بعض الإشكاليات المعرفية في تاريخ الحزب الشيوعي العمالي العراقي / مساهمة في الحوار 4


سعد محمد حسن
2018 / 6 / 2 - 14:42     

بعض الإشكاليات المعرفية في تاريخ الحزب الشيوعي العمالي العراقي
مساهمة في الحوار (4)


لاشك من أن مفهوم الشيوعية العمالية قد ظهر وتطور مطلع ثمانينيات القرن الماضي في أوساط الحركة الشيوعية الإيرانية وتحديدا منها الحزب الشيوعي الإيراني الذي أعلن عن تأسيسه في العام 1983 على أثر التحالف بين منظمة الكوملة / العصبة, وبين اتحاد المناضلين الشيوعيين بقيادة منصور حكمت ) في أطار مشروع مشترك سمي وقتها بحركة الماركسية الثورية مستلهمة رؤيتها من تجربة الثورة الإيرانية ودور الطبقة العاملة فيها وخاصة حركتها المجالسية والسوفيتية التي ظهرت أبان تلك الثورة
.
يكتب الرفيق نزار عبد الله عن البدايات الأولى للشيوعية العمالية قائلا ( أن " الماركسية الثورية " في إيران كحركة يسارية شيوعية جديدة رغم تأثر قادتها بشكل واضح بالأفكار والأبحاث والمفكرين الماركسيين المعاصرين وبتياراتها الرئيسية مثل " الأممية الرابعة " أو " تيار الاشتراكية الدولية " وغيرها من التنظيمات الاشتراكية الدولية ألا أنها لم تعترف ولم تعتبر أي منها حركة ماركسية أصيلة وسلكت مصيرا خاصا بها دعت فيه إلى انطلاق حركة جديدة تستند وتعترف فقط بتراث ماركس و أنجلس ولينين لا غير في رحلتها ومسيرتها الشاقة , تمكنت " الماركسية الثورية" من الاعتماد على الذات وشحذ الكثير من المسلمات والأفكار الماركسية الكلاسيكية وإعادة ضبط مفاهيمها وقدمت تفسيرات راديكالية للتراث الماركسي وبخاصة فيما يتعلق بدور الطبقة العاملة في تحرر نفسها بنفسها وفي نقد " التحريفية " و" الستالينية " و" الماوية " و" الشعبوية " بكافة أشكالها وتللاوينها) انتهى الاقتباس .
يبدوا من أن الخيار النظري الذي تبنته الحركة الماركسية الثورية في إيران قد اصطدم بالتطورات الحاصلة على أرض الواقع .
يكمل الرفيق نزار عبد الله ( وهو أحد القادة المؤسسين للحزب الشيوعي العمالي العراقي ) حديثه فيقول (عقب فشل الثورة الإيرانية وانسداد آفاقها وسيطرة الحركة الإسلامية الشيعية بقيادة الخميني و وإجهاض منجزات ومكتسبات الثورة ظهرت حركة نقدية فكرية بقيادة منصور حكمت داخل الحزب الشيوعي الإيراني تنتقد الآراء والأفكار المطروحة السابقة في إطار "الماركسية الثورية" وتدعو إلى قبول أبحاث وتصورات جديدة تبلورت في نهاية المطاف تحت لواء "الشيوعية العمالية"، جوهر الحركة النقدية هو رفض جميع الحركات والتنظيمات الشيوعية والماركسية السابقة لا في إيران وحدها بل على مستوى العالم بأسره باعتبارها (بما فيها الحزب الشيوعي الإيراني بالطبع) أحزابا برجوازية أو في أحسن الأحوال أحزابا غير عمالية انبثقت في خضم صراعات سياسية واجتماعية أخرى لا تمت بصلة بالصراع الطبقي الحقيقي الجاري بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، أما "الشيوعية الحقيقية" فهي حركة موضوعية اجتماعية مستقلة عن تلك الأحزاب والتيارات، أنها حركة الطبقة العاملة التي ظهرت في ا أحشاء النظام الرأسمالي كحركة طبقية معاصرة استطاع ماركس و أنجلس ولينين التعبير عن تطلعاتها ومصالحها، هذه الحركة قامت بثوراتها في باريس وروسيا وبعد هزيمتها في أكتوبر وبناء رأسمالية الدولة في روسيا انقطعت عن الاستمرارية وتحولت كافة الفصائل والتنظيمات الشيوعية التي جاءت بعد الهزيمة بما فيها الحزب البلشفي نفسه إلى تنظيمات وأحزاب لحركات برجوازية وبرجوازية صغيرة يجمعهم مظلة واحدة وهي كون جميعها "شيوعية برجوازية و خطابت هذه الحركة النقدية للحزب الشيوعي الإيراني الذي انبثقت من داخله وقد تمحورت حول ضرورة الارتكاز على الطبقة العاملة وتيارها الموضوعي "الشيوعية العمالية" والبدء بتغيير ركيزتها الاجتماعية عبر عملية سميت وقتذاك بعملنة الحزب (أي التحول إلى حزب عمالي) وبعكسه فأنها لا تستطيع أن تتنفس بدون ركيزتها الاجتماعية (أي العمال) والموت مصيرها..) انتهى الاقتباس .

