بدايات ظهور الاسلام


وليد يوسف عطو
2018 / 5 / 20 - 18:49     


قامت دعوة وحركة محمد للاسلام في ظل متغيرات اقتصادية واجتماعية اسهمت في نجاح الدعوة المحمدية .لقد وافق القران على العمل في التجارة بما في ذلك الصفقات الكبرى , وكل النقد الموجه من القران لكبار التجار هو حول ظلمهم للفقراء والضعفاء واعتمادهم المفرط على ثرواتهم .

هنالك اشارات على قيام محمد بخطوات لتحطيم قبضة كبار التجار على الاسواق .ومن المحتمل ان يكون ارساله حوالي عام 615 م لبعض من اتباعه الى الحبشة كاحدى الوسائل الاستكشافية لهذه الخطوات .يفترض المستشرق وليام مونتغمري وات في كتابه :
(الاسلام واندماج المجتمع )ان جانبا من اهداف محمد من ارساله اولئك المهاجرين بالاضافة الى حصولهم على رزقهم من التجارةهو تطوير طريق تجاري بعيد عن سيطرة كبار تجار مكة , ان كل الذين ذهبوا الى الحبشة من المسلمين , عدا اثنين منهم , كانوا من الاسر المكية المنتمية الى حلف الفضول , مثلما يؤكد على ذلك مونتغمري وات .

هنالك امر اخر حدث بعد وقت قصير من الهجرة الى الحبشة , ربما في العام 616 م ,يثبت ان سياسات محمد لقيت استحسانا ممن لم يؤمنوا بتعاليم دينه, وهو اتفاق كل الاسر المكية على مقاطعة اسرة محمد من بني هاشم وعبد المطلب بمنع التعامل التجاري معهم او مصاهرتهم , ولكن بني هاشم الذين كان يقودهم ابو طالب(عم محمد)رفضوا التخلي عنه او حتى اجباره على التخلي عن دعوته , فليس امرا مالوفا ان تتخلى الاسرة عن حماية احد افرادها لمجرد تهديدالاسر الاخرى لها ,لكنها قادرة على ايجاد بعض الاسباب للتخلي عنه وعدم حمايته اذا ارادت التخلص جديا من المقاطعة . ولكن اسرة محمد قاومت المقاطعة ثلاث سنوات مما يعني ضمنيا ان لها مصلحة في رفض هذا المخرج.

واظهرت المقاطعة وهي احدى اساليب كبار التجارانه كان على بني هاشم القبول بالمشاركة في بعض انواع التجارة حتى ولو كانت مساهمة صغيرة , وبالتالي لم تكن تلك المقاطعة ضد دين محمد الجديد فحسب ,بل وكانت ايضا جزء من الصراع بين كبار التجار الاثرياء والتجار الاقل ثراء .

بعد ان توفي ابو طالب خلفه عم محمد الاخر في زعامة بني هاشم وهو ( ابو لهب )الذي تزوج ( ام جميل )والتي يسميها القران حمالة الحطب , اخت ابي سفيان من بني امية والذي كان من بين اثنين او ثلاثة تجار اساسيين في مكة .لقد وجد ابولهب عذرا في تخليه عن محمد فانتقل محمدالى الطائف القريبة من مكة والتي كان لاهلها تجارة منافسة لتجارة المكيين ,لكنهم اصبحوا الان تابعين لهم ,الا ان مفاوضات محمد فشلت فعاد الى مكة .

لقد تفاوض محمد مع اهل المدينةحيث هاجر اليهافي العام 622م مع حوالي سبعين من اتباعه .كان محمد قد خطط قبل ذهابه الى المدينة للاغارة على قوافل الطريق الشمالي القادمة من مكة . وهو اجراء كانت المدينة مؤهلة له , وربما خطط لتنظيم قوافل مستقلة ,ومن ثم فقد كانت اطاحته النهائية بالمكيين نتيجة جزئية لنجاحه في الامساك بخناق تجارتهم .يقول المستشرق وات انه كان امرا محتما بالنسبة للتغييرات الاجتماعية التي شهدها ذلك العصر القبول بموقف الدين الجديد , اي الاسلام من مسالة التخلي عن التضامن القبلي , مما جعل القرابة قادرة على القيام بدورها في دولة الاسلام الجديدة في المدينة.

