حرية الراي والتعبير بلا قيد وبلا شرط


قاسم محمد حنون
2018 / 6 / 4 - 18:17     

في الاونة الاخيرة وخاصة من كتاب ومثقفيين وشيوعيين, وعلى صفحة الحوار المتمدن ووشبكات التواصل الاجتماعي كانت هنالك ردود وردود على الردود بمسائل مختلفة، وكان اغلب المتحاورين يشكون من الاساليب والسلوكيات التي تناولت النقد والدفاع والتهجم واحقية من على من ومن منطلقات مختلفة. ومازالت تلك المسائل محط اهتمامي واكيد الكثير أيضا. وقد وجدت دعوات وتهديدات حذف وغضب وتبادل طعن وكراهية. كيف لنا ان نعرف ان هذا الاسلوب والراي دون الاخر هو الاصح ومن مختلف المختلفيين. حيث كل امة وجمع وحزب وناقد برأيهم راضون وفرحون, وطبعا يشمل هذا كاتب تلك الكلمات وليس الكاتب بمعنى ما.
لقد مررت بفديو بالصدفة حول شكاوى من مواطنين امريكيين على ترامب الرئيس الامريكي بصفحته على تويتر، حيث طالبت القاضية بعدم حذفهم أو تهديدهم بالحذف ويجب ان يدلوا بآرائهم المخالفة لاراء وتغريدات ترامب. لقد هزني هذا الشيء العملي من قبل قاضية رسمية. ان حرية الراي والتعبير بلا قيد وشرط هي بلا قيد وشرط عدا السب والشتم والتقوٌل على الاخرين والتجريح والأهانة والتهديد, بمعنى انها نقد بلا نهاية كما الديالكتيك مطلق بالمعنى اللانهائي بسبب التغير المستمر لحركة المجتمع والمادة. يقول فولتير وهي باتت معروفة لدى الصغار حتى انني اموت في سبيل رايك المخالف لي. اي الدفاع عن الحرية هذه، رغم عدم تبنيها او تقف ضد رايك. والحرية ايضا حسب ماركس هي "ليست التي تقف عند حرية الاخريين وخاصة بظل الانقسام الطبقي. حيث تسود الانا والملكية. فهي عبودية ان لم تترجم بشكل عملي"، بمعنى اخر عندما يعترض الطفل او العامل او المرأة على المس بحقوقهم التي نالوها تاريخيا، فهو يعد من قبل الاب او رب العمل تعدي وتحدي وتمرد يجب ردعه وقمعه حسب السلطوية المتاحه لهؤلاء. فتارة الضرب وتارة التسريح والنقل وتارة الاهمال.
ان الحرية هي نتاج النضال التاريخي ومكتسبة ومتغيرة بالتاريخ نفسه كما كل شيء بالعالم الموضوعي. وكما هي الاخلاق ايضا فلايوجد شيء ثابت وهذا حتمي بالنسبة لي كمادي مطلق. لذلك لانجد حرية او جوهر الانسان بالتاريخ الاستعبادي وسيطرة السلع والملكية وعموم النظام الفوقي الحقوقي على الاحرار والجماهير. ولكن تتطور بشكل نسبي نتيجة النضالات الجارية والتغييرات التي تشهدها البشرية. ولقد ناضل وضحى وتعرض الكثير من الاحرار والثوريين بسبب الدفاع عن الحرية، تعرضوا للموت والتهجير والتجويع وللتاريخ شواهد كثيرة على ذلك. يقول غاندي لرجل قد قتل طفله على يد مسلم وهو يحاول ان ينتقم وذلك بقتل طفل مسلم وهو يصرخ بوجهه ما أفعل وانت تدعوا للسلام واللاعنف. قال له غاندي ان تاتي بطفل قتل ابوه المسلم وان تربيه وتنشاه على دينه.. صمت الرجل ولاعرف ربما مازال صامتا وكانها ليست حقيقة عملية بل رواية لبطل ديمقراطي بوضع طائفي متعصب. ومارتن لوثر واخرين ضد العبودية وعمال شيكاغو والثوار بفرنسا والعالم وكثير من الشيوعيين ضحوا في سبيل الحرية وعلى معبدها.
ان العالم اليوم يؤكد على التربية والتعليم. حيث يكون المدرس ميسرا للدرس وللفصل وليس معلما بالمعنى الحرفي والتعليمي. ويسمح لطرح أسئلة خاصة تلك الاسئلة التي لاتتطابق مع ماهو سائد من القيم العامة والعادت في مجتمع ما. والصف الحر والتساؤلات الحرة تنتج مجتمعات حرة وغير مستعبدة. لذلك ان التباكي من قبل الكثير من الشيوعيين بسبب نقد قضية ما طفحت بلحضة ما وبين مجاميع ما يسارية. هي طبيعية جدا ولايتطلب الامر التعصب والحذف وعدم تبادل التحايا التي كانت سائدة قبل الحوار او الخلاف او الادعاء للخلاف. ووضع اخر ومسائل اخرى. "اذ لايمكن السباحة بالنهر مرتين" "وانت لست انت وهو ليس هو".
