شيء عن الإسلام في البحرين - دين جديد و إلحاد خبيث


موسى راكان موسى
2018 / 5 / 19 - 04:33     



الإسلام الجديد يتميّز باللا مذهبية ــ اللا مذهبية التي رأى البوطي أنها (( أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية )) ما هي إلا الإسلام الجديد ، فالتهديد هو : الدين الجديد و الإلحاد الخبيث .


الإسلام الجديد هو جديد من حيث السيادة و الهيمنة التي تبوأها إجتماعيا ، و رغم أن كثير من ملامحه تتشابه مع الإسلام المشهور حتى ليبدو أن الجديد ليس سوى امتداد للمشهور ، إلا أن الجديد يؤكد طابعه المُفارق للمشهور في عدد من النزعات المترابطة التالية :

* النزعة اللا مذهبية .
* النزعة الشعبية و الشعوبية .
* النزعة الحسية و المادية .


إذا فليست مسألة اللا مذهبية لوحدها ما يُميّز الإسلام الجديد عن المشهور ، فالنزعة الشعبية و الشعوبية تقهر الجانب العقائدي و الجانب الفقهي في الإسلام إذ تجبر على التبسيط و التسطيح حتى بات الابتذال السمة الغالبة على مجمل أطروحات ما يُسمى "الإسلام المعاصر" ؛ ففي حين كان الهدف (( التوسع )) القاعدي غابت (( الاستدامة )) القاعدية في الإسلام الجديد كدين ، فصارت الطائفة دينا في الدين الجديد ، كما أمسى الإلحاد بديلا "أبويا" و "عاطفيا" أكثر من كونه بديلا "عقلانيا" في المنطقة العربية بشكل عام ــ إلا أن هذا القهر للجانبين العقائدي و الفقهي توافق مع "بَرْوَزَة" الإسلام سياسيا ؛ هذا القهر يتماشى مع المسألة اللا مذهبية ، كما يتماشى مع النزوع الحسي و المادي .


لننتبه للآتي :
* (التفكّر في الإله) : (ممارسة دينية) .
* (عدم التفكّر في الإله) : (ممارسة إلحادية) .

و الآن لننتبه لهذا التحوّل :
* (عدم التفكّر في الإله) : (ممارسة دينية) .


رغم وجود نصوص و قصص "قديمة" تتعلق بقمع أسئلة من قبيل (ما/من هو الله) و (كيف هو الله) و غير ذلك من أسئلة ، إلا أنه يبقى قمع محدود و خجول مقارنة بالجو "التعددي" الثقافي و المذهبي الديني الذي كان مهيمنا و سائدا بمراكز الحكم في الزمن القديم [العصر الذهبي] ؛ مثلا ورد في الإخباريات أن الإمام مالك قال حين سُئل عن استواء الله على العرش (( الاستواء غير مجهول ، و الكيف غير معقول ، و الإيمان به واجب ، و السؤال عنه بدعة )) ، إلا أن ذلك لم يمنع السؤال أو البحث في ذاك الزمان ــ و هنا مثار مسألة حساسة في الإسلام الجديد و بشكل خاص في الوسط السني ، إذ أنه مع اللا مذهبية الدينية المُعتنقة إلا أنه يجري التعامل بإنتقائية مثيرة للعجب بين المذاهب ، إنتقائية رغم الزعم أنها إنتقائية "عقلانية" و "رشدية" إلا أنها تغازل "الهوى" ؛ يجب الإنتباه إلى أن في الوسط السني تكثر الإنتقائية حتى ليناقض بعضها بعضها [في مسألة الجهاد و الإرهاب يظهر تناقض الإنتقائيات بوضوح ساطع] .


التفكّر في الله أو الأمور الغيبية أو العقائدية هو في النهاية ممارسة دينية ، لكنها تفتح أبوابا مذهبية و توجد أبوابا أخرى جديدة دون الغفل عن تنشيط عناصر الفردنة و التفكير الحر ، إلا أنها في النهاية تبقى ممارسة دينية ، و النظر إلى عدم التفكّر على أنه هو الممارسة الدينية ليس إلا غلط ؛ يمكن ملاحظة كيف أن (( عدم التفكّر )) هذا مفيد في الإطار السياسي و الوحدة الجماعية للطائفة ، رغم أنه لا ديني .