وكان يجب ان يكون لدى المسلمين في مكة وعي عميق بالمجتمع القائم على القرابة اكثر من غالبية مواطنيهم المفتقرين الى هذا الوعي , بحسب وات ,ولكن العديد من هؤلاء المسلمين خلعوا من قبائلهم بسبب اعتناقهم للاسلام , وهذا تحديدا ماجعل تجار مكة الكبار يقفون موقفا معاديا لمحمد ولدعوته.

لقد كان اتباع محمد ينقسمون الى ثلاث مجموعات :
-المجموعة الاولى :هم اقارب زعماء الاسر المكية ذات النفوذ ممن جذبتهم الى محمد سياسته المضادة للاحتكار , لانهم مبعدين عن المشاريع التجارية المربحة على الرغم من قرابتهم لكبار التجار.

- المجموعة الثانية : هم الرجال من شبان الاسر المكية او القبائل الاخرى , مثل المشاركين في حلف الفضول , ومعهم رجال اكبر سنا من القبائل الاضعف . ويبدو ان هذه الجماعة تعرضت للافقار الكلي او الجزئي نتيجة للممارسات الاحتكارية لكبار التجار , مما ادى الى انجذاب افرادها الى محمد .
- المجموعة الثالثة :اعداد صغيرة من اتباع محمد في مكة ممن وصفوا بانهم ( مستضعفون )مما لايعني غالبا انهم فقراء .فربما كانت احوال بعضهم متوسطة لكنهم ليسوا قرشيين ولا يتمتعون بحماية قبيلة ذات نفوذ لانهم غرباء عن مكة .
ومن المحتمل انهم كانوا يسعون للارتباط باحدى الاسر المكية كحلفاء او دخلاء محميين ,لكن تلك الاسر تخلت عنهم لسبب او لاخر ولم تكن مستعدة لمواجهة كبار التجار من اجلهم .وقد عانى هؤلاء المستضعفون الكثير من الاذى من خصوم محمد .

لقد ظهرت حركات اخرى استجابة للتغييرات الاجتماعية والاقتصادية مثل حركة عثمان بن الحويرث مع البيزنطيين ,لادخال مكة ضمن نفوذهم , حيث تصور عثمان ان الصلة الوثيقة مع البيزنطيين ستكون مضرة لكبار التجار ونافعة للاعضاء الاخرين , لكن هذا المشروع فشل لان اعضاء قبيلة عثمان من الاغنياء اتهموه بالسعي الى الملك مما افقده حماية قبيلته وكل تاييد شعبي حصل عليه.

وكان هنالك ايضا ( عثمان بن مطعون )الذي كان معروفا لدى المسلمين الاوائل حيث سلك طريق الزهد واظهر ميلا الى التوحيد .وهنالك رواية عن اتفاق اربعة رجال عن الامتناع عن تقديم الاضاحي الوثنية في مكة والبحث عن دين ابراهيم الحنيف . واصبح اثنان من الرجال الاربعة مسيحيين وهما ( عثمان بن الحويرث ) و (امية بن ابي الصلت ), واسلم الثالث(عبدالله بن جحش )في البداية ثم تحول الى المسيحية لاحقا في الحبشة .وتوفي الرابع(ورقة بن نوفل )موحدا دون ان يرتبط باي من الاديان القائمة .
طبعا لااستطيع الاتفاق مع المستشرق وات حول ورقة بن نوفل لان الكثير من المصادر الاسلامية تقول انه كان نصرانيا وكان القس على كنيسة مكة النصرانية.