ان الدعوة الدائمة للحوار ليس المجرد بل العملي والتغييري هو اداة ثورية للتغيير. لذلك نقد النقد والنقدي والنفي ونفيه.. هو مسارات للامحدود واللامتوقع. لذلك اذا كان ثمة حوار بين شيوعيان مختلفان. ايضا سيكون موقعهما المالي بالنتاج مؤثر مسبقا على طبيعة الحق بحرية الراي. لذلك عندما نقول الرفيق الفلاني والكاتب الفلاني من البلد وبسبب موقعه الانتاجي هو الذي يدفعه للخلاف معي. يقولون لك تعدي وحرية شخصية والمهنة لاتستخدم للاهانة بسبب اسلوب عيشه. اذن يارفيقي مالذي يدعوك للخلاف وانا شيوعي وبخندقك ونواجه كل اثام البرجوازية ونقد الارض والسماء وكائناتها من الاسفل الى الاعلى بلا نهاية. اهو الخوف "الخوف من ماذا" اهو العبودية والمجاملة من ماذا ايضا؟. لما تطالبني بالتوفيق او الصمت او اللامبالاة. اين الحرية بذلك، وعند الرد حول ذلك بهذا المعنى والمحتوى. تقول انها وقاحة وليس حرية. اما ان اكون معك وتلك المعك نابعة من موقع معنوي اقتصادي استعراضي وحاجة لسد نقص ما بتاريخ اي احد منا. او لاكون معك تتهمني بالتجاوز والتطاول. لاتوجد شخصنه بقدر ماهي عامة واجتماعية تنعكس على شخصي وشخصك واي بشر من دم ولحم. عندما تتوقف العقول تشتغل الايادي ولاعرف لمن تلك الحكمة او المقولة لكني قراتها او ربما سمعتها. واما ان تكون معي او ضدي، وتلك ثنائية مستبدة, حيث ان كل الذي اعرفه انني لااعرف اي شيء. ان الاعتذار مثلا بين الماضي والحاضر والذات الانية والتاريخية وبيني وبينك وهو وذاك. هو تواضع وسمة رائعة. والنرجسية والتعالي صفة مفضوحة يتعرف عليها الاخرون من التجربة مهما كنت عصاميا او مثاليا او مبدايا. فستسقط بالماء من شدة تعجبك حتى بمباديئك او المخزون المعرفي الذي سيتلاشى بالشيخوخة ربما.
ان حرية الراي والتعبير هي دليل على حجم التعاون بين الناس والمجتمعات. ومتى تسود حقيقة مطلقة واراء زعيم او نبي يبدا الانهيار والجلد والتهميش والكراهية. ان مطالبة الناس بالسمو والمثل والتضحية والصبر هي تكشف صاحب تلك الدعوة. اذ انه يحتاج للمادة والعيش والرفاه والنظافه والحنين. حيث لايوجد انسان وحده. دائما كانت هنالك مجاميع بشرية وبالتعاون حقق البشر مالم يحققه اي كائن موجود أو انقرض. وذلك هو جوهر الماركسية واعادة الخيار للانسان وتحرره ربما الابدي من اي نوع من انواع العبودية حتى المختارة منها بسبب العاد والخوف والرزق. عندما يسود النقد للاخر تسود الحرية وسنكتشف مالم يكتشفه احد رغم انه كان امامنا وبمتناول رؤية الاخرين واحاسيسهم. لكن المثالية الشديدة تجعلنا لانرى سوى مابعقولنا.
قال سقراط لاحد ما وهو يستعرض بشكله وجسده وهيبته امام سقراط. تكلم كي اعرفك اكثر. انتقد كن شجاعا وجريئا اعترض بلا رحمة. بلا قيد ولاشرط. لاتستسلم لماهو سائد لذلك الثورة والثورة المستكرة هي اجتماعية وضد العادات حيث اعدى اعداء المجتمع هي العادات التي يعتاش عليها كل قديم ورجعي ويميني. وحيث نرى الجديد كفرا وتمرد واسائه. التغيير بالطبيعة بالمجتمع بالدولة بالزواجات بالاخلاق بالقيم. لاتوجد ارادة تصمد امام المتغيرات ولكنها ربما تؤجلها من خلال الفوقي على حساب التحتي المتغير.
