من وجهة نظري، حالة الاحباط التي عانى منها المدنيون المستقلون نتيجة لسياسة التحالفات الخاطئة التي تبنتها القوى المدنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي والتيار الاجتماعي الديمقراطي والتي كانت المسؤول الاول عن شيوع ظاهرة المقاطعة المدنية للانتخابات. واذا كنا نشخص بأن المقاطعة قد تسببت في عزوف الكثيرين من المحسوبين على التيار المدني، بمن فيهم اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي والتيار الاجتماعي الديمقراطي، وادت الى تراجع نتائجهم الانتخابية فان علينا ان لا نغفل عن السبب الذي كان وراء شعبية واتساع موقف المقاطعة للانتخابات.
نشرت بالامس وثيقة للتيار الديمقراطي صدرت قبيل الانتخابات التشريعية تحت عنوان "نحو تجمع وطني ديمقراطي ومدني واسع قادر على تعديل ميزان القوى السياسية وكسر احتكار السلطة" والتي تضمنت فهما مشتركا ليس فقط لمبادئ عملنا في التيار الديمقراطي بل ولاليات تحقيق هذه المبادئ في مسعانا "لانبثاق كتلة وطنية عابرة للطائفية والاثنية، مؤثرة وفاعلة".. معتبرين ذلك "مسؤولية تاريخية بأعناق جميع القوى والاحزاب والشخصيات والنقابات والاتحادات والجمعيات والمراكز الثقافية ذات التوجه الوطني والديمقراطي والمدني، والذي من شأنه انتشال البلاد من ازمتها الراهنة والعبور بها الى شاطئ الامان والاستقرار والتقدم والازدهار والتنمية المستدامة، وقبل هذا كله هزيمة الارهاب والقضاء على الفساد" كما جاء في الوثيقة. وكل هذا تحت شعار " كتلة وطنية مدنية ديمقراطية ... قائمة انتخابية موحدة عابرة للطائفية".
هذا كان قبيل انشاء التحالفات الانتخابية فما الذي جرى فيما بعد واوصلنا الى ما نحن عليه الان؟ خاصة واننا قد خطونا فعليا باتجاه انتاج تحالف عريض للقوى المدنية تحت مسمى (تقدم) وعقدنا مؤتمرات فرعية في اغلب محافظات العراق حظيت بشعبية كبيرة واهتمام عال من قبل الاوساط الشعبية والرموز السياسية في تلك المحافظات، وكان لهذا التحالف ان يتسع ليشمل قوى وشخصيات مدنية ودينية متنورة اخرى تتفق في توجهاتها وطروحاتها مع تحالف (تقدم).
في عجالة مربكة ومفاجئة لحلفائه في (تقدم)، غادر الحزب الشيوعي العراقي تحالف (تقدم) ودخل مع قائمة (استقامة) المسنودة من التيار الصدري في تحالف (سائرون)، وبدل ان يخوض الحزب الشيوعي العراقي مع رفاق الامس في تحالف (تقدم) جولة حوار تناقش فيها خيارات القوى المدنية او ما تبقى منها للحفاظ على مشتركات تقلل من اثار التمزق الذي حصل في التيار المدني، عرض الحزب الشيوعي العراقي على حلفائه خيارا واحدا وهو التوقيع على وثيقة تحالف (سائرون). ومن وجهة نظري فانه لو تسنى للحزب الشيوعي العراقي، حينها، اقناع حلفائه في (تقدم) بالدخول في تحالف (سائرون) لكان في ذلك ضمانة سياسية للحزب الشيوعي العراقي كما انه الخيار الاقل ضررا من تفتت التيار المدني.
لست هنا بصدد التذكير بمبررات قيادة الحزب الشيوعي العراقي للدخول في تحالف (سائرون)، فهي منشورة على اكثر من موقع وتجدونها على صفحة الاستاذ رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ولكني سأحاول تسليط الضوء على النتيجة الكارثية لما حصل وانعكاساتها على تصرف الطرف الاخر في تحالف (تقدم) وهو التيار الاجتماعي الديمقراطي الذي رفض الدخول في تحالف (سائرون).
التيار الاجتماعي الديمقراطي كما هو معروف، حزب حديث في الساحة العراقية، اعلن عن تأسيسه رسميا قبيل الانتخابات مباشرة. وبعد انفكاك عقد (تقدم) لم يكن امام الحزب الا ثلاثة خيارات، اولها المغامرة بالدخول لوحده الانتخابات والتي ما كان ليحقق فيها اي نجاح الا بمعجزة نظرا لحداثته ولكونه لم يكن مهيأ لتحمل اعباء الانتخابات المالية واللوجستية. والخيار الثاني هو مقاطعة الانتخابات والتي كان من الممكن ان توسع شعبيته وتقوي عوده وتوحد صفوفه، ولكن هذا الخيار سيكون على حساب القوى المدنية الاخرى، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، المشاركة في الانتخابات. لذا اختار التيار الاجتماعي الديمقراطي دخول الانتخابات بتحالف يستعين به في خوض غمار هذه الانتخابات مع امكانياته المتواضعة. فكانت النتيجة ان يضع لنفسه سياسة تحالفات جديدة غير تلك التي اشير اليها في وثيقة التيار الديمقراطي مما أوقعه في اخطاء ستراتيجية ومبدئية.
لذا، تكوَن التحالف المدني الديمقراطي الجديد، وهو ليس امتداد لتحالف (تقدم) كما يكتب البعض، من التيار الاجتماعي الديمقراطي وخليط عجيب من القوى والشخصيات الملتبسة التي تحوم الشكوك حول تاريخها السياسي، وتركيبات عشائرية لا رابط يربطها بالمدنية. بعضها منغلق على الارث العشائري ومغرم بمفرداته كأن يفضل ان تجري مخاطبته بصفة "سمو الامير"، كتأكيد واعتراف من المقابل به اميرا لاحدى العشائر العراقية، وغيره من كان يضع نفسه فوق الاحزاب والتيارات السياسية ولا يتردد من احتضان البعثيين في صفوف مكونه السياسي، لذا لم يكن غريبا ان يفوز في المقعد اليتيم لهذا التحالف شخصية طارئة لا علاقة لها بأي من اطراف التحالف وهو الاستاذ محمد علي زيني.
وفي الختام، عليَ ان اؤكد بأني لست ضد التعاون وحتى التحالف مع الاخوة في التيار الصدري تحت اي مسمى وبرنامج يتفق عليه، ولكني لا ارى ان يكون ذلك بالضرورة تحالف لخوض الانتخابات لانه في هذه الحالة سيكون غير مفيد لا للحزب الشيوعي العراقي ومعه القوى والتيارات المدنية من جهة ولا للتيار الصدري من جهة اخرى، وانه كان من الاجدى للاثنين التفكير بالتحالف بعد ان ينقشع غبار المعركة الانتخابية وتتضح نتائجها.