الوضع السياسي ومهام اليسار

حسن الصعيب
2018 / 6 / 8 - 18:28     


العرض الذي تقدم به الرفيق حسن الصعيب عضو الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي،في إطار الأنشطة السياسية التي عقدها النهج الديمقراطي خلال شهر رمضان ، بمقر النهج الديمقراطي بالدارالبضاء،يوم 4-6-2018 .
السيطرة الامبريالية العالمية
تعيش الرأسمالية في بلدان المركز، مرحلة جديدة من تطور قوى الإنتاج، تتسم من جهة بثورة تكنولوجية في المعلوميات والاتصال، وبثورة إدارية ، تمثلت في انفصال الإدارة عن مالكي وسائل الإنتاج، ومن جهة أخرى بفرز طبقي جديد يتمثل في تقوية النفوذ السياسي والاقتصادي لشريحة اجتماعية هي” الأوليغارشيا المالية “التي تفرض هيمنتها على مجموع الشرائح الاجتماعية الأخرى المكونة للطبقة الرأسمالية.وهذه الرأسمالية المعاصرة هي قبل كل شئ، رأسمالية الاحتكارات التي وحدها تتحكم في إعادة إنتاج نظام الإنتاج في مجمله، بحيث توجد 500 كارتلات احتكارية في العالم، تسيطر بقراراتها على كل الاقتصاد العالمي، وتهيمن صعودا ونزولا على قطاعات شتى لايمتلكونها مباشرة، وتتميز هيمنة هذه الاحتكارات عبر خمس مميزات التي يصفها المفكر الماركسي سمير أمين كالتالي:الهيمنة على منافذ الموارد الطبيعية ، التحكم في التكنولوجيا والملكية الفكرية، الوصول بامتياز إلى وسائل الإعلام،التحكم في النظام المالي وكذا المقدي وأخيرا احتكار أسلحة الدمار الهائلة. وتوصف النيوليبرالية بأنها ذات هيمنة مالية بمعنى أنها وحدها تسيطر على سوق رؤوس الأموال.وهذه الطبيعة النقدية تضفي على أسواق المال و النقود صفة السوق السائدة التي تسيطر بدورها على أسواق العمل وأسواق تبادل السلع.
ذلك أن حجم الصفقات في الأسواق المالية هو2500000 مليار دولار،بينما الناتج الاجمالي هو 70000 مليار دولار.تفضل الاحتكارات هذه الاستثمارات المالية عن تلك للاقتصاد الحقيقي.إنه تمويل “النظام الاقتصادي”.يعتبر هذا النمط من الاستثمار المنفذ الوحيد كي تتواصل “رأسمالية الاحتكارات المطلقة”.أما الامبريالية التي لا تعني سوى تعميم هذا النموذج النيوليبرالي على العالم الذي لا يحقق تراكمه المستمر إلا بواسطة النهب والحرب والعسكرة والذي تعيش تحت ضراوته شعوب التخوم بنسبة خمسة وثمانون في المائة.
وتفرض الامبريالية هيمنتها على شعوب العالم الثالث من خلال شركاتها العملاقة، المتعددة الجنسية التي تنهب خيرات هذه البلدان وتحقق ريوعا تساهم في رفاهية مجتمعات بلدان المركز وبؤس الغالبية العظمى من شعوب الجنوب.
كما توجه السياسات الاقتصادية لهذه البلدان من خلال برامج التقويم الهيكلي التي تشرف عليها المؤسسات المالية والنقدية (صندوق النقد الدولي، لبنك الدولي ) التي أدت إلى مسلسل تعميق الفقر والفوارق الاجتماعية الصارخة،إضافة إلى فرض بنود اتفاقية الجات والمنظمة العالمية للتجارة،بالإضافة إلى اتفاقيات التبادل الحر المتعددة الأطراف في إطار علاقات غير متكافئة(قانون الاستقطاب بين المركز والمحيط) التي أدت بدورها إلى تهمش الصناعة الوطنية وتفكيك وحدة الطبقة العاملة و ضرب حمائية السلع الوطنية وتسليع جميع الخدمات العمومية من خلال خوصصة القطاعات الاجتماعية الحيوية كالتعليم و الصحة والماء و الكهرباء، وعلى التسديد الأبدي للديون.بالإضافة إلى إخضاع السكان لمجالات جديدة للاستملاك الخاص من مثل المجال الحيوي (أسواق السماح بحقوق التلويث ) صيرورة الأحياء (براءة الاختراع المتعلقة بالبدور والأدوية …)حقوق الملكية الفكرية التي يمثل التوسع الدائم لبنودها في المحاكم انتهاكا خطيرا لحياة السكان.