ان الشيوعية التي تطرد وتحذف بدون اي موقف او سبب وبشكل غاضب وحاقد، فهي تعيد الى الذاكرة الستالينية ومشروع الاستبداد داخل التحرر. يجب قراءة مابعد الماركسية والاضافات والقرائات النفسية الاجتماعية. كي يلحق بعض الشيوعيين بالتطور المدني الحاصل. ولايمكن تبريرها وتاجيلها حتى تتحقق الاشتراكية وانهاء الملكية. يمكن ان نطور حرية الراي والتعبير في ظل نظام راسمالي او راسمالية الدولة. ان الديمقراطية والحرية هي من اولويات الشعوب وخاصة التي لها ذاكرة استبداد وتنمو بشكل طبيعي. دائما هنالك نموذجا وجرثومة ستالينية لدى اغلب الشيوعيين تطفح ما ان تتوفر لها الاجواء. واكيد ستبطش وتطارد وتجوع مخالفيها. الحب وحب الراي الاخر ضروري رغم مخالفته وهذا صعب جدا. وانا احب كل من يختلف معي وارحب به. ولكنني ساختلف معه بقسوة واثرثر حول اي راي بلا رحمة. لكني مستعد ان اكون معه للاخر على اساس نحن مختلفيين. من منطلق الانسان اثمن راسمال مهما كان رأيه وايدلوجته وتخريفه وايمانه والحاده. يحتاج هذا الى تدريب وعمق وهداية ايضا؟ "من ليس معنا فهو ضدنا" لاتجد طائفتيين بالاحزاب الشيوعية الحرة العلماء والجهلاء. ان هذا النوع من الشيوعيات هو ثكنة.
ان المباديء الشيوعية هي تعبير عن الشروط الفعلية لصراع طبقي موجود. وعن حركة تاريخية تدور امام عيوننا. فالحرية بالنسبة للحزب الثوري الماركسي هي لاتنفصل ولا تتعالى على الجماهير. لقد جعلت الكومونة ماركس يصرخ ظافرا، "هذا هو الشكل السياسي الذي تم اكتشافه اخيرا والذي يمكن به تحقيق تحرير العمل اقتصاديا". ان الوعي الطبقي ليس نتاج الفكر بل نتاج الواقع الاجتماعي. لذلك حينما يعتقد بعض المثقفيين من الشيوعيين بانهم يعطون الوعي بطبق من ذهب للعمال للسيطرة على حركة مسيرتهم العفوية، هو بمثابة قيد مثالي مسبق وليس نتاج تطور نظالي اقتصادي سياسي. ان الحريات السياسية والايمان بقدرة الجماهير على تحرر نفسها من العادت والتقاليد والاسلام السياسي والقومية والى اخره، لاتنبع من رؤس الفلاسفة والحزبيين والمثقفين بل تنبع من عمق الواقع المحتدم طبقيا. وعلى الطليعة ان يدفعوا بهذا التطور والنقد الى الامام بشكل راديكالي، وبلا مهادنة للسياسة السائدة او تاجيل هذا التغيير بحجة الفوضى والى اخره. على المستوى الفردي وبغياب المؤسسات والتعاونيات والمجالس الشعبية كنمط سياسي لايشبه البرلمانات ، التي تتحكم بمستقبلك خلال فترة طويلة باسم الشرعية الجماهيرية، وان امتنع الناس من التصويت كما راينا بانتخابات العراق 2018 والعزوف الواعي الذي كان سبب وعيه هو الواقع المقهور والمتردي وغياب الحاجات المادية والاساية والحريات. وبشكل عملي تحولت الافكار الى قوة مادية بسبب الواقع الذي سبق تلك الافكار.
ان البرجوازية الديكتاتورية باشكالها المختلفة للسلطة سواء فاشية او ملكية او برلمانية سببها الجماهير التي تعطي اصواتها بيد هؤلاء وما ان تكف بان تمدها بيدها وبقوتها ستنهار. ويديم هذا الوضع مجموعة موظفين يستولون على بعض فتات الفائض من الدولة ليروجوا للالاف والملايين وتكون عادة هذا النظام والنمط من النظام. ومن هنا تبزغ اهمية نقد السلطة والدين والاشخاص والمثقفيين بشكل عملي من قبل الجماهير وتعريتهم. يقول هادي العلوي مامعناه، ان المثقف حتى لو يمكن ثوريا عليه ان يكون مع الجماهير ويشاكس السلطات ويدعم الثورات الجماهيرية المتطلعه للمساواة والحرية. ولايمكن قمعها بقلمه او شكل فني ما باسم انها حرية غير مبررة وغير معقولة ويحاول ان يحد منها. لانها تتجاوز على المال العام والمؤسسات ورجالات الدولة وشرعية الدستور. اذ ان بالثورات تسقط القوانين التي جلبت كل هذا الدمار والانهيار، وتخرج قوى جديدة ورافضة لتعبر عن حريتها بشكل عملي بلا قيد ولاشرط.