هل تحوّل قرارات ترمب قادة الاتحاد الأوربي الى حمقى ؟


سيلوس العراقي
2018 / 5 / 19 - 18:25     

في اليوم الذي أعلن فيه ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع ايران واعلانه بأن بلاده ستضع عقوبات على ايران (8 ايار 2018)، صرّح وزير المالية الفرنسي برونو لومييه بأن الدول الاوربية ترفض أن يتم التعامل معها كتوابع لأميريكا وفي آخن في 11 ايار اتهم ايمانويل ماكرون الولايات المتحدة الأميريكية بالابتزاز. وفي 17 ايار سأل دونالد توسك رئيس المجلس الأوربي: مع أصدقاء كهؤلاء (يلمّح الى ترمب) من يحتاج الى أعداء ؟
وارتفعت درجة الحرارة لدى قادة اوربا إلى حد الغليان حينما أعلنت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال بأنها ستنسحب من صفقة غاز كبيرة تقدر بمليارات الدولارات مع ايران اذا لم تنجح الدبلوماسية الاوربية في الحصول على إعفاء محدّد من العقوبات الاميريكية
كما أعلنت شركات عملاقة أخرى مثل اليانس، وسيمنس بأنها ستنهي أعمالها في ايران ولن تبدأ بأي أعمال جديدة معها
وتلتهما شركة «مولار مارسك» الهولندية، وهي من أكبر شركات شحن الحاويات في العالم، أعلنت انسحابها من إيران وكذلك شركة «دانييلي» الإيطالية للحديد أعلنت تخفيض عملها تمهيداً للانسحاب من ايران
تظهر هذه التصريحات أن قرار ترمب يمثل صفعة في وجه الاتحاد الاوربي سياسيًا واقتصاديًا وربما قبل كل شيء
لأن اميريكا لا تكترث بأي قانون اوربي يحاول تفادي العقوبات الأميريكية لأن الشركات الاوربية هي من يقرّر مصالحها المالية في تفضيل الاستمرار في استثماراتها وعقودها التجارية مع ايران أو انها تفضل الاستمرار في استثماراتها مع شركائها الامريكيين لعدم فقدان السوق الامريكية الضخمة أو التعرض للغرامات من جراء الحظر الذي وضعته حكومة ترمب
سياسيا، لأن ماكرون وانجيلا ميركل قاما بجولة خاصة الى واشنطن لإقناع ولدعوة ترمب الى عدم الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، لكن من دون جدوى، علاوة على أن الاتحاد الاوربي نفسه قد وقع الصفقة الايرانية والتي يعتبرها الاتحاد انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا يتطلب منه المصداقية، وإن تنصل ترمب من الاتفاق يعد إهانة عميقة للوضع الدبلوماسي الاوربي

اقتصاديا، بسبب العقود الضخمة التي قد تخسرها الشركات الاوربية، بعد الغرامات التي فرضتها الولايات المتحدة الاميريكية في عام 2015 والتي بلغت 9 مليارات تقريبا وشعرت الشركات والبنوك الاوربية بالخوف من الانخراط في أي نشاط تجاري من المرجح أن يجلب ويسبب غضب الأميريكيين

من الناحية الأيديولوجية، لأن الاتحاد الأوروبي يستمد شرعيته بالكامل من الاعتقاد بأنه من خلال تجميع السيادة ودمج دوله في كيان واحد، فقد تقدم إلى ما بعد العصر الذي تقرر فيه العلاقات الدولية بالقوة. وهي تعتقد أنها تجسد بدلاً من ذلك نظاماً دولياً جديداً يستند إلى القواعد والاتفاقات، وأن أي نظام آخر يؤدي إلى الحرب. من المستحيل المبالغة في أهمية هذا الاعتقاد للقادة الأوروبيين. بعد أن قاد دونالد ترامب الآخرين كمدرّب يسحب الخيول خلفه

التصريحات الغاضبة من القادة الأوروبيين قد تقود المرء إلى الاعتقاد بأننا على أعتاب عملية إعادة تقييم رئيسية للعلاقات عبر الأطلسي. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي وقادته وضعوا أنفسهم في زاوية يمكن من خلالها أن يأملوا بالنجاة، لكن الأمر صعب للغاية، وربما من المستحيل، تخليص أنفسهم
.
أولاً ، الروابط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليست طويلة الأمد فحسب، بل إنها مقيّدة ايضًا. إن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي هما في الواقع توأما سياميان، جسمان وُلدا في نفس الوقت، وهما مرتبطان الى حد كبير إلى الوِرك. تم إنشاء أول مجتمع أوروبي بدعم أمريكي علني وسري في عام 1950 من أجل عسكرة أوروبا الغربية وتحضيرها لخوض حرب برية ضد الاتحاد السوفييتي. اكتسب حلف الناتو هيكل قيادته المتكامل بعد بضعة أشهر وقائده الأعلى هو دائماً أمريكي

اليوم لا يمكن فصل المنظمتين من الناحية القانونية لأن المعاهدة الموحدة للاتحاد الأوروبي، بالشكل الذي تم تبنيه في لشبونة عام 2009 ، تنصّ على أن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي "ستحترم" التزامات الدول الأعضاء في حلف الناتو وأنها "يجب أن تكون متوافقة" مع سياسة حلف الناتو. . وبعبارة أخرى، فإن الميثاق الدستوري للاتحاد الأوروبي يُخضعها لحلف الناتو، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بشكلٍ قانوني وهيكلي. في مثل هذه الظروف، لا تستطيع الدول الأوروبية أن تحرّر نفسها من الهيمنة الأميريكية، كما قال دونالد تاسك أنه يجب أن يغادروا الاتحاد الأوروبي. من الواضح أنهم غير مستعدين للقيام بذلك
مثلما حدث مع بريطانيا التي انسحبت من الاتحاد الامر الذي لاقى تشجيعًا وارتياحًا من قبل الولايات المتحدة الاميريكية ومن قبل ترمب شخصيًا.