لكن، ما يميز الامبريالية العالمية اليوم، هو تحولها من صيغة الصراع المستمر بينها الذي أدى في القرن الماضي إلى اندلاع حربين عالميتين، إلى صيغة التحالف الجماعي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان من خلال مؤسساتها المالية والنقدية والعسكرية (حلف الناتو).فهده العولمة الامبريالية الجديدة تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا تسيطر عن طريق سيادة احتكارات الإنتاج الصناعي بل عن طريق وسائل أخرى ( السيطرة على التكنولوجيا والأسواق المالية والحصول على الموارد الطبيعية للكوكب ووسائط الاتصال وأسلحة الدمار الشامل).ومن اجل الاستحواذ الجنوني على الموارد الطبيعية خاصة البترول في ( الشرق الأوسط وبحر قزوين)ومن أجل تحقيق هذا الهدف تكتسب العولمة الامبريالية طابعها العسكري. من هنا حروبها المتتالية في بلدان الشرق كما في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا.إن عولمة الرأسمالية النيوليبرالية والنزعة العسكرية أصبحتا مظهرين للسيطرة الامبريالية الجديدة.غير أنه في المرحلة الأخيرة مع صعود ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، برز تناقض جديد بين النزعة الحمائية ، لحماية الاقتصاد الأمريكي وشركاته الوطنية ، بعد الأزمة المالية التي ضربتها خلال سنة 2007-2008، وبين التحرير الشامل للاقتصاد الذي يفرضه التطور السريع للعولمة النيو-ليبرالية، لكن هذا التناقض هو قابل للتسوية ، لكونه لا يمس في الجوهر مجمل الاقتصاديات العالمية، لكن يظل الاستحواذ الجنوني على الموارد الطبيعية ،خاصة الغاز والبترول (في الشرق الأوسط وإفريقيا وبحر القز وين) والسيطرة على مقدرات الشعوب في الجنوب هو ما يفرض عليها إستراتيجية التعاون المشترك، ولتحقيق هذا الهدف تنزع هذه الامبرياليات إلى تعميم الحروب الأهلية في هذه المناطق ، وفي ذات الوقت بيع الأسلحة كصناعة تحتكرها لوحدها.
أما روسيا والصين كامبرياليتين صاعدتين،توجدان اليوم ،في تنافس شديد،مع الامبريالية الأمريكية،خاصة في مناطق آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط،ويجب التذكير أن جزء من البرامج العسكرية الأمريكية(ومن ضمنها الدفاع المضاد للصواريخ والقنابل الدرية الصغيرة) موجه مباشرة ضد الصين وحلفائها في المنطقة(كوريا الشمالية).وفي المدة الأخيرة بادرتا إلى إطلاق دينامكية قطب عالمي جديد أي إنشاء مجموعة دول البر سك المشكلة من روسيا والصين والهند والبرازيل،مما يؤشر على بروز قطبية جديدة.
مع هذا التحول الجديد ، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلان حرب تجارية وسياسية ضد الصين ، التي فرضت عليها تعريفات جمركية جديدة على منتوجاتها الإلكترونية ومواد غذائية ،مثل النبيذ ولحم الخنزير والملاحة الجوية ،إذ ستغطي هذه الضريبة 20 في المائة من واردات الولايات من الصين والتي بلغت 150 مليار دولار.
