من تحديات إعادة الإعمار في سوريا.؟


معتز حيسو
2018 / 6 / 23 - 13:57     


بالنسبة للسوريين لا تنحصر تحدّيات إعادة الإعمار على ما ستؤول إليه الأوضاع السياسية المتعلقة بطبيعة نظام الحكم، والأوضاع الجيو سياسية المرتبطة بعوامل إقليمية ودولية تتجلى على شكل تدخّلات واحتلالات يصعب حتى اللحظة تحديد مآلاتها، وأيضاً ما سيتركه رأس المال الخارجي وشركات الاستثمار من آثار على بنية الاقتصاد السوري وأوضاع السوريين المعيشة. لكنها تمتدد إلى ما قبل الأزمة. ونشير هنا إلى طبيعة النموذج الاقتصادي الذي ما زال يتجلى بكونه أحد أشكال رأسمالية الدولة المتأثر بطبيعة المركّب السياسي المهيمن على السياسات الاقتصادية الكلية منها والجزئية، والمتأثرة بدورها بميول اقتصادية تحررية.
لقد كشفت المرحلة السابقة عجز البورجوازية المحلية بقواها الخاصة عن انجاز مهام التنمية الوطنية والديموقرطية. فيما تسبب تحرير الاقتصاد بنخر الدولة والمجتمع. ما أدى لنشوء أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية. ومن المعلوم أن القطاع الخاص لم يشتغل في سورية على الاستثمار في مشاريع تنموية مستدامة. لكنه اعتمد على مشاريع تحمل معدل ربح مرتفع وحركة دوران مالي سريع.
وتقاطع ذلك مع عجز الحكومات المتعاقبة عن بناء اقتصاد تنموي اجتماعي يحقق التوزيع العادل للثروة الوطنية والناتج الإجمالي، والمساواة في توفير فرص العمل، وإشباع حاجات السوريين المادية والروحية، وإنهاء اغتراب الفرد عن شروط وجوده وعمله واستلابه لحاجات الحياة الأساسية.
ونشير في السياق ذاته إلى أن سياسات الفريق الحكومي التي قادها الأستاذ عبد الله الدردري، كانت بمجملها موجهة للتخلص من السياسات الاقتصادية الاجتماعية التنموية. واعتماد تحرير الاقتصاد كمدخل للنمو الاقتصادي. وتجلى ذلك بتحرير التجارة والأسواق والأسعار وبشكل خاص حوامل الطاقة، وإطلاق العنان لحيتان السوق. وكان هؤلاء يتحكَّمون بالسياسات الاقتصادية المالية والنقدية، وينفذون وصفات إجماع واشنطن وصندوق النقد والبنك الدولي، بغض النظر عن آثارها على الاقتصاد السوري، وقدرة الإنتاج الوطني التنافسية في الأسواق العالمية، ومدى صموده أمام الغزو السلعي الخارجي. ما شكّل تهديداً حقيقياً للصناعات الوطنية بسبب عدم تحصينها قبل تحرير التجارة. وأدى أيضاً إلى إفقار شرائح واسعة من السوريين، وإفلاس عدد كبير من القطاعات الإنتاجية وهجرة أصحاب الرساميل الصناعية إلى الخارج. أما الإنتاج الزراعي فإنه شهد تراجعاً واضحاً في المساحات المزروعة وتحديداً المروية منها بسبب ارتفاع سعر حوامل الطاقة والأسمدة والبذار والأدوية وتراجع معدل الهطولات المطرية.
أما فيما يخص المرحلة الراهنة فقد أفرزت الحرب السورية عوامل متعددة تدفع إلى تعميق التصدع الجيو سياسي، وتراجع دور الدولة الاجتماعي والتنموي. ويتحدد ذلك من منظور الاشتغال على تعميق الليبرالية الاقتصادية التي يكشف عنها تقاطع مصالح حيتان المال وتجار الحرب، مع شركات الاستثمار والمؤسسات المالية الدولية، وأيضاً الدول المتصارعة في سوريا وعليها. ولذلك علاقة مباشرة بشكل نظام الحكم وتركيبته، تراجع الموارد الوطنية المتاحة، الدمار الواسع والعميق للبنى التحتية، تداعي الطاقات والموارد البشرية، تصدّع التوازن الديمغرافي، ارتفاع أعداد المهاجرين واللاجئين، اختلال أوضاع التعليم وارتفاع أعداد المتسربين. ويتقاطع ذلك مع ما كشف عنه الدكتور عمار يوسف في دراسة له بأن تعويض خسائر فوات المنفعة، والخسائر الناجمة عن الدمار، وتكاليف إعادة إعمار قطاعات ومؤسسات الاقتصاد السوري الإنتاجية «الصناعية، الزراعية»، الاستخراجية، الخدمية والإدارية والمصرفية، العقارية، البشرية والتعليمية، البيئية.. يحتاج إلى 1170 مليار دولار.