ثانياً ، قام قادة الاتحاد الأوروبي بإحراق جسورهم مع شركاء محتملين آخرين، وخاصة روسيا. سافرت أنجيلا ميركل إلى روسيا يوم الجمعة الماضية 18 ايار، ولكن قبل بضعة أسابيع فقط ، طرد أكثر من نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عشرات الدبلوماسيين الروس، وشجعوا الدول الأوروبية من غير المنضوية تحت قبة الاتحاد الاوربي مثل اوكرانيا والجبل الأسود على فعل الشيء نفسه، رداً على عملية التسمّم في سالزبوري. سيرجي وجوليا سكريبتال التي تم اتهام موسكو بالقيام به.

كيف ستقوم السيدة ميركل بإقناع بوتين بالانضمام إليها للحفاظ على برنامج إيران النووي إذا كانت تعتقد رسميًا أن بوتين مذنب بتخزين الأسلحة الكيميائية واستخدامها للاغتيالات في الغرب؟
بعد بضعة أسابيع فقط ، في منتصف أبريل، هاجمت بريطانيا وفرنسا، مع الولايات المتحدة ، سوريا على أساس أن جيشها استخدم الأسلحة الكيماوية في (دوما) بدعمٍ من روسيا. إذا حاولوا تشغيل آيات السحر الآن في سوتشي أو في موسكو، فهل يتوقعون حقًا أن يأخذهم الروس على محملِ الجدّ؟

ثالثًا ، كيف يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي الشكوى من فرض عقوبات أمريكية على شركاتهم عندما قاموا هم أنفسهم بتطبيق عقوبات ضد الشركات الروسية مما تسبب في اضطرابات اقتصادية كبيرة في ذلك البلد؟ كما فرضت دول الاتحاد الأوروبي عقوبات عقابية على سوريا منذ عام 2011 ، وهو واحد من أكبر برامج العقوبات على الإطلاق، والذي يتمثل تأثيره وغرضه في تعطيل أنشطة الدولة السورية بما في ذلك قدرتها على توفير السلع العامة مثل الصحية منها ؟.
بريطانيا وفرنسا، معا مع ألمانيا، الموقعون الأوروبيون على الصفقة الإيرانية، يتابعون تغيير النظام في سوريا لمدة نصف عقد. بأي حق يتظاهرون الآن أن الإدارة الأمريكية تتخذ قرارات هدفها إثارة تغيير النظام في إيران؟
.
.كما لو أن هذه القضايا الخارجية ليست سيئة بما فيه الكفاية، فإن الاتحاد الأوروبي ممزّق في الوقت الحالي بسبب الانقسامات الداخلية أيضًا
قد يقول دونالد توسك "يجب أن تكون أوروبا موحدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا كما لم يحدث من قبل ... سواء كنا معا أو لم نكن على الإطلاق" لكن دول أوروبا في الواقع ليست "معا" على الإطلاق.

تهاجم لجنة بروكسل وبرلمانها الاوربي بولندا وهنغاريا فيما يتعلق بمسائل سياسية داخلية واضحة خارج نطاق اختصاص اللجنة، ولا ننسى بأن الاتحاد الأوروبي على وشك أن يفقد واحدة من أهم دوله الأعضاء، حين ستتولى حكومة جديدة السلطة في روما التي ستفجر سياساتها الاقتصادية (ضريبة ثابتة بنسبة 15٪)، قواعد الاقتراض في منطقة اليورو، وربما تتسبب في مغادرة إيطاليا لليورو.
كما تريد الحكومة الإيطالية ذات الخمس نجوم / وكتلة وسط اليمين وضع حد لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا. يتم التصويت على هذه الإجماع بإجماع لا يزال هشًا حتى الآن، ولكن إذا ما احتفظت السلطة الجديدة برمّتها، فسينهار قريباً

بعبارة أخرى، ما فعله ترامب هو جعل الأوروبيين يشبهون الحمقى. في الظروف التي وضع فيها الاتحاد الأوروبي كلّ بيضه في سلة واحدة، سلة انقلب عليها ترامب الآن، سيكون من المستحيل أن يجتمع الجميع. على العكس، إن السلة قد تنهار قريبًا تمامًا


المقال اعلاه ترجمة بتصرف لمقال نشر في 18 ايار 2018 لـ " جون لفلاند"، دكتور في الفلسفة من اوكسفورد، عمل كاستاذ في جامعات في باريس وروما، وهو مؤرخ ومختص في الشؤون العالمية
المقال يطرح الاشكالية الاوربية ومواقفها الانفعالية ازاء القرارات الاخيرة للرئيس ترمب وانسحابه من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الاقتصادية الضخمة ضد ايران، بشكل يظهر فيه الكثير من موضوعيته وواقعيته في تناول مسألة العلاقات عبر الاطلسي بين الاوربيين والولايات المتحدة