شيء عن الإسلام في البحرين - مذهب اللا مذهبية


موسى راكان موسى
2018 / 4 / 27 - 02:43     



الإسلام المشهور عبارة عن ثلاث مراتب : رتبة الإسلام و أركانها خمس ، و رتبة الإيمان و أركانها ست ، و رتبة الإحسان التي تختزل في مقولة (( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فهو يراك )) . و أشهر تيارين في الإسلام المشهور تيار السنة و مدارسه المشهورة أربع هي الشافعية و الحنفية و المالكية و الحنبلية ، و تيار الشيعة و مدارسه المشهورة أثنتان هما الإخبارية و الأصولية ــ هذا هو الإسلام المشهور بإختصار شديد .



في الإسلام المشهور المدرسة واضحة (أي الإلتزام بالمذهب) ، و هذا الإلتزام يعزز من مكانة رجال الدين ، كمكانة شبه متوارثة ، شبه عائلية ؛ من السهل ملاحظة الطابع الوراثي العائلي لمكانة رجل الدين في هذا الإسلام ، كما يسهل ملاحظة كيف أن هذا النوع من الإلتزام يضمن شكلا من أشكال إحتكار الرعايا أو التابعين ــ هذا الإحتكار كان يعتمل ضمن شروط معيّنة أنتفت مع تطوّر التكنولوجيا و التواصل [العالمية التي نحن فيها] ؛ من هذه الشروط العزلة التواصلية [صعوبة المواصلات و الإتصالات] و إحتكار المعارف [التي تملكها عوائل ذات مستوى إجتماعي معيّن] .


البحرين عرفت من المذاهب السنية المشهورة أثنان هما المالكية و الشافعية ، و الشيخ راشد المريخي أشار إلى أن المالكية كانت مذهب المقيمين [بمن فيهم آل خليفة العائلة الحاكمة] ، بينما الشافعية فكانت مذهب الوافدين [منهم من تحوّل للتشيع كآل مبارك] ــ إلا أن هذا الوضع المذهبي تغيّر جذريا مع دخول من وصفهم المريخي بالعناصر الغريبة على المجتمع البحريني ؛ الشيخ المريخي أحد أعلام المتصوفة في البحرين [على المذهب المالكي] ، و المعني بالعناصر الغريبة هم الحنابلة و من أشتهروا بمسمى السلفية أو الوهابية .


و كانت الإخبارية الشيعية هي الكفة الراجحة في البحرين ، إلا أن الموازين إختلفت مع قيام الجمهورية الإسلامية في إيران فصارت كفة الأصولية الشيعية هي الراجحة ؛ الأصولية الشيعية مقارنة بالإخبارية الشيعية أكثر عقلانية ، إذا سياسية أكثر ، بالتالي ليس بمستغرب أن تنخرط في مشاريع وحدوية كالوحدة الإسلامية ، أو حتى بتحالفات لا دينية مع غير المسلمين [كما في لبنان] و علمانيين و يساريين [كما في البحرين و سوريا ـ طبعا لا يفوت أن مثل هذا التحالف كان قائم ضد شاه إيران] .



اللا مذهبية في البحرين أخذت شكلين بارزين :



# لا مذهبية دينية في التيار السني / ما عاد يهم نظريا و فعليا مذهب الفرد السني أشافعي أمالكي أو غير ذلك ، بالتالي إنهزّت مكانة رجال دين الإسلام المشهور فصارت مسألة المكانة الدينية مسألة مرهونة بالشعبية المكتسبة لا مجرد وراثة عائلية ، هذا أوجد شكلا من الوحدة في الوسط السني ، وحدة لا مذهبية ــ إلا أن مسألة اللا مذهبية هذه هي مسألة أقرب لأن تكون مسألة صراع إجتماعي محصور فيمن يشغل مكانة رجل الدين ، خصوصا أن اللا مذهبية هذه تفتح آفاق لكل من هب و دب ليكون داعية على الأقل إن لم يكن رجل دين ؛ فاللا مذهبية الدينية في التيار السني تُنشّط عناصر المباشرية و اللا مركزية (لا وساطة و لا مركز) ، بالتالي ليس بغريب أن يمر قطار اللا مذهبية بمحطات ثورية (جهادية) ، فالتغيير لم يكن فقط في (من يشغل مكانة رجل الدين) بل (مكانة رجل الدين) نفسها تعرّضت للتغيير في الوسط السني .


# لا مذهبية سياسية في التيار الشيعي / رغم خسارة الإخبارية الشيعية المكانة و المواقع الإجتماعية لصالح الأصولية الشيعية ، إلا أنها استظلت بالمظلة اللا مذهبية ؛ اللا مذهبية في التيار الشيعي سياسية ، بالتالي طائفية ، فمشروع الوحدة الإسلامية بجانب وضع الآخرين في طوائف يستحضر داخله الطوائف [هو طائفي مع الخارج و الداخل] ــ إذا فاللا مذهبية السياسية في التيار الشيعي تُنشّط عناصر الطائفية و المركزية و الأهم البراجماتية [ليس بغريب أن تصير طهران المحرك السياسي للتيار الشيعي في مختلف الجغرافيا] ، لذا فمسألة اللا مذهبية هذه هي أقرب لأن تكون مسألة صراع سياسي ، و رغم تمظهر الصراع كصراع طائفي مع السنة إلا أنه في حقيقته صراع سياسي مع أصحاب القرار في البحرين .





هذين هما شكلا اللا مذهبية الأبرز في البحرين ، لا مذهبية دينية في التيار السني و لا مذهبية سياسية في التيار الشيعي ، و لحسن الحظ [ربما] فوّت الإخوان المسلمين في البحرين على أنفسهم فرصة تبني لا مذهبية سياسية بجانب لا مذهبيتهم الدينية ، على عكس نظرائهم خارج البحرين ــ و ما الإسلام الجديد إلا هذه اللا مذهبية .



ملاحظة : قد يُرى في مسألة اللا مذهبية السياسية في التيار الشيعي أنها منافية لمسألة ولاية الفقيه ، إلا أن هذا النفي يزول مع فهم الأصولية الشيعية ــ الأصولية الشيعية تستند على ما يُسمى (( علم أصول الفقه )) و هذا (( العلم )) نتاج السنة [و هي نقطة يستعملها بعض الإخباريين في نبز الأصولية] ؛ فعلى الأقل نظريا ولاية الفقيه ليست شيعية صرف ، أما سياسيا فلا مذهبية ولاية الفقيه لا تعني أنها لا طائفية ، بل هي في السياسة لا يمكن أن تكون لا طائفية .