في السياق ذاته أشارت الاسكوا أن«خسارة سوريا على المستوى التنموي تُقّدر بـ37 سنة، وأن معدل انكماش الاقتصاد السوري يمكن أن يصل إلى 60 %». بينما معدل البطالة فإنه تجاوز عتبة 53%، ومتوسط الأجر لم يعد يسدّ حاجات المواطن الدنيا من المواد الأساسية. أما منظمة الغذاء العالمية فقد أشارت في وقت سابق أن أربعة ملايين سوري غير قادرين على تأمين حاجاتهم الغذائية، وحوالي 9.6 ملايين يحتاجون إلى مساعدة. ويشير التقرير إلى أن تزامن ارتفاع أسعار المواد الأساسية مع ارتفاع معدل التضخم، تحديداً بعد تحوّله لتضخم ركودي، أدى إلى انكماش الاستهلاك الخاص بنسبة 30،1%، والاستهلاك العام بنسبة 35،4 %. من جانب أخر قدَّر الدكتور رسلان خضور في دراسة له أن نسبة حجم اقتصاد الظل من الناتج المحلي الإجمالي بلغت عام 2016 « 78%».
نستنتج مما سبق عرضه أن تجاوز تحديات إعادة الإعمار يحتاج كما بات واضحاً إلى توافقنا نحن السوريين على معايير وطنية تؤسس إلى: ــ تحرير طاقات المجتمع، المحافظة على وحدة الجغرافية السياسية وتماسك مكونات المجتمع الثقافية واستقرار الأوضاع السياسية، إطلاق مشاريع تنموية اقتصادية وبشرية شاملة، تجفف منابع القوى الطفيلية والبيروقراطية الفاسدة والناهبة للموارد الوطنية والمعيقة للتطور.
ــ القطع مع السياسات النيو ليبرالية، وإعادة النظر ببعض بنود اتفاقيات التجارة الحرة، بما يتناسب مع تطوير الإنتاج الوطني. وأيضاً عدم اللجوء للاستدانة من مؤسستي النقد والبنك الدوليين، لأنهما تساهمان بتعميق التبعية والارتهان والفقر والتخلف.
ــ التمسك بدور الدولة الرعائي والاشتغال على ترشيد الإنفاق العام وتوزيع عوائد التنمية بين الفئات الاجتماعية، واعتماد سلم متحرك للأجور يتناسب مع حركة الأسعار ومعدل التضخم.
ــ اعتماد سياسات مالية ونقدية تعزز من قدرة الإنتاج الوطني التنافسية، وتحفّز الطلب المحلي. وتتمتع بالمرونة الكافية لضبط الاستثمارات، ودمجها في إطار خطط تنموية إستراتيجية. وأيضاً تشميل قطاعات اقتصاد الظل في الاقتصاد الرسمي. والاتفاق على نظام ضريبي جديد يضمن حقوق السوريين ويؤمن العدالة الاجتماعية.
نشير أخيراً إلى أنّ صندوق النقد والبنك الدولي، وشركات مالية واستثمارية، ورجال أعمال، ومستثمرين، ودول متعددة شاركت في الحرب السورية. يدفعون إلى لبرلة الاقتصاد السوري لتعزيز نفوذهم وتحصيل أعلى معدل منفعة. علماً أن قوننة تحرير الاقتصاد والأسواق والأسعار وحركة رأس المال سوف يفاقم من: انفتاح سوريا أمام أزمات رأس المال العالمي، تعميق التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي. ما يؤدي إلى إعاقة أي تطور تنموي واجتماعي، وأيضاً
إلى تعميق مستوى الإفقار لشرائح وفئات اجتماعية واسعة.