عادة ما تواجه الحركات السياسية أكثر الصعوبات تلك التي تتعلق عادة بمدى قدرتها على وضع خيارها الفكري موضع الرهان الاجتماعي أي في قدرتها على الإحاطة المعرفية بالواقع الاجتماعي في لحظته الراهنة ( الواقع الاجتماعي كما هو تحديدا ) على حد تعبير جورج لوكاش ولا شك من أن تلك الصعاب كانت شاغل ا الحركة النقدية للحزب الشيوعي الإيراني التي استندت على إعادة قراءة ماركس أنجلس , لينين ولا غير" وفق للاقتباس أعلا"والتي تمخض عنها ما يعرف بالشيوعية العمالية والتي جرى التأسيس السياسي لها فيما بعد , لكن يبقى السؤال الأهم في ظل ذلك المخاض الفكري هو ما يتعلق بمدى راهنيته في معالجة واقع إيران الاجتماعي المتداخل قوميا ودينيا وطائفيا وفي ظل أنماط إنتاج رأسمالية وأخرى ما قبل الرأسمالية وبيئة اجتماعية تهيمن عليها ثقافة دينية وخطاب إسلامي سياسي وفي ظل انتهاكات لحقوق الإنسان وللحريات العامة والشخصية . لكن ما يعنيني في هذه الدراسة ليس وضع الحزب الشيوعي العمالي الإيراني والذي يبدو لي هو الأخر عرضة لأكثر من انقسام , وإلكن ما يعنيني حقا هو تأثير هذا الحزب على حركة اليسار في إقليم كردستان وامتداد هذا التأثير في المدن العراقية الأخرى .
يذكر الرفيق نزار عبد الله في المقابلة التي أجراها له موقع الحوار المتمدن حول وضع الحركة اليسارية في كردستان والمدن العراقية الأخرى بالقول
( في كردستان العراق فان الحركة الشيوعية في الإقليم كان لها وضع خاص منذ البداية ويبدو بان وقائع وأحداث ونهضة اليسار الجديد في هذا الإقليم ليس معروفا بما فيه الكفاية لمعظم الشيوعيين واليساريين في العالم العربي (ويبدو هذا واضحا في الرسالة الجديدة التي وجهها سلامة كيلة إلى الشيوعيين العراقيين المنشورة في مجلة "الأفق الاشتراكي" في موقعه الالكتروني). ولذلك لا يسعني ألا أن اشرح وأتطرق إلى نهضة اليسار الشيوعي الجديد بشيء من التفصيل لتوضيح الصورة ليس ألا
مرت الحركة الماركسية الجديدة في إقليم كردستان بعدة محطات أولها كانت تشكيل العصبة الماركسية اللينينية الكردية المعروفة "باسم كومةلة-العصبة" في خضم حركة الشعب الكردي لتقرير مصيره وبغية التصدي لـ"اتفاقية الجزائر" الموقعة سنة 1975 والخروج من تداعياتها. تشكلت "العصبة-كؤمةلة" الماركسية اللينينية في أواسط سبعينات القرن الماضي، تشبه وتقلد شقيقتها الأخرى في كردستان إيران التي سبقت وجودها حاملة الاسم نفسه أي "كؤمةلة-العصبة".
التنظيمان لعبا في كردستان العراق وفي إيران دورا مؤثرا في نشر الأفكار الماركسية واليسارية الرائجة آنذاك وفي انعطاف المجتمع الكردي في البلدين نحو اليسار والاشتراكية، انضمت "العصبة-كؤمةلة" العراقية فيما بعد بقيادة نوشيروان مصطفى- رئيس حركة التغيير حاليا التي فاز بـ 25 مقعد في برلمان الإقليم في انتخابات 25تموز سنة 2009- مع كتلة "الثوار" بقيادة جلال الطالباني- رئيس جمهورية العراق الحالي- لاتحاد تنظيمي سمي بالاتحاد الوطني الكردستاني. دعت "العصبةـ الكومةلة" إلى الماركسية اللينينية ولكنها كانت تطبق النهج القومي والشعبوي فعلا.