كما فرضت بالمثل الصين ضريبة قدرها 25 في المائة على أكثر من 100 منتوج أمريكي ، بما في ذلك السيارات وفول الصويا، هذه الضريبة ستضرب بقوة المزارعين الأمريكيين ،لأنه المنتوج الأكثر قيمة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين بقيمة 14 مليار دولار سنويا.ورغم ضراوة هذه الحرب التجارية ،التي أدت إلى انسحاب شركات صينية عملاقة في الهواتف الذكية ، فالصين تحتفظ بورقة سياسية رابحة ،إذ تملك ورقة تمويل أزمة الديون الأمريكية، مما يسمح لها بأن تلعب دورا سياسيا أكبر، في الصراعات الدولية.
بينما تسعى روسيا إلى بسط نفودها في منطقة الشرق الأوسط وتقوية حضورها السياسي في الحرب الدائرة بسوريا، وضمان مشاركتها في أي تسوية ، بما يحفظ مصالحها في المنطقة ،كما تسعى جادة إلى ترسيم الحدود مع حلف شمال الأطلسي ، والحد من تمدده شرقا، كما تعمل على تأمين سيلان الغاز إلى الدول الأوروبية وتأمين مواردها من الغاز والبترول للشرق الأوسط.
ترتبط أيضا الامبريالية العالمية بأزمة بيئية حادة وهده تعتبر إحدى سماتها الأساسية التي تطبعها،ترتدي هده الأزمة ثلاثة مظاهر متضافرة:أولا نمو اقتصادي يستنزف بشدة شتى الموارد الطبيعية،سوف تختفي موارد الطاقة المستخرجة من باطن الأرض خلال بضعة عقود من غير تطبيق فعلي لبرنامج غير نووي يستهدف طاقات قابلة للتجدد.كما أن الموارد المتعلقة بالثروة السمكية مهددة أيضا بالصيد الجائر.ويصبح الماء سلعة نادرة في المناطق التي يحول فيها عن مساره لصالح زراعات شرهة له.وتتقلص الغابات الاستوائية تدريجيا وكذا الحال بالنسبة للتنوع الجوي.
ثانيا: يتزايد التلوث لدرجة تجعل الهواء غير صالح للتنفس في المدن والماء غير الصالح للشرب في المناطق التي تطبق فيها زراعات وتربية مواشي على نحو مكثف.كما أصبحت بقع النفط تنتشر بفواصل يكاد انتظامها يعادل حركات المد والجزر.
ثالثا: يتأكد ارتفاع حرارة الجو الناتج عن زيادة مفعول الخبيئة.وهدا الأخير مرتبط بإطلاق الغازات الناتجة عن الفعاليات الزراعية و الصناعية والنقل.فزيادة منسوب المحيطات واختفاء مناطق ساحلية واضطراب هطول الأمطار والتيارات المائية في المحيطات، والتصحر والجفاف من جانب والفيضانات من جانب آخر، ستكون جميعا عواقب لمفعول الخبيئة داك حتى نهاية القرن الحادي والعشرين.كما يخشى أن تتم التضحية بداية بأجزاء كاملة من السكان-الأكثر فقرا منهم- وأن يصبح بقاء البشرية بأكملها موضع شك بعدئذ.
السيطرة الامبريالية على بلادنا

وقع مؤخرا وزير المالية اتفاق قرض جديد مع الوكالة الفرنسية للتنمية بمبلغ قدره 80 مليون يورو،من أجل إتمام مشروع الخط الفائق السرعة طنجة-الدار البيضاء.وبهذا الانجاز يكون المغرب قد زاد في تعميق تبعيته للامبريالية الفرنسية.
وتعتبر الوكالة الفرنسية للتنمية ، إحدى الأذرع الكبيرة للإمبريالية الفرنسة ،ذات سلطات واسعة ،على المستوى المالي والتجاري والصناعي والسياسي ،تكرسها القوانين الفرنسية وتقوم بتنفيذ سياساتها في إفريقيا ،وبشكل خاص المغرب ،وتسهر على تطبيقها الجيد ،الحكومة الفرنسية حسب الظروف والشروط الاقتصادية والسياسية التي يمر منها المغرب ،بغض النظر عن التغير الذي يعصف بكل حكومة مع كل استحقاق انتخابي.
