صراع الجهالات


معتز حيسو
2018 / 6 / 8 - 15:35     


إن البحث في إشكالية صراع الحضارات يدفعنا الى الإشارة الى أن الارتباط بين أزمة التفكير العربي والإسلامي وبين فشل تجارب القوميات العربية (وأنظمة أخرى) في إحداث تنمية اقتصادية وبشرية متلازمة مع أشكال حكم ديموقراطية أسهم في تحويل العديد من بلداننا ومجتمعاتنا إلى مجال مفتوح للتدخلات والاحتلالات الدولية والإقليمية، وأيضاً إلى التطرف والتكفير والجهاد المقدّس.

يُضاف إلى هذه الصراعات، صدامات متجلية ظاهرياً بكونها تكثيفاً لمواجهات تستمد زخمها من الموروث التاريخي من جهة، ويُراد الدفع بها إلى حقل الصراع الأيديولوجي من جهة أخرى.
هذا ما يكشف عن وجود ترابط عضوي بين بنية التفكير العقائدية السائدة، الدينية منها والسياسية، وبين أوضاع غير نظام عربي ينكشف على مزيد من التأزم الداخلي، وعن ميل ينحو باتجاه تفاقم الفوضى والصراع.
يرتبط ذلك مع تفاقم حدة التناقض والاستقطاب كأحد تجليات أزمة النظام الرأسمالي بنكهته الأميركية المعولمة، ما يعني أن ثمة ارتباطاً عضوياً بين أزمة النظام العربي وأزمة رأس المال العالمي.
وأمام تراجع تأثير الفكر التنويري، وأيضاً اليساري والعلماني والمدني بفعل عوامل ذاتية وموضوعية تاريخية وراهنة، يتعلق بعضها بالقمع السلطوي الممنهج، كان من الطبيعي أن تتفاقم المواجهة بين التطرف الديني والطائفي وبين أنظمة حكم تجسّد الوجه الآخر للتطرف والأحادية، إذ إن أي طرف لا يحتمل أياً من أشكال التنوع السياسي، وبشكل خاص الديموقراطية التي يرى فيها كلاهما مقتلاً له.
والواضح أن لحظتنا الراهنة تشكّل مدخلاً لاستنهاض وإعادة إنتاج المتعفن من تاريخنا، وبالتالي تحويل مجتمعاتنا إلى مجال مفتوح لصراعات عبثية تكشف عن تغوّل العمى العصبوي إلى مرحلة يبدو فيها أن «المتخلف» من تاريخنا بات يطغى على أوضاعنا الراهنة، ويتصدر أيضاً مشهد العنف الدموي بين عقائد وهويات صغرى محمولة على مفاعيل خارجية إقليمية ودولية، وتناقضات أخرى داخلية. هذا ما حوّل مجتمعاتنا إلى ساحة يرتبط فيها هدر الحريات والحقوق، وصولاً إلى هدر دم الإنسان مع العقائد الأحادية الإطلاقية بتجلياتها المختلفة.
وبعد التدقيق في ما يجري من صراعات داخل إقليمنا العربي، يمكن القول إن جميع ما أتينا على ذكره من عوامل لا يستقيم من دون ربطه بتحولات إقليمية ودولية أفضت إلى تسعير تلك الصراعات.
مجالنا المجتمعي والجغرافي بات مفتوحاً للاستثمار في الجهل والتخلف والاستبداد وسياسات الإفقار، وبالتالي اتساع دائرة الصراع الذي يتجلى ظاهرياً بكونه أحد تجليات الصراع بين الحضارات أو بين الثقافات. وكما هو معلوم، إن الحضارات تتلاقح وتتفاعل وتتواصل في ما بينها، والفكر في لحظة انفتاحه على التطور والعالمية لا يدخل في صراعات كالتي نشهدها فقط عندما يتحول إلى عقائد ومذاهب تعاكس التطور بفعل التكوّر على الذات والارتباط بالماضي الذي بات يهيمن على تفاصيل يومياتنا.
فهو يصبح من الممكن أن يكون حاملاً للصراع وإحدى أخطر أدواته، وذلك ليس له علاقة بما يسمى صراع الحضارات، لكنه صراع «جهالات» يقوده جهلاء تحولوا في لحظة معيّنة إلى زعماء يقبضون على ناصية التشريع للجهاد ضد «الإلحاد والديموقراطية والعلمانية» لنقلنا إلى «الفردوس الموعود».
وفي الإشارة، إن نظامنا العربي لا علاقة له بالعلمانية كمنهج للتفكير والحكم، ولا بأي من نماذج الديموقراطية وأشكال المدنية وحقوق المواطنة. وهذا ما مهَّد الطريق بفعل آليات اشتغاله السياسية الشمولية، والأمنية القمعية، والاقتصادية الاحتكارية، لكل أشكال التطرف التي نشهد بعضاً من تجلياتها في اللحظة الراهنة، فتقاطعت مخاطر التطرف مع اتساع دائرة الإفقار والتهميش والاستقطاب، وانفتاح مجتمعاتنا على الفوضى المحمولة على التنافس والصراع الإقليمي والدولي.
فأي مصير ينتظرنا بعدما تحولت بلداننا إلى مجالات مفتوحة للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وجميعها يدفع إلى تحويل مجتمعاتنا إلى مرتع للتطرف والاقتتال المذهبي والطائفي؟