تخلت "كؤمةلة" رويدا رويدا بسبب هيمنة الأفكار القومية ونكسة الثورة الإيرانية والحرب التي كانت الدائرة بين العراق وإيران وهزيمة الحزب الشيوعي العراقي وأسباب أخرى دولية عن "الماركسية" في أواسط الثمانينات واضمحلت في أطار الاتحاد الوطني الكردستاني.
ألا أن الحراك الشيوعي واليساري الجديد لم يتوقف حيث ظهرت وانبثق بشكل آخر، وهكذا بدأت المحطة الثانية للحركة الجديدة في الإقليم بتأثير الثورة الإيرانية وبتأثير منظمة العصبة-كؤمةلة الإيرانية وعلى أثر ذلك تشكلت العديد من التنظيمات والفرق الماركسية الصغيرة في إقليم كردستان وتحديدا في مدينة السليمانية وفي مدينة كركوك.

تأثرت الحركة ليسارية في كردستان العراق التي تشكلت في أوساط الطبقة الوسطى المثقفة منذ بداية الثمانينات بـ"الماركسية الثورية" وبالأفكار وممارسات الحزب الشيوعي الإيراني ومقراته المتواجدة في الإقليم وتبنت بلا استثناء كافة أطروحاته وأفكاره (ماعدا تنظيم شيوعي قومي صغير انشق عن الاتحاد الوطني باسم "راية الثورة"). وتأثرت لاحقا بتيار "الشيوعية العمالية" وأبحاثها وتفاعلت معها بحذافيرها.. ولم تكن لمثقفي الطبقة المتوسطة في كردستان المنقطعين عن التطورات الماركسية المعاصرة وتفاعلاتها خيار غير قبول تلك الأفكار والترويج لها واتخاذها كبرنامج سياسي وتنظيمي..
ولم تكن السماء صافية بنفس الدرجة المذكورة لتيار"الشيوعية العمالية" في أوساط الحزب الشيوعي الإيراني نفسه وبخاصة من قبل القادة والمؤسسين السابقين لمنظمة "العصبة- كؤمةلة" الإيرانية حيث أن معظمهم لم يقبل بالأبحاث الجديدة معتبريها عبثية وهدامة لبنيان الحزب ومقراتها وتنظيماتها العسكرية المتواجدة في إقليم كردستان العراق آنذاك.
عندما اخفق تيار "الشيوعية العمالية" في تحويل وتغيير الحزب الشيوعي الإيراني إلى الحزب الشيوعي العمالي المثالي المنشود وتغيير صورته إلى "بنية حزبية واحدة" عبر عن عجزه بترك الحزب الشيوعي الإيراني وكافة مقراته وتنظيماته في كردستان العراق لتبدأ رحلة الكثير من مناصريه إلى الدول الأوربية حيث استقروا فيها، أما الحزب الشيوعي الإيراني الأم فقد بقي متمسكا بتراثه الماركسي الثوري ولا يزال يحتفظ به.
توج الانفصال عن الحزب الشيوعي الإيراني بتأسيس حزب جديد في الخارج باسم "الحزب الشيوعي العمالي الإيراني " سنة 1991. والحزب الجديد واجه نفس صعوبات الحزب الآم القديم ولم يحمل أي جديد عدا الأفكار والادعاءات القديمة-الحديثة، أما الأفكار والتفسيرات الحديثة التي نادى بها بصدد " الشيوعية العمالية" وآفاقها وركائزها اقل ما يقال عنها أنها تضمنت تفسيرات أصولية متطرفة للماركسية، نظرا للمغالاة في "الشرعية الإيديولوجية" واعتبار "الشيوعية العمالية" التيار الحقيقي والممثل الشرعي الوحيد للشيوعية.
وفيما يتعلق بالفرق والتنظيمات الشيوعية الصغيرة في إقليم كردستان والتي تأثرت بتيار "الشيوعية العمالية" يمكن اعتبار اندلاع انتفاضة آذار سنة 1991 نقطة انعطاف هامة في سيرورة تغيرها وتحولها. ان انتفاضة الطبقة العاملة والشغيلة المحرومين في كردستان التي أثرت بشكل بالغ على تطور الحركة الشيوعية والماركسية في الإقليم ، فبينما كانت الفرق الاشتراكية والشيوعية التي شكلتها النخب الشيوعية المثقفة تعيش في عالمه السفلي السري جاءت الانتفاضة الشعبية ( ولم تكن تخلو من مبادرة تلك التنظيمات الشيوعية واللجان الثورية الشيوعية ولجان الانتفاضة) لتخلق واقعا جديدا لها، استقبلت الجماهير العمالية والشعبية مشروع ومبادرة الشيوعيين لتشكيل المجالس الشعبية والعمالية في الإحياء وفي مراكز العمل والمراكز الخدمية بترحيب بالغ لتنطلق حركة مجالسية جديدة بقيادة الشيوعيين في الأسبوع الأول للانتفاضة التي استغرقت ثلاثة أسابيع وقد بدأت وتبمنافسة سلطة الأحزاب القومية الحاكمة.
رغم قمع الانتفاضة من قبل النظام البعثي ألا أن الحركة المجالسية وضعت أولى لبنات حركة جماهيرية وتنظيمية جديدة ومستقلة في الإقليم مهدت الطريق لانطلاق وتأسيس العديد من النقابات والتنظيمات العمالية والشعبية الجديدة لاحقا.
نجحت التنظيمات الشيوعية الصغيرة في أول اختبار حقيقي لها ورغم قلة أعدادها في كسب الجماهير الشعبية والعمالية لصالحها واستطاعت الدفاع بضراوة وجرءة عن مصلحة الطبقة العاملة والمحرومين والشغيلة ضد النظام البعثي وسعت إلى تعميق الانتفاضة والاستمرار في الثورة ومحاسبة المدراء البعثيين الفاسدين الباقين وتحدي سلطة الأحزاب المسلحة القومية التي ركبت الموجة وأسست على الفور سلطة بديلة لسلطة البعث المنهارة لتحافظ على ما هو موجود ولتدوس بأقدامها الحركة المجالسية والمطالب الشعبية لتمد بذلك العون للنظام البعثي الحاكم.
وثمرة هذا التحول هو تشكل ثلاث تنظيمات شيوعية وتدفق المئات من الناشطين الشيوعيين الثوريين.
رغم أهمية الانتفاضة لم ترحب "الشيوعية العمالية" بقيادة منصور حكمت بها واعتبرتها حركة رجعية جاءت ضمن سياق سلسلة من الأحداث الرجعية اكبر منها بدأت بحرب أمريكا ضد العراق سنة 1991 مرورا بطرد الأخير من الكويت ثم اندلاع انتفاضتان أحداها في الجنوب والأخرى في شماله. رغم أن هذا الموقف جوبه بالرفض في البداية من قبل اغلب التنظيمات والناشطين الشيوعيين ألا أن الصمود لم يستمر إلى النهاية، النفوذ والهيمنة الفكرية لمنصور حكمت في الحركة الشيوعية الفتية التي كانت تنقصها النضوج و الإرادة الذاتية والتجذر الطبقي والاجتماعي ا قد مكن منصور حكمت من أن يحسم الموقف لصالح هيمنة أفكار تيار "الشيوعية العمالية"، وتحفز رحيل قادة التنظيمات الشيوعية البارزة إلى خارج العراق بغية تشكيل قيادة مشتركة مع منصور حكمت لتتوج لاحقا بمشروع تشكيل حزب جديد بين التنظيمات الثلاثة البارزة في الإقليم باسم الحزب الشيوعي العمالي العراقي في شهر تموز سنة 1993.
وقد جاء مشروع تشكيل الحزب في وقت لم تكن توجد تنظيمات شيوعية أخرى (فيما عدا الحزب الشيوعي العراقي ومجموعة صغيرة قد شكلت تنظيما صغيرا باسم العصبة) على صعيد العراق، وكانت الحركة في الإقليم نفسها في طورها التأسيسي والمبادرات الخلاقة والتنافس الطبيعي بين مختلف أطيافها سيد الموقف، وكانت تحمل الحركة بالطبع أمراض نموها وأمراضا أخرى تعود ا إلى فكرها وبنيتها الإيديولوجية , فقد كان كل طرف يدعي الشرعية الإيديولوجية ويدعي تمثيلها الحقيقي للشيوعية العمالية، ألا أن تلك الإمراض كان من الممكن تفاديها وعلاجها في خضم التطور الطبيعي للحركة ذاتها. لقد جاء مشروع الحزب ليوقف عملية التطور الطبيعي وقام بإجهاضها في مهدها.. في وقت لم يستطع قادة التنظيمات الثلاثة بسبب شدة خلافاتهم السياسية والفرقية من الجلوس حول مائدة مفاوضات واحدة بغية التفاهم المشترك , تدخلت "الشيوعية العمالية" على الخط ودعت في رسالة خاصة من قبل منصور حكمت ا إلى تشكيل حزب شيوعي عمالي جديد في العراق يتمحور حول " أبحاث الشيوعية العمالية" ويقبل بالمرجعية، بعد مناقشات وجدالات فرقية وعصبوية حادة وبضغط من قبل منصور حكمت وأنصاره وافق واستجاب قادة التنظيمات على المشروع الجديد، الولادة كانت عسيرة وغير طبيعية وجاءت اثر عملية قيصرية. تأسس الحزب وفق آلية المحاصصة التوافقية بين التنظيمات الثلاثة الرئيسة وتم تنصيب 10 أشخاص انيطت بهم مهمة الإعلان عنه وتشكيل لجنته المركزية مع توجيه الدعوة إلى الشيوعيين الآخرين للتوقيع على الإعلان
عقب الإعلان عن الحزب الجديد ا أصبح مصير كل الحركة بكل تلاوينها وأطيافها بيد أقلية حزبية تمارس سلطة مركزية واسعة ممهدة السبيل إلى بيروقراطية وتكريس اوليغارشية حزبية، لم تستطع الأحداث اللاحقة وتمرد معظم قاعدة الحزب على تلك الممارسات سنة 1995 من تدارك وعلاج الموقف وسيادة ديمقراطية حزبية في حدودها الأدنى .
أن المكاسب التي تحققت في العراق لتيار "الشيوعية العمالية" قد رفعت بدورها من شدة وحدة الانتقادات اللاذعة لسائر التيارات والأحزاب اليسارية والشيوعية والاشتراكية الأخرى إلى درجة بلوغ مرحلة نعت واتهام جميعها وكل التجربة التي خلقتها بأنها شيوعية برجوازية أو برجوازية صغيرة صرفة واعتبار انبثاق هذا التيار كأنه دعوة جديدة وبداية لعصر جديد مشرق تمثل الاستمرارية لمسيرة انقطاع دامت أكثر من 70 سنة لتراث ماركس و أنجلس ولينين فقط. هذه التفسيرات الأصولية للماركسية والحركة الشيوعية قطعت صلة تيار "الشيوعية العمالية" مع كافة الفصائل والتنظيمات الشيوعية والاشتراكية الأخرى على الأقل في العراق وإيران ، والاستمرار في بناء السور الصينى والذي كان له مردودا عكسيا تمثل في الانعزال الخانق والانطواء في عالم خاص ) ثم يكمل الرفيق نزار عبد الله حديثه بالقول ( ومن الناحية التنظيمية استندت أحزاب "الشيوعية العمالية" على نظرية "بنية حزبية واحدة" التي ترجمت تنظيميا بضرورة التمسك التام بخط الشيوعية العمالية ونبذ قيام التكتلات والانقسامات السياسية والفكرية بداخلها. أن الاستثناء الذي اقره مؤتمر الحزب البلشفي سنة 1921 ا أصبح قاعدة تنظيمية مستقرة داخل ا أحزاب الشيوعية العمالية.
بهذه الخصوصيات والسمات ونتيجة لتصورات سياسية وتنظيمية خاطئة وتفسيرات أصولية للماركسية والحركة الشيوعية أخفقت تجربة "الشيوعية العمالية" في توحيد الحركة وفي التجذر الاجتماعي ودخلت في أزمة مستعصية كانت نتيجتها وانعكاساتها الضمور والتآكل التدريجي لأحزابها وتحول تنظيماتها بشكل تدريجي إلى فرق نخبوية تضم نخبا شيوعية حرفية سرعان ما لا تتفق بين صفوفها وتنقسم على نفسها وتنشطر إلى أحزاب وتشكيلات أخرى متناحرة فيما بينها تحمل جميعها نفس الهوية والاسم ألا أنها منقسمة فيما بينها وتتبع وتعترف فقط بمرجعية قائدها الكاريزمي منصور حكمت دون غيره.( انتهى الاقتباس)