اصنام الفاسدين تتهاوى


قاسم محمد حنون
2018 / 4 / 29 - 18:43     

شاركت الرياح العاتية كما الرفض العاتي الجماهيري الابرز بتهاوى صور واصنام لمرشحين فاسدين، سمحت لهم غفلة الزمن من الظروف الوضيعة والرجعية والطائفية التي هي عنوان العملية السياسية... بابراز مواهبهم القومية الطائفية التي احتلوها ويسر لهم ذلك. وعبرت تلك الشحصيات عن عدم اهليتها وتاثيرهم بالمجتمع، رغم ان تلك المصادفات اثرت في مستقبل الشعب وفتحت الباب واسعا لصبغه بصبغه دونية طائفية قبلية.
ان الحادث الانتخابي في العراق هو حلقه من مسلسل التطور السياسي في العراق والتي لم تهيء ثمار لنفس العملية السياسية ذاتها، وباتت بلا مستقبل. لذلك هي ترتدي المدنية وتغير جلدها بعيدا عن الحدث الاجتماعي المتقدم عليها. كما يقول هيجل.. مثل بومة منيرفا لاتبدأ طيرانها الا بعد ان تكون ظلال الغسق قد خيمت على الكون... انهم كمية مهملة وليس نتاج نشاط اجتماعي لذلك فقدوا الارادة الطائفية الفاسدة والمحاصصاتية امام ارادة الجماهير.
ان الشروط التاريخية العامة اقوى من الافراد الاقوياء التي لم تضعهم الاحداث تلقائيا بل جبريا وفوقيا، مما افادهم الحضور الاجتماعي والمواجهة. لقد عبرت الناس بشكل عشوائي كما شهد من خلال الواقع العيني الرفض وتمزيق وسقوط الصور والعبث بالناخبيين، وهذا ينم عن تمرد هائل ورفض رغم كل المناشدات التي خفت صوتها ومن دون وضوح، الدينية منها والاصلاحية والمروجيين الجدد. ان الانتخابات هي محاولة للجم الاعتراض ونموه من قبل الفئات (الملعونة) من العشوائيات والعاطلين ومدن البؤس، ومن الحفاة الذين ابعدوا عن عملية الانتاج وبالتالي عن الحياة. اذ ان انعكاس الاقتصادي السياسي واضح بملامح البؤساء بسبب ذات العملية الفاسدة التي تلفظ انفاسها الاخيرة من وجهة نظر وحاجات تلك الجماهير المنتشرة بالمدن.
لم تستطيع اي شخصية موهوبة ومؤسسة دينية او ديمقراطية نشأت من خلال العملية السياسية وتعملقت ان تلعب دورا اجتماعيا كما كانت، اذ لم تعد هناك شروط اجتماعية مطابقة وملائمة لنموهم. اذ ان السياق العام وقوى الرفض لم يسمح لهم ان يكونوا مؤثرين بالاحداث. من هنا الخوف والاختباء وتغيير العناويين لقوى الاسلام السياسي وكذلك تبادل التسقيط وخاصة بصفوف المدنيين ومن النساء خاصة، كمحاولة للعودة الى نفس السياق الطائفي واعادة تاثيرهم بالاحداث. وايضا الهجمة على الشيوعيين والعلمانيين هي تصب في نفس هذا السياق الاجتماعي ومحاولة تخريف التاريخ والاحداث ووضعها بقالب خرافي لايتغير الا بارادتهم. نسنتج من ذلك انه لايوجد عظيم او زعيم (ان يؤثر بالمجتمع مالم يكن مؤاتيا له ومالم تكن الاوقات يانعة تمكنه من ذلك... بليخانوف). أن التاريخ ليس له صانع او رجل فوق البشر. ان التاريخ هو صراع طبقات وعصر الجماهير، عصر الفكر، وان الجميع مدعوون كلهم ليحولوا الوعد الى حقيقة وان للافكار اجنحة. انه عصر الارادة الجماهيرية وليس الجبرية وجربت الناس بما يكفي من العوز والخوف والحروب، وحان الوقت لتقول كلمتها عبر اي شكل سياسي او رفض يعبر عن مزاجهم الذي ولدته الحياة الفعلية وحاجاتها الفعلية وليس التاملية والتجريد والوعود المزيفة.
ان تشكيل الوعي كشكل سياسي مجالسي ديمقراطي هو الحل بدلا من الدولة المثالية والعميقة والتوافقية والمكوناتية. انها اشكال برجوازية للابقاء على الربح والفائض بيد اقلية تعتاش على الريع وتستخدمنا كعبيد ضد بعضنا البعض.
ان الثروة التي يستولي عليها الفاشيون والديمقراطيون بالعراق القديم والجديد هي الغاية ولاتوجد لدينا ادنى ذرة شك في ذلك. اننا كعمال وكطبقة من المعدمين ومن خلال تنظيماتنا وادبنا ورؤيتنا نرفض هذه الاشكال النهابة، مهما كانت شعاراتهم اذ هي من حيث المحتوى لاتمثلنا بل تزجنا لتحقيق مطالبها. كما الحرب فالنصر او الهزيمة هي صراع بين كواسر ووحوش يستخدموننا ليحققوا استبدادهم وليقووا وضعهم الاجتماعي من خلالنا. والضحية سواء انهزموا او انتصروا عمال المدن وكادحيها ومحروميها.
دائما الفقراء هم الوسيلة لتحقيق غاية الرفاه وراحة الزعماء والقاده وشيوخ الدين والقبائل. لقد كانت القوى العالمية وتغيير الخارطة السياسية العالمية هي التي ابقت هؤلاء الوضعاء الرجعيين وشعاراتهم الوهمية الوطنية والطائفية الضيقة وحمتهم من اي انتفاضة وتشابك، ووزعت الفاشيات بمناطق النفوذ حيث لا دولة الا خارج الدولة التي تمثلت بالطائفية ونمو المليشيات والعصابات، وتقاليد القبائل والقيم الذكورية من خلال التوزيع السياسي اعلاميا كان او تربويا او اقتصاديا وبنكيا. وسارعت الامبريالية ايضا وشركاتها النفطية ومؤسساتها الاقتصادية من خلال قواها الوطنية البرجوازية لتامين مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، حيث لا طريق للجموع تلك سوى الانتماء للقدر وقواه المادية المليشياتية المعبرة عنه ايدلوجيا، لحماية وجودها والحصول على فتاتها من الريع عبر ذلك الانتماء. وعندما نفضت تلك القوى رؤيتها وبرامجها عبر سلسلة الاحداث، لم تستطيع القفز على المستقبل بل ضللت ونزعت جلدها وغيرت عناوين حركاتها السياسية التي ضحى الشباب في سبيلها بمواجهة الديكتاتورية، حتى فرز الواقع الطبقي اوهام واكاذيب واحلام تلك القوى المثالية والاخلاقية وغطت وسمنت من خلال السطو على اموال الجماهير وعملها ومصانعها. وتربت الجماهير بالساحات ومن خلال الانفتاح الذي كان طريقا ومحاوله لنشر زيف الديمقراطية، تحول بشكل عكسي لفضح هؤلاء وبلورت وعي جيل رافض جديد. انها عاصفه جماهيرية لا تتغيير بتغير المناخ بل بالطبيعة الاجتماعية للعملية السياسية التي لفظت انفاسها الاخيرة.