في الأدبيات الكلاسيكية كانت توصف ،بأنها امبريالية سياسية عسكرية ،مركنتيلية وطفيلية ومرابية ،لكنها اليوم توصف بتقديم المساعدات الثنائية والمتعددة لدعم البلدان في طريق النمو ،وخاصة في مستعمراتها السابقة كالمغرب ،كما تساهم في دعم “المسلسل الديمقراطي ” ببلادنا ،بل وتتدخل ،عبر خبرائها في الإصلاح المؤسساتي والمالي والضريبي والترابي
هكذا قدمت مساعدات مالية للنظام المغربي على الشكل التالي:
-2001-2004: 530مليون يورو،
-2004-2006: 300مليون يورو،
-2007-2009: 460مليون يورو
-2014-600:2016مليون يورو.
2018-:300مليون يورو
يتركز برنامج هذه المساعدات إلى جانب القروض التي تمنحها ،إنجاز مشاريع اقتصادية كمشروع التي جيفي مثلا ،،دعم الشركات الفرنسية الكبرى التي بلغت سنة 2009 حسب تحقيق المصلحة الاقتصادية بالرباط:750شركة ،بالإضافة إلى دعم عدد كبير من الشركات المغربية-الفرنسية التي يديرها مقاولين فرنسيين أو برأسمال فرنسي،التأثير في القرارات الاقتصادية والسياسية ،لمختلف منظمات التضامن الدولي والتعاون ،في العلاقة مع القطاعات العمومية والخاصة والمجتمع المدني والمنظمات غير حكومية والسلطات المحلية والفرق الاستشارية.
ويمتد تأثيرها إلى مستوى التعاون في مجال الجماعات الترابية ،حيث انتقلت من توثيق التبادل الثقافي إلى الماركيتنيكي الترابي والدبلوماسية الاقتصادية كدعم شركات التدبير المفوض ،كما انتقلت هذه العلاقات أيضا من “المساعدة الإنسانية” إلى”مساعدة المشاريع”والتي بلغت اليوم “المساعدة –البرنامجية” حيث استدعاء الوسائل المؤسساتية والقانونية على مختلف المستويات ،وبعبارة أخرى إعادة تنظيم التراب ورد الاعتبار لكل”تنمية مستدامة” كأرضية صلبة ،وهذا ما يفسر الاستماتة في الدفاع عن التجربة المغربية في المحافل الدولية ،عن” الجهة الموسعة ” وتسويق مشروع “الحكم الذاتي”وإصلاح المنظومة الانتخابية ،لتوافق من حيث الشكل المنظومة الفرنسية (لقد تم تغيير مصطلح جماعة حضرية بجماعة ترابية حتى تلائم المفهوم الفرنسي للجماعة)
أزمة النظام العربي وتحييد القضية الفلسطينية
انفجرت الثورات الشعبية في المنطقة المغاربية (تونس وليبيا) والمنطقة العربية(البحرين ,مصر,اليمن,سوريا) كنتيجة لتعميق أزمة الرأسمالية النيوليبرالية والامبريالية في هذه البلدان، باعتبارها الحلقة الضعيفة في سلسلة الرأسمالية الطرفية.وكانت مجموع الجماهير المنتفضة التي نزلت إلى الشارع بقوة تهتف بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” وهو شعار استراتيجي يعكس الطموح العميق لشعوب المنطقة من اجل التحرر من أنظمة الاستبداد والتبعية الرأسمالية.
وإذا كانت تونس قد حققت جزءا يسيرا من أهداف الثورة، وستعيش أطوارا جديدة من اجل مواصلة النضال حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة، بسبب وجود الجبهة الشعبية كوعاء تنظيمي- سياسي،عبر عن جدارته رغم بعض إخفاقاته الأولى إبان اندلاع الثورة، وتقهقره في الانتخابات الأخيرة ، فان البلدان الأخرى تعرضت لنكسة كبيرة ،لان الثورة تم إجهاضها بفعل ثلاثة عوامل رئيسية وهي:
أولا، وجود تنظيم قوي لجماعات الإسلام السياسي والضعف الملحوظ للقوى الثورية التي لم تكن جاهزة لقيادة الثورة بسبب هزائمها المتتالية ولعمليات البلقنة التي تعرضت لها،
ثانيا، بسبب الدور الجديد الذي أصبحت تلعبه أنظمة بلدان الملكيات العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وقطر و الإمارات العربية المتحدة والكويت إلى جانب تركيا في إعادة تقسيم الخريطة السياسية والجيو-عسكرية بما يتوافق و يخدم الأجندة الإستراتيجية الأمريكية و الأوروبية في المنطقة أي تقسيم هذه البلدان إلى دول طائفية متصارعة فبما بينها على الدوام.
ثالثا، الدور الامبريالي في المنطقة الذي لا يقبل نهائيا وجود أنظمة وطنية مستقلة و متحكمة في ثرواتها الطبيعية وخاصة البترول من هنا طبيعتها العسكرية، ذلك أن نفقاتها على التسلح في العقود الأخيرة بلغت مستويات مرتفعة على نحو مذهل، فإنتاج الأسلحة لم يعد مجرد فرع من فروع الصناعة الحديثة بل أصبح مند الحرب العالمية الثانية في مركز مسارات تقنية بالنسبة لأسلوب الإنتاج( الملاحة،الفضاء،الالكترونيات، المجال الجوي ) كما تجدر النظام العسكري- الصناعي في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ومجتمعها. تركز صناعي، وصلة أوثق بين جماعات التسلح وبين رأس المال المالي.
فرض هذا الواقع إعادة بلورة تحالفات إقليمية ودولية، عنوانها البارز هو” إستراتيجية تدويل “الصراعات المترتبة عن ثورة الشعوب وعسكرتها من طرف القوى الرجعية والإمبريالية والكيان الصهيوني،مما أدى إلى بروز “داعش” كذراع عسكري وسياسي، في العراق وسوريا،وإعلان العدوان العسكري على اليمن من طرف السعودية وحلفائها من الأنظمة الملكية ومصر والغرب الإمبريالي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية ،وإبرام الاتفاق النووي مع إيران ، ثم الانسحاب منه من طرف واحد،في ظل إدارة ترامب ، ثم تشكل تحالف دولي ضد داعش، تحت قيادة أمريكا ،وبروز قوى دولية متنوعة،آخرها روسيا التي تقود الجهد الحربي لنظام الأسد .لقد أدى هذا التدويل إلى انهيار النظام العربي برمته، بحيث لم تعد هذه الأنظمة العربية ، قادرة على مجرد الحفاظ على بعض من التوازن الداخلي، وفقدت التحكم في مصيرها الذاتي، وصارت أداة طيعة في يد القوى الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يمكن أن تتخلى عنها ،عندما تمسك الشعوب العربية بمصيرها.
كان المتضرر الأكبر من فشل الثورات المغاربية والعربية، هو الشعب الفلسطيني ، لأن الصهيونية هي الأداة الأكثر خطورة لبسط الهيمنة الإمبريالية على المنطقة العربية ، ومنع أي تطور اقتصادي أو ديمقراطي ، ينهي مع الاستبداد والتبعية الرأسمالية .لذلك فتحرير فلسطين ليس مهمة الفلسطينيين وحدهم ،بل هي مهمة كل شعوب المنطقة .
أدت هذه التطورات إلى فشل اتفاقيات أوسلو، وحل الدولتين و الاحتراب الداخلي بين فتح وحماس،واختزال السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني في الضفة وقطاع غزة ، إلى جانب إفراغ منظمة التحرير الفلسطينية من طابعها الوحدوي ،وتآمر أنظمة الخليج ومصر والأردن والمغرب على القضية الفلسطينية ، من خلال التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي ،عمقت من جراح الشعب الفلسطيني،لكن جذوة المقاومة ظلت مشتعلة ، واستمرت في المقاومة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة ، رغم المؤامرات العربية والإمبريالية التي تحاك ضد تصفية القضية الفلسطينية، فكان انفجار الانتفاضة الثالثة أو خطة “مسيرة العودة ” متشبثا بحق تقرير مصيره وعودة اللاجئين وبناء الدولة الوطنية المستقلة على كامل ترابه وعاصمتها القدس،وفي سبيل ذلك يسقط يوميا العشرات من الشهداء والمئات من الضحايا.

في أزمة النظام وأزمة البديل الديمقراطي
جسدت المقاطعة الشعبية العارمة لاقتراع أكتوبر 2016، التي بلغت نسبتها 80%، منعطفا دقيقا في تنامي الأزمات المتتالية للنظام،من استفحال الأزمة الاقتصادية و انهيار النسق السياسي المؤطر بدستور 2011 الممنوح إلى بروز الحقل السياسي المضاد.
أزمة اقتصادية مستفحلة
احتل المغرب الرتبة 123 حسب التقرير الأخير حول التنمية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، بعد ليبيا والعراق الغارقين في الحرب الأهلية،وبلغت نسبة الفقر بالمغرب 28%،منهم عشرة ملايين يوجدون تحت عتبة الفقر،كما سجل المجلس الأعلى للتعليم 650 ألف طفل مغربي لا يحصلون على التعليم في السنوات الثلاث الأخيرة،إلى جانب تنامي التعليم الخصوصي، وطبيب واحد ل20000نسمة ،مع غياب البنيات الاستشفائية في البوادي والمدن الصغيرة،وبلغت نسبة السكن العشوائي أو السكن غير اللائق 40% من سكان المناطق الحضرية،كما بلغت مديونية المغرب نسبة 83% من الناتج المحلي العام ،أكتر من نصفها ،يؤديه دافعوا الضرائب من الشعب إلى المجموعات المالية المغربية المهيمنة على الاقتصاد ، والجزء الآخر يتم تأديته للمؤسسات العالمية النقدية والمالية (صندوق النقد الدولي-البنك العالمي-البنك الأوروبي للاستثمار-الوكالة الفرنسية الدولية للتنمية). وفي إطار العلاقة غير متكافئة مع الرساميل والسلع الأجنبية ، سجل عجزا تجاريا ارتفع بنسبة 12%ليفوق 66،1 مليار درهم نهاية أبريل 2018 مقابل 59 مليار درهم قبل سنة،وبلغت الواردات 158،8 مليار درهم خلال هذه الفترة، في حين ارتفعت الصادرات بنسبة 7،2%لتبلغ 92،7 مليار درهم،كما سجلت خلال السنوات الأخيرة إقفال ما يزيد عن 10000 مقاولة متوسطة وصغيرة، وتشريد 12000 أستاذ متمرن خلال هذه السنة ، وتسريح الآلاف من العمال، بسبب العمل بالعقدة وضرب العمل النقابي ،ناهيك عن تفقير ممنهج للبادية وللفلاح الفقير أو المعدوم ، بسبب المشروع الأخضر الذي يوجه السياسة الفلاحية نحو تلبية حاجيات الرأسمال الغربي،مما أدى وسيؤدي إلى ندرة الماء والقضاء على الفرشة المائية ، ورفع الدعم عن بعض المواد ،حيث استفادت الدولة من مبلغ 45 مليار درهم ،دون أن يتحول إلى صندوق دعم الأسر المعوزة من خلال قانون تنظيمي منصف، وتسعى الدولة في المستقبل إلى رفع دعم غاز البوطان الذي يكلفها 12 مليار دولار درهم كل سنة ،في الوقت الذي تعتمد أزيد من 90%من الأسر المغربية على هذه المادة الحيوية في الطهي والتدفئة والنظافة، يحدث كل هذا في ظل نمو اقتصادي لا يتعدى 3%.
في الربط بين السلطة والمال

تستند البرجوازية الحاكمة على إخطبوط من الشركات القابضة ، و المجموعات المالية الكبيرة ،كما تنمي رساميلها في الداخل وفي إفريقيا ، وتحصل على ريوعات وأرباح طائلة ،من خلال التوظيف الجبري لمختلف أجهزة الدولة والمؤسسات العمومية التابعة لها،مكرسة ومعممة لاقتصاد الريع والنهب والاحتكار، وقد انفجرت تناقضات هذا الزواج بين السلطة والمال ، على إثر المقاطعة الشعبية العارمة لبعض المنتجات الاحتكارية(إفريقيا-سنطرال – سيدي علي) فأخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري استفاد من موقعه في السلطة من الاستفادة من 17 مليار درهم نتيجة تحرير أسعار المحروقات في عهد حكومة عبد الإله بنكيران السابقة ،كما استفاد حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي من فقرة في قانون المالية لعام 2018 ،بموجبها تم إعفاؤه من دفع 40 مليار درهم ضرائب للدولة، من خلال حكم يزيل الضريبة على نقل أسهم شركات التأمين،وتمكن هذا الوزير المحظوظ من بيع أسهم شركته في شركة “سهام” إلى ملياردير من جنوب إفريقيا ، مقابل أكتر من مليار دولار دون أن يدفع سلفا لخزينة الدولة، كما استفادت عدد من الشركات الاحتكارية والبنوك المالية من تساهل الدولة في إعفاءات ضريبية كبرى.
هناك ثلاثة مديريات أساسية يعتمد عليها المخزن في فرض قبضته اقتصاديا وسياسيا :مديرية الضرائب،التي تتيح معرفة من يدفع ومن ثمة تستطيع المراقبة وفرض الغرامة،مديرية العفو التي تتحكم في القضايا التي يجب تجنبها وتلك التي لا يجب تحريكها ، مديرية الأملاك المخزنية لمعرفة ما يمكن نهبه من عقارات، وتبعا لذلك أصبح الهيكل السياسي الذي يراقب النشاط الاقتصادي والسياسي والمخابراتي للبلاد ، بعد تنحية رموز الجيل السابق:1- الذراع المالي :منير ألماجدي،2- الذراع السياسي والأمني :فؤاد علي الهمة، الذراع ألمخابراتي: ياسين المنصوري.

في أزمة المسق السياسي
بلغ النسق السياسي المغربي الذي يؤطره دستور 2011، مستوى من التفسخ ،يصعب معه إصلاح أعطابه من خلال قرارات فردية أو إعفاءات رسمية من تحمل المسؤولية .
من ناحية ثانية ،برهنت الأحزاب السياسية بغض النظر عن عقائدها الايدولوجية ،عن عقمها في تجديد ذاتها ،وتأطير المواطنين/ت ،لسبب بسيط هو أن برامجها السياسية لا تعكس انتظارات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،و مكرسة فقط للدعاية والتسويق السياسي للوعود ،كما أن ممارستها للسياسة تطبعها الديماغوجية والكذب ،بل أصبح جل مبتغاها هو ترجمة البرنامج السياسي للقصر ونيل عطفه والتقرب منه ،والتطبيق الصارم لتعليماته ولو كانت في المعارضة ،وإذا زاغت عنها أو انتقدتها تعرضت للتهميش وربما الانتقام من قياداتها.
أمام استقالة هذه الأحزاب في لعب أدوارها باستقلال عن المخزن ،وأمام فشل النسق السياسي الذي يؤطره دستور 2011، أصبح الشارع هو المؤطر السياسي الأول لنضالات الجماهير الشعبية ،ومع تنامي حضوره اليومي ،بات يستدعي انبثاق فاعل سياسي جديد ،له مواصفات جديدة ،تتمثل في القطع النهائي مع النسق السياسي الحالي،ويدعو إلى نسق سياسي جديد ،يزلزل هذه البنيات العتيقة ويعوضها ببنيات أخرى تقوم على قاعدة الديمقراطية التشاركية وتجسد البديل التحرري من وجهة نظر الكادحين والمهمشين والهويات المضطهدة في المناطق ذات الخصوصيات السوسيو-ثقافية .
في أزمة البديل الديمقراطي
إذا كان النظام قد عبر عن أزمته من خلال فشل رهاناته الاقتصادية والسياسية ، فبالمثل لم ينبثق بديل ديمقراطي وحدوي، له برنامج سياسي قابل للتنفيذ، رغم تنامي النضالات الشعبية ،بدءا من حراك الريف وجرادة وزاكورة وأوطاط الحاج،إلى حركة المقاطعة الشعبية الناجحة ضد بعض الشركات الاحتكارية ،فما هي الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة؟
أعتقد أن السبب العميق لأزمته هاته تكمن في عجزه عن مواكبة التحولات التي طالت ما سمي حديثا بمرحلة النيوليبرالية، وعدم استيعابه لنتائجها الكارثية على مختلف طبقات الشعب وفي مقدمتها الطبقة العاملة،كما لم يستفد بعد من دروس حركة 20 فبراير والحراكات الجارية ، وظل في مطلق الأحوال يقوم بمساندتها دون أن يجرؤ على تقديم بديل اقتصادي وسياسي شامل ، من أجل انخراط أوسع للجماهير الشعبية ،خصوصا بعد أن عاش لسنوات طويلة تكلسا في تنظيماته وعدم انفتاحه على المعطيات الجديدة في الساحة السياسية ، وعدم قدرته على بناء أدوات النضال الجماهيري في خضم الهبات الشعبية الحالية ،واستقطاب عناصر جديدة من الشباب والنساء والعمال والكادحين باستعمال الوسائل العصرية في التعبئة والتنظيم والتواصل والتأطير.
يتجلى السبب الثاني في استمرار التباعد السياسي بين فصائله ، هذا التباعد الذي لا يساعد الجماهير على النزول إلى الشارع بشكل موحد،ويعطل إنجاز مهامها في النضال على قضايا اجتماعية حيوية،مثل التعليم والصحة والشغل والرفع من قدرتها الشرائية.
غير أن السبب الثالث يتعلق بأزمة الاشتغال في النقابات المركزية والحركات الاجتماعية كأدوات للنضال العمالي والشعبي.
ويكمن السبب الرابع في سيادة الطابع المركزي في تدبير إشكاليات التنظيم السياسي ،على حساب الطابع المحلي والجهوي.
وأخيرا :التراكم السلبي في عدم بلورة مشروع ثقافي تحرري،يواجه المشاريع الثقافية الرجعية والإمبريالية والصهيونية.
في المهام الراهنة لليسار
تقتضي المرحلة ،وهي مرحلة تنامي النضالات ضد النهب والاستبداد والفساد، العمل على وحدة اليسار بمختلف مكوناته ، كشرط أساسي لوحدة نضال الجماهير الشعبية، وذلك من خلال إيجاد حلول سديدة للاختلالات والتناقضات السياسية والتنظيمية عبر الحوار العمومي،لزرع الثقة وتجاوز الحزازات أو التوجسات السابقة، وكذلك عبر التدرج في ترجمة برامج نضالية وحدوية حول مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية،
-المساهمة في بناء أدوات النضال الجماهيري وفي مقدمتها الأداة النقابية على أسس سليمة ومبدئية،
– الانفتاح على الطاقات الشابة والمثقفين وغرس أشكال التضامن بينهم والانتصار لقيم الحرية والعقلانية والعلمانية والمساواة،
– الاشتغال بكثافة بالوسائل العصرية في التواصل والتأطير والتنظيم مثل الليف والوات ساب وتويتر والفايسبوك وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعي،
– المساهمة في القيام بمجهودات جبارة لجسر الهوة العميقة بين الحراكات الشعبية والحركات الاجتماعية من جهة وبين الحركة السياسية اليسارية،والعمل بمبدأ النقد الشيوعي الذي بلورته الأممية الثالثة ،أي إدماج نقد الجماهير الشعبية الغير منظمة أو التي تنفر من النشاط السياسي والتنظيمي ،في النقاشات الداخلية لليسار ،باعتباره سلاحا مضاء لمحاربة الانتهازية والزبونية السياسيين.