عن أسس الحوار الوطني حول الكارثة الوطنية. الوضع الأسباب والنتائج...


أحمد الناصري
2018 / 6 / 17 - 18:35     

لقد شاركت وساهمت بجميع الحوارات الوطنية قبيل وبعد الحرب والاحتلال، وساهمت في كتابة عدة أوراق حول الوضع. ولا زلت أساهم في طرح الموقف الوطني المطلوب من كارثتنا وأزمتنا العامة. كذلك الأزمات الحزبية المتفرعة، من وجهة نظر ماركسية ووطنية ويسارية، واضحة ومحددة حول الأزمة الشاملة وطبيعتها، وليس حول أجزاء منها أو من نتائجها. وهذا أمر جوهري، بأعتبارها أزمة وطن ومجتمع وليست أزمة حزبية داخلية خاصة.
السؤال الأول المباشر، هل بلادنا ومنطقتنا المترابطة، تمر بأزمة انهيار تاريخية شاملة؟ الجواب القاطع والوحيد، هو نعم... هناك كارثة لها أسباب ومقدمات كثيرة، داخلية وخارجية، وليس خلاف حول مدنية عائمة وسائبة، وأبوية دينية طائفية مسيطرة صارمة جماهيرية، يمكن التحالف والتعاون والعمل معها (لأن منين نيجب أحزاب هل نستورد كما يقولون)!
هذا الوضع وهذه الحالة الخطيرة، يستدعي ويستوجب الحوار الحقيقي، الفكري والسياسي والثقافي والاجتماعي، على الصعيد الوطني.
هذه الأزمة المتفاقمة والمستمرة (لا تتوقف لحالها)، التي لها أسبابها ومقدماتها ونتائجها، تشمل حال المجتمع والدولة وحياة الناس والفكر والثقافة والتعليم والسياسة وحياة الناس اليومية بكل تفاصيلها، وهي تشمل الحركات والأحزاب السياسية وعملها وشعاراتها وتحالفاتها.
منهج مواجهة الأزمة يستند إلى الفكر السياسي الوطني، بكل مصادره وتجاربه الوطنية المعاصرة المعروفة والمتنوعة، كبداية للمعالجة المعقدة والطويلة، وهي مهمة تنوير شاقة ضد الظلام والطائفية والإرهاب والتشوه والخراب والتخريب.
كارثة وزلزال الاحتلال، تحول نوعي خارق في حالة بلادنا المنهارة على صعيد الدولة والمجتمع (التي شهدت أزمات وكوارث داخلية متواصلة). تلك الكارثة تحتاج إلى مواجهة مختلفة، وهي أمر صعب في مجتمع محطم ومخرب. ضعف المواجهة وحجم وجود وطبيعة الاحتلال حدد طبيعة وشكل الوضع السياسي المفروض على بلادنا، وطبيعة وصفات الأدوات الداخلية التي نفذت المشروع، وفزر كل هذه النتائج المدمرة.
هذا موقفنا من بداية هذا التحول الكارثي، من خلال رؤية ومتابعة وموقف وطني واضح. البعض يبدأ من نتائج معينة ومحدودة، ولا يقوم بمراجعات شاملة وكاملة، وهي مطلوبة كوعي وموقف، على طريق البحث عن الحلول وسؤال ما هو الحل؟ وما العمل؟
الانتخابات في وضعنا السياسي المحدد، وسيلة لاستمرار العملية السياسية الطائفية، التي رسمها وخطط لها وفرضها الاحتلال على بلادنا، بخدع ديمقراطية مزيفة ومزعومة، حيث لا توجد ديمقراطية طائفية عنصرية متخلفة غير إنسانية. ولا قيمة لمثل هذه الديمقراطية في ظل الانهيار الاقتصادي والسياسي والثقافي. والديمقراطية ليست انتخابات مزورة، وتحالفات وصفقات بين كتل ومكونات طائفية وميليشيات ودعاية دينية ضيقة.
إن بلادنا المدمرة، هي في مرحلة تحرر وطني من أجل الاستقلال والتحرر والحرية والبناء والديمقراطية.
طرح مفاهيم عائمة، هو تخريب للعمل الوطني المطلوب وتشويه له.
