الرأسمالية مرحلة عابرة فى التاريخ

سمير أمين
2020 / 8 / 12 - 23:51     

إن مبدأ التراكم بلا توقف الذى يميز الرأسمالية يعنى النمو بقيمة متصاعدة أو رأسية، وهذا يؤدى مثل السرطان إلى الموت. ستوارت ميل الذى فهم هذه الصفة تصور أن «الدولة الثابتة» ستضع حداً لهذه العملية غير الرشيدة، وشاركه كينز فى هذا الاعتماد على العقلانية. ولكن لم يستطع أى منهما تصور كيفية فرض هذا التوقف على الرأسمالية. أما ماركس الذى حدد دور الصراع الطبقى فقد تصور الطريقة للتغلب على سلطة الطبقة الرأسمالية التى تتركز اليوم فى يد الأوليجاركية (ملاك السلطة والثروة).

والتراكم الذى يعنى دوماً الإفقار هو الخلفية الموضوعية للصراع ضد الرأسمالية، ولكنه يجرى أساساً من خلال التناقض بين رفاهية مجتمعات المركز التى تستفيد من الريع الإمبريالى وبين بؤس مجتمعات التخوم المسودة. وبذلك يكون هذا الصراع هو الموضوع المركزى للبديل: الاشتراكية أو البربرية.

وتاريخياً اتخذت الرأسمالية كما هى قائمة عدة أشكال من التراكم عن طريق النهب لا خلال مراحلها الأولى فقط (التراكم الأولي) ولكن طوال مراحل تطورها. وفور قيامها عمدت رأسمالية الأطلنطى هذه إلى غزو العالم وإعادة بنائه على نمط النهب المستمر للمناطق التى سيطرت عليها والتى صارت بذلك التخوم المسودة للنظام.

ولم تستطع هذه العولمة المنتصرة أن تفرض سيطرتها الدائمة، فبعد أقل من نصف قرن بعد هذا الانتصار الذى كان من الممكن أن يُطلق عليه «نهاية التاريخ»، تحدته ثورة شبه التُخُم الروسية، وصراعات التحرير المنتصرة فى آسيا وإفريقيا التى ميزت تاريخ القرن العشرين، وهى الموجة الأولى من الصراع لتحرير العمال والشعوب.

ويستمر التراكم عن طريق النهب تحت عيوننا فى عهد رأسمالية الاحتكارات المعاصرة. ففى المراكز يعنى استحواذ ملاك (حكام) الاحتكارات المعممة على الريع الاحتكارى، نهب القاعدة المنتجة للمجتمع بأكملها. وفى التخوم يجرى نهب الفلاحين، وكذلك الموارد الطبيعية للمناطق المعنية. وهذه الممارسات هى الأدوات الأساسية لاستراتيجيات التوسع لرأسمالية الاحتكارات المعممة للعصر الحالي.

وفى هذا الإطار، أضع «قضية الزراعة» الجديدة كجوهر التحدى للقرن الحادى والعشرين، فنهب الفلاحين (فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية) يمثل الشكل المعاصر للإفقار (بالمعنى الذى قصده ماركس لهذا القانون) المرتبط بالتراكم. ولا يمكن الفصل بينه وبين انتزاع الريع لحساب الاحتكارات الإمبريالية سواء لإنتاج الوقود الزراعى أو بدون ذلك. وأستنتج من ذلك أن تطور الصراع حول الأرض، والرد الذى ستعطيه هذه الصراعات سيقرر مستقبل المجتمعات الفلاحية فى الجنوب (أى نصف البشرية)، ويحد قدرة العمال والشعوب على التقدم نحو حضارة حقيقية متحررة من سيطرة رأس المال لا أجد لها اسماً غير «الاشتراكية».

ونهب الموارد الطبيعية للجنوب يسمح باستمرار الاستهلاك المبدد للمصلحة المنفردة لمجتمعات الشمال، ويلغى أى إمكانية لتنمية تستحق هذا الاسم لشعوب الجنوب، وتمثل بذلك الوجه الآخر للميدالية بالنسبة للإفقار على المستوى العالمي. وعلى ذلك فأزمة الطاقة ليست نتيجة لنقص بعض الموارد اللازمة لإنتاجها (البترول بالطبع)، ولا هى نتيجة للأساليب الحالية للإنتاج التى تستهلك الطاقة بشراهة. ورغم أن هذه الأسباب حقيقية إلا أنها تمثل الأشكال الظاهرة والمباشرة للمشكلة. لكن هذه الأزمة نتجت عن رغبة الاحتكارات المعممة للإمبريالية الجماعية أن تحتكر لنفسها الحصول على الموارد الطبيعية للكوكب، سواء أكانت نادرة أم لا، بهدف الحصول على الريع الإمبريالى، وذلك بغض النظر عن استمرار استخدام هذه الموارد بالطريقة الحالية (المبددة والشرهة للطاقة)، أو استخدامها طبقاً لسياسات محسنة جديدة مقبولة «إيكولوجياً». بناء عليه، أتوقع أن استراتيجية التوسع لرأسمالية الاحتكارات المعممة الحالية، لابد أن تواجه مقاومة متزايدة من جانب أمم الجنوب.