من السهل الوقوع في حفرة إتهام الإسلام الجديد أنه هو هو ما يُسمى بـ"الإسلام السياسي" ، و كأن هناك إسلام لا سياسي ــ لكن الإسلام الجديد سياسيا يختلف عما كانه الإسلام المشهور سياسيا ، فنزعته الشعبية و الشعوبية خدمت توجهين يبدوان متضادين :

* الأول / التوجه التحرري الثوري (( الجهادي )) : و الجهاد هنا رغم تلبسه الروحانية و التطلع للدار الآخر إلا أنه مفرط في حسيّته و ماديته ، فهو يطلب نظام سلطوي وضعي [كل الثيوقراطيات هي في آخر المطاف وضعية علمانية] و دولة بحدود جغرافية أرضية ، حتى في ما يراه روحاني هو في الآن ذاته حسيّ مُتطرف ، فمشاعر الجهادي حسيّة متطرفة [هذا لا يعني حكما عليها بأنها نبيلة أو لا] ، و تطلعاته الآخروية هي دنيوية و مادية ؛ فإلى درجة كبيرة جدا كان للشيوعية و اليسار دور في هذا التوجه ، خصوصا أنهما اعتمدا على التحشيد الشعبي و الشعوبي [الأممي] ، دون الغفل عن الدور الريادي في القتال و الاستشهاد الانتحاري و البروباغندا للغوغائية .

* الثاني / التوجه المحافظ : استغلت الأنظمة العربية الحاكمة خاصة في دول الخليج الإسلام الجديد في مواجهة ضغوط الغرب للتحديث و إشاعة أساليب الحكم الديموقراطية ، فالإسلام الجديد لم يكن من فوق إلى أسفل بل العكس من أسفل إلى فوق ، فكان حجة لها أمام الغرب بكونها "الخصوصية المجتمعية" و "هذا ما يريده الشعب" بالإضافة إلى تجميل صورتها أمام الغرب نوعا ما ؛ كما لو أنها أرادت التحديث و الديموقراطية لكن الشعب هو من يرفض ذلك .


زعم البعض أن الدين يشهد إزدهارا و إنتعاشا من خلال الحكم على ظهور عدد من الشكليات و الممارسات المرتبطة بالدين ، بلا شك ستكون التغيّرات الشكلية في منطقة بالنسبة إلى شخص هو لها "أجنبي" مفزعة و دلالة على ردة أو صحوة دينية ؛ هذا الأجنبي ليس بالضرورة الغربي ، فحتى المثقف لم يختلف حاله عن حال الأجنبي ــ لم يكن الحجاب أو النقاب أو الدفة و غيرها يعني صحوة دينية ، كما لم يكن الإكثار من المآتم و المساجد دليل عودة إلى الدين ، حتى الصلاة ذاتها التي هي ركن من أركان الإسلام لم تكن تعني أن المصلي متدين ؛ هنا يجب الإشارة إلى أن الصلاة في الإسلام لها طابع مُتميّز ، فرغم تسميتها بـ(الصلاة) هي فعليا بعيدة عن مسماها ، فهي طقس يمارس فيه المرء حركات معينة و يقول كلمات معينة [في إطار الصلاة الجماعية تصير الصلاة طقس إجتماعي أكثر من كونه طقس ديني] ، و الدعاء هو وحده ما يصح تسميته صلاة ، لكن حتى الدعاء خضع لعملية ابتذال و تكرار حتى صار بعيدا عن معنى الصلاة .


و بقليل من التمعن في الشكليات و الممارسات المرتبطة بالدين ، من السهل ملاحظة أنها صارت حسيّة أكثر و مادية أكثر ، في المقابل أقل تجريدا و أقل روحانية ــ و لا يوجد ما هو أبسط و أوضح من شهر رمضان ليؤكد على حسيّة و مادية الإسلام الجديد ؛ صحيح أن كثير من رجال الدين يصيحون ضد هذه الحسيّة و المادية في رمضان ، إلا أنه يفوتهم أن هذا مرتبط بالإسلام الجديد ، فرمضان يجب أن يتميّز و طقوسه يجب أن تتميّز ، فالطعام و استهلاك الطعام في رمضان مختلف عن غيره ، حتى القرآن ذاته لم يسلم من الحسيّة [القرآن الملون] .


على الرغم من أن الإيمان يستحضر نقيضه الذي هو الإلحاد ، إلا أن الإسلام الجديد لم يكتف بإستحضار الإلحاد كنقيض ، الإسلام الجديد احتوى في ذاته إلحادا خاصا ، إلحادا ليس بواضح و لا بكامل ، إلحادا يَجُدُّ في السياسة و يهزل في الدين و يعزل الغيب ــ الإسلام الجديد وُجد كتعبير عن طائفة لا شرقية (شيوعية) و لا غربية (إمبريالية) ، مختلفا فهو حسي مادي و شعبي شعبوي و لا مذهبي ، من أسفل إلى أعلى ، و ربما أحسن الدكتور جابر قميحة وصفه حين قال :

إنّى رفضٌ ..
إنّى (( لا ))
خرجتْ في ظلمةِ ليلٍ خائنْ