مقاطعة الانتخابات الأخيرة (شارك بها أقل من 20 بالمئة)، هي قضية موقف ورفض شعبي واسع، يمكن البناء عليه. اما التزوير المسلح الشامل ثم حرق صناديق الاقتراح هو فضيحة سياسية مدوية للوضع القائم، وسقوط كامل لشعارات الاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد في وضع سياسي فاسد وفاشل، لا يمكن تأييده أو اصلاحه أو العمل معه وبه!
سيتجاوزون كل هذا، مثل المرات السابقة وتزويرها العلني ويفرضون النتائج نفسها، وهذا تأكيد جديد على عدم شرعية الوضع وعلى خرابه العلني. لذلك ستكون التكتلات والتحالفات جزء من هذا الوضع، وليس خروج عليه، أو شيئاً آخر، كما تدل وتثبت جميع التحركات والتحالف لتكوين (الفضاء الطائفي) بطلب وضغط خارجي معروف.
الجانب المعارض للوضع طرح آراء ومواقف وتصورات وطنية مهمة عديدة، كأسس للحوار الوطني المطلوب والملح، بينما اكتفى الطرف الآخر، وهو محدود وضعيف ومتراجع، بدعاية فجة وسمجة، مع شتائم جاهزة حول (الحقد والعدوانية والماء العكر ونشر الغسيل... الخ).
الآن وبعد إعادة طرح مشروع (الفضاء الطائفي الشامل)، الذي هو مسمى جديد للتحالف الطائفي التقليدي نفسه، تهاوت حجج ودعاوى الاصلاح والتغيير، وهي خاطئة وضعيفة بالأساس، لأنها جزء من الوضع السياسي وليس ضده. وقد جرى نقاش حاد وحامي علني داخل بقايا تنظيم الحزب الشيوعي العراقي، شمل قياديين ومنظمات كثيرة في بغداد والحلة والناصرية ومنظمات اخرى (عدا تجربة الحزب الشيوعي الكردستاني القومي التابع للحركة القومية الكردية). وهذه ظاهرة جيدة ومفيدة، رغم تأخرها ومحدوديتها حول تجارب ونتائج معينة فقط، وليس حوار وصراع حول الأزمة الوطنية كلها. البعض من الطرف الآخر يخلط بطريقة متعمدة بين مناقشة الشعارات والسياسة العلنية المطروحة في برامج، وبين التنظيم وأسراره، وهو خلط مقصود الهدف منه القمع والمنع. بينما تجري محاولات لاحتواء وامتصاص هذا الوضع عبر اللعب بالبيانات والكلمات، وهي لا تمس جوهر ازمة الحزب القديمة، والتي لها أسباب فكرية وتنظيميه معروفة.
هناك من يعول على الانتخابات والوضع الحالي مثلما عول وأيد الاحتلال وشارك في مؤسساته، وهذا ضياع وتخبط سياسي وفكري، لا يمكن علاجه أو القبول به.
لا يزال الحوار الوطني والعام ضعيف ومحدود وغير معمق، وهو يحصل على شكل هبات وردود فعل مؤقتة وناقصة على نتائج معينة، وليس على أصل المشكلة والوضع وجوهر الأزمة والموقف منها.
تحتل برامج الأنترنيت السريعة واسعة الانتشار ادة رئيسية مهمة في هذا الحوار، مثل كل المجتمعات التي تستخدم هذه البرامج كإعلام بديل، واسع ومؤثر. حيث لا أحد ينتظر جريدة الصباح أو نشرة الأخبار المسائية من التلفزيون، وهي موجهة ومنحازة وغير مستقلة، تمثل رأي جهة معينة في العموم. برامج الانترنيت ليست مجال للمعايرة والشتائم والأسلوب الخاطئ في ابداء الرأي. كذلك (معضلة) الداخل والخارج والتعارض المفتعل، حيث يحاول البعض منع ملايين الناس من طرح رأيهم في قضايا تخصهم ويهتمون بها، كما يوصف (شعب الداخل) بانه متخلف ومعزول وحاد وطائفي ونفعي الخ...
هي دعوة مفتوحة ومستمرة لحوار وطني يساهم في تفكيك الوضع ويطرح الحلول التدريجية للخروج من هذا المأزق التاريخي الذي يختبط به الوطن...