محمد من مكة الى المدينة


وليد يوسف عطو
2018 / 5 / 5 - 17:24     

محمد من مكة الى المدينة

لقد ادت هجرة محمد من مكة الى المدينة في العام 622م الى احداث تغيير شامل في وضعه السياسي والاجتماعي ,حيث اصبح في المدينة واحدا من ستة او ثمانية رجال يقودون المجتمع بعد ان كان مستضعفا في مكة .يقول المستشرق وليام مونتغومري وات في كتابه (الاسلام واندماج المجتمع)ان محمد حاز من البداية شرف الاولوية على الاخرين ليصبح بمرور الوقت الحاكم الفعلي لدولة المدينة .

وقد تطورت فكرة النذير الى فكرة رسول الله عند محمد .والرسول شخص يرسله طرف معين,وفي هذه الحالة هو الله لايصال رسالة الى الطرف الاخر .وسيكون محمد حكما في النزاعات القائمة بين قبائل المدينة . وسيحتل بالنسبة للمهاجرين موقعا مماثلا لموقع رئيس القبيلة بالنسبة لقبيلته . وعلى هذا الاساس فمن المحتمل ان يكون قد تم الاعتراف به كقائد لحروب المسلمين في المدينة ,وان يكون اهل المدينة قد فكروا منذ البداية ان ذلك جزء من موقعه ودوره بصفته رسول الله ,طالما ان هذه الحروب تشن اساسا ضد المكيين الذين عارضوا دعوته واضطهدوه بسببها .

ولكن وضع محمد كوسيط وكقائد عسكري كان بعيدا عن وضع الحاكم المستبد المطلق .واستطاع محمد تقوية موقعه تدريجيا بعدانتصاره على المكيين والقبائل البدوية الاخرى المعادية ,ليصبح عند وفاته في العام 623 م الحاكم غير المنازع لدولة يثرب(المدينة) وقبائل الجزيرة العربية العديدة التابعة لها .لقد كانت الفكرة التي استند اليها محمد في مرحلة دولة المدينة هي فكرة (الامة)وهي تعني الجماعة الدينية ,او المجتمع الديني , او الامة الدينية .

ظهرت هذه الفكرة في اواخر المرحلة المكية لدى محمد .من المحتمل انها كانت استكمالا لمحاولاته لايجاد طرق لتطوير فكرة الاصلاح .فقد كانت لديه اصلا فكرة عن كون النبي رسولا مبعوثا الى شعبه او قبيلته , وهي تنسجم مع المفهوم القديم عن التماسك القبلي ,الا ان معارضة المكيين لدعوته جعلته يقوم بتنقيح فكرته , ومن ثم غدت الامة لديه هو ذلك الجزء الذي امن بالرسول ورسالته من الجماعة التي تم ارسال الرسول اليها لتكون الامة بذلك مجتمعا موحدا متماسكا ومميزا ليس على اساس القرابة , بل على اساس وحدة المعتقدالديني .

ان المفهوم الديني للامة يستلزم استبعاد نظام القرابة المصاحب للاقتصاد البدوي ,وبذلك تبدو الهجرة عند العرب هي انفصال الفرد عن عشيرته ومن ثم تراجع فكرة القرابة في الاسلام,الا انها استعادت بعض حيويتها في ظل حكم الامويين , ليعودالعباسيون الى التاكيد على الاساس الديني للمجتمع .

لقد كان يتم تصور الامة الاسلامية في بعض الاحيان كقبيلة ,حيث تتصرف الامة في تحالفاتها مع القبائل الصديقة وحروبها مع القبائل المعادية بطريقة مشابهة لتصرف القبيلة .وكانت الامة الاسلامية تمنح حمايتها للجماعات غير المسلمة بشرط الا تكون مشركة ,مثلما كانت القبائل القوية تمنح حمايتها للجماعات الضعيفة مقابل جزاء مادي , او لاعتبارات اخرى .

ان مبدا حماية الامة الاسلامية للجماعات غير المسلمة وغير المشركة هو اساس سياسة التسامح الديني مع الاقليات من غير المسلمين , حيث تمنح هذه الاقليات حق الحكم الذاتي ( نظام الملل ).وقد كان محمد وخلفائه يتسلمون الخمس من غنائم الحملات الرسمية للجيوش الاسلامية , مثلما كان زعيم القبيلة يتسلم الربع من غنائم الغزوات التي تشنها قبيلته .

وبذلك فان الامة التي تم تصورها من خلال تناظرها الوظيفي مع القبيلة , لم تكن تشير الى استمرار مبدا القرابة , الا لانها تعني ان العرب لم يعرفوا نموذجا اخر للعلاقات الاجتماعية يكون اساسا للوحدة السياسية ,طالما انهم يتصورون ان العدد القليل الذي يحيط بهم من الامبراطوريات يدار والى حد كبير بنفس اسلوب ادارة القبائل الكبيرة .

لقد كانت المهمة الاساسية التي واجهت محمد في المدينة هي تحقيق الاندماج في مجتمع المدينة بما يعني تحديدا راب الصدع بين القبيلتين العربيتين وهما الاوس والخزرج .وكان يامل ايضا اندماج الجماعات اليهودية ايضا .كان العامل المؤثر في الاندماج هو وجود محمدفي المدينة( يثرب )والقبول به كنبي او رسول , حيث يكون وضعه الديني فوق صراعات جماعات القرابة المتنافسة , وجعله حكما بين هذه الجماعات .لقد كانت ام جدة النبي تنتمي الى عشيرة ( بني النجار)الدينية , فقد بنى بيته على ارض تعود الى هذه العشيرة ( بني النجار ), دون ان يحملها اية امتيازات خاصة ,وتجنب ايضا الزواج من اية امراة مدينية.

من المحتمل ان المسلمين وجدوا انفسهم بعد اشهر قليلة من انتقالهم الى المدينة يختنقون بسبب سيطرة المكيين على تجارة الحجاز . ومن المؤكد ان محمد بدا بارسال سرايا صغيرة لمهاجمة القوافل المكية قبل ان يمر وقت طويل على وجوده في المدينة , وانسجم هذا الامر مع الاساس العقائدي لدولة المدينة الذي يعترف بمحمد كرسول , بينما انكر المكيون دعوته , وربما اخذ محمد بنظر الاعتبار ايضا امكانية تعاظم فرصته لاعادة الانسجام الى المدينة اذا ماوجه اهتمام اهلها الى عدو خارجي .

وكان تحقيق محمد لاهدافه العملية مثل اقامة المجتمع على المباديء , اكثر اهمية لديه من محاربة معارضيه , فاحد العناصر الاكثر تاثيرا في سنوات محمد الاخيرة هو مدى نجاحه في استرضاء الاعداء السابقين , وحتى تحويلهم الى مسلمين مخلصين احيانا , حيث كان محمد , وعلى الاقل منذ حصار المكيين وحلفائهم للمدينة في العام 627 م يفكر اساسا في كسب المكيين الى جانبه ,ربما بسبب ادراكه لمدى حاجته لبراعتهم ومهارتهم الادارية عندما ينمو الكيان السياسي الاسلامي الجديد .