طروحات ضد اُخرى.. هل الحزب الشيوعي العمالي على اعتاب مرحلة جديدة


قاسم علي فنجان
2018 / 5 / 21 - 01:16     

"من يحلم بحركة اجتماعية صافية" لينين.
كشف البلنوم الثالث والثلاثين للحزب الشيوعي العمالي العراقي عن اختلافات جوهرية في السياسة التي يجب ان تكون في المرحلة القادمة, هذه الاختلافات هي ليست وليدة هذا البلنوم, بل هي اختلافات متراكمة, توضحت اكثر واكثر بعد احداث 2003, وهذه الاختلافات بدأت تأخذ ابعادا نقاشية وسجاليه, سطرت على صفحات الحوار المتمدن الغراء, وحسناً يفعل المختلفون داخل الحزب, فهذه حالة صحية جدا, فبقية الاحزاب اليسارية لم نسمع أو نقرأ يوما عن اختلافات داخلها, وكأنهم يعيشون حالة "ولكل حسب حاجته".
وكنت قد كتبت مندرجات هذه الورقة بعد اطلاعي على البحث المقدم من قبل الرفيق مؤيد احمد "سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي" الى البلنوم الثالث والثلاثين للحزب, والذي كان بعنوان "المضمون الطبقي للدولة واشكالها الانتقالية. ملاحظات حول طروحات "حكومة علمانية وغير قومية" والمنشور على صفحة الحوار المتمدن - العدد: 5866 في 7 / 5 / 2018. ويعد هذا البحث مهما جدا لما يشير اليه من قضايا جوهرية, قد تكون عززت من الاختلافات, او قربت من وجهات النظر بين مختلف التيارات داخل الحزب, وفي كل الاحوال فأن البلنوم الاخير قد حدت فيه النقاشات واحتدم فيه الجدل, فكانت طروحات ضد اُخرى, وكان يجب ان تكون لنا مساهمة ولو بسيطة ومتواضعة, فقد يكون الحزب على اعتاب مرحلة جديدة "واظن ذلك" فلا نريد ان نذهب الى اي احد ونقول له "خاله شكو شنهو الخبر دحجيلي", بل كان لنا الاطلاع على بعض الكتابات التي صدرت, والتي تكشف مدى الخلاف والاختلاف في الرؤى السياسية, مع ان بعضها اصبح خلافا شخصياً الى هذا الحد او ذاك, لكننا بطبيعة الحال سننحي جانبا تلك الخلافات الشخصية, ونولي الاهمية للفرق بين هذا الطرح السياسي وذاك.
هناك صراع يدور داخل اروقة الحزب, وهذا شيء جيد, فمن الممكن ان يخرج المختلفون بصيغة جديدة وجيدة لتقوية الحزب, من خلال طرح رؤى سياسية تكفل لنا ديمومة النضال واستمراريته, وكيف نوجه الدفة وبأي اتجاه, فنحن في وسط بحر هائج -الرأسمالية- وامواجه المتلاطمة -الطائفية والقومية والعشائرية- تقذف بالمجتمع الى العمق من هذا البحر, والحزب الشيوعي العمالي كحركة اجتماعية كان قد رفع شعار مواجهة الرأسمالية منذ تأسيسه, وبدأ بتغيير اساليبه وتكتيكه من فترة لأخرى, وهنا يقع او وقع الخلاف في الرؤى, فهناك من رفع شعار العلمانية لشكل الدولة في المرحلة القادمة, وهناك من تمسك برؤيته الارثوذكسية التي ترى ان لا نحيد عن تغيير ماهية الدولة وليس شكلها فقط, ويأخذ الصراع ابعادا ومجالات اخرى, ونحن سنقتفي اثر هذا الصراع قدر الامكان, وسنتحدث عن هذا الطرح او ذاك, لعله يكشف لنا ما سيؤول له واقع الحزب, لأن الجميع يكاد يتفق على أن شيئا ما سيحصل.
وسنبدأ ببحث الرفيق مؤيد الذي يقول في بداية بحثه ما يلي: "من المعلوم لدى الرفاق اعضاء المكتب السياسي، ان اطرح تشعار "الحكومة العمالية" بدلا عن "حكومة علمانية وغير قومية" التي كان يطرحها بعض الرفاق فيما يخص بديلنا الحكومي تجاه الاوضاع السياسية الحالية وذلك اثناء النقاشات التي اجريناها بخصوص الوثيقة". اذن هي ذي رؤية الرفيق مؤيد حول سياسة الحزب والذي دار النقاش حولها طويلا وبرزت في الوثيقة النهائية "الاوضاع السياسية وسياسة الحزب". فهو يؤكد على ان سياسة الحزب يجب ان تنطلق من وجهة نظر الصراع الطبقي وبأننا يجب علينا ان لا ننسى ان الدولة هي دولة رأسمالية في المحصلة النهائية, وان وظيفة الدولة هي (كآلة "اضطهاد طبقة ضد طبقة اخرى"), بالتالي ومن هذه المنطلقات يجب علينا رفع شعار "حكومة عمالية" كاستراتيجية عامة للحزب, لأن شعار "دولة علمانية غير قومية" والذي يرفعه بعض من قادة الحزب, (("كتكتيك سياسي وحكومة بديلة لنا هو بمثابة اخفاء هذا المضمون الطبقي التناحري والعلاقة المادية الملموسة الموجودة بين الصراع الطبقي والدولة والحكومة))".
رؤية سياسية ماركسية تمتاز بالدقة لا شك في ذلك, الا ان فيها بعض النقاط التي من الممكن ان نشير اليها, فهل صحيح ان الحزب كان قد اتفق على ان في العراق "دولة" او مجموعة عصابات او مافيات, هل نحن امام "دولة", بمعنى انها الوحيدة التي تملك اداة القمع, ام مجموعة "دول"؟ اعتقد ان المؤتمر الاخير للحزب لم يحسم ذلك, وقد اجل البت فيها, بذلك هو لم يستطع رسم سياسة واضحة لإدارة الصراع, وقد وقع في هذا التخبط الذي نراه. صحيح ان العلمانية كتكتيك سياسي تخفي المضمون الطبقي, كما يؤكد الرفيق مؤيد, لكن العلمانية كموقف سياسي نحتاج اليه في الوقت الراهن, ورفع شعار العلمانية لشكل الدولة مطلوب, فالعصابات التي تحكم اليوم هي اما دينية او قومية, فلا يمكن رفع شعار متقدم جدا على الجماهير, التي هي ترفض حتى مفردة المدنية الى وقت جدا قريب, الواقع يفرض ويلزم القوى السياسية بضرورة رفع شعارات تكون ادنى مما تطمح الاحزاب اليه, انها ضرورات المواجهة, والجماهير اليوم هي التي تدفع باتجاه تبني الدولة المدنية والتي هي ادنى من العلمانية, ان تبني شعار العلمانية لشكل الدولة القادم هو فقط تكتيك مؤقت فرضه الواقع, الواقع الاجتماعي والسياسي, وايضا واقع الحزب, بدليل ان الرفيق مؤيد يعترف انه "من المعلوم اننا غير منخرطين بالقاعدة الطبقية والاجتماعية لحزبنا ونضالاتهم الابشكل ضئيل جدا, كما لم نؤسس شبكة من اللجان العمالية الشيوعية وشبكة الكوادر الاجتماعية العمالية والكادحة في قلب المجتمع كي تشكل بنيان حزبنا مثل كل حزب شيوعي عمالي متجذر في قلب الحركة العمالية وجمهور الكادحين والمضطهدين ونضالاتهم ونمطحياتهم . كما انه من الواضح، ان الحركة العمالية هي نفسها غيرموحدة وقوية والافق السياسي الاشتراكي ضعيف حاليا بين صفوف العمال والكادحين". اليست هذه الاسباب كافية لمعرفة حجمنا وما نستطيع ان نتبنى من شعارات, ليس لنا تواجد داخل الاوساط العمالية, وان وجد يكاد يكون هامشي, لا تواجد لنا داخل المحلات السكنية, وان وجد فضعيف جدا, ليس لدينا منظمات او حتى اشكال بسيطة من التنظيمات للعاطلين عن العمل, وليس لدينا اية معلومات عن عمال القطاع الخاص والعقود, والحركة العمالية ضعيفة, فهناك اكثر من 200 الف عامل في وزارة الصناعة بأجور زهيدة ومهددين بالتسريح, ولا توجد اي حركة داخل اوساطهم, والافق السياسي الاشتراكي ليس ضعيفا بل يكاد يكون معدوم, فهل يحق لنا والحال هذه ان نتبنى شعار "حكومة عمالية"؟ والذي هو تغيير ماهية الدولة وليس شكلها.
ان تواجد كوادر الحزب وقياداته العمالية هو الذي يلزم نوع الشعار الذي يجب ان يرفع, وحتى نقبل بهذا الشعار او ذاك يجب علينا اولا ان نتحقق من وجودنا داخل الاوساط العمالية والكادحة, فعندما رفع شعار "لا انتخابات بدون خدمات" في الحركة الاحتجاجية الاخيرة في مناطق اطراف بغداد, تلقفته الجماهير في اول منطقة رفع فيها وسرعان ما انتشر في كل مناطق الاحتجاج, -الجدير بالذكر ان من خط هذا الشعار وابدعه هو احد اعضاء الحزب الشيوعي العمالي الفاعلين-, مع ان الحركة الاحتجاجية قد ماتت بدون ان تحقق اي مطلب لها, واحد اسباب موتها عدم تدخل الحزب بشكل اكثر جدية فيها, وادامة وجودها, حتى تتحول الى تدخل في الحياة السياسية. السؤال هنا هو لماذا اخذت الجماهير المحتجة هذا الشعار وتبنته في حركتها الاحتجاجية؟ لأنه جاء متوافقا ومعبرا بشكل واضح عن مطالبهم. وايضا (خبز, حرية, دولة مدنية) هو الشعار -السياسة- التي رفعت في مظاهرات شباط 2011 والذي انساق وراءه كل المتظاهرين وتبنوه بما فيهم بعض اعضاء الحزب الذين كانوا متواجدين في ساحة التحرير.
يمضي الرفيق مؤيد بالقول (("انا مع فكرة طرح السياسة والتكتيك السياسي للحزب مهما كانت قوتنا ضعيفة كحزب"، لكن لماذا هذا الاصرار على هذا التكتيك وهذه السياسة رغم ان قوة الحزب ضعيفة؟ الا يوجد بديل آخر نستطيع ان نستمر فيه بالتواجد, وحتى لا تصيبنا العزلة بسبب تكتيك معين, هل هذا التكتيك مفروض فرضاً ولا نستطيع الفكاك منه؟ نعم لا يمكن نسيان المحتوى الطبقي للدولة هذا صحيح, ولكن ايضا يجب عدم نسيان ان الواقع في بعض الاحيان يفرض نفسه.
كان الحزب وعلى مدى السنوات الماضية يرفع شعار "حكومة عمالية", ولم يخرج بنتيجة ترضي كوادره وقياداته, بل لقد تعب فقط من ازدياد خلافاته الداخلية, والتي هي في تكاثر - ولا نعلم ما سيؤول له في قادم الايام- وكان الاحرى به ايجاد ستراتيجية جديدة للتدخل في الحياة الاجتماعية والسياسية, بدل الوقوف مراوحا في مكانه, لا اعلم قد اكون مخطئا في تصوري لكن اقول مع سبينوزا: "ليس لنا الرثاء ولا الضحك ولا الكراهية